تقارير

لهيب الحرب في إقليم تيغراي الإثيوبي قد يحرق الجوار! بقلم أحمد يونس

15-Nov-2020

عدوليس نقلا عن صحيفة الشرق الأوسط

أطلق المستشرق الإيطالي كارلو كونتي روسّيني على إثيوبيا اسم «متحف الشعوب»، وذلك للتعدد والتنوع الكبير في سكان الدولة التي تتكون من نحو 100 جماعة عرقية وثقافية، تتكلّم حزمة من اللغات السامية والكوشية، أكبرها عدداً وأشهرها قوميات الأورومو والأمهرا والتيغراي، والصوماليون. ولقد تعايشت شعوب إثيوبيا لفترات طويلة ضمن الدولة «المغلقة» التي لا تملك حدوداً بحرية، متمتعة بحرية نسبية ضمن الدولة الاتحادية، بيد أن الأوضاع في أديس أبابا، والصراع السياسي، حوّل التنوع من «نعمة» إلى زناد قابل للاشتعال في أي لحظة، بين المجموعات المسيطرة الكبرى (الأورومو والأمهرا والتيغراي). في العام 1995 أقدمت حكومة «الجبهة الشعبية لتحرير إثيوبيا» على تقسيم إثيوبيا إلى 9 ولايات وفقاً للدستور الإثيوبي، هي العفر، والأمهرا، وبنو شنقول – قمز، وغامبيلا، وهرَر، وأوروميا، وصوماليا، والأمم الجنوبية، إضافة إلى مدينتي أديس أبابا (العاصمة) وديره داوا، المتمتعتين بوضع خاص ضمن الاتحاد الإثيوبي.

ونص الدستور الإثيوبي على حق الأمم والقوميات والشعوب في تقرير المصير وإدارة كل إثنية لشؤونها الداخلية، بما في ذلك اللغة والهوية الثقافية، مع ضمان حق الجماعات الإثنية في الانفصال عن الدولة، باعتباره «خياراً أخيراً» يُلجأ إليه حال فشل الدولة بمعالجة التمييز السياسي والاقتصادي، وأن يتحقق بشكل ديمقراطي بالتصويت في المجلس التشريعي القومي «البرلمان».
يحكم إثيوبيا تحالف سياسي باسم «الجبهة الديمقراطية الثورية للشعوب الإثيوبية»، تكون في العام 1991 من 4 أحزاب، هي «منظمة أورومو الديمقراطية الشعبية» و«حركة أمهرا الديمقراطية الوطنية» و«الحركة الديمقراطية الشعبية الإثيوبية الجنوبية» و«جبهة تحرير الشعب التيغرايي». وكانت هذه المجموعات قبل تكوين التحالف عبارة عن جماعات متمردة ضد نظام الحكم ذي التوجه الماركسي المعروف بنظام «الدرغ» بقيادة الرئيس منغستو هيلا مريام، الذي ظل يحكم البلاد منذ 1974 عقب إسقاط حكم الإمبراطور هيلاسيلاسي، حتى أطاح به التحالف الجديد في عام تكوينه (1991)، وفي حينه دخل الثوار العاصمة أديس أبابا وفرّ منغستو خارج البلاد.
بسقوط حكم منغستو، شكّل التحالف الحاكم حكومة انتقالية ترأسها تامرات لايني، استمرت في السلطة حتى 22 أغسطس (آب) 1995. وبناءً على الدستور الجديد الذي كُتب عام 1994. تشكلت هيئة تشريعية من مجلسين ونظام القضائي، وشهدت البلاد بعدها أول انتخابات تعددية. في تلك الانتخابات فاز مرشح تحالف «الجبهة الديمقراطية للشعوب الإثيوبية» ملس زيناوي، وهو من قومية التيغراي رئيساً للوزراء، ونيقاسو جيدا رئيساً للدولة. وظل زيناوي في الحكم حتى وفاته 20 أغسطس 2012. وإثر وفاة زيناوي، أصبح نائب رئيس الوزراء هيلي مريم ديسالين في منصب رئيس الوزراء وظل في منصبه حتى انتخابه رئيساً للوزراء في انتخابات 2015.
تصدّع التحالف:
يرجع عبد المنعم أبو إدريس، الخبير في شؤون القرن الأفريقي، بداية تصدّع التحالف الحاكم في إثيوبيا إلى السنوات القليلة التي أعقبت دخول قوات التحالف إلى العاصمة أديس أبابا وهزيمة منغستو هيلامريام، فيقول: «بدأ الصراع بتململ قومية الأورومو مما أسموه (التهميش) داخل السلطة والتحالف الحاكم، إلا أنهم أضمروه حتى 2005، عندما اتهم فصيل (الجبهة الديمقراطية لشعب الأورومو) التحالف بالتلاعب بالانتخابات وانتزاع دائرتين انتخابيتين في أديس أبابا منهم، لكن رئيس الوزراء ملس زناوي أفلح في تهدئتهم».
ويستطرد أبو إدريس قائلاً: «إن الأورومو المهاجرين بقيادة جوهر محمد، دأبوا على ترديد نغمة التهميش، زاعمين أنهم يُمثِّلون 40 في المائة من مجموع السكان، ومع ذلك فنسبتهم في السلطة بحدود 6 في المائة فقط، بينما للتيغراي نسبة 25 في المائة من السلطة، مع أن عددهم لا يتجاوز 6 في المائة من جملة السكان». ويوضح أن «نغمة التهميش ظلت مع ذلك خافتة، حتى أنشأ زعيم الأورومو الشهير جوهر محمد إذاعة بلغة الأورومو تبث من الولايات المتحدة وتطرق بحدة قضية تهميشهم، ثم خرج الأمر للعلن أكثر بعد وفاة زيناوي».
وحقاً، صعّد الأورومو من الحملات ضد سيطرة التيغراي الممتدة منذ 1991، إلى أن توصل التحالف الحاكم إلى تسوية قضت بتعيين رئيس وزراء من غير قومية التيغراي، واختير تبعاً لذلك هيلا مريام ديسالين، الذي ينتمي لمجموعة «جبهة شعوب الجنوب»، بعد وفاة زيناوي، كي يسهل
للتيغراي السيطرة عليه وكسب مجموعته حليفاً جديداً.احتجاجات الأورومو:
غير أن الأوضاع تعقّدت بإصدار الحكومة عام 2015 قرارات بمنح أراضٍ لمستثمرين في إقليم الأورومو وتوسيع مساحة العاصمة أديس أبابا الواقعة في الإقليم على حساب أراضي أوروميا جنوباً، ومنذ ذلك التاريخ بدأت سلسلة الاحتجاجات الشهيرة في عامي 2016 و2017 التي قادها جوهر محمد، وقمعتها حكومة ديسالين بعنف لافت.
ويرى أبو إدريس أن العنف الحكومي ضد الاحتجاجات، أدى إلى نشوء تحالف بين قوميتي الأورومو والأمهرا على الرغم من الخلافات العرقية بين المجموعتين. ومن ثم، مارس هذا التحالف ضغطاً عنيفاً على حكومة ديسالين، مستغلاً إدارته لملف الاحتجاجات الشعبية وقمعها بعنف، وفشله في تحقيق تنمية متوازنة فاضطر للاستقالة. ويضيف: «استقال ديسالين، واختير آبي أحمد (من الأورومو) رئيساً للوزراء بدعم من تحالف الأورومو والأمهرا بغالبية 75 في المائة من التحالف الحاكم، لكن التيغراي حجبوا عنه أصواتهم البالغة 25 في المائة، ومنذ ذلك الوقت حفظ الرجل – أو هكذا يقول المراقبون – رفضهم تأييده في بادئ الأمر».
آبي أحمد والتيغراي:
وضع آبي أحمد خططاً اقتصادية إصلاحية لقيت ترحيباً كبيراً على مستوى العالم، لكنها ضربت مراكز «سيطرة التيغراي» في الأجهزة الأمنية والعسكرية إذ اعتبروها «قمعية تاريخياً ولا تؤمن بالديمقراطية». ومن ثم، اندلعت المواجهة بين أديس أبابا ومكيلي (عاصمة إقليم تيغراي)، بإقالة آبي لرئيس هيئة الأركان في الجيش الإثيوبي يونس أمورا، ومدير جهاز الأمن والاستخبارات، ومدير الشرطة، ومدير الشرطة الفيدرالية، وكلهم من التيغراي، وأتى برئيس هيئة أركان من الأمهرا، ومدير لجهاز الأمن من الأورومو. وأيضاً أقال مدير سد النهضة موجهاً ضربة كبيرة للتيغراي، ذلك أن الشركة الرئيسة التي كانت تستورد مواد إنشاء السد ذات علاقة بـ«الجبهة الشعبية لشعب تيغراي»، وهو ما اعتبره التيغراي استهدافاً مباشراً لهم. كذلك سارع آبي للمصالحة مع رئيس إرتيريا آسياس أفورقي العدو التاريخي للتيغراي، وهنا يشرح أن «أفورقي كان حليفاً للتيغراي، قبل أن ينقلب الحلف لعداء عقب الحرب الإثيوبية الإرتيرية 1998».
ونتيجة لذلك، شرع التيغراي في تنظيم أنفسهم داخلياً، وانكفأوا على إقليمهم منذ المصالحة الإثيوبية الإريترية، وشنوا هجوماً عنيفاً على رجال الصف الأول في أديس أبابا مثل سيوم مسيفين ومجموعته. وبعدما أعادوا ترتيب بيتهم الداخلي، أتوا بالمناضل والمحارب الشهير دبرصون ميكائيل رئيساً لـ«جبهة شعب تيغراي»، ثم حاكماً للإقليم.
أزمة تمديد ولاية آبي أحمد:
جاءت الطامة الكبرى حين مدد البرلمان الفيدرالي ولاية آبي أحمد المنتهية في يونيو (حزيران) الماضي تحت ذريعة «جائحة كوفيد – 19»، وهو ما اعتبره التيغراي إجراءً «غير دستوري وغير قانوني». وفي احتفال بذكرى تأسيس «جبهة شعب تيغراي» في عاصمة الإقليم مدينة مكيلي، استعاد الإقليم علمه القديم بديلاً لعلم إثيوبيا.
بينما أعلنت رئيسة البرلمان الاتحادي ثريا إبراهيم رفضها تأجيل الانتخابات، ووصفتها بأنها غير دستورية، وأعلنت زهدها في المشاركة في خرق الدستور، وقرّرت بعدها البقاء في تيغراي وعدم العودة لأديس أبابا مرة أخرى. وقرر برلمان الإقليم إجراء انتخاباته في أغسطس 2020. لكن لجنة الانتخابات المركزية رفضت الإشراف عليها والاعتراف بها، ورفضت الحكومة الاعتراف به، فردوا بالمثل بسحب الاعتراف بالحكومة المركزية في أديس أبابا، ووصفوها بأنها «فاقدة للشرعية». وبحسب أبو إدريس رداً على تلك الأحداث، أصدر رئيس الوزراء قراراً قضى بوقف التحويلات المالية لإقليم تيغراي، وأمر البنك المركزي الإثيوبي بوقف التحويلات لفروع البنوك في الإقليم، ثم اتخذ قراراً آخراً بتنفيذ قرار محكمة العدل الدولية بتسليم مناطق بادمي وزلمبسا لإريتريا، وهي تقع ضمن إقليم تيغراي.
رد التيغراي جاء بمنع الجنود المنسحبين من إقليمهم من تسليم أسلحتهم، والطلب منهم ترك كل العتاد العسكري خلفهم. ثم تصاعدت الأحداث تباعاً، وبلغت ذروتها بمنع قائد قوات القطاع الشمالي من الجيش الإثيوبي (برتبة فريق) من تسلم قيادة القوة وإلقاء القبض عليه. ثم هاجم التيغراي قوات القطاع الشمالي وسيطروا عليه ومعه الفرقة الخامسة مدرعة، التابعتين للجيش الاتحادي، وعلى النقاط الحدودية مع السودان «الحمرة، اللقدي».
حرب مكيلي وأديس أبابا:
يوم 2 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، شنت القوات الإثيوبية الاتحادية مدعومة بقوات إقليم الأمهرا هجوماً على قوات التيغراي مستخدمة الطيران والمدفعية، فشن التيغراي هجوماً مضاداً على منطقة عبد الرافع التابعة لإقليم الأمهرا قرب الحدود السودانية، ظانين أنها «نقطة ضعيفة» لكن قوات الأمهرا تصدت لهم، فهدد التيغراي بالرد بصواريخ أرض – أرض، يبلغ مداها 300 ألف كيلومتر بحوزة قواتهم.
أبو إدريس يعتقد أن الجيش الإثيوبي لن يستطيع إلحاق الهزيمة بقوات التيغراي في منطقتهم الوعرة. ذلك أنه بجانب القوة الكبيرة التي يملكونها، والتي تبلغ 250 ألف مقاتل مدعومة بميليشيا التيغراي وقدامى المحاربين، تملك قواتهم خبرة وتمرساً كبيرين في القتال والحرب. وفي المقابل، لا تملك القوات الاتحادية معرفة كافية بتضاريس جغرافيا المنطقة، وبالتالي «يمكن للجيش الإثيوبي تنفيذ ضربات جوية، لكنه لن يستطيع فعل شيء على الأرض». أيضاً يوضح الخبير أن السودان وإريتريا بشكل خاص سيتأثران بالنزاع المسلح في إقليم تيغراي «إذ يمكن للتيغراي مهاجمة العاصمة الإريترية أسمرا، وفقاً لبيانهم بإعلان الحرب. ويسعى التيغراي الآن إلى تحييد الجيش الإريتري وشعب إريتريا. إذ قالوا إنهم يستهدفون الحزب الحاكم في إريتريا (أي الجبهة الشعبية لتحرير إريتريا) بقيادة آسياس أفورقي، وإذا حاول آسياس التدخل لصالح حليفه آبي أحمد فقد يتجه التيغراي لضرب إريتريا».
الخبير في شؤون القرن الأفريقي يحذر من تأثيرات أمنية للنزاع على السودان أيضاً، قائلاً: «المناطق الحدودية مضطربة أصلاً، وتنتشر فيها العصابات والميليشيات – على وجه الخصوص ميليشيا الشفتة المتفلتة – وتمارس فيها تجارة السلاح وتهريب البشر والاتجار في البشر والمخدرات… وبالتالي، قد يؤدي النزاع لتدفقات كبيرة من اللاجئين تتجه كلها نحو السودان».
أبو إدريس يعتبر ما أسماه بـ«مغامرة آبي أحمد» بمثابة انتحار سياسي للرجل، فـ«الخيارات تضيق عليه، وبرفضه وساطة الاتحاد الأفريقي ومجموعة دول إيغاد، يكون آبي أحمد قد فقد فرصة تسوية النزاع، بما يتيح له الاستمرار في الانتخابات وخلق تحالفات جديدة». ويتابع أن موقف آبي أحمد ضعيف، حتى بين قوميته الأورومو بسبب اعتقاله رموزها، وأشهرهم جوهر محمد، وممارسة عنف شديد عليهم من قبل السلطة المركزية. مستطرداً: «لم يترك آبي أحمد لنفسه خيارات غير الحرب، رغم خطورتها على مستقبله السياسي، وربما حياته… بل وضع مستقبل إثيوبيا نفسه على المحك»
سد النهضة:
أخيراً، يستبعد أبو إدريس أن تؤثر الحرب على «سد النهضة» وذلك لبعده عن منطقة النزاع بنحو 650 كيلومتراً، إضافة إلى أنه ليس مشروع آبي أحمد، بل خطط له رئيس الوزراء الراحل ملس زيناوي الذي يعتبره التيغراي رمزاً كبيراً لهم. ويضيف: «لكن آبي أحمد سيتشدد أكثر في موضوع سد النهضة، وسيعمل على إكماله، ليكون مشروعه الذي يسعى لتوحيد الإثيوبيين خلفه، في حين لن يضرب التيغراي سد النهضة لأنه ليس مشروع آبي أحمد، بل مشروع إثيوبي قومي»، من ناحية أخرى، يُخشى من أن يؤدي النزاع في إقليم تيغراي إلى تجدد الصراع بين الأمهرا وتيغراي على السيادة على إثيوبيا، فالأمهرا يرون فيه فرصة تاريخية لاستعادة سلطتهم التي فقدوها منذ انتهى عهد الإمبراطور هيلاسيلاسي، بينما يرى فيه التيغراي الفرصة لفرض منطقهم ونفوذهم بالقوة.
بانوراما قوميات إثيوبيا «متحف الشعوب»:
> تتعايش أعداد كبيرة من القوميات والقبائل والإثنيات، والعقائد الدينية والثقافات، منذ التاريخ القديم في إثيوبيا، المنطقة المعروفة تاريخياً باسم «الحبشة». وهي دولة غير ساحلية «مغلقة»، يحدها من الغرب السودان وجنوب السودان، ومن الشمال جيبوتي وإريتريا، ومن الشرق الصومال، ومن الجنوب كينيا.
يعد شعب الأورومو أكبر القوميات عدداً في جمهورية إثيوبيا الفيدرالية، وتقارب أو تزيد أعدادهم عن 40 مليوناً، ويشكلون ما نسبته 39 في المائة من سكان إثيوبيا. والأورومو ينتسبون إلى مجموعة الشعوب «الكوشية»، ويقطنون إقليم أوروميا (وسط إثيوبيا) وعلى قمة الهضبة الإثيوبية. وبعد إطاحة حكم الديكتاتور منغستو هيلا مريام، حُكم الإقليم ذاتياً، وله عاصمته نازريت، واسمها القديم «أداما»، وتحده أقاليم العفر والأمهرا وبني شنقول والحدود الكينية من الجنوب، وإقليم صوماليا، وتقع وسطه العاصمة الإثيوبية أديس أبابا.
أما شعب الأمهرا فيقطن شمال إثيوبيا، وتقدر نسبته من السكان بنحو 25 في المائة، ومنه حكام الإمبراطورية الإثيوبية التاريخية، ومن أبرز قادتهم في العصر الحديث الإمبراطور هيلاسيلاسي (هايلي سيلاسي)، وسلفه الإمبراطور مينيليك، والديكتاتور الشهير منغستو هيلا مريام. وتهيمن قومية الأمهرا على البلاد ثقافياً وسياسياً، أما لغة الأمهرا فهي واحدة من اللغات السامية، وهي اللغة الرسمية في جمهورية إثيوبيا الفيدرالية.
شعب تيغراي لا يشكل نسبة كبيرة من مجموع سكان إثيوبيا، إذ لا تزيد نسبته عن 6.1 في المائة. ويعيش التيغراي في شمال البلاد قرب الحدود مع إريتريا، ومع هذا ظلت هذه القومية تحكم إثيوبيا منذ انتصار الثورة الإثيوبية وإسقاط نظام «الدرغ» برئاسة منغستو، ومآل الرئاسة لملس زيناوي في 1991. برغم تولي رئاسة الوزراء لقادة من قوميات أخرى، إلى جانب السلطة السياسية، فإن نسبة غالبة من الجيش الإثيوبي أفراداً وضباطاً ينتمون إلى التيغراي، ولعبت «الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي» وزعيمها زيناوي دوراً محورياً في إسقاط نظام منغستو، وقلبت المشهد السياسي، وانتقلت قيادة البلاد من الأمهرا إلى التيغراي.
إقليم أوغادين، في الشرق، معقل المجموعة المعروفة بالقومية الصومالية. ويقدر عددها بنحو 6.2 في المائة من سكان الإقليم الذي ضمته إثيوبيا إليها في 1954. هؤلاء ينتمون إلى الأعراق الصومالية، وأهمهم قبيلة الأوغادين، وهي فروع قبيلة الدارود الصومالية، وقبيلة الدناكل، وبعض الأعراق العربية القادمة عبر البحر الأحمر عبر الصومال.
أما في منطقة «الأمم الجنوبية» فتسكن العشرات من الشعوب والقبائل، أشهرها قبيلة السيداما (أو السيدامو) الحامية، وولايتا الأفريقية (وهي قبيلة رئيس الوزراء الأسبق هيلا مريام ديسالين)، إلى جانب قبائل أخرى صغيره مثل الغامو والمرسي والباسكيتو والغوفا. ويعد هذا الإقليم أكبر مصدر للبن الإثيوبي الشهير، ويبلغ عدد سكانه نحو 14 مليون نسمة.
وأخيراً، في غرب إثيوبيا يقع إقليم بني شنقول – قمز. وبنو شنقول هم أكبر قبائل الإقليم، لذا تسمى باسمها، وهؤلاء خليط من قبائل سودانية، تتكلّم اللهجات السودانية المشتقة من اللغة العربية، ولبعضها لهجاتها المحلية مثل لغة البرتا، ويقع في إقليمهم «سد النهضة». والاسم مشتق من اسم جبل مقدس في الإقليم، وتبلغ أعدادهم حسب إحصاء أجرى 2007 نحو 700 ألف، وتسكنه قبال البرتا والقمز والأمهرا والأورومو والشيناشا والماو، والإقليم ذو أغلبية مسلمة.
حقيقة الأمر أن إثيوبيا تمثّل «متحفاً» للشعوب والثقافات والعادات والتقاليد. وتختلف هذه العادات والتقاليد بين كل إقليم وآخر، بل بين مجموعة عرقية وأخرى، لكنها جميعاً تخضع للاتحاد الفيدرالي الإثيوبي، ويعطي الدستور الفيدرالي هذه الشعوب حق تقرير المصير، والانفصال وتكوين دولة مستقلة. ولقد مارست قومية التيغراي هذا الحق، فخرجت عن طوع الحكومة الاتحادية، ما أدى للحرب التي تدور حالياً في شمال إثيوبيا، بقيادة رئيس الإقليم دبرصيون جبرا ميكائيل وجيش الإقليم، ضد الجيش الاتحادي بقيادة رئيس الوزراء آبي أحمد، ويخوضان هناك معركة «كسر عظم» لا يعرف أحد كيف تنتهي أو من ينتصر فيها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى