مقالات

دعوة للتوثيق : عبد الله محمود*

1-Oct-2010

المركز

‎•كم سعدت وأنا أطالع الخبر الذي نشر في أحد المواقع العنكبوتية عن عزم الأستاذين عمر جابر وحمد كلو على طباعة مذكراتهما الشخصية وتوقعت أن تكون حافلة بالتفاصيل التي توثق لمرحلة هامة من مراحل التاريخ الإريتري .

•سعدت رغم القالب الكيدي الذي جاء فيه الخبر سيما وأنه يهدف للإنتقاص من قدر الأستاذين ويعمد إلى الإغتيال المنظم لشخصيتيهما استناداً على وقائع مفبركة من نسج الخيال –وفقاً للنفي الذي أصدره الأستاذ عمر جابر- .
•مصدر سعادتي إن انتشار حركة التدوين والكتابة في أي مجتمع هي دليل مادي على ترقيه في سلم الحضارة ، و الساحة الإريترية تعاني بشكل عام من ضمور في حركة التدوين و التوثيق مع انتشار واسع لثقافة المشافهة نسبة لطبيعة المجتمع الإريتري الذي ما زال أسيرا لحياة البداوة ، بالإضافة إلى حياة عدم الإستقرار التي يعيشها الإريتريون ،و استغراق غالبييتهم في تفاصيل الحياة اليومية ، و عدم توفر الزمن الكافي و الظروف المناسبة للتدوين .
•ومن أهم العوامل التي تحد من حركة التدوين التهيب غير المبرر من أن تؤدي االكتابة إلى فتح جراح غائرة اندملت بفعل الزمن ، أو أن تعمل على إعادة إنتاج الأزمة والعودة إلى مربع الاحتقان .
•ظروف كثيرة تتداخل وتتشابك وتؤدي في المحصلة لعدم تمكن الأجيال الحالية والقادمة من الإطلاع على تجارب ذلك الجيل الذي أسهم في صناعة التاريخ الحديث لإريتريا وصاغ ملامحه بجميع تفاصيلها .. بملاحمها البطولية وانتصاراتها .. بخيباتها وانكساراتها .
•إنها لخسارة فادحة أن تتسرب كنوز التاريخ من بين أيدينا وتمضي وهي حبيسة صدور الرجال دون أن نتمكن من الإطلاع عليها ..
•أحمد ناصر ،عمر الحاج إدريس ، محمد نور أحمد ، حامد تركي ، ابراهيم محمد علي ، ، حسين خليفة ، حامد محمود ، والقائمة تطول .. تتضاعف مسئولية هذه الكوكبة تجاه كتابة مذكراتها توثيقاً لتجربة ثرة علها تفيد الأجيال القادمة وهي تتلمس طريقها في الحياة ،وتبحث عن إرث ماض تتكئ عليه ، وتقف حيرى أمام أحداث جسام غيرت وجه التاريخ ولا يزال الغموض يلف الكثير من تفاصيلها .
•وتتعاظم مسئولية هذه الكوكبة خاصة وأن العشرات من هذا الجيل قد مضوا إلى الله دون أن يخلفوا تراثاً مكتوباً يوثق لتجاربهم الشخصية ويملك الأجيال الصاعدة تاريخا ناصعا لثورة امتدت لنصف قرن من الزمان .
•الكثير من الأسئلة تنتصب أمام المرء وهو يستعرض مرويات تاريخ الثورة الإريترية دون أن يجد إجابات تشفي غليله ، وستتسع دائرة الأسئلة مستقبلاً وتفتح الأبواب مشرعةً أمام التكهنات .. وستتمدد الرويات الخاطئة والشائهة للتاريخ في الفراغ الذي يخلفه هذا الجيل .
•وبالقطع إن لكتابة التاريخ مناهج وأسس تختلف عن أدب المذكرات الشخصية أو السيرة الذاتية ، ولكنهما يجتمعان في إجلاء الغموض الذي يحيط بالكثير من الوقائع ، كما أن الحراك الذي ينشأ عن كتابة المذكرات تصويباً وتعديلاً ، مناقشة وتصحيحاً ،مهما اتسم بالحدة ،إلا أنه في النتيجة يسهم في سد الثغرات، ويعمل على إكمال جوانب النقص ويقدم رؤية للأحداث من زوايا متعددة .
•ويمكن أن تنتظم حركة التدوين والتوثيق في مسارات متعددة :
•أولها: كتابة المذكرات الشخصية لجيل الثورة والأجيال التي أتت بعده مهما كانت درجة مساهمتها في الأحداث صناعةً أو شهوداً … وتقف أمامنا في هذا الأمر عقبة كئود وهي عقبة النشر وتكاليفه .. ويمكن اللجوء إلى المعالجة الجزئية بالنشر في المواقع الإلكترونية إلى حين توفر الظروف الملائمة للطباعة .
•الثاني : الحوارات الصحفية التوثيقية التي تركز على وقائع تاريخية بعينها وتسلط عليها الأضواء الكثيفة عبر اللقاءات الصحفية المعمقة مع الذين شاركوا فيها صناعة وشهوداً ،وهذا دور يجب أن يضطلع به الصحفيون والإعلاميون و الوسائط الإعلامية الإلكترونية وغيرها . •الثالث : كتابة التاريخ الإريتري الحديث والقديم وفقاً للمناهج العلمية وهذا الدور منوط بالباحثين في الجامعات عبر الرسائل العلمية ، ومراكز الدراسات والبحوث.
•وهنا لا بد من الإشارة لبعض الجهود المثابرة مثل كتاب أينفلالي ( لن نفترق ) الذي كتبه بالتجرنية ألم سقد تسفاي وترجمه سعيد عبدالحي و الذي غطى مرحلة تاريخية هامة وهي الفترة من 1941-1951م والتي شهدت حراكاً سياسياً واسعاً ، واستطاع تقديم رؤية اتسمت بالعلمية والموضوعية والإنصاف .
•خلاصة القول إن اتساع دائرة التدوين والتوثيق ضرورة ملحة في هذه المرحلة المفصلية من عمر الزمان ، بما يتطلب تضافرالجهود لتذليل العقبات وتوفير المناخ الملائم ..فهلا فعلنا ذلك ؟
* نشر كافتتاحية في صفحة نافذة على القرن الإفريقي – صحيفة الوطن السودانية -1 أكتوبر2010م

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى