مقالات

إرتريا بين استغلال ثرواتها وسيف العقوبات الدولية .. بقلم: محجوب الباشا

12-Apr-2012

المركز

نقلت مجلة الإيكونومست البريطانية في تقريرها السنوي عن التنمية الاقتصادية في العالم أن الاقتصاد الإرتري يحرز معدلات نمو عالية بلغت خلال العام الماضي 17% على أقل تقدير. تقول المجلة أن المعدلات الإرترية تعتبر الأعلى في أفريقيا وأن إرتريا تتفوق على دول أخرى عرفت بمعدلات نموها المرتفعة على مستوى العالم في السنوات الاخيرة مثل قطر وغانا. ويعزى هذا التطور الواضح في أداء الاقتصاد الإرتري للاستثمار المتنامي في مجال التعدين في البلاد. كانت إرتريا قد أصدرت في عام 2008 قانوناً جديداً للتعدين يمنح الشركات الأجنبية العديد من المزايا وعلى رأسها تحديد نصيب الحكومة في رأسمال الشركات المستثمرة في هذا المجال بما لا يتجاوز 10% فقط.

وتعتبر النسبة مشجعة جداً إذا ما قورنت ببعض الدول في المنطقة فالسودان مثلاً يطالب بنسبة 60% بينما تطالب مصر بنسبة 50% من قيمة أسهم الشركات الأجنبية العاملة فيهما. يرى بعض المحللين أن نسبة النمو العالية التي حققها الافتصاد الإرتري تعود لحقيقة أن حجم الاقتصاد الأرتري نفسه محدود للغاية لذلك فإن معدلات التنمية فيه تبدو عالية عندما تحسب بالنسبة المئوية. غير أن ذلك لا يقلل من أهمية الانجاز الإرتري خاصة وأنه يحدث في بلد تحكم الحكومة فيه قبضتها على كل مفاصل الاقتصاد ، وكانت تسير أمورها حتى وقت قريب دون ميزانية معتمدة ومعلنة.دفع قانون الاستثمار الجديد عدداً من الشركات الغربية ومن بينها شركات كندية واسترالية وبريطانية للاستفادة من الفرص التي أتيحت لها وبصورة خاصة في مجال استخراج الذهب وغيره من المعادن ، مما ساهم كثيراً في توفير الموارد المالية التي تحتاجها الحكومة الإرترية لتنفيذ برامجها التنموية ومقابلة مصروفاتها الدفاعية. وتشير بعض التقارير إلى أن الحكومة الإرترية استطاعت أن تحرز تقدماً معقولاً في مجال تحقيق عدد من الأهداف التنموية للألفية الثالثة ، وبصفة خاصة في مجالي التعليم والصحة. ومما لا شك فيه أن الحكومة الإرترية تبدو سعيدة بما حققت خاصة وأن هذه المساهمة المقدرة في الاقتصاد جاءت في وقتها تماماً حيث ظلت البلاد تتعرض في السنوات الأخيرة للكثير من الضغوط والعقوبات من جانب المجتمع الدولي ، كما أنها فقدت حليفاً قوياً بسقوط نظام معمر القذافي الذي كان من أكثر الداعمين لبرامجها الاقتصادية والسياسية. غير أنه وبالرغم من تحقيق هذه المعدلات التنموية العالية إلا أن ذلك لا ينعكس بصورة واضحة على حياة المواطن العادي مما عرض الحكومة الإرترية للكثير من الانتقاد خاصة من جانب معارضيها وبعض المحللين الاقتصاديين.يقول منتقدو قانون الاستثمار الإرتري أن يأس الحكومة الإرترية بسبب عزلتها الدولية هو التي جعلها تقبل بهذه النسبة المتواضعة من عائد التعدين في البلاد. وفي الوقت الذي يرى مؤيدو السياسة الحكومية أنها تتسم بالحكمة بسبب الظروف التي تعيشها البلاد والاستهداف الذي تتعرض له ، فإن المعارضين يتهمونها بتبديد ثروات الشعب الإرتري التي تصب في جيوب الشركات الغربية. غير أن بعض المحللين المستقلين يرون أن الحكومة الإرترية استطاعت جذب الاستثمار الأجنبي باتباع هذه السياسة الحكيمة في الوقت الذي عجزت فيه الكثير من الدول الأفريقية عن ذلك ، ويقول هؤلاء أن السياسة الإرترية تمثل ضغطاً على دول المنطقة التي تطالب بنصيب أكبر من الاستثمار في ثرواتها ويشيرون بصفة خاصة لكل من السودان ومصر.ومن التهم التي توجه للحكومة الإرترية كذلك أن قبولها بهذه النسبة المتدنية يأتي على حساب المواطن الإرتري العامل مع شركات التعدين ، ويقول المنتقدون أن معظم العاملين في مناطق التعدين يعملون تحت ظروف صعبة أقرب للسخرة فهم في الغالب من أفراد القوات المسلحة أو من الشباب الذين يقضون الخدمة الوطنية ولا يطالهم من عائدات هذه الاستثمارات الضخمة إلا الفتات. بل إن شركات الخدمات الإرترية العاملة في مواقع التعدين كلها من الشركات المملوكة للحكومة أو الحزب وهي تستخدم أيضاً هذا النوع من العمالة المسخرة ، والمعروف أن الحكومة تسيطر على أهم قطاعات الأقتصاد في البلاد فالشركات والبنوك التابعة للدولة هي التي تتحكم في الاقتصاد الإرتري بصورة كاملة. وتعتمد الحكومة على مصدر دخل آخر هو الضرائب التي تفرضها على المغتربين الإرتريين الذين تقدر أعدادهم بالملايين سواء كانت ضرائب مباشرة تربط عادة بالخدمات التي تقدمها السفارات الإرترية لمواطنيها بالخارج أو غير المباشرة كتلك التي تفرضها البنوك الحكومية على تحويلات المغتربين لأهلهم بالداخل.تواجه الحكومة الإرترية كذلك مشاكل مع المجتمع الدولي الذي يتهمها باستغلال الأموال التي تتحصلها من عمليات التعدين والضرائب على المغتربين الإرتريين لزعزعة الاستقرار في منطقة القرن الأفريقي وبصفة خاصة في الصومال. وبالرغم من أن الحكومة الإرترية تنفي هذه الاتهامات إلا أنها تتعرض للكثير من العقوبات بسببها ، وتتصدر إثيوبيا عادة هذه الاتهامات ضد إرتريا بسبب التوتر القائم بين البلدين منذ عام 1998 بسبب الحرب الحدودية التي استمرت بينهما لثلاث سنوات ولم يفلح اتفاق الجزائر للسلام في تجاوز تداعياتها التي لا زالت مستمرة إلى يومنا هذا. ففي مطلع هذا العام اتهمت إثيوبيا جارتها الشمالية بدعم إحدى حركات تحرير العفر التي قامت بتنفيذ عملية إرهابية داخل الأراضي الإثيوبية راح ضحيتها عدد من السواح الأوربيين ، وجاء رد فعل إثيوبيا في شكل هجوم على ثلاث قواعد عسكرية داخل الأراضي الإرترية في مارس الماضي تقول إثيوبيا أنه يتم فيها تدريب مقاتلي العفر ويجري فيها التخطيط للعمليات الإرهابية ضدها. وكانت كينيا قد استدعت في وقت سابق السفير الإرتري في نيروبي احتجاجاً على ما وصفته بوصول طائرة محملة بالأسلحة من إرتريا دعماً لتنظيم الشباب المجاهدين الذي يخوض حرباً ضد القوات الكينية في جنوب الصومال منذ أكتوبر الماضي.ولعل الأزمة الأكبر التي واجهتها إرتريا مع المجتمع الدولي كانت في العام الماضي عندما اتهمتها إثيوبيا بالعمل على زعزعة الأوضاع الأمنية فيها بمحاولة تفجير مقر الاتحاد الأفريقي خلال انعقاد القمة الأفريقية في يناير من العام الماضي ، وزرع متفجرات في أكبر أسواق أديس أبابا بغرض قتل أكبر عدد من المدنيين وخلق حالة من الذعر والاضطراب في البلاد. نفت الحكومة الإرترية هذه الاتهامات غير أن تقريراً صادراً في وقت لاحق من العام عن فريق المراقبة التابع للأمم المتحدة في الصومال أكد حادثة محاولة تفجير مقر الاتحاد الأفريقي. مثل تقرير فريق المراقبة بداية لعملية دبلوماسية واسعة استطاعت فيها الحكومة الإثيوبية النيل من غريمتها فتمكنت من استصدار قرار من قمة الإيقاد يتهم إرتريا بالسعي لزعزعة الأوضاع في القرن الافريقي ويطالب مجلس الأمن بدراسة الأمر واتخاذ الخطوات المناسبة لوقف إرتريا عند حدها. وبما أن إرتريا كانت أصلاً تحت سطوة العقوبات الدولية بموجب قرار مجلس الأمن رقم 1907 الذي دعا لوقف تصدير السلاح إليها وحظر سفر بعض كبار المسئولين فيها ، فقد كان على المجلس فقط النظر في تشديد العقوبات عليها.عقد مجلس الأمن في ديسمبر 2011 جلساته لبحث الأوضاع في القرن الأفريقي ، وتقدمت دولة القابون بمشروع قرار يدعو لوقف استيراد المعادن من إرتريا ومنعها من تحصيل الضرائب من مغتربيها في الدول الأخرى باعتبار أن النشاطين يمثلان مصدر الدخل الرئيس للحكومة الإرترية. غير أن المشروع ووجه بمعارضة من الصين وروسيا ، ولم تكن الولايات المتحدة متحمسة لبعض فقراته فتم تخفيفه بحيث اكتفت نسخته النهائية التي صدرت تحت الرقم 2023 بإدانة إرتريا لاستخدامها الضريبة التي تفرضها على مغتربيها لتمويل أنشطة تلحق الضرر بدول القرن الأفريقي ، ودعوة الشركات الغربية التي تعمل في مجال التعدين بأن تتحلى باليقظة لضمان عدم استخدام الأموال الناتجة عن عمليات التعدين التي تقوم بها في تهديد استقرار المنطقة.استطاعت إرتريا أن تنفد بجلدها هذه المرة من عقوبات أكثر قسوة ، غير أنها تتوجس مما تصفه بتحيز مجلس الأمن الواضح ضدها على ضوء عدم دعوة الرئيس أسياس أفورقي في الوقت المناسب لتقديم وجهة نظر بلاده خلال تناول مجلس الأمن مؤخراً دور إرتريا في القرن الأفريقي مما جعل الرئيس يعتذر عن حضور جلسات المجلس التي صدر عنها القرار 2023 الذي أشرنا له أعلاه. ولئن تمكنت إرتريا من النجاة هذه المرة فإن ذلك لا يعني بالطبع الفصل الأخير في هذه الرواية ، إذ ليس من المستبعد أن يواصل مجلس الأمن بحث الموضوع مرة بعد أخرى في محاولة لتشديد العقوبات على إرتريا خاصة وأنه يُنظر إليها كأحد المخربين لعملية السلام والاستقرار في الصومال. ولا شك أن العام القادم الذي سيشهد خطوات إيجابية نحو إنهاء الفترة الانتقالية وتكوين حكومة جديدة في الصومال سيضع تصرفات إرتريا هناك تحت المراقبة اللصيقة على ضوء الاهتمام الذي تبديه الدول الكبرى بهذا الأمر. ومن جانبها ، فإن إثيوبيا ستظهر ولا شك حرصاً ومثابرة على مواصلة حربها الدبلوماسية ضد جارتها اللدود ما دام توتر العلاقات بينهما مستمراً. Mahjoub Basha [mahjoub.basha@gmail.com]

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى