تقاريرمقالات

حرب الجيش الصومالي ضد حركة الشباب .. ماذا وراء التوقيت

بواسطة TRT عربي

بقلم / عبدالقادر محمد علي

شهدت الأشهر الأخيرة تصاعداً ملحوظاً في وتيرة المعارك التي تشنها الحكومة الصومالية على حركة الشباب التابعة لتنظيم القاعدة، أفضت إلى تقدم لافت لقوات مقديشو وحلفائها بعدد من مناطق البلاد.

انتشرت عمليات الحملة الحالية التي بدأت في أغسطس/آب 2022 بولايتَي هيرشبيلي وغلمدغ، حيث أفضت إلى إعادة السيطرة على مدن استراتيجية وتحرير العشرات من البلدات والقرى ومقتل مئات من جنود الحركة، في حين تنبأ الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود بالقضاء المبرم على الحركة نهاية العام الحالي 2023.

الرئيس الصومالي يعلن الحرب الشاملة على “الشباب”

يبدو انتخاب حسن شيخ محمود رئيساً للصومال صيف العام الماضي نقطة انطلاق حقيقية للحملة الأخيرة على حركة الشباب، التي استفادت من حالة عدم الاستقرار وتصاعد النزاعات في عهد سلفه محمد عبد الله (فرماجو) للتوسع وتقوية صفوفها.

منذ وقت مبكر من ولايته أعلن شيخ محمود وضعَ القضاء على الحركة ضمن أولويات أجندته الأمنية، حيث دشن استراتيجية متعددة الأبعاد لمواجهة شاملة لا تقتصر على الجانب العسكري وحده، بل تتعداه إلى الاقتصاد والإعلام وحرب الأفكار.

في تحركاته الخارجية كان ملف الشباب حاضراً بقوة، حيث اتجه الرئيس الصومالي في أولى زياراته الإفريقية إلىدولة إرترياالتي استضافت خمسة آلاف جندي صومالي كانوا يتلقون تدريبات عسكرية على أراضيها، وبالفعل عادتطلائع هؤلاء المقاتلين إلى الصومال أواخر العام الماضي حيث سيجري نشرهم لمكافحة الإرهاب.

كما استُقبل انتخاب حسن شيخ محمود بترحيب أمريكي كبير، بعد أن صبغ التوتر علاقات مقديشو وواشنطن بعهد الرئيس السابق فرماجو، وهكذا أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن عودة مئات من قوات بلاده إلى الصومال عقب فوز شيخ محمد بالانتخابات الرئاسية مباشرة، كما قررت واشنطن مؤخراً تقديم مساعدات عسكرية بقيمة 9 ملايين دولارللجيش الصومالي لدعمه بالحرب ضد حركة الشباب.

وسعياً وراء توسيع جبهة المواجهة مع الحركة استضافت العاصمة الصومالية قمة ضمت قادة دول الجوار (جيبوتي، إثيوبيا، كينيا)، لتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة والقضاء على مليشيات الشباب التي تحولت إلى تهديد عابر للحدود.

الشباب بين نارَي “العشائر” و”الطائرات المسيرة”

رغم أن الانتصارات الأخيرة تؤشر على تطور نوعي في أداء الجيش الوطني الصومالي، فإنه لا يمكن عزلها عن مجموعة من المتغيرات التي ساهمت بإحداث تغييرات دراماتيكية في سير المعارك.

أحد أهم هذه المتغيرات يتمثل في تطوير تحالفات الحكومة مع المليشيات العشائرية المعروفة محلياً بـ”معاويسلي”،التي جرى استخدامها بشكل مكثف بالتنسيق مع الجيش الحكومي، في سيناريو شبيه بتجربة “الصحوات” في العراق منتصف العقد الماضي.

التحالف مع المليشيات العشائرية يؤمِّن للحكومة الصومالية الاستفادة من عديد من المزايا مقارنة بالجيش: فهي أقل تكلفة من الناحية التشغيلية، وهي أكبر حجماً بالنظر إلى عدد المقاتلين، وتمتعها بدعم محلي واسع، ومعرفة كبيرة بتضاريس مناطقها، كما أنها بطبيعة تكوينها أكثر تناغماً وانسجاماً مع أدوات السياسة المحلية من القوات الحكومية.

هذا الانخراط العشائري في الحرب على الحركة مدفوع بالسخط المتصاعد على سياسات الشباب ولجوئها إلى تنفيذ هجمات دامية مؤخراً، حيث أوقع انفجاران استهدفا وزارة التربية والتعليم العالي بالعاصمة ما يزيد على 100 قتيلو300 جريح، بجانب تنفيذ الحركة إجراءات انتقامية تضمنت ردم الآبار في الريف وإحراق القرى وتهجير المدنيين لمنعهم التعاون مع الحكومة.

إلى جانب ما سبق فإن تكثيف الشباب للضرائب التي تفرضها على السكان الذين يعانون من التبعات الكارثية لتغير المناخ ساهم بدوره في إذكاء الغضب العشائري من الحركة.

لعل أهم نتائج دخول العشائر على خط المواجهة تتمثل في تفكيك تحالفها مع الحركة وسط البلاد، ما يفقد الأخيرة الملاذات الآمنة التي كانت تلجأ إليها، ويجعل عملية استهدافها بمواقع تمركزها السابقة أكثر احتمالية وفاعلية.

في نفس السياق استفادت القوات الحكومية وحلفاؤها من الدعم الكبير الذي توفره الطائرات المسيرة الأمريكية والتركية في المعارك مع الشباب، حيث أضعفت قدرة التنظيم على عقد اجتماعات الهياكل القيادية لبناء استراتيجية مضادة، كما أوهنت قدرة عناصر الحركة على التنقل ونقل العتاد.

لا تكتفي هذه الطائرات برصد تحركات المقاتلين قبل وفي أثناء المعارك، بل تتعدى هذا إلى الدعم المباشر للعمليات العسكرية، إذ وفرت أواخر ديسمبر/كانون الأول الماضي الغطاء الجوي لهجوم قوات دنب المدرَّبة أمريكياً على معاقل حركة الشباب في منطقة جلجدود شمال وسط البلاد.

وكان وزير الداخلية الصومالي أحمد معلم أكد في سبتمبر/أيلول الماضي أن الطائرات المسيرة التركية “بيرقدار تي بي 2” بدأت المشاركة في العمليات القتالية ضد مقاتلي حركة الشباب.

تجفيف المنابع المالية والإعلامية للحركة

مَثَّل الاقتصاد جبهة أخرى في حرب الحكومة على الشباب، حيث هدفت حزمة من الإجراءات إلى تجفيف موارد التنظيم المالية، الذي وصفه الجنرال ستيفن تاونسند القائد السابق للقوات الأمريكية في إفريقيا (أفريكوم) بأنه “أقوى فروع القاعدة في العالم وأغناها”.

ومطلع أكتوبر/تشرين الأول الماضي توعدت الحكومة الصومالية بفرض عقوبات صارمة على التجار والشركات الذين يثبت دفعهم المال للحركة، كما فرضت الخزانة الأمريكية منتصف الشهر نفسه عقوبات على 14 شخصاً من منتسبي الشباب، إلى جانب شبكة مكونة من 9 أشخاص يتعاونون معها في شراء الأسلحة وجمع الأموال، في خطوة تهدف إلى شل أنشطة الحركة ومصادر تمويلها.

بالإضافة إلى هذا فإن تقهقر الحركة عسكرياً لا يفقدها السيطرة على المدن والتجمعات التي كانت تفرض الضرائب على تجارها، بل إنها تؤدي أيضاً إلى فقدان المداخيل المالية المتأتية من الإتاوات التي كانت تُدفع للحركة مقابل السماح بحرية الحركة والتنقل داخل المناطق التي كانت خاضعة لها.

معركة أخرى تخوضها الحكومة لخنق الآلة الدعائية للحركة، حيث أعلن نائب وزير الإعلام والثقافة والسياحة الصومالية عبد الرحمن يوسف العدالة أنه “تقرر حجب أكثر من 600 صفحة إلكترونية لمليشيات الخوارج (حركة الشباب)، بواسطة وزارة الإعلام والاتصالات والأمن الداخلي”، ما يفقد الحركة منبراً رئيسياً للترويج والتعبئة.

كما افتتح الرئيس الصومالي أواخر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي قناة فضائية جديدة باسم دلجر (حامي الوطن) لمواجهة الحركة فكرياً، مؤكداً أن من أهدافها “تقديم رؤية دينية معتدلة تحارب التطرف وسوء تفسير التيارات الإرهابية للدين، وتعزيز الوطنية وغرس القيم النبيلة ونبذ العنف والإرهاب”.

في سياق مقارب عمدت الحكومة الصومالية إلى تقويض فاعلية الأسس الدينية التي يقوم عليها خطاب حركة الشباب، واصفة إياها باسم “الخوارج”الذي شاع استخدامه إعلامياً، كما حرّم بيان صدر عن “مؤتمر علماء الصومال” نشر أفكار الحركة أو دعمها واصفاً الحملة العسكرية للحكومة بـ”الجهاد الإسلامي.. لحماية النفس والمال والشرف للمواطنين”.

الانتصارات وحدها لا تكفي!

رغم كل ما سبق تظل مجموعة من التحديات ماثلة أمام الحكومة الصومالية، ولا سيما أن الحركة تلقت عبر تاريخها العديد من الضربات ثم استطاعت العودة من جديد.

لعل أهم هذه التحديات يتمثل في قدرة الحكومة على إحكام السيطرة على المناطق التي استعادتها والحيلولة دون تسرب عناصر الشباب إليها بعمليات انتقامية لترويع السكان، كما تبقى قدرة السلطات الجديدة على تقديم الخدمات وتوفير الأمن محل اختبار كبير.

بالإضافة إلى ذلك فإن الحفاظ على تماسك الجبهة الداخلية تحدٍّ آخر لا يقل خطورة، فكثيراً ما هيأت الانقسامات العشائرية وصراعات السياسيين البيئة المناسبة لعودة وازدهار نشاط الحركة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى