مقالات

عن تقرير أمنستي.. الانتهاكات الحقوقية في تيغراي وواجبنا الأخلاقي والسياسي 2/2 بقلم / عبد القادر محمد علي

14-Mar-2021

عدوليس

خارج الدائرة الإريترية :وأود الآن الحديث أيضاً حول رد فعل لافت خارج دائرتنا الإرترية، وهي تغريدات الباحثة في المجلس الأطلسي برونوين بروتون المؤيدة الشرسة للنظام والتي مثلت تغريداتها مؤشراً واضحاً جداً على أنه بات من الصعب الفرار من الاتهامات الموجهة للنظام الإرتري بالاعتصام بالإنكار والتكذيب.

ورغم أنها أكدت في تغريداتها في 27 فبراير أن إرتريا كانت ضحية في السابق لكنها أمام تقرير المفوضية الإثيوبية لحقوق الإنسان المستقلة طالبت بلجنة تحقيق مستقلة وكانت المفوضية أعلنت أن تقرير منظمة العفو الدولية يجب أن يؤخذ “بجدية بالغة”. وأن نتائج تحقيقاتها الأولية تشير إلى أن الجنود الإريتريين قتلوا عددًا غير معروف من المدنيين فيما وصفته بهجوم انتقامي في أكسوم.
لم تكتف برونوين بالمطالبة بلجنة تحقيق مستقلة بل دعت أسمرة إلى التعاون مع التحقيق الذي تجريه المفوضية الإثيوبية لحقوق الإنسان وتقديم الجناة إلى العدالة. ورغم أن برونوين من المدافعين الصلبين عن نظام أسمرة فإنها إزاء طوفان التقارير القادمة من تيغراي اختارت الدعوة إلى تشكيل لجنة تحقيق وهي مفارقة لافتة حين نتذكر الحملة التي قام بها بعض المحسوبين على المعارضين الإرتريين بعد صدور التقرير من محاولات تقويضه والتشكيك به وبالمنظمة التي أصدرته مهملين ومتناسين تماماً آلام الضحايا ومعاناتهم والواجب البديهي بتشكيل لجنة تحقيق نزيهة وشفافة ومحاسبة المتورطين، وهو ما يتفق تماماً مع خطاب وزير إعلام النظام في تغريداته في تويتر حول التقرير.
في حين أن المطالبة بالعدالة هي جوهر النضال ضد نظام أسمرة والحقوق والعدالة لا تتجزأ ولا تُفصل على مقاسات أهوائنا.
مفارقات في تغريدات قبري مسقل :
أما بالنسبة إلى النظام فكان من الطبيعي أن يعمد إلى النفي لكن الملاحظ أنه لم يصدر بيان رسمي عن أي جهة إريترية وتم الاكتفاء بتصريحات وزير الإعلام يماني جبري مسقل الذي عمد إلى التعبير عن غضب إريتريا ورفضها للتقرير واتهم المنظمة بعدم المهنية واستقاء المعلومات من اللاجئين الذين وصفهم بأعضاء الوياني الذين فروا إلى السودان بعد تورطهم في مذبحة ماي خضرا وتسليم وزير الإعلام الإريتري بمجزرة ماي خضرة والجهة التي ارتكبتها يستدعي مفارقة لافتة في نظري لأن منظمة العفو هذه هي أول جهة حقوقية تقصت هذه المجزرة وأصدرت تقريرها عنها واتهمت فيه وفق روايات شهود، كما في تقرير أكسوم، مليشيات تابعة للوياني بارتكاب المجزرة، وهذا يذكرنا بالطبع بالذين أكدوا في الفترة الأخيرة أن الأمنستي تحيزت بسبب انتماءات بعض موظفيها إلى جانب معين وحرضت على المسلمين وهي كلها أقاويل لا تستند إلى أدلة حقيقية وإنما إلى تأويلات مفترضة،
فهل كانت أمنستي في نوفمبر حيادية وبعد 3 أشهر تحيزت إلى جهة ما؟ بل إن تسفها تخلي الذي ورد اسمه في وسائل التواصل الاجتماعي ككاتب للتقرير، دون إثبات، حين سُئل عن مجزرة خضرا في حينه لم ينكر احتمال ارتكاب مليشيات تغراوية للمجزرة!
يماني كذلك عمد إلى محاولة تقويض مصداقية بالاعتماد على سردية المؤامرة المعهودة واعتمد أحياناً على مقالات وتغريدات لآخرين تصب في نفس الاتجاه، ورغم أنه في تغريدة بتاريخ 2 مارس ذكر ولأول مرة أن هناك مشاكل إنسانية واجبة المعالجة ويجب عدم تسييسها لكنه للمفارقة لم يطالب، على عكس برونوين، بلجنة تحقيق مستقلة مثلاً، وهو ما يدل على عمق مخاوف النظام من الإدانة وعلى عمق ورطة النظام غير القادر على الاعتراف بوجوده في تيغراي ابتداء، وبالتالي غير قادر على الدفاع عن جنوده بشكل عملي يتعدى نظريات المؤامرة الممجوجة والمكرورة.
الكلف الإنسانية وكيف نبني المستقبل:
تتبدى أهمية التفكير في الكلف الإنسانية والموقف منها في حقيقة أن هذه الحرب وما يرافقها من انتهاكات، لا التقارير، هي ما تزيد الشروخ وتعمقها بين الشعب الإرتري وشعب تيغراي، ولن يكون هذا مستقبلاً كما يظن البعض بل إن مفاعيل هذه الانتهاكات بدأت الآن بدورة من الانتقام بالاعتداء على اللاجئين الإرتريين في تيغراي.
وفي ظروف أخرى لو تم التفاعل مع هذه التقارير إيجابياً بتشكيل لجان تحقيق وتقديم الجناة إلى العدالة لساهم ذلك في مداواة بعض الندوب المؤلمة التي خلفتها هذه الحرب، ولكان لذلك دور في التخلص من أوزار المراحل السابقة بعداءاتها وحروبها والسعي نحو تشكيل علاقات جديدة بين هذه المجتمعات المتجاورة قائمة على حسن الجوار ومراعاة المصالح والتطلع إلى المستقبل، وهو ما يبدو من الصعوبة بمكان في ظل القيادات الموجودة الآن مع الأسف.
في النهاية أعتقد يقيناً أن الشق المأساوي المتعلق بالكلف البشرية والإجرام ضد المدنيين الأبرياء والموقف من كل هذا هو اختبار حقيقي.. اختبار لإنسانيتنا كبشر بغض النظر عن موقفنا مع دخول حرب أو تغراي أو ضدها مع النظام أو ضده إلى آخر هذه الثنائيات المتضادة، وهي اختبار بشكل أخص لمجتمع المعارضة بتنظيماته وأفراده هذا المجتمع الذي يرفع شعار العدالة وإحقاق الحق كجوهر لنضاله.. والعدالة لا تتجزأ وإحقاق الحق كذلك.. التعاطف مع الضحايا ولجنة تحقيق نزيهة تنصفهم وتقدم الجناة للعدالة هذا هو خلاصة ما أردت الحديث عنه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى