مقالات

متاهات وهتافات :حول الهُوية الأرترية – كرار هيابو

21-Jun-2005

كرار

أشبع الدكتور جلال الدين محمد صالح موضوع الهوية الأرترية بحثا وتمحيصا يشكر عليهما ، وقد قرب الصورة من جوانبها العلمية والفكرية ، ولا يسعني في هذا المقام الا تقديم الشكر له ومطالبته بالمزيد.

عندما يتعين على شخص ما من الأرتريين الحديث عن هُويته ، فان الاجابة قطعا تنبع من الخلفيات البيئية التي نشأ فيها ، والموروثات الاجتماعية التي اكتسبها ، وتكون هذه المؤثرات هي السمة الغالبة التي تغلف بها الاجابة عن موضوع الهُوية . والصحيح ان نوصف الناس كما يحبون ان يوصفوا به هم ، وبما يرضونه لانفسهم ، وان نسميهم بما يقبلون به من الاسماء والاوصاف ، ولا ينبغي ان نكرههم على قبول ما نعتقده نحن صحيحا أو صالحا .ان كثير من الشعوب الارترية فقدت سماتها ومميزاتها التاريخية بفعل الاختلاط بشعوب ارترية أخرى ، أو الانصهار فيها ، واكتسابها ثقافاتها ، وقبول دياناتها . وازاء هذه التداخلات ، فاننا لن نستغرب ان وجدنا ان فلانا الذي يتحدث اللغة التيجرنية مثلا ويدين بالمسيحية ، ومتوغل في الثقافة الحبشية ، ترجع اصوله الى قبائل ليس لها علاقة بما هو عليه الآن . والعكس صحيح تماما لبعض الذين يدينون بالاسلام ، ويتحمسون للثقافة الاسلامية ، وهم من صلب قبائل لا تزال تدين بالمسيحية ، حتى ان التراث المتمثل في العادات والتقاليد ، والمأكل لا يخرج عن الثقافة الحبشية . وهو ما يضطر معه المرء على تعريف نفسه بالصيغة التي ذكرها د. جلال الدين حيث أورد {(إسليماي أنا، من عد فلان، وأكان فلان) أو (كستيناي أنا، من عد فلان، وأكان فلان) في التعريف بالذات ( أو كستيناي تـ، أو حبشتاي تُـ، من عد فلان تـُ) في التعريف بالمغاير دينا} في مقاله موضوع الهوية ، الحلقة الثالثة ،الفقرة السابعة , وهذه السمة غالبة اليوم لدى الشعوب التي تحسب على الجانب المسلم دون سواه ، إذ تفضل ان تعرف نفسها في اطار القبيلة والمنطقة , بينما تجاوزه الآخرون من أهل المرتفعات وذهبوا الى أبعد من ذلك حيث باتوا يعتقدون بان الشخصية الوطنية الارترية قد اكتمل بنائها ، وهي الشخصية الحبشية الارترية التي تقابلها الشخصية الحبشية الاثيوبية . ان تقسيم الهوية الارترية الى عربية وأخرى حبشية كما تفضل به د. جلال الدين في قناة الديمقراطية ، هو أمر مهم لكن يظل الأهم منه الثقافة الاسلامية والمسيحية , خاصة وقد بدأت اللغة العربية بالزحف الى الثقافة الحبشية مقابل زحف الأخيرة الى الثقافات الوطنية المختلفة , اذ ان كثير من أبناء الثقافات التي يفترض أن تكون أقرب الى العربية ، يجيدون الحبشية بمفرداتها العربية ، ولا يجيدون العربية كما ينبغي ! وقد ذكر الأستاذ/ محمود لوبينت في حوار فني له في موقع النهضة الالكتروني قبل نحو عامين أو يزيد حول الأغنية العربية في ارتريا حيث قال (… فكلنا لانحسن النطق بها ولا نفرق بين الثاء والسين والصاد ، وبين الدال والضاد ، وبين ز و ذ وظ … وبين الفاء والقاف ) , وهي اشكالية الحروف العربية لدى الكثيرين منا.لقد أدركت الشعوب الحبشية بحقيقة الواقع , واتجهت في بناء شخصيتها الوطنية بمعايير الثقافة التيجرينية ، مقابل تجاهل الآخرون هذه الأهمية ، وركونه على أمجاد ربما تعود ، ان كانت حقيقية ، الى عهود وأزمنة خلت ، فلا هي اليوم عربية تتواصل مع بيئتها وتتفاعل معها ، ولا هي اسلامية تتأصل فيها قيم الثقافة الدينية (الشاب والرجل الكهل) . انها باختصار مركب شعوب لها لغات عديدة ، وثقافات مختلفة , وتقاليد متنوعة ، وتباين عميق , وهي عرضة للاستقطاب الثقافي العربي والحبشي على حد سواء.بدأت مظاهر الاسلام تمدد في احدى مناطق هذه الفئات ، وتنتشر فيها الصحوة الاسلامية بعد أن توجه الكثير من أبنائها الى دراسة العلوم الدينية ، وحين عاد أحدهم بعد أن نهل من العلوم ، أجابت والدته على سؤال النسوة اللائي تطلعن للهدايا (حُـشْـكُلْ من ذُعْ اندي ملأ مطئينا), بأن حصاد غربته ما كانت الا جرابا مليئا بالكتب! وشاب عائد من مخيمات المهاجرين حيا رجلا كهلا أثناء سيره في احدى شوارع المدينة ، وقد تفاجأ هذا الشاب بسيل من الأسئلة الاستنكارية وجهها اليه الرجل حين رأي أن مثل هذا الأسلوب هو خروج عن المألوف وقال بحدة موجها السؤال الى الشاب:{ إنت جنا.. بطر .. ود من إنت؟ اتَيا تأمرني كسلام تبلني؟ (ابن من انت؟ , أين تعرفني حتى تحييني .. الخ من أسلوب التوبيخ على قلة أدبه) ، فرد الشاب مستندا على حديث ’أفشوا السلام‘ قائلا :{ أنا إيأمركاني … وسلام ناي ربيتا كئبو سلام ابيلكا} ، فجن جنون الرجل ، ورد عليه بحدة :{يا وليد… قبيكا اندي طبطبكا إيجيسكا من جبئ … يوم أنا شغلكا جل أرئيكاتو ….} . هذا فضلا عن عدم قدرة كثير من الشعوب المحتملة أن تكون عربية أو ذات ثقافات اسلامية في تجاوز عقدة الحروف الهجائية كما أسلفنا ، وهي باتأكيد اشكالية لها أثرها السلبي على القراءة ، خاصة عندما يتعلق الأمر بالقرءان وتلاوته ، وكذلك الصلاة والدعاء ، هل تنبه أحدكم الى هذه المعضلة التي ربما يعود سببها الى عدم استعداد المتحدث على تمرين لسانه على مخارج الحروف!ان ما تشهده الهوية العربية وثقافتها من انحصار وانكماش ، خاصة في ظل المتغيرات الدولية الراهنة , وبروز قوميات أخرىمن تحت رماد الاضطهاد والاستبداد الذي عاشته هذه القوميات , يجعل المتحمسين لها ينزوون في زوايا آمنة حتى تخفت الشرارة ، وهو ما يجعل للهوية العربية مرسى غير آمن . ان ادعاء الحبشي سائق سيارة الأجرة بلندن ((أمو عرب قانقانا آي خونتن) قد سبقت بعقود إدعاءات الأكراد والتركمان في الشام ، وإدعاء الأمازيق في المغرب العربي وشمال افريقيا ، وكذلك إدعاء أبناء دارفور في غرب السودان ، وعوضا عن أخذ موضوع الهوية بهذه الحدة ، فان من الأفضل تشجيع الناس لينكبوا على التعليم والتحصيل العلمي ، خاصة واننا نرى أن أهل الثقافة الحبشية بدياناتهم المختلفة ، قد تجاوزوا غيرهم في ميادين العلم والمعرفة.أسماء ومعاني:هيابو: عطيةهبتيس/هبتيسوس: عطية اليسوع *تكليس/تكليسوس: نبات اليسوع *تماريام: عطية مريم *قبريس/قبريسوس: عبد اليسوع – عبد المسيح* الاسلام في الحبشة – م . فتحي غيثآخر الهتاف: (أحمد سعد)إني أريد حريتي هويتي جنسيتيhiabu1_k@yahoo.com

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى