زمة الخطاب السياسي .. (بين محنة الوعي بالذات ومنحة وحدة التاريخ) بقلم / محمد قناد
3-Nov-2014
عدوليس ـ ملبورن ـ
مقدمة….كل من ينطلق من التاريخ في تحليل الأزمة الانسانية يبتدي من منصة نوح التي تتفرع بين سامية وحامية ويافثية، تلك الرواية التي كان أول ظهور لها بسفر التكوين بالتوراة، وذلك حتى تمر البشرية بنفق الجد الثاني نوح عليه السلام، والتي رفضها الكثير من البأحثين، منهم من اعتمد علي القرأن بعيداً عن تفسيرات الأحباري لقصص القرأن، ومنهم ايضاً من اعتمد علي عقله كعلماء الاركلوجيا الحداثويين، وكذا من استند علي التراث الانساني القديم كأبن خلدون دون انفصال عن المنهل السماوي المتعاقب والمنتهي برسالة عيسي (ع) و محمد (ص)، فكل هذه المدارس تنتهي لرفض الرواية التوراتية التي تحاول فرض السامية، والتي أسس لها أسلاف اليهود حين اساؤوا الأدب مع الانبياء خاصة نوح علي السلام، وذلك كي يصنعوا من سام حالة افضلية قائمة علي وثيقة مقدسة يختلف عن اخوانه حام ويافث وكنعان ابن حام الذي وقع عليه وزر اباه حام.
و اذ تتوحد المدارس النقدية في قراءتها لمجريات التاريخ البشري بعيدا عن نظرة التوراة الاستعلائية، نجد ان هذه المدارس تهدم وتقبر من قبل حراس المعبد البابلي، وكهنة التوراة، الذين جعلوا من نظرتهم التفاضلية منصة ورصيف انطلاق، يقوم عليه ومنه اي بناء لقراءة اجتماعية وتاريخية، مما أزم القضية الإنسانية التي تعجز اليوم عن التعبير المريح والتفسير المنطقي بما يتسق مع ذات الروح الانسانية، فاصبحت الثورة علي هذا التراث القائم علي التزوير والعمل علي تفكيكه، هو المدخل الصحيح للقراءة النقدية في مسيرة الشعوب، بما يتسق مع العقل الناقد والتراث البشري التراكمي، الذي اوجزه ابن خلدون حين قال -التاريخ ما يقبله العقل- لان الخرافات التي تعج بها كتب التاريخ القديم والحديث هي خارج دائرة العقل اذ ينشط تداولها في اقبية الظلام و تحت ظلال الجهل المقدس، وحالما تتعرض للنقد العقلي تهرب للقمع.ان هذا الواقع البشري والعالمي المأزوم، له اسقاطات فكرية، وسياسية، واجتماعية، انتجت مدارس قمعية، تتخبط بين ضفتي التصدع البشري المفتعل من قبل التدوين التاريخي الخاطئ، وكان نوع هذا التدوين السبب في ظهور عصر القوميات وما بعد اللسانيات، وكانت هذه المنصة الحاضنة الحقيقية لكل انواع الاصولية، العرقية منها او الطائفية، بتاطير يحمل مبررات هي منطقية في دائرة التزوير التاريخي، لكنها عرجاء حين تتعرض للنقد الانساني، مما يجعلها في حالة افتعال للازمات، حتى تحمي حجتها الباهته، بإسكات صوت النقد الذي يشير للصورة الكاملة دون نقصان، والتي تمثل الانسان، دون عرق ولون وطائفة، وتعمل دائما الاصولية النابعة من هذا العمق علي البحث عن المتناقضات، حتى تستطيع العيش اكثر في رحاب الجهل بالمشتركات الانسانية والتاريخية، ودائما ما يتحدث الخطاب القائم علي منصتها علي الاختلاف بين مظاهر الثقافات ولهجات الشعوب وشرائع الرسالات السماوية.وليس بعيد عن ذلك، يقوم تاريخ القرن الافريقي علي منصة التناقض بين الروح الواحدة والاختلاف المفتعل في وثائق التاريخ، وكان لذلك اسقاطات علي شعوبه التي ماجت علي بعضها كثيرا، حتى انتهت في اخر مراحل تطورها وصيرورتها لدويلات، تمثل كل واحدة نوع من انواع الاصولية، بعضها فكري او طائفي و اخر عرقي، وكله يترنح علي رصيف متهالك من الرواية التاريخية المأزومة، التي لا يضبطها بُعد زمني طبيعي كي تكون قابله للهضم النقدي والعقلي، ورغم وحدة التاريخ القديم والحديث، إلا ان الخطاب السياسي لهذه المنطقة أبت له نفسه ان يتسق مع طبيعتة، لأنه استند علي منصة تفريع الاصولية الغائرة في فلسفة التاريخ الخرافي، مما جعله قائم علي التناقض باحثاً عن الاختلاف وغاضي الطرف عن ما يوحده من ارضية مشتركة.فالوحدة في هذه المنطقة تكمن في كثير من محددات الهوية والثقافة، نجد من بينها وحدة الدين، ذات المصدر السماوي الواحد، مع اختلاف الشرائع، وكذا الينبوع اللغوي المتجذر مع اختلاف اللهجات، وكذلك الطبيعة المتماسكة والتي تشكل صلصال النوع الاخلاقي، وكثير من البلاط الذي يشكل وحدة الارضية المشتركة، كل هذا التراث الوحدوي يتم هدمه وقبره، كي يسود منهج حراس المعبد البابلي، الذين اقاموا منصة الاختلاف التاريخي، ودائما ما نجدهم قابعين في اركان كل المشاريع الفكرية، التي تبدأ من الذات المزيفة وتنتهي الي العدمية الفكرية، حين تتعقد عليها المسيرة، وتعجز الرواية الخاطئة الاتيان بالحلول والمخرج، فيكون الطريق الي القمع البشري اسهل من اعادة ترتيب الرواية حتى تنتهي لحلول منطقية، لان عملية اعادة الترتيب شاقة علي العقل البشري بل يرفضها لانه مستكين بطبعة لراي السلف، حاجباً لرأي الحاضر لانه لا يملك الشجاعة وحتى لا يكون في فهوة الاتهام، وتعتبر عملية مكلفة جدا لانها تعمل علي اعادة موضعة لكثير من الاشياء، بل تحدث قطيعة معرفية لا يتجرأ علي فعلها سوا الذين تحرروا من الخرافة.