مقالات

مناضل يكتب عن فقد مناضل

12-Nov-2014

عدوليس ـ ملبورن ـ

من المحرر: (20 ) ونيف ومازال الشعب الإريتري ينزف .. فقد ثرواته ، إستقراره .. آماله ، ويفقد كل يوم واحد من رجالة الأفذاذ . يرحل الرجال والنساء واحد إثر آخر ، كأنهم يتشبثون ببعضهم ، خوفا منًا ، نحن الذي نتعايش مع الماساة دون إكتراث !!. أنجزوا تاريخا ناصع البياض ،وتركوه لنا .. وعجزنا حتى عن مهمة تدوينة على الأقل .

بئس ما نحن فيه .صالح احمد أياي قامة وأستقامة .. العامل البسيط ابن البلد الشهم الذي زاوج بين شهامة وسلوك “الربعة ” وأحابيل السياسة رحل عنا قبل ( 10 ) أعوام . الخادي عشر من نوفمبر .ماذا يمكن ان نقول عن أبو أياي ؟ستأتي كلماتي جوفاء لذا آثرت ان اترك هذه المساحة للمناضل ولديسوس عمار ليحكي لنا بعضا من سيرة هذا الرجل .كتبت قبل سنوان ونعيد نشرها على سبيل التحية لمناضل منحنا كل ما يملك . في لغة البلين التي هي لسان أم الفقيد / صالح إياي والتي لم يستعملها الا في طفولته الباكرة هنالك مقولة هي : (( سبر قرقا إنتقني )) وترجمتها الحرفية هي المقولة السودانية العامية التي نصها (( الله لا جاب يوم شكرك )) وتعني المقولة وترجمتها بيوم الشكر هذا يوم الرحيل عن الفانية ، ذلك أن الناس عادةً لا يتحدثون عن جوانبك المشرقة والإيجابية إلا يوم (( شكرك )) ، إذ ( في الليلة الظلماء يفتقد البدر ) كما يقول الشاعر ، وقد أتي يوم الشكر غير المرغوب فيه هذا ليختطف من بيننا كلاً من صالح إياي والزعيم الفلسطيني ياسر عرفات في الحادي عشر من نوفمبر 2004م ، ولا غرابة في الأمر ، فلإياي عدد من الذكريات والأيام الطيبة تثني عليه وتؤبنه لدي مجتمعنا الارتري تماماً كما تنوح الأمة الفلسطينية وتثني علي الزعيم عرفات صديق إياي في أيام بيروت السالفة ، سقي الله روحيهما شآبيب الرحمة والغفران . ينتمي إياي الي جيلٍ استثنائي من الارتريين بلغ الرشد أواخر الخمسينيات والسنين الباكرة من الستينيات في زمانٍ اشتعلت فيه شعوب العالم الثالث حماساً واجتاحتها حمي تسمي الثورة من أجل التحرر الوطني ، وقد التهم ذلك الحماس الغامر والتفاني في حب الحرية والاستقلال حياة العديد من الارتريين من خلفيات وأصول متباينة حتي نهايتها ، إلا أنه ـ أي الحماس ـ ربما لم يستمر بنفس القدر من الحيوية بعد جيل إياي والذي يليه مباشرةً . لقد كانت البيئة السياسية قابضةً ومتحكمة ، وفي ارتريا اتسمت بيئة إياي السياسية بالخصوصية ، لقد كانت بيئته بيئة مدينة كرن ، تلك المدينة التي احتضنت مقرات أول وثاني أكبر الأحزاب الارترية التي كانت تدافع عن الاستقلال قبل عقدٍ من ذلك الزمان ، كرن التي كانت مقر رابطة إبراهيم سلطان ـ الرابطة الاسلامية ـ وحزب ارتريا الحديثة ، لم يكن لإياي بد أو مناص من أن يكون جزءاً من ذلك (( الجيل السام )) ، ودعوني أولاً أحدثكم قليلاً عن هذا (( السم )) ، عندما صار السيد / أسفها ولدميكائيل رئيساً للسلطة التنفيذية في ارتريا صيف العام 1955م خلفاً للسيد تدلا بايرو نــّظم زيارةً الي كرن وجمع كل الناس في ميدان الكرة وخاطبهم قائلاً : (( كرن هذه ، كرنكم هي كوب من السم وبقية ارتريا برميل ماء ، وإذا خلطنا الاثنين ـ الكوب والبرميل ـ فكوب السم جدير بتسميم كامل البرميل ، وسوف ننظر اليها ـ كرن ـ نظرتنا الي السم الذي يجب ألاّ يخالط الماء )) ، الزعيم إبراهيم سلطان كان من المستمعين الي ذلك الخطاب وربما استمع اليه أيضاً صالح أحمد إياي ابن الثامنة عشر حينها ، ولكن لسوء حظ رئيس الوزراء الجديد أسفها ولدميكائيل وسادته لم يكن باستطاعتهم إيقاف مد وانتشار ذلك (( الجيل السام )) لا في كرن ولا في غيرها من بقية أركان القطر . فقد عرف صالح إياي في كرن بإثارته الشغب والمتاعب للحكومة الاستعمارية قبل أن يذهب الي بورتسودان بالسودان ويقابل هناك زملاءه في المزاج الثوري وليواصل نشر ذلك (( السم )) . وفي الثاني من نوفمبر 1958م اجتمع ثمانية من الشبان الارتريين من بينهم صالح إياي بمنزل السيد / محمد سعيد ناود بحي الترانزيت ببورتسودان ليؤسسوا حركة تحرير ارتريا التي عمّ نفوذها جميع أنحاء ارتريا في فترة وجيزة . في يناير 1961م عقدت الحركة أول وآخر مؤتمر لها بالعاصمة الارترية أسمرا وإياي كان واحد من الأربعين عضو في المؤتمر والذي ضم حينها : الزعيم المؤسس للحركة السيد / محمد سعيد ناود ، ياسين عقدة ، آدم ملكين ، محمد برهان حسن ، علي برحتو ، تكؤ يحدقو ، كحساي بهلبي ، محمد عمر أكيتو ، عبدالكريم سعيد قاسم ، الشيخ سعدالدين محمد ، خيار حسن بيان (( أحد الأثرياء والوطنيين الشجعان وقد عقد المؤتمر بمنزله )) وأسماء أخري معروفة . صالح أحمد إياي كان تقريباً حاضراً في قلب كل اجتماع مهم أو صعوبات ومتاعب تخص القضية الوطنية الارترية ، فعلي سبيل المثال أنفق عاماً من عمره بالسجن الإثيوبي الشهير والرهيب المعروف بـ (( ألم بقا )) بأديس أببا ، وكان حضوراً بمؤتمر أدوبحا العام 1969م الذي لعب فيه دوراً هاماً ومشهوداً ، كما حضر المؤتمر الوطني الأول في العام 1971م . لست هنا بصدد تفاصيل تاريخ حياة المناضل المرحوم إياي لأن مواقع الانترنت الاريترية أغنتني عن ذلك بتناولها أطرافاً مختلفة من قصة الفقيد . وعلي كلٍّ فقد كنت أعمل بمكتب العلاقات الخارجية لجبهة التحرير الارترية والذي كان تحت إدارته معظم سنوات عقد السبعينيات وأوائل الثمانينيات ، وأتمني أن أوافق كشاهد آراء زملائه ورفاق مسيرته التي نشرت في مواقع الويب ، فقد وصف نعي ج . ت . إ . المجلس الثوري المنشور بموقع نحارنت إياي بـ(( البساطة والتواضع والكرم والأريحية وطيب المعشر والشجاعة والصلابة في الدفاع عن آرائه والتمسك بها )) ، إبراهيم محمد علي رئيس المجلس الثوري قال : هذه الميزات أكسبت إياي احترام رفاقه طيلة سنوات النضال ، أحمد ناصر القيادي بجبهة التحرير الارترية ـ المؤتمر الوطني أيضاً قال داعماً ذات الشهادة أن إياي تميز بـ(( شجاعة فريدة )) . نعم فقد كان رجلاً ذا شجاعة فريدة ، فقد كان عضواً مؤسساً بحركة تحرير ارتريا ولكن لم ير بأساً أن يلتحق بجبهة التحرير الارترية في العام 1965م عندما رأي أنه بذلك يقدم خدمةً أفضل لقضية التحرر الوطني أكثر من الإصرار علي نفخ الحياة في حركة تحرير ارتريا ، ولا ننس أن الخوف من تغيير التنظيم هو المرض الذي يعاني منه الارتريون حتي اليوم ، فكل من انشق مرةً يريد أن يظل واقفاً حيث هو بعيداً عن مجري النضال العام حتي عندما تنادي المرحلة بالوفاق وتدعو الي العمل سوياً ، وإياي كان يمتلك شجاعةً فريدة في تحدي ذلك الخوف ، فقد انتقد بحدة لوقوفه ضد القيادة الشرعية لجبهة التحرير الارترية عام 1982م ولكنه كان رجل القرارت الفردية ، وسار قدماً في ذلك الاتجاه حتي عندما كان ذلك يعني أن يفارق أقرب أصدقائه المناضل / محمد عمر يحيي ، وللمرة الثانية أدهش صالح رفاقه القدامي عندما ذهب الي أسمرا بعد التحرير ، ولكنه أراد أن يحاول التغيير من الداخل ، بيد أنه لسوء الحظ مثله مثل الزعيم عرفات فشل في خلق ارتريا ديمقراطية مسالمة لنفسها ولجيرانها . أوافق أيضاً الأخ / حروي تدلا بايرو في وصفه لإياي في رثائه له بأنه كان متحرراً من الميول الطائفية أو الاقليمية الضيقة ، بخلاف ذلك كان المفترض علي حروي أن يضيف أن إياي لم يكن يتفق مع بعض رفاقه القدامي في معارضة اليوم الذين ظلوا يفسدون البيئة السياسية وعقول العديد من المواطنين الأبرياء باستخدامهم للغة سياسية لا داعي لاستخدامها ، ذلك لأنها تولد الأحقاد والضغائن وتشجع الاصطفاف علي أسس عرقية وإقليمية وطائفية . ألا تقبل الله روح صالح آمنةً مطمئنة .http://www.nharnet.com/Archives/Arch_2004/Nov_2004/ELFRC_Xlation_Nov19.htm

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى