مقالات

تونس ومصر ..آثار وتداعيات : عبد الله محمود*

12-Feb-2011

المركز

لا تزال آثار وتداعيات الثورة في تونس ومصر تعتمل وتتفاعل في عدد من دول العالم ،إذ أنها زودت الشعوب بطاقة إضافية ،وحقنتها بروح الثورة بعد طول سكون ، وجعلتها تدرك يقيناً بإمكانية إدخال أبيات الشابي إلى حيز التنزيل والتطبيق ( إذا الشعب يوماً أراد الحياة * فلا بد أن يستجيب القدر-ولا بد لليل أن ينجلي * ولا بد للقيد أن ينكسر ).

وإزاء هذا الحراك المتعاظم نشط البعض في مقايسة الأوضاع في تونس ومصر ومعايرتها بالأوضاع الداخلية في إرتريا ،مقاربة ومفارقة، ليخلصوا إلى نتيجة مفادها إن شعبي مصر وتونس يتفوقان على سائر شعوب المنطقة في نسبة التعليم وتوفر وسائط الاتصال وسهولة التعامل مع التكنولوجيا الحديثة ، ومن ثم فإن ما حدث من اتقاد جذوة الثورة وانقداح شرارتها لا يمكن أن تتكرر في بلدان أخرى.
كما ذهب فريق آخر إلى أن انتصار الثورة الشعبية في تونس ومصر يعتبر انتصار للداعين لإسقاط خيار العمل المسلح والاكتفاء فقط بالعمل السلمي الشعبي .
وفي اعتقادي فإن الطرفين قد فارقوا جادة الصواب بمحاولتهم لتوظيف الأوضاع في تونس ومصر في صراع عدمي دونكيشوتي ، رغم أن واجب الساعة هو أن ندفع جميعاً في اتجاه التغيير الجذري والشامل لبنية الحكم في إرتريا ،كل في جبهته ، وكل بنهجه الذي ارتضاه ،دون تجريم لنهج ، أو تحريم لآخر.
إن انتصار الثورة في تونس ومصر هو انتصار لدعاة التغيير لأنظمة الحكم المهترئة والديكتاتوريات القابضة ، وهو انتصار لكل المناهضين للسياسات الشمولية الباطشة ، فليس من المعقول اصطفاف دعاة التغيير في فريقين على خلفية انتصار نهج الثورة الشعبية في تونس ومصر.فالفريق الأول الذي يرى إن اشتراطات الثورة الشعبية التي حدثت في تونس ومصر غير متوفرة في إرتريا قد جانب الصواب ، فمن المعلوم أنه ليس بالضرورة أن تتطابق ظروف الشعوب لتنهض بالتغيير ، وليس بالضرورة أن تستنسخ الشعوب وسائلها وطرائقها للتغيير ، فالشعب الإريتري على الرغم من عدم توفر الخدمات التعليمية ووسائط الاتصال وعدم توفر خدمات الإنترنت إلا أنه متابع لصيق للحراك التغييري الذي ينتظم دول العالم ، وخير دليل على ذلك الإجراءات الصارمة التي اتخذتها الحكومة الإرترية بالرقابة على مقاهي الإنترنت ، واعتقال عدد من الطلاب على خلفية تداول مقالات وتقارير نشرت في الشبكة العنكبوتية عن الأوضاع في إرتريا ، بالإضافة إلى وضعها ضوابط صارمة على أندية المشاهدة بعدم عرض أخبار الثورة في تونس ومصر وأن جزاء ذلك هو سحب الترخيص الممنوح ، كما أن الفضائية الإرترية وسائر وسائط الإعلام الرسمية قد حظرت نشر أخبار ثورتي تونس ومصر مما يشكل دلالة واضحة على الهلع والذعر الذي ينتظم مسئولي النظام من إمكانية تطبيق النموذج التونسي والمصري في إرتريا.
وطالما توفرت الإرادة للتغيير فليس من المهم الالتزام بذات القوالب التي قامت بها الشعوب الأخرى .ففي إرتريا يعد المذياع الوسيلة الأكثر شعبية على مدار التاريخ ، يأتي بعده التلفاز ،وذلك لقلة التكلفة المادية وعدم توفر خدمات الكهرباء في أرجاء واسعة من البلاد ،فضلاً عن تفاعل الشعب الإرتري مع الرسالة الإذاعية عبر التاريخ ،مما يجعلها تحتفظ بوضعيتها كوسيط إعلامي فاعل ومؤثر .
ورغم أن الرسالة في الإذاعة ،في غالبها الأعم، ليست تفاعلية وإنما رسالة موجهة من طرف إلى آخر ،وذلك للرقابة المفروضة على الاتصالات الهاتفية والرسائل البريدية ، إلا أنه من الممكن التغلب على هذا المشكلة بابتداع وسائل أخرى .
وقوى المعارضة الإرترية تمتلك العديد من المحطات الإذاعية سواء التابعة للتنظيمات ، أو التابعة للتحالف الديمقراطي ، أو الصديقة الموجهة ، فقط المطلوب هو صياغة رسالة إعلامية واضحة الملامح تتجاوز التباينات التنظيمية وتضع نصب عينها الأوضاع في الداخل الإريتري ،مع الحرص على التنسيق بين الإذاعات تفادياً لتقديم رسائل متعارضة تربك الشعب ، كما ينبغي تجنب العراك الإعلامي والتركيز على المشتركات بين قوى المعارضة وصولاً إلى إقناع المتلقي في العمق الإرتري بإمكانية التغيير وأن القوى الباطشة لن تستطيع تسكت صوت الغضب الجماهيري الهادر.
هذه الوسيلة الفاعلة ( المذياع) إذا أحسن استغلالها فإن لديها تأثير كبير على الأوضاع ، وخير شاهد على ذلك تجربة إذاعة الشرق الموجهة بالرغم من قصر فترتها ، إلا أنها استطاعت جذب أكبر قدر من المستمعين المتفاعلين مع رسالتها الإعلامية ، فمن الممكن الاستفادة من هذه التجربة .
وللذين يريدون أن يوظفوا الثورة التونسية والمصرية لصالح تغليب خيار على آخر في إطار الصراع بين قوى المعارضة الإرترية نقول :هذه الخيارات يكمل بعضها بعضا ، فليعمل كل على جبهته ويستفرغ جهده ووسعه لتطوير أدواته وأساليبه وطرائق مقاومته ، وطالما أن الرغبة والإرادة للتغيير متوفرتان لدى الجميع ، فلا يضر أي مسلك سلك ، شريطة احترام الخيارات وعدم الغوص في وحل التجريم والتخوين وغيرها من المسالك التي تعرقل عملية التغيير.
* نشر في صفحة نافذة على القرن الإفريقي – صحيفة الوطن السودانية -11فبراير2011م

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى