تقارير

خرافة “الدولة القميقة ” تسرب البروغاندة الى مجال العلوم السياسة !

13-Jan-2019

عدوليس ( رصد)

عقدت في 9 يناير 2019 حلقة جديدة من سيمنار التحول الديمقراطي في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، قدّم خلالها الدكتور عبد الوهاب الأفندي، أستاذ العلوم السياسية وعميد كلية العلوم الاجتماعية والإنسانية في معهد الدوحة للدراسات العليا، عرضًا لورقة بحثية بعنوان “خرافة ’الدولة العميقة‘: تسرب البروباغندا إلى مجال العلوم السياسية”. استهل الأفندي عرضه بالقول إن تعميم استخدام مفهوم “الدولة العميقة” خلال الأعوام القليلة الماضية هو “إنجاز عربي – إسلامي بامتياز”، على اعتبار أنه “واحد من الحالات النادرة التي تحول فيها تعبير تمت صياغته في منطقتنا إلى بضاعة رائجة في الغرب، خاصة في الولايات المتحدة الأميركية”. وأوضح أن المفهوم ظهر أولًا في الأدبيات العربية والتركية للإشارة إلى تشكيلات “باطنية” تهيمن على مقاليد السلطة، في مقابل الدولة الظاهرة، مشيرًا إلى أن الحالة التركية كان

فيها “للجيش والمؤسسات القضائية والشرطية والأمنية المؤدلجة بالعقيدة الكمالية هيمنة واضحة على أدوات صنع القرار”، وذلك عبر أدوات قانونية وفوق-قانونية، أهمها الحصانات والسلطات الاستثنائية التي منحت لقادة تلك الأجهزة، فضلًا عن أسلوب “الفيتو” على قرارات السلطات المنتخبة. وأشار إلى أن هذا المفهوم امتد إلى الحالة المصرية، خاصة بعد ثورة 25 يناير 2011، مع استمرار تمسك الجيش والأجهزة الأمنية والبيروقراطية، بسلطة خارج إطار الحكومة الانتقالية، ثم الحكومة المنتخبة. كما بيّن أن المفهوم، بدءًا من عام 2016، انتقل إلى الساحة الأميركية بتأثيرٍ من بعض التيارات اليمينية التي بدأت تروّج لوجود دولة عميقة في الولايات المتحدة.
ورأى الأفندي أن ثمة نوعًا من التعجّل في الربط بين تلك الظواهر المتنوعة والمفهوم، موضحًا أن الظاهرة التركية تشير إلى دولة أيديولوجية، تشبه إلى حد بعيد الدول الشيوعية أو الفاشية، أما في الحالة المصرية فتقوم جهات لا تملك شرعية الدولة “باغتصاب مهمات الدولة وصلاحياتها لفرض أجندة تجمع بين الخاص والعام، والأيديولوجي والشخصي، والسياسي والطائفي (بالمعنى الأوسع للطائفية)” لتشبه بهذا “الإنكشارية” أو “الإقطاعيات” كما كانت الحال في الأرستقراطيات القديمة أو أنظمة المماليك والإنكشارية وغيرها. وفي الحالة الأميركية، رأى الأفندي أن ترامب وشيعته يطلقون وصف “الدولة العميقة” على الدولة الحقيقية، دولة القانون التي من دونها لا تكون هنا دولة بأي معنى حقيقي للدولة، أي إنهم يخططون لـ “مؤامرة تُحوّل أميركا إلى نسخة من مصر”.
وتطرق الأفندي أيضًا إلى الأصول التاريخية والنظرية للظاهرة؛ فتاريخيًا، أشار إلى أن ظاهرة تغوّل جهات ذات أجندة خاصة على الدولة وسلطاتها ومصادر شرعيتها قديمة في التاريخ البشري، خاصة في التاريخ الإسلامي، مؤكدًا أن “ظاهرة السلطة التي تحكم من وراء ستار، وتغلف حقيقتها بأغشية كثيفة من الوهم والاصطناع، هي واقع، قد يزداد تعقيدًا حين يقوم بعض أفراد أسرة الحاكم، أو وزرائه أو مساعديه وقادة جيشه، بالإمساك بالسلطة الفعلية على حساب صاحبها المسمى”. أمّا من الناحية النظرية، فرأى أن فكرة وجود “دولة داخل الدولة”، أو جهة تمارس الهيمنة السياسية من وراء ستار، تعود إلى حد بعيد إلى التنظير الماركسي الذي اخترع فكرة “الدولة العميقة” (من دون التسمية طبعًا)، عندما حكم بأن “البرجوازية” (وغيرها من الطبقات المهيمنة، بحسب الحقبة التاريخية) هي التي تحكم من وراء ستار في كل الدول الرأسمالية. وقد تم تطوير هذه الرؤية للحديث عن حكم “النخبة”، أو حكم الشركات العابرة للقارات، أو سطوة المركب الصناعي-العسكري في الولايات المتحدة وغيرها.
وانتهى الأفندي إلى القول إن إطلاق تسمية “الدولة” على مثل هذه الترتيبات “المافيوية” يسلب مفهوم الدولة أخص خصائصه، وهي كون الدولة “شأنًا عامًا، وليست إقطاعًا خاصًا لأي فئة، وكونها كذلك تخضع لسلطة القانون”. إن هذا الاستخدام، في رأي الأفندي، هو “شرعنة (مقصودة أو غير مقصودة) لظاهرة سرقة مهمات الدولة لصالح مصالح خاصة”. وهكذا يصبح الدفاع عن هذه السرقة والشخصنة، دفاعًا عن “الدولة” ضد من يريد أن يُقوضها ويهدمها، وتصبح المصطلحات سلاحًا للتشويش، والاستخدام الأيديولوجي، وقلب المفاهيم والموازين. وهنا تظهر بوضوح خطورة الاستخدام الخاطئ للمصطلحات، وتسريب البروباغندا والشعارات إلى داخل علم السياسة والخطاب السياسي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى