مقالات

عبد الله إدريس .. إيقونة المقاومة الإرترية الذي مضى: عبد الله محمود*

13-May-2011

المركز

عبد الله إدريس .. إسم ما أن يجري على لسان أحد حتى تنفرج أسارير محبيه وهم غالب أبناء الشعب الإرتري التواق دوماً للحرية والاستقرار .. وبالمقابل ترتعد فرائص أعداءه وخصومه وهم شرذمة قليلون يريدون أن يسبحوا عكس حركة التاريخ ومسار الأحداث التي تخلص إلى أن لكل ظالم نهاية ولكل طاغية أجل .

كغيري من أبناء جيلي لم يتسن لنا التعرف عن كثب على الزعيم الوطني الراحل عبد الله إدريس ذلك لأن وعينا قد تشكل وجبهة التحرير الإرترية التي كان يقودها الزعيم قد أقصيت من المشهد السياسي والعسكري بفعل فاعل وانسحب البساط من تحت أقدامها نتيجة لجملة من العوامل التي تراوحت بين الداخلي والخارجي .. انسحب البساط حينها لصالح القوة الجاثمة على صدر الشعب الإرتري الآن ، والتي لم تكتف بذلك وإنما بذلت قصارى لتصفيته الجسدية بتدبير محاولة إغتيال فاشلة في الخرطوم في مطلع التسعينيات راح ضحيتها مرافقه .
ورغم عدم معرفتنا بالراحل عن كثب إلا أن سيرته العطرة ملء السمع والبصرو تزين مجالس الإرتريين وتضمخ أماسيهم بأريجها الفواح.. فهو قد التحق بالنضال الإرتري عام 1965 ولم يتجاوز العشرين من عمره .. وأصبح رئيساً لجيش التحرير الإرتري ولم يتجاوز الثلاثين.. و نذر حياته من اجل أن يعيش الشعب الإرتري حياة آمنة مستقرة في ظل وطن يسع الجميع .. وظل يعمل من اجل هذا الهدف النبيل .. عاصر كل مراحل الثورة .. إقبال الرياح عليها وإدبارها ، صعودها وهبوطها ، مدها وجزرها ، انتصاراتها وانكساراتها ،حتى أقعده المرض وجاءت إرادة الغالبة بوفاته يوم 29ابريل 2011م.
إن الموكب الجنائزي الحاشد الذي رافق الفقيد من الخرطوم وعلى امتداد مدن شرق السودان ووسطه والتي خرجت عن بكرة أبيها لإلقاء النظرة الأخيرة على جثمان الراحل فضلاً عن الآلاف التي شيعت الجثمان إلى مثواه الأخير في مقابر الحسن والحسين بكسلا خير شاهد على التفاف الجماهير الإرترية بمختلف ألوان طيفها وتشكيلاتها حول القضية التي مهرها الرجل عمره وحياته والمتمثلة في تحقيق العدل والحرية والاستقرار والسلام في إرتريا وإزاحة الكابوس الجاثم على صدر الشعب الإرتري وكنس العصابة التي تذيقه الأمرين قتلاً وتشريداً.
إن الجموع التي احتشدت في مقابر كسلا وشيعت جثمان الراحل شكلت لوحة رائعة من مختلف ألوان الطيف السياسي والإجتماعي والفكري بما يؤكد أن الزعيم الراحل أكبر من أن تسعه جهة أو يحتويه تنظيم ، وأنه تجاوز الأطر الضيقة إلى فضاء الشعب الإرتري الرحيب ، ليشكل رمزية للنضال وإيقونة من إيقونات المقاومة ضد الظلم والديكتاتورية بما يشحذ عزم الجيل الصاعد للمضي على ذات الدرب الذي خطه الفقيد.
مما لا شك فيه أن تجربة الراحل والتي لا تنفصل عن تجربة جبهة التحرير الإرترية تظل تجربة بشرية يعتريها الخطأ والصواب ، وتخضع لمعايير النقد المعروفة ، ولكن قطعاً لا يختلف الناس في نبل مقاصد التجربة شرف غايتها وأهدافها ، كما لا يختلفون حول نزاهة الراحل وسمو خصاله الإنسانية وطهارة يده ولسانه ورباطة جأشه ، وإخلاصه للقضية ، وتفانيه ونكران ذاته ،وكارزميته وصفاته القيادية ، وجسارته وصموده.
إن الحشود التي تدافعت إلى مقابر الحسن والحسين بكسلا تشكل تكريماً حقيقياً لكل الرموز التي رسمت لوحة الثورة الإرترية وشكلت معالمها وملامحها إبتداءاً من الشهيد حامد إدريس عواتي وإبراهيم سلطان وادريس محمد ادم وعثمان صالح سبي وغيرهم من الرموز الذين صاغوا تاريخ الشعب الإريتري الحديث.
إن ما يحز في نفس المرء أن الزعيم الوطني عبد الله إدريس الذي أمضى قرابة الخمسين عاماً مناضلاً من أجل استقلال إريتريا وحريتها واستقرارها وأمنها وسيادتها لا يجد شبراً في أرضه يضم جثمانه ليوارى الثرى خارج الوطن على مقربة منه ، ولكن العزاء أن غالبية أبناء شعبه الذين قُضي عليهم بالبقاء خارج وطنهم شاركوا في تشييع جثمانه مؤكدين عزمهم وصمودهم على أن الراية لن تسقط وأن المسيرة ممتدة ،وأن الجذوة ستظل متقدة حتى تتحقق الأهداف التي عاش من أجلها الزعيم الوطني الكبير عبد الله إدريس ورفاقه.
•نشر في صفحة نافذة على القرن الإفريقي-صحيفة الوطن السودانية -13مايو2011م

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى