مقالات

ورحل عاشق إريتريا! بقلم/ يوسف عبدالرحمن

6-Apr-2018

عدوليس ـ نقلا عن الأنباء الكويتية

غيّب الموتُ أخي وأستاذي ورفيق دربي إبراهيم إسماعيل ميشيشو وووري جثمانه الطاهر الثرى يوم الجمعة 1 جمادى الآخرة 1439هـ الموافق 16 فبراير 2018 الساعة الرابعة عصرا في مقابر الشهداء في العاصمة أسمرة بحضور عدد من محبيه والمسؤولين في الحكومة والجبهة الشعبية والمواطنين، وقد أقيمت له مراسم عزاء في سفارات إريتريا في أكثر من مكان منها المملكة العربية السعودية والكويت وقطر، وقد دُفن في مقابر الشهداء بناء على وصيته، وقد حضرته الوفاة وفارق الحياة في يوم الخميس 29 جمادى الأولى 1439هـ الموافق 15 فبراير 2018 وجاءته الوفاة في منزله بالعاصمة الإريترية أسمرة التي كان يعشقها ويتغنى بها دائما.

لقد صارع المرض أستاذنا إبراهيم إسماعيل لمدة سنتين منذ الأعوام 2016-2018 وقد تلقى العلاج في السودان ومصر والكويت.
وراء هذا الرمز الإريتري الماجد زوجة عظيمة هي أختنا هاجر أحمد علوي – أم سيف – والتي وقفت معه طوال فترة (حراكه الشبابي)، وله منها أربعة أبناء: (محمد – سيف الدين – حواء – أمل) وقد حرص على تعليمهم الجامعي وكلهم مواليد الكويت، ما عدا (محمد) من مواليد إريتريا.والمناضل إبراهيم إسماعيل ميشيشو من مواليد إقليم صنعفي – قرية طيشا – سويرا عام 1940، وكان والده العم إسماعيل ميشيشو يعمل بالزراعة، ووالدته حواء عوري أحمد من حرصت على تغذيته بالوطنية حتى صار أحد رموزها الأعلام في إريتريا والقرن الأفريقي.
وأستاذنا إبراهيم إسماعيل – رحمه الله – ختم القرآن وتدرج في المدارس الابتدائية والمتوسطة في قريته صنعفي وأكمل دراسته الثانوية.
التحق بالعمل مبكرا في سن السابعة لدى (الارسالية الاميركية) في العاصمة أسمرة كمترجم للغة العربية والإنجليزية والتجرينية وكان يقيم مع إحدى العائلات الأميركية (مستر مهافي) في هذه الإرسالية التبشيرية، واعتبرته الأسرة أحد أفرادها ولهذا لُقبّ بالأمريكاني!في 1959 انضم إلى حركة تحرير إريتريا وعمره لم يتجاوز التاسعة عشرة منذ بداية ظهورها.تقلد في بداية حياته العديد من المناصب واضطر إلى التنقل ما بين السودان ومصر، واستقر في مكتب حركة تحرير إريتريا في مصر عام 1965.
وكان من أكثر الأعضاء نشاطا في وحدة الحركة مع قوات التحرير الشعبية أيام النضال والحراك السياسي ورافق الزعماء التاريخيين إبراهيم سلطان وعثمان سبي ومحمد سعيد ناود وعثمان قلايدوس وأحمد ناصر وعبدالله إدريس وغيرهم الكثير.
انتخب في المؤتمر الأول لقوات التحرير الشعبية عضوا في المجلس المركزي، وتقلد مناصب مختلفة في التنظيمات الاريترية النشطة ايام الحراك السياسي المتصاعد نحو الثورة حتى صار ممثلا لقوات التحرير الشعبية في الكويت.
عمل في الكويت من عام 1977 حتى 1990 وكون خلال فترة عمله في الكويت علاقات طيبة ومباشرة مع سمو الأمير الوالد الشيخ سعد العبدالله ومع صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الاحمد – الذي كان يشغل منصب وزير الخارجية حينذاك ـ ومع الشيخ عبدالله النوري، رحمه الله، ووزير الصحة الأسبق د.عبدالرحمن العوضي، والعم يوسف جاسم الحجي منذ كان وكيلا لوزارة الصحة ثم وزيرا للأوقاف ثم رئيسا للهيئة الخيرية الاسلامية العالمية، والعم عبدالله العلي المطوع، والأخ خالد السلطان يوم كان رئيسا لجمعية احياء التراث الاسلامي.
كان يشيد دائما بأدوار الكويت في دعم الثورة الإريترية ويعتبر صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الاحمد النصير الأول لها والذي طرحها في المحافل الدولية، وكان يعمل على أن يؤلف كتابا عن مرحلة عمله في الكويت ويشيد بأدوار وزارة الخارجية، لأن الكويت قدمت لإريتريا غير الدعم السياسي كثيرا من المساعدات والخدمات مثل التعليم المجاني في المدارس والجامعات، وأيضا العلاج الطبي المجاني، والإقامات الميسرة، ما جعل الاريتري يعيش في الكويت وقد ذللت له جميع الصعوبات والمعوقات، وكان يقول لأبنائه والمقربين منه وأنا منهم إن ما قدمته دولة الكويت لإريتريا لم تقدمه دولة أخرى.
عمل في إريتريا والعاصمة أسمرة التي أحبها كثيرا وكانت عشقه الدائم رئيسا لمجلس الآباء في مدرسة الأمل العربية النموذجية في أسمرة وهي مدرسة الجالية العربية، وعمل كمدير في دار الإفتاء في العاصمة أسمرة.
صدر في إحدى المرات قرار بتعيينه مستشارا في سفارة إريتريا في جمهورية اليمن إلا أنه لم يطبق.
كان بعيدا كل البعد عن الأفكار الهدامة والنعرات القبلية وله علاقات متوازنة مع كل (الحركيين) في التوجهات الإريترية.
من أصدقائه عثمان سبي، محمد سعيد ناود، ياسين عقدا، عمر البرج، عثمان صالح دندن، علي برحتو، احمد سويرا، طه محمد نور، جابر صالح، نافع وسلم كردي.عاد إلى إريتريا فور نيلها الاستقلال للمشاركة في إعمارها وكان أحب مكان له في أسمرة (النادي الإيطالي)، حيث يمارس رياضة البلياردو، وكنت معه في حالة من (النقاش) والتشاور حول عودته خوفا عليه من الزج في السجون والتي جربها اكثر من مرة وكان على الدوام شجاعا لا يجفل ولا يخاف.
ومضة: رافقته بالسفر وسعدت بصحبته وتعلمت منه أشياء كثيرة، إنسان شفاف لا يحمل كراهية ولا حقد لأحد، ولا يغتاب ومتفائل دائما، وتعلو محياه ابتسامة عجيبة ساحرة تعطيك الأمان، ورغم ضخامة جسمه إلا أنه يملك أطيب قلب وأهدأ نفس وأنقى ضمير وأغلى روح.
كنت أمازحه أحيانا أنت بومحمد: أمريكاني جمهوري أم ديموقراطي!
كان يكره الظهور رغم أنه رمز إريتري له تاريخ حافل بالبطولات وسجل مليء بالإنجازات، هو واحد من جيل الأبطال الكبار.
آخر الكلام: هناك حاجة دائمة لمعرفة التاريخ، وكل أمة وأجيال مدعوة لمعرفة تاريخها القريب أو البعيد لأنها بهذه المعرفة تجعل من ماضيها واعظا يجنبها الزلل وحافزا يدفعها للمضي في الطريق لتبلغ الغاية وهذا ما فعله الأخ المجاهد الكبير أستاذنا إبراهيم إسماعيل ميشيشو بتاريخه النضالي، وهو بالفعل احد أبطال إريتريا النجباء الذين ما وهنوا للحظة وكان هدفهم دائما تحرير إريتريا وجعلها دائما في قلوب الأجيال الإريترية وحفظ تاريخ الآباء والأجداد وما قامت في إريتريا من ممالك وحضارات.
زبدة الح?ي: رحلت يا أستاذ إبراهيم إسماعيل وقد دفعت (مهر الحرية) التي نشدها رمزك حامد إدريس عواتي وخلدها في الأدب الإريتري الشاعر الجهبذ كجراي:
“أغلى ما أملك يا قلبي
مهـر لعيــون الحرية
لبلادي في درب الأحرار
تدك جدار الفاشية
من أجل العزة يا شعبي
تلد الأبطال إريترية”.
وعد صادق إن كان لي في الحياة نصيب أن أزور قبرك الطاهر ويالجلال الموقف ويالروعة المكان في مقبرة الشهداء وأنت منهم، وسأعمل على ذكرك مادامت تتراءى لي في الأفق البعيد (أسمرة) التي أحببتها مثلك وسأصلي هناك وابني لي مسجدا وأنت تذكرني دائما وإخوانك رموز وأبطال إريتريا ولسان حالنا جميعا يقول للعالم ويخاطب الدنيا:
“قد بعثنا للناس شعثا وغبرا
كالقضاء لمحتوم في الأحقاب
حين بعنا رؤوسنا يوم بدر
واشترينا الرضوان في الأحزاب”.
اللهم اغفر وارحم واعف وأكرم نزل أستاذنا وحبيبنا ووالدنا المناضل المجاهد إبراهيم إسماعيل ميشيشو – اللهم وسع مدخله واغسله بالماء والثلج والبرد ونقه من الذنوب كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس – اللهم يمن كتابه وهون حسابه ولين ترابه وألهمه حسن الجواب وطيب أثره وأكرم مثواه واجعل الجنة مستقره ومأواه.
أيها الإريتريون في مشارق الأرض ومغاربها يحق لكم أن تفخروا بكل رموزكم الثورية التي لها تاريخ وهذا واحد منهم ينحني له التاريخ احتراما وكلماتي وسطوري لا ترقى للوصول إلى قامته فإلى رحمة الله يا أعز الناس.
* الصورة للكاتب مع الراحل إبراهيم إسماعيل الشهير بـ أمركاني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى