مقالات

المنطقة بعد المصالحة بين إريتريا وإثيوبيا .. تغيرات جيوسياسية قد تُوجد محاوراً إقليمية جديدة! بقلم/ ياسين محمد عبدالله

3-Aug-2018

عدوليس

لا يمكن النظر للمصالحة بين إريتريا وإثيوبيا بمعزل عن بعض التطورات التي شهدتها المنطقة والعالم في السنوات الأخيرة، فهي ما كانت لتتم، في هذا التوقيت وبتلك السرعة، لو لا حرب اليمن، الخلاف الجيبوتي – الإماراتي، التشدد الأمريكي والإسرائيلي تجاه إيران، الخلاف بين قطر والدول الأربع، المنافسة الإماراتية والأمريكية مع الصين وأخيراً لو لا التغيير في تركيبة وأوليات الحكم في إثيوبيا. وإذا اتفقنا بأن المصالحة بين البلدين تمت بسبب تلك العوامل فهي يمكن أن تفضي إلى تغييرات جيوسياسية بجعلها منطقة القرن الإفريقي أكثر ارتباطاً أمنياً واقتصادياً بدول الخليج وجلبها لاعبين جدد إلى البحر الأحمر وبالتالي تغيير موازيين القوة الإقليمية؛ خصوصاً بين دول الخليج وإيران، بين مصر وإثيوبيا، بين السودان وكل من إريتريا وإثيوبيا.

قد تكون زيارة الرئيس المصري إلى السودان قبل عدة أيام سببها القلق المشترك للبلدين من التغيرات المحتملة بسبب هذه المصالحة بينما تعبر رسالة عممها وزير الخارجية الجيبوتي إلى سفراء بلاده تناولتها مؤخراً نشرة انديان أوشن، عن القلق من الخسائر المادية والسياسية التي ستلحق بهذا البلد جراءها. وتأتي زيارة رئيس الصومال إلى أسمرا واتفاق البلدين على إقامة علاقات دبلوماسية وتبادل السفراء لتؤكد على أن المصالحة الإثيوبية – الإريترية إنما هي جزء من ترتيب إقليمي أوسع.
الصفقة والثمن:
لم تدع الإمارات مجالاً للشك في إنها هي الوسيط الأول والراعي لهذه المصالحة من خلال احتفالها برئيسي البلدين ومنحهما أعلى وسام تقلده لزعماء الدول “وسام زايد” جراء إنجازهما المصالحة بين بلديهما. الإمارات قد لا تكون مجرد وسيط أو راع للمصالحة بين البلدين وفقط بل قد تكون أيضاً وكيلة عن آخرين، حركتها همومها الخاصة وهموم حلفائها الإقليميين والدوليين. وغالباً ما يكون ابي أحمد وجد مشروع المصالحة في مكتب سلفه، هيلي ماريام دسالن الذي لم يكن بمقدوره، نظراً لسلطته المحدودة، تمريره. عبر رئيس الوزراء الإثيوبي السابق عن فرحته بتحقيق المصالحة بين بلاده وإريتريا من خلال سفره إلى أسمرا بصحبة وفد شعبي في أول رحلة للخطوط الجوية الإثيوبية بعد المصالحة بين البلدين. وقال دسالن في مقابلة أجرتها معه في أسمرا صحيفة بروفايل الإريترية التي تصدر بالإنجليزية ونشرها موقع وزارة الإعلام الإريترية يوم 25 يوليو، إنه كان يحلم بزيارة أسمرا وعندما سُأل عن حدود التعاون بين البلدين رد قائلاً: السماء. وتحدث عن الفوائد التي يمكن أن يجنيها البلدان من الاستخدام المشترك للشواطئ الإريترية.
المؤكد أن ثمن تلك المصالحة يتجاوز كثيراً ذلك التكريم الرمزي والمليارات التي دفعتها الإمارات لإثيوبيا وتلك التي دفعتها لإريتريا والتي لن يعرف العامة مقدارها فالمسائل المالية في إريتريا تدار سراً منذ نيلها استقلالها في 1993.
ستدر التجارة الحدودية مع إثيوبيا واستخدام الأخيرة مينائي عصب ومصوع، على إريتريا مئات ملايين الدولارات سنوياً كما ستستفيد إريتريا من الطاقة الإثيوبية الرخيصة ويفترض أن يتراجع صرفها على بند الدفاع في ميزانيتها. سياسياً ستسهم هذه المصالحة في فك عزلة النظام الإريتري بشكل إقليمياً ودولياً؛ وسترفع عنه العقوبات الدولية ويسترد عضويته الإيغاد.
وستستفيد إثيوبيا اقتصادياً من تدفق الاستثمارات الخليجية ومن استخدامها مينائي إريتريا، من خلال تقليل تكلفة النقل والرسوم والحصول على قدرة أكبر على مساومة مع جيبوتي وغالباً ما تكون هناك فوائداً أخرى تعمدت الأطراف المعنية الاحتفاظ بها سراً.
لكن ماذا ستستفيد الإمارات وحلفاؤها من المصالحة بين البلدين؟
للإمارات أسبابها الخاصة لتتصدى دون شركائها الآخرين لمهمة تحقيق المصالحة بين البلدين ولتدفع علناً بعض تكلفتها المالية. فهي لها مصلحة تجارية في أن تتحول إثيوبيا، ولو جزئياً، عن استخدام ميناء جيبوتي وتستخدم مينائي إرتريا، عصب ومصوع اللذين تعمل على إعادة تأهيلهما كما إنها هنا ترد الصاع لجيبوتي التي استولت على حصتها البالغة 30% في محطة حاويات دوراليه التي تعد الأكبر في المنطقة.
وقد تهدف الإمارات والسعودية إلى تهدئة مخاوف البعض في الغرب وإسرائيل إزاء تواجدهما في الساحل الغربي للبحر الأحمر من خلال إعطاء إثيوبيا دوراً في هذا البحر يتجاوز الاستفادة التجارية منه.
كتب هيرمان كوهين مساعد وزير الخارجية الأمريكي بين 1989 وإلى 1993، في مدونته بتاريخ 25 ديسمبر 2015، أي بعد أشهر قليلة من بدء الإمارات استخدام ميناء عصب، مقالاً عبر فيه عن مخاوفه من سيطرة العرب على البحر الأحمر ودعا من أسماهم بالأحباش في إرتريا وإثيوبيا إلى التصالح واقترح على البلدين، ضمن خطة من عدة نقاط، التفاوض بشكل مشترك مع العرب حول أمن البحر الأحمر. يعتبر كوهين نفسه صديقاً لأسياس أفورقي وقد خاطبه بهذه الصفة في مقابلة أجرتها معه إذاعة صوت أمريكا هو والسفير ديفيد شين في 20 يوليو؛ حيث طلب من أسياس أن يخفف من قبضته على السلطة وأن يثق في الشعب الإريتري الذي يحبه كثيراً. كوهين هذا هو الذي اقترح على أسياس في 1991 إقامة حكومة مشتركة مع الجبهة الثورية الديمقراطية الشعبية الإثيوبية. طرح أسياس الفكرة بدوره على بعض زملائه في قيادة الجبهة الشعبية، كما ذكر مسفن حقوس أحد القيادات التاريخية للجبهة وهو أيضا وزير سابق للدفاع في مقابلة أجرتها معه إذاعة ( sbs) الأسترالية باللغة التقرينية يوم 19 يوليو. قال السيد حقوس أن أسياس طرح عليه الفكرة في فبراير 1991 لكنه سحبها عندما أدرك إنها لا تجد منه قبولاً. فكرة تحصين إريتريا من المؤثرات العربية تجد هوى لدى أسياس وقد يكون صديقه كوهين طرحها عليه مباشرة. من المعروف أن أحد أهم أسباب رفض أمريكا وإسرائيل لاستقلال إريتريا هو خوفهم من أن يتحول البحر الأحمر إلى بحيرة عربية.
قد تكون الإمارات وشركاؤها في الوساطة أرادوا ضم إثيوبيا، بما تمثله من ثقل سكاني، عسكري ودبلوماسي، إلى ترتيبات أمنية في البحر الأحمر تهدف إلى عزل ولجم تأثير إيران، والاستعانة بإثيوبيا في حربهم ضد الإرهاب من خلال تقديم إغراءات لها في ظل حاجة إثيوبيا للدعم المالي والاستثمارات وفي ظل طموح إثيوبي معلن ببناء قوة بحرية.
حسب وكالة رويترز التي نقلت عن إذاعة إثيوبية، قال رئيس الوزراء الإثيوبي الدكتور ابي أحمد في اجتماع له مع كبار قادة الجيش الإثيوبي يوم 2 يونيو أن بلاده بنت القدرة البرية والجوية الأقوى في أفريقيا وإنها ستبني في المستقبل أيضاً قوتها البحرية. جاء هذا الحديث قبل 3 أيام فقط من إعلان اللجنة التنفيذية للحزب الحاكم في إثيوبيا القبول بقرار لجنة ترسيم الحدود الدولية في الخامس من يونيو، مما يجعل الحديث في توقيته يبدو كأنه كان ضمن حجج رئيس الوزراء الإثيوبي لإقناع قادة الجيش بالقرار المشار إليه، القبول بقرار لجنة ترسيم الحدود الدولية سيمكن إثيوبيا من بناء تلك القوة البحرية. علماً بأن لدى إثيوبيا معهداً للتدريب على البحرية يخرج سنوياً 500 دراساً وحيث تتم التدريبات في بحيرة تانا.
امتلاك إثيوبيا لقوة بحرية على البحر الأحمر، إذا تم، سيغير كثيراً من التوازنات في المنطقة وهو سيكون مصدر قلق لدولها خصوصاً؛ السودان، مصر، الصومال وجيبوتي. في الجزء الثاني من هذا المقال سأتناول الآثار المحتملة للتطبيع بين إريتريا وإثيوبيا على دول المنطقة. ماذا يقلق السودان؟ وهل مصر قلقة فعلاً من النتائج المحتملة للمصالحة بين إريتريا وإثيوبيا إم إنها فقط تحاول الاستفادة منها وكسب السودان إلى جانبها في الخلاف مع إثيوبيا حول سد النهضة؟ ماذا ستخسر جيبوتي؟ وما هي تأثيرات المحتملة لهذه المصالحة على الصومال؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى