مقالات

فورتو بداية نهاية الديكتاتورية الإريترية. بقلم/ صلاح ابوراي

21-Jan-2017

عدوليس ـ نقلا عن القدس العربي

منذ ايام قليلة احتفل الشعب الاريتري بمناسبة الذكرى الاولى للعملية الاصلاحية التي قام بها قرابة الـ200 جندي اريتري، ومعهم مسؤولون سياسيون على مستوى الوزراء وحكام اقاليم وقيادات في الحزب الحاكم، في عملية اصلاح سياسي طالبت عبر التلفزيون الرسمي بإجراءات اصلاحية تمثلت في تطبيق الدستور الذي تم اقراره عام 1997، والافراج عن السجناء السياسيين وسجناء الضمير وبسط الديمقراطية والعدالة، وضمان تداول سلمي للسلطة في البلاد. ولم تر تلك المطالب النور وتم اعتقال عدد كبير من السياسيين والعسكريين واستشهاد قائدها علي سعيد حجاي. لم تكن عملية 21 يناير/كانون الثاني 2013 او ما باتت تعرف في الوسط الاريتري بفورتو ـ نسبة لموقع وزارة الاعلام في العاصمة اسمرة الذي تمت السيطرة عليه ويضم مبنى الاذاعة والتلفزيون- الاولى في محاولة الاصلاح السياسي في اسمرة، فقد جرت عدة محاولات منذ ان نالت اريتريا استقلالها عام 1993، فقد كانت اولى المحاولات في مايو/ايار عام 1993، تلتها

محاولة عام 1994 قام بها معاقو حرب التحرير، وكانت اشهر تلك المحاولات عام 2001 التي عرفت بـG15 نسبة لمجموع الوزراء والمسؤولين الكبار الذين كان عددهم خمسة عشر شخصا، قدموا مذكرة الى الرئيس يطالبون باصلاحات سياسية واسعة وتقييم شامل للحرب مع اثيوبيا.
حدث ذلك بعد ان وضعت الحرب اوزارها باتفاقية الجزائر في صيف 2000، وانتهت هذه الخطوة كسابقاتها وما تلاها في فورتو باعتقال مجموعة الخمسة عشر مسؤولا، وطالت الاعتقالات عسكريين وصحافيين واعلاميين واستغلتها الحكومة في تصفية الحسابات مع كل صاحب رأي مخالف او مشكوك في ولائه للديكتاتور، ومنذ ان تم اعتقالهم في سبتمبر/ايلول 2001، لم يعرف مصيرهم حتى اليوم.
وبات يرتبط اسم اريتريا في نشرات الاخبار العالمية، إما بالهجرة الجماعية للشباب لبلادهم الى الدول المجاورة أو الموت في الصحارى، او القنص والقتل على اسوار المعابر والحدود، كما يتم اختطاف الاريتريين وبيع اعضائهم، في العملية المعروفة بعملية الاتجار بالبشر التي يعتبر الايتريون اكثر ضحاياها، أو بغرق ابنائها في البحار – ومأساة لامبدوزا التي غرق فيها اكثر من ثلاثمئة شاب اريتري والتي اعلنت فيها بعض الدول الحداد ونكست فيها الاعلام ليست ببعيدة.
إن النظام الديكتاتوري في اريتريا الذي كان منتوج المركزية العسكرية للعملية التحررية في اريتريا التي استمرت اكثر من ثلاثة عقود افرزت ديكتاتورية سيطرت بحكم الضرورة العسكرية لعملية التحرير وحاجتها للضبط والربط والطاعة وتنفيذ الاوامر والقاء التعليمات ومحاسبة أو حتى تصفية من ابى او اعترض، على اساس لا صوت يعلو فوق صوت البندقية. هذه العملية العسكرية راكمت وكدست سلطة شديدة التمركز كانت في حاجة اليها العملية التحررية، من اجل تسخير جميع الامكانات لالحاق هزيمة ماحقة بالجيش الاثيوبي وتحرير التراب من الاستعمار. لكن في نفس الوقت انتقلت هذه السلطة العسكرية الى الدولة الوليدة ومررت معها سلوكها الذي استمرأت في ممارسته طيلة العقود الثلاثة الماضية، لتصبح اريتريا دولة ديكتاتورية بعيد العملية التحررية، واريتريا ليست استثناء من ديكتاتوريات كهذه المصاحبة للانتصارات العسكرية، فقد شهدناها في فيتنام ونشهد بقاء اثارها الى اليوم في كوبا وكوريا الشمالية وانغولا والجزائر، مما يمنحنا حق القول ان للديكتاتورية منشأ وهو العسكرتارية، وكذلك منتهى وهو النضالات بوسائل غير عسكرية حتى لا نعيد عملية انتاجها من جديد.
إن عملية التحول نحو الديمقراطية تناضل من اجلها قطاعات واسعة من الاريتريين في اماكن وجودهم في المهاجر، منهم من ينضوي تحت تنظيمات سياسية ومنهم من ينشط في منظمات مجتمع المدني، والكثير منهم يمثل الاغلبية الصامتة غير المقتنعة بالعمل السياسي والمدني، ولم تر اي نتائج مرجوة من تلك النشاطات.
إن عملية فورتو، التي نحن بصدد الحديث عنها اليوم، اكدت مجددا كسابقاتها من العمليات الاصلاحية إن مركز التغيير هو الداخل وتحديداً من داخل النظام، ولا تغيير يأتي من الخارج. ولأن عملية التغيير عملية سياسية تراكمية تتولد في لحظة معينة، ولا يمكن استثناء النضال من الخارج في التغيير، الا انه نضال مكمل للمجهود الداخلي ويسرع من وتيرة حدوثه مركز التغيير هو النظام، حقيقة عملية وموضوعية في آن، عملية لأن كل محاولات التغيير السابقة جاءت من كبد النظام بل ومن داخل الحزب الحاكم، حيث قادته كوادرالصف الأول منه، وموضوعية لانه غير متوقع عمليا اي تغيير يمكن حدوثه من خارج البلاد أو من خارج المؤسسة العسكرية الرسمية، لجهة الا قوة عسكرية مؤهلة أو موازية قادرة على الحاق الهزيمة بالجيش الاريتري واسقاط النظام واحداث التغيير الجذري الذي تزعمه بعض القوى المعارضة.
فورتو نقحت مجددا اللوائح السياسية للتنظيمات الارترية ومررت بندا مهما يعيد تعريف النظام في اسمرة على انه الرهان الوحيد للتغير، لما بداخله من قوى وطنية ديمقراطية تناضل من اجل دولة القانون والعدالة المساواة، وان الرئيس وثلة من اتباعه هم اعداء الشعب الاريتري وليس النظام برمته. كما أوعزت فورتو للمعارضة ان تحصر نضالاتها ضد الديكتاتورية لتوسيع ارادة التغيير من الداخل، وزيادة التململ والرفض من أجل خلق المناخ لتوليد اللحظة الفارقة عبر وسائل الاتصال الجماهيري، خاصة الراديو والانترنت، او الاتصال المباشر هاتفـــيا بالافراد في الداخل، واخيرا تؤكد فورتو انه لطالما حددنا موقع التغيير هو العاصمة اسمرة، فان المهام الملقـــــاة على عاتقنا هي التواصل مع الداخل للتحريض وتكميل نضالاتهم، فليس من الضروري في شيء هدر الوقت في الاجتهاد، في ما اذا كانت استضافة اثيـــوبيا للمعارضة الاريترية تأتي في سياق الصراع الجيوبولتــيك، أم من اجل بسط الديمقراطية في اريتريا، أم لتقويض الدولة الاريترية..الخ؟ وبالعموم نخلص الى القول ان اي مجهود لا يسهم ويتواصل مع الداخل من اجل اللحظة الحاسمة والحتمية هو مجهود سائب ومهدور ويحتاج الى المراجعة والتصويب.
* نشر في القدس العربي بتاريخ 17 فبراير 2014م

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى