مقالات

إرتريا.. “روما الصغرى” المعزولة عن العالم. بقلم/ يوسف حسني

30-Oct-2017

عدوليس ـ نقلا عن الخليج أون لاين

“هي واحدة من البلدان الأكثر صعوبة في العالم بخصوص الزيارة. التأشيرة صعبة والحصول عليها يستغرق شهوراً من الانتظار، لكنها حقيقية وودودة”، هكذا يصف الرحالة الإيرلندي الشاب وورد جون ريتشارد، إرتريا، الذي تمكن بعد معاناة من الحصول على تأشيرة بثلاثة أيام؛ لزيارة العاصمة وتخومها.وعلى الرغم من مساحة الجمال الكبيرة التي أورثتها الطبيعة بعضه، ومنحها الاستعمار الإيطالي بعضه الآخر، تفتقر هذه الدولة الواقعة في الشرق الإفريقي إلى معرفة الناس بها وبطبيعتها وبعوامل الجذب السياحي فيها؛ بسبب نظامها السياسي، بزعامة الرئيس أسياس أفورقي، المعروف عالمياً بفرض السطوة وسياسة العزل على البلد ذي الأجواء الرائعة والمناطق الخلابة.إرتريا هي دولة أفريقية عاصمتها أسمرة، يتحدث كثير من سكانها العربية، ويحدها البحر الأحمر والمحيط الهندي من الشرق والسودان من الغرب، وتحدها إثيوبيا من الجنوب، وجيبوتي من الجنوب الشرقي.

يمتد الجزء الشمالي الشرقي من البلاد على ساحل البحر الأحمر، مباشرة في مواجهة سواحل السعودية واليمن. وتصل مساحتها إلى 118 ألف كيلومتر مربع، ويصل عدد سكانها إلى 4 ملايين نسمة، وهي تمتلك أجواءً وأرضاً خلابة.
اسمرا:
اسم إرتريا مشتق من التسمية اليونانية للبحر الأحمر (سينوس إرِتريوم)، ويعني البحر الأحمر، وقد أطلق اليونانيون ذلك الاسم على إرتريا في القرن الثالث قبل الميلاد؛ تخليداً لاسم جزيرة في اليونان تحمل اسم إرتريا، وعندما احتل الإيطاليون هذا البلد، أواخر القرن الثامن عشر، أطلقوا عليه اسم إرتريا تجديداً للتسمية القديمة.
وقديماً، أطلق المؤرخون المسلمون على الإقليم أسماء منها بلاد الزيلع وبلاد الجبرته، وقال عنها ابن حوقل: بلاد الإرتريا، وذكر أن بها كثيراً من المسلمين، وعليها ملك عظيم.يمكن وصف هذا البلد بأنه شريط ساحلي يطل على البحر الأحمر، ثلاثة أرباع سكانه من المسلمين، وهو يتحكم في باب المندب من الجهة الغربية، ويتبعه نحو 126 جزيرة أهمها “دهلك” الاستراتيجية، لذلك تعد إرتريا موقعاً هاماً لأنها تتحكم في المدخل الجنوبي من البحر الأحمر.الرحالة الإيرلندي يصف هذا البلد بأنه “سيئ السمعة”، مؤكداً أنه من البلدان الأكثر صعوبة في العالم بخصوص الزيارة؛ فالتأشيرة صعبة والحصول عليها يستغرق شهوراً، إن قُبلت أصلاً، كما يقول.
إذا زرت العاصمة أسمرا فلن تجد عناءً في ملاحظة الطابع الإيطالي الذي يغطي المدينة بأسرها؛ فأسمرا التي تتمدد على هضبة “كبَسا” بارتفاع أكثر من 2300 متر عن سطح البحر، حظيت باهتمام خاص من قبل المستعمر الإيطالي الذي اعتبرها “بيكولا روما”، أي روما الصغرى، وستعزز أنماط البناء والأحياء والشوارع التي لا تزال تحتفظ بأسمائها ونسقها الإيطالي، هذه الحقيقة لديك.- روما الصغرى:
منذ العام 1890، وهو بداية اعتبار إرتريا مستعمرة إيطالية، بدأت تتشكل خصوصية أسمرا بالنسبة للإيطاليين كمدينة أريد لها أن تشبه روما عاصمتهم الأم، وساهم في ذلك اعتدال مناخها، وامتداد تضاريسها المحاطة بالجبال.
النقلة الكبرى في بناء أسمرا الحديثة كانت في طراز “آرت ديكو” الذي اعتمده الإيطاليون في البناء، إذ شهدت بدايات القرن الماضي ثورة في التصميم المعماري اعتمدت على الطابع الاحتفالي الغني بترف التفاصيل، وكانت أسمرا محظوظة بأن أصبحت ساحة مفتوحة لإبداعات المصممين حتى قيل إن الإيطاليين فعلوا في أسمرا ما لم يتمكنوا من فعله في روما.ومرة أخرى كان الحظ إلى جانب أسمرا حين نجت من تبعات الاحتلال الإثيوبي لإرتريا، كما نجت من ويلات الحروب التي استمرت ثلاثين عاماً قبل أن ينال الإرتريون استقلالهم عام 1997.ولا تزال كثير من معالم أسمرا على حالها، فقد سعى الإرتريون للحفاظ على ما اعتبروه الجانب المشرق من الوجود الإيطالي على أراضيهم، فلا تزال أحياء مثل “كزبندا طليان” و”ترافولو”، تحتفظ بأسمائها وطابعها القديم.
كما لا يزال “كمشتاتو”، الشارع الرئيسي في أسمرا، شاهداً على الحقبة الإيطالية، ذلك الشارع الذي كان محظوراً على الإرتريين ارتياده، لكونه كان درة العاصمة وحكراً على المستعمر.ومع تغيير اسمه إلى شارع الحرية، ورث الإرتريون عن الإيطاليين عادة المشي بعد العصر على جانبيه المرصوفين بأشجار النخيل.
وفي وسط الشارع تقريباً تقف شامخة كاتدرائية القديس “جوزيف” للمسيحيين الكاثوليك، وهي تحفة معمارية تختصر جمال العاصمة أسمرا، وغير بعيد منها ترتفع هامَة مئذنة جامع الخلفاء الراشدين شاهدة على مئة عام هي عمر هذا الجامع الذي جاء بصبغة تركية واضحة.
ورغم اشتهار أسمرا بمأكولاتها المحلية مثل “الزغني”، فإن سكانها يفاخرون بجودة مأكولاتهم الإيطالية، وهم دائماً يرددون أن ثاني أفضل “بيتزا” وثاني أفضل “كابتشينو” ستجدهما حتماً في أسمرا.
وأنت تقود حول أسمرا تأكد من توجهك إلى “مقبرة الدبابات”، وهي ليست موجودة في أي كتاب دليلي أو برنامج سياحي؛ حيث تمكنت إرتريا؛ بسبب حروبها المستمرة مع جارتها إثيوبيا، من حشد عدد لا بأس به من مخلفات المدفعية. لم أر قط شيئاً مثل ذلك، يقول جان ريتشارد، في مدونته.
في حدود مسافة ساعتين من أسمرا، أنت حر في السفر بدون أي تصاريح إضافية، ولكن إذا كنت تريد أن تذهب إلى أبعد من ذلك تحتاج إلى التسجيل المسبق وسيتحول إلى كابوس بيروقراطي، كما يقول الرحالة الإيطالي.
– قوحيتو:
على بعد 14 كم جنوب مدينة عسادك (عدي قيح) وعلى بعد متساوٍ تقريباً شمالاً من مدينة صنعفي وقرية كسكسي المشهورة، يقع موقع قوحيتو الأثري، وهي كلمة تعني بلغة الساهو “الصخر”.وتعتبر قوحيتو أقدم وأهم موقع حضاري قديم في إرتريا، وهي واحدة من خمسة مواقع إرترية مسجلة رسمياً في سجلات منظمة يونسكو كإحدى الممتلكات العالمية والإنسانية المهمة.وتقع آثار قوحيتو على قمة هضبة قوحيتو، وذلك على ارتفاع 2600 متر، وتحتوي على عشرات من القطع الأثرية المنوعة، وعلى الصخور والجدران المنحوتة والسدود العتيقة ومخازن المياه.قوحيتو:
وضمن ما تم التعرف عليه في قوحيتو ضريح يطلق عليه السكان المحليون “مصري قبري”، أي إنه ضريح مصري. وتحوي جدران الضريح أشكالاً هندسية منحوتة على هيئة ورود وغيرها من الأشكال، مما يدل على مدى أهمية صاحب هذا الضريح من الناحية الاجتماعية والدينية.هناك أيضاً سد قديم يطلق عليه محلياً “سد صفيرة”، ويصل طوله إلى نحو 60 متراً، ويقدر عمره بألف سنة على الأقل. وبنيت جدران ذلك السد بطوب حجري يصل طول الطوبة إلى 98 سم وعرضها الى 48 سم. وثمة سدود أخرى موجودة حول المنطقة، ولكن سد صفيرة هو الأكثر حظاً في الشهرة حيث ما زال سكان المنطقة ينتفعون منه حتى الآن.
وتجاور قوحيتو مناطق أثرية أخرى مهمة؛ مثل “عوالو قُلبا” في منطقة (حنبا) المشهورة بصخورها المنحوتة التي تصل أبعادها إلى ثلاثة أمتار في العمق واثني عشر متراً في الطول. ويوجد على ظهر تلك الصخور منحوتات جميلة بألوانها الحمراء والبيضاء والسوداء.
– نقفة:
هي مدينة في شمال إرتريا، وسميت بها العملة المحلية (النقفة)، وكانت مدينة نقفة بمثابة قاعدة للجبهة الشعبية لتحرير إرتريا، خلال حرب إرتريا وإثيوبيا، وخلال الحرب، تعرضت المدينة لهجمات مدمرة أتت عليها تقريباً، عدا مسجدها الذي صمد أمام الغارات، وقد أعيد الآن بناء المدينة مرة أخرى، وحفرت عدة خنادق تحت أرضها.
وإلى جانب ما سبق يمكن للسائح الاستمتاع بالمرور في معبر كرن شمال وغرب البلاد، وكذلك منطقة عيلا برعد التي يسمونها درة الأرض الزراعية، فضلاً عن محميات الطيور والبحيرات الصناعية.
في إرتريا حيث مناطق يتمتع بها الهواة بالتسلق على الجبال، والمناطق الجبلية حيث التين الشوكي، وفرص عمل ورزق، فكانت السياحة ترياقاً لوقف نزيف الهجرة إلى المدن، ثم الطريق الشرقي توضح لك مدى قوة الإرادة للأوائل في تطويع الحجر من المستحيل إلى الممكن، وثم تعرجات الطرق تدهشك وتدخل في نفسك الإعجاب بتلك السواعد التي بنت هذا الإرث التاريخي.وفي الجبال توجد السياحة الدينية القديمة، وجانب الحياة البرية حيث الأشجار المدارية وقرود البابون التي تشاكس المارة مقابل بعض الهدايا. وهناك أيضاً (مصوع)، حيث ينابيع (مايوع) العلاجية، وحيث قرى: نفيس، وكنده، وكوندول، ثم مدينة بندة حيث المناخ المتوسط، وهي تقع بين مرتفعات ومنخفضات، وتتمتع بالمناخ غير البارد والمطاعم الإيطالية والمحلية.وفي مصوع أيضاً يمكنك رؤية “معبر الصحابة” إلى الحبشة في “رأس مدر”. وفي إرتريا عدد لا بأس به من الفنادق الرائعة ومنها: فندق أسمر، فندي دهلك، فندق كريستال، فندق ميديان، فندق كريستال.
ولا تتوفر إحصائيات رسمية دقيقة يمكن من خلالها الوقوف على حجم السياحة في إرتريا ولا حجم الدخل الذي توفره، بالنظر إلى سيطرة الحزب الحاكم على كل هذه الأمور.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى