مقالات

هل التاريخ يصنعه رجال خلف شاشة ؟! ماليليا بخيت

2-Oct-2012

المركز

قد تختلف تقديرات الناس حول من يصنع التاريخ، ومن يملك القدرة على تغيير أقدار ومصائر الأمم، فلكل رؤيته حول الوسائل المتاحة لصنع التغيير، وتلك الوسائل في الغالب تأت معبرة عن قناعات وإمكانات محددة لإنجاز ما يراد تغييره، لكن المؤكد أن لا أحد بإمكانه أن “يغيير” شيئاً بمزيداً من الأمنيات والنوايا الطيبة، (او كما يقول المعري في قصيدته: وما نيل المطالب بالتمني ولكن تؤخذ الدنيا غلابا) فضلا عن ذلك فإن كل تجارب الشعوب والأمم تعد درساً مهماً للسعي الحثيث نحو صنع الحاضر والمستقبل، بل أن الأديان نفسها تحث على السعي وبذل الجهد للوصول الى هدف التغيير المنشود، لذلك لم تتجاوز عجلة القوى التي نافحت بالشعارات العريضة، قيد أنملة نحو هدفها الأسمى، فقط لأنها لم تتحرك ولم تبذل الجهود المطلوب لإنجاز الهدف، عدا ما تعلق منها بالمسمى والإدعاء.

ذلك ليس لأن “التاريخ يصنعه رجال خلف ماسورة” حسب نبوءة شاعرنا محمد مدني فحسب، بل لأن جهدها لم يتعدى حد الأمنيات، لكن ما هو أمر واصعب أنها دخلت في نفق الإدعاءات الكثيرة والوفيرة، التي تجعلها مع الوقت مكتفية ومقتنعة بالإدعاء بديلاً عن العمل !ولأن الدنيا تأخذ غلابا فإن فعل التغيير يصبح جزء من تلك “المغالبة” العثيرة والمتعثرة، سيما وأن “جعجعة” الإدعاء اقل كلفة، من صمت الفعل ومكابداته الباهظة، فالتاريخ أحياناً قد يبدوا أنه قادر على التشكل -في إدراك البعض مناَ- على مساحات الشاشات الفضية، التي لا تحرض على الفعل بالقدر الذي تحث فيه على خيال”التواكل”، المتمثل في نضال “النسخ- لصق”، مع مزيداً من عبارات الإدعاء.. كنشر خيالات التاثير المفترض على قرارات ما أو سياسات ما لا علاقة لها بالفعل الموجه للتغيير. هذاالربط المفترض الذي اصبحنا نلاحظه في الحراك الشبابي الذي تفاءلنا كثيرا ببداياته الواعدة قبل ان نفاجأ أنه بدا يركن الى زوايا اليأس نتيجة عزلته على مساحات الخيوط الإفتراضية، من جهة، وتطرف بعض عناصره في نسج خيوط “الربط” المفترض لفعلهم من الجهة الأخرى. لكن الأخطر في هذه المعادلات القائمة هو بروز عنصر التخوين في مواجهة كل مختلف في الرؤى والتصورات مع الطرح القائم والمكرس!فهل اضحى الفعل الأكثر نجاعة هو فرض الرؤية الأحادية او ابتكار “الإقصاء المضاد” كوسيلة نضال في مواجهة الإقصاء الذي نعان منه من قبل النظام الحاكم ؟ إن خطورة مثل هذا الطرح لا يكمن في كونه مماثلاً لوسيلة النظام فحسب، بل لأنه يؤسس لنظام إستقطاب جديد لا يختلف في شيء عن استقطابات النظام الإستبدادي، وبالتالي يعري حقيقة أن “الفعل المعارض” لا يسعى وفقاً لهذه الرؤية نحو تعددية فكرية وسياسية بقدر ما يسعى الى خلق حالة استفراد واستحواذ مضاد للرؤى والأفكار القائمة . فإذا كان الاول قد حقق هدفه عبر امتلاكه لوسائل الإكراه، فإن الفعل الثاني يسعى لذلك الاستقطاب عبر وسائل متعددة تبدأ بإغتيال الشخصية و لا تنتهي بمحاولات اثبات “اوهام” غير واقعية، يتجاوز تأثيرها حقيقة الوضع القائم في نظام الإستبداد .فالإختلاف في الوسائل اضحى امراً يستحق اتهامات التخوين والتشكيك وصرف الأنظار عن حقيقة المعضلات الواقعية، من قبل اشخاص كل ما يملكونه هو “اسم مستعار” على خيوط عنكبوتية تنسج على الشاشات، ونضال افتراضي لا يقوى أمام زحف الوقائع في الأرض !

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى