مقالات

قراءة واقعية للأحداث داخل الوطن. بقلم/ صالح م تيدروس

3-Nov-2017

عدوليس ـ ملبورن

شهدت العاصمة اسمرا يوم الثلاثاء الماضي الـ 31 من نوفمبر مظاهرة سلمية شارك فيها طلاب مدرسة الضياء الإسلامية واولياء امورهم بحي (اخريا). انطلقت المظاهرة من ساحة مدرسة الضياء عبر طريق (عداقا عربي). وحينما وصل المتظاهرون الي منطقة سجن (كارشيلي) حاولت الشرطة منعهم من التقدم ولكن باءت المحاولة بالفشل حيث استطاع المتظاهرون الوصول الى وسط المدينة في طريقهم الى دار الإفتاء. وبالقرب من مكتب وزارة التعليم أطلقت الشرطة ورجال الامن الرصاص الحي على المتظاهرين مما ادي تفريق الجموع وعودة الهدوء. جرت هذه الاحداث خلال

الفترة من الساعة الثالثة وحتى الرابعة والنصف عصرا. وحسب مصادر موثوقة من العاصمة اسمرا لم تقع أي إصابات في الأرواح او على الأقل لم ترد أي معلومات حول وقوع إصابات خلافا لما روجت له بعض وسائل الاعلام التي تستقي معلوماتها من مصادر مشبوهة او مواقع التواصل الاجتماعي التي تميل الى المبالغات وتفخيم الاحداث.
لم يكن هذا هو الحدث الوحيد أو لا يمكن عزله عن بقية الاحداث الي تشهدها اسمرا، فقبل عدة أسابيع احتج منتسبو الدفعة 29 من الخدمة الوطنية على بقاءهم في (عدي هالو) لفترة طويلة دون عمل حيث تم اخماد مظاهرتهم بشكل مماثل. ولم تجد تلك المظاهرة حقها في الترويج بحكم انها جرت في منطقة نائية بعيدا عن المدينة.
المؤسف والمحزن حقا ان الترويج للمظاهرة الأخيرة في اسمرا حسب ما تابعناه في وسائل التواصل الاجتماعي ذهب في مناحي تمس اللحمة الوطنية. سمعنا البعض من غير المؤيدين للمظاهرة يحاول ان يصفها بطابعي ديني كما سمعنا اخرين من أنصار المظاهرة يحاولون ان يضفوا الطابع الديني على المظاهرة. وكلا الطرفين تناسوا ان القضية الأساسية هي قضية حقوق سواء كانت حقوق دينية او سياسية او اجتماعية، حقوق الانسان الارتري في الحياة الحرة الكريمة. وفي مثل هكذا حال ينبغي ان لا تخفت أصوات العقلاء منا وتعلو أصوات المهرجين وعشاق الفتنة والتفرقة.
الامر المهم هنا كيف نقرأ تداعيات هذه الاحداث؟
اعتقد جازما ان الحدث مهم للغاية مهما كان العدد الذي شارك في المسيرة حتى لو كان ثلاثة اشخاص أي أنى لست في حاجة الى ان أقول بلغ عدد المتظاهرين أربعه الاف او حتى عشرين الفا، حيث ان الأرقام لا قيمة لها في مثل هذا الوضع. المهم في الامر كسر حاجز الخوف واسماع الصوت عاليا وهذا الهدف قد تحقق بالفعل لأنه لم يعتاد الناس في اسمرا او في المدن الأخرى ان يخرجوا الي الشوارع في تحدي صارخ لأجهزة القمع ومن ثم الوصول الى وسط المدينة وهم يهتفون. البعد الثاني المهم هو ان المواطنين في الداخل ورغم ضنك المعيشة والحصار الاقتصادي الذي فرضه عليهم النظام حيث منعهم حتى من تلقي المساعدات المالية التي يرسلها ذويهم من الخارج، هم على استعداد للتضحية والخروج الى الشوارع والمطالبة بحقوقهم رغم فوهات النيران المصوبة نحوهم. وتعتبر هذه المظاهرة هي البداية لتحركات أكبر وأكثر تأثيرا في المستقبل المنظور. صحيح ان النظام اعتاد على الاعتقالات عقب كل حدث مماثل خلال السنوات الماضية بهدف خلق حالة من الرعب والخوف وكي لا يتجرأ أحد للقيام بعمل مماثل في المستقبل. هكذا فعل في انتفاضة المناضلين عام 1993 ثم في حركة معوقي حرب التحرير ثم مع طلاب جامعة اسمرا عام 2002 وكذلك مع المتعاطفين مع مجموعة 15 وأخيرا مع المنتسبين لحركة 21 يناير. وبلا شك الان أيضا سيقوم او بدأ بالفعل في حملة اعتقالات لأولياء الأمور والاداريين في مدرسة الضياء الإسلامية. ومع ذلك لم تعد الناس تبالي لان حاجز الخوف إذا كسر مرة فهو قد كُسر. البعد الثالث والمهم أيضا هو حاجتنا للتأطير والتنظيم. كان واضحا من المظاهرة التي شهدتها العاصمة اسمرا انها خرجت بشكل تلقائي بعد قرار السلطات بتأميم المدرسة والكلمة التاريخية التي القاه الشيخ التسعيني موسي محمد نور متصديا لذلك القرار. وحسب المعلومات التي تسربت الينا ان الناس تجمعت من هنا وهناك للمشاركة في المظاهرة دون ان تكون هناك جهة منظمة او مؤطرة. ماذا كان سيحدث لو ان هذه المظاهرة تقف من خلفها جهة او إطار تنظيمي قوي؟ لا شك ان النتائج ستكون أكبر وان الاستمرار في التظاهر سيدوم لعدة أيام وستنضم اليه شرائح مجتمعية أخرى حتى يسقط النظام. فالنظام هش جدا أكثر مما نتخيل الى درجة انه لا يستطيع ان يتحمل وجود ثلاثة اشخاص يتصدون له في شارع التحرير لمدة ثلاثة أيام، وان إطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين المسالمين دليل على الخوف وليس دليل قوة. معني ذلك علينا ان نستفيد من تجربتنا ونسعى لتأطير أنفسنا حتى لو كان ذلك في اطر ضيقة. وفي هذا الجانب لدينا ارث حافل يمكن الاستفادة منه.
البعد الرابع والأخير هي الرسالة التي تحملها هذه المظاهرة الى قوى المعارضة الارترية في الخارج حتى تصحو من سباتها وتتحرك نحو الداخل. فالشعب في داخل الوطن مهيئ لكل شيء ولا ينقصه سوء الدعم الخارجي. ولكن كيف تستطيع قوي المعارضة ان تتفاعل مع الاحداث في الداخل – لا اقصد هنا التفاعل عبر الفيس بوك او وسائل التواصل الاجتماعي – بقدر ما أعنى المشاركة الفعلية في صناعة الحدث وضمان استمراره؟ هذا سؤال مهم جدا سنتطرق له في مقالات قادمة ويهمنا الأن هنا ان نذكر القوى السياسية في الخارج بأهمية قراءة الحدث بشكل موضوعي بعيدا عن الانفعالات والهتافات غير المجدية حتى نتلمس ما يمكن القيام به في المستقبل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى