الإسلام السياسي يطارد إريتريا.. والنخب تفضّل أنظمة علمانية! بقلم / محمود أبوبكر
27-Mar-2019
عدوليس ـ نقلا عن حفريات
حتى النصف الأول من ثمانينيات القرن الماضي، لم تشهد التجربة السياسية الإريترية وجوداً حقيقياً لتيارات الإسلام السياسي، فضلاً عن غياب فعلي لأحزاب وقوى سياسية بخلفيات دينية، في مجتمع يكاد ينقسم بشكل شبه متساوٍ بين ديانتين؛ هما الإسلام والمسيحية.
وفي هذا السياق؛ ربما توهّم البعض في تيار ما عرف بـ “الرابطة الإسلامية” في إريتريا، بقيادة الزعيم الوطني التقليدي، إبراهيم سلطان (وهي حركة سياسية إريترية نشأت في أربعينيات القرن الماضي لا علاقة لها بالإسلام السياسي)؛ أنّها حركة إسلامية، لكن الكاتب والدبلوماسي الإريتري السابق، فتحي عثمان، أكّد لـ “حفريات” أنّ “التاريخ السياسي الإريتري لم يشهد سابقة لنشوء أحزاب الإسلام السياسي من قبل، فحتى حزب “الرابطة الإسلامية”، الذي تشكل في أربعينيات القرن الماضي، لمن يكن إسلامياً بالمعنى الراهن للإسلام السياسي وأحزابه، لذلك هناك حالة قطيعة بين الماضي والحاضر في تجربة الأحزاب الإسلامية الإريترية حديثة النشوء”، مضيفاً “بصرف النظر عن المسمّى، فإنّ الرابطة كانت حزباً سياسياً استقلالياً، ببعدٍ وطني واضح، وليست هناك علاقة بين أطروحاته وأطروحات الأحزاب الإسلامية الحالية”.
وفي ردّه على سؤال: هل هناك ضرورة لقيام أحزاب دينية في إريتريا مستقبلاً؟ يقول عثمان: إنّ الضرورة يحدّدها “السياق” وليس شيئاً آخر، وبما أنّ المستقبل افتراضي؛ فإنّ الضرورة المقصودة كذلك افتراضية، لكنّ واقع الحياة المقبلة المولودة من رحم الحياة الحالية لن تسمح، كما أظنّ، بنشوء أحزاب دينية في إريتريا، إلا كبادئة لحرب طائفية معلنة، ما عدا ذلك؛ فإنّ الوسط السياسي في إريتريا، وحتى ضمن تجربة ديمقراطية، لن يكون مساعداً، وهذا، على الأقل، ما ينبئا عنه أيّ استقراء بسيط للقياس على حالة الراهن اليومي”.
ما الحاجة إلى تأسيس أحزاب بخلفيات دينية كأحزاب الإسلام السياسي أصلاً، في ظلّ مجتمع ثنائي الديانة؟
وتبدو التجربة التاريخية للثورة الإريترية متأثرة بشكل أساسي بفكر تيارات “حركات التحرر” في العالم والإقليم، انطلاقاً من الواقع المحلي؛ وقد نشأت على هوامش تلك التجربة، في نهاية ثمانينيات القرن الماضي، قوى أخرى كانت بالكاد تحاول اجترار تجارب منافيها القسرية، دون حسبة مستحقة للفوارق المجتمعية والسياسية، فضلاً عن التعدد الديني والثقافي الذي يميز إريتريا.
وترى معظم النخب الأكاديمية والسياسية الإريترية، أنّ النموذج الأمثل لمستقبل البلاد يكمن في تبنّي نظام علماني يحيِّد الدين بعيداً عن الاستغلال السياسي.
لكنّ السؤال المركزي في طرح كهذا يتعلق بمدى رسوخ القيم العلمانية في إريتريا، وقدرتها على قطع الطريق في وجه حركات الإسلام السياسي التي تنشط في دول الإقليم، سيما دوله العربية؟”احتمال علمانية الدولة غير مرسَّخ بشكل كافٍ، يقول فتحي؛ لأنّ الديمقراطية في إريتريا لم تتأسس على مراحل تاريخية تدريجية تستلزم تطوراً موضوعياً، لبروز العلمانية كنموذج أمثل للحكم؛ لذلك فهي في نظره ستبدو كما هو الحال في عدد من الدول المجاورة، في ظلّ وجود مؤثرات وعوامل الدين حتى لو غابت الأحزاب الدينية عن المسرح السياسي”.
وبحسب الدكتور حسن سلمان، القيادي بحزب المؤتمر الإسلامي الإريتري: فإنّ “بروز الأحزاب الإسلامية في الواقع الإريتري أملته الحاجة المجتمعية، خاصة لحظة انهيار جبهة التحرير الإريترية، عام 1982، وخلو الساحة لصالح مشروع الجبهة الشعبية، فكانت الحاجة ماسة إلى ملء الفراغ الحاصل، حينها، بصورة تعبر عن تطلعات المسلمين الذين شعروا في انهيار الجبهة انهياراً لمشروعهم الوطني؛ فكانت الحركة الإسلامية هي الأقدر على سدّ الفراغ”. ويشير سلمان إلى أنّ تلك الفترة “شهدت صعود المدّ الإسلامي عالمياً، وبالتالي كان المناخ العام، داخلياً وخارجياً، مواتياً لظهور الحركات الإسلامية”.
وهذا ما يوافقه عليه الدكتور إدريس جميل، مؤلف كتاب “تاريخ الحركة الإسلامية الإريترية”، لكنه يضيف عدة عوامل أخرى، من بينها: أنّ تحكّم تيار اليسار في مفاصل الثورة الإريترية، جعل حراك القيادات الإسلامية المحافظة داخل الجبهة محاصراً وغريباً، بل تعرض، لاحقاً، إلى اعتقالات واغتيالات، فيما تم تهميش بعضهم، ومن هنا بدأت فكرة تأسيس الكيانات الإسلامية”، إضافة إلى “نشاط الإسلاميين في المجالات التعليمية والإغاثية، خاصة، في معسكرات اللاجئين الإريتريين في السودان، وهو ما أدّى، بعد ذلك، إلى تأهيل واستقطاب فئات مهمة من الشباب والطلاب، الذين مثلوا النواة الأولى للحركة الإسلامية “.
الباحث الإريتري تسفابرهان رديء (قيادي في الحزب الليبرالي الديمقراطي، تحت التأسيس،) يؤكد لــ “حفريات”؛ أنّ “الدين ظلّ عاملاً مؤثراً في السياسة الإريترية منذ وقت مبكر، وأضحى واضحاً، مع بروز التيارات المحافظة والمناهضة لخط حركة تحرير إريتريا (وهي أول حركة تحرر حديثة نشأت في إريتريا نهاية الخمسينيات ضدّ الاستعمار الأثيوبي لإريتريا؛ بقيادة محمد سعيد ناود، وكان خطها علمانياً يسارياً)”.
ويوضح تسفابرهان أنّ “تنامي التيارات الدينية غالباً ما يرتبط بحالة الأزمة، فالبشر يلجأون إلى الدين كملاذ، في أوقات الأزمات التي يستعصي حلّها سياسياً ومجتمعياً!”.
وحول مستقبل هذه الأحزاب، في حال توفر نظام ديمقراطي تعددي، يقول برهان: “هذه الأحزاب قد يكون لديها وجود كبير، فالديمقراطية، في نهاية الأمر، هي تجربة تمنح المساحة لكل التيارات، وقد تستغل هذه الأحزاب الدعاية العاطفية لاستقطاب الناس بمقدساتهم الدينية”.
وبحسب تسفابرهان؛ فإنّ “الرهان لا بدّ من أن يكون على الطبقة المستنيرة التي ينبغي أن تساهم في توعية الناس من جهة، وتساهم في طرح البدائل الوطنية العقلانية من جهة أخرى”.من جهته، يُقدَّر الكاتب والصحفي الإريتري، عبد الله محمود: أنّ “للأحزاب الإسلامية فرصة كبيرة، في حال توفر نظام ديمقراطي، بسبب امتلاكها عدداً كبيراً من الكوادر، وقاعدة جماهيرية في الدول المجاورة. وفي طبيعة الحال؛ سيتيح النظام الديمقراطي لها مخاطبة الشعب في الداخل”، فيما لا يرى محمود، أنّ انقسام الإريتريين بين ديانتين، يمثل عقبة أمامها، سيما أنّ جميع الأحزاب الإسلامية تقرّ بأنّ المواطنة هي أساس الحقوق والواجبات” بحسب قوله.
ويبقى السؤال الجوهري: ما الحاجة إلى تأسيس أحزاب بخلفيات دينية كأحزاب الإسلام السياسي أصلاً، في ظلّ مجتمع ثنائي الديانة، وفي ظلّ توافق “قوى المعارضة” على اعتماد دستور مدني يجعل المواطنة هي معيار الفعل السياسي، إن لم يكن الهدف هو جعل الدين موضع استقطاب انتخابي، أو بمثابة بادئة لصراعات طائفية؟
ويكتسب السؤال السابق أهميته في ضوء أنّ تجارب هذه الحركات في إريتريا كانت بداياتها إسلامية عسكرية، لا تستهدف القوات النظامية فحسب؛ بل حتى مجندي الخدمة الوطنية، وبعض المدنيين، عبر عمليات “التلغيم والتفجير”، وذلك قبل أن يقتنع بعض منسوبي هذه التيارات، تحت ضغط الجهات الداعمة محلياً وإقليمياً، أو نتيجة مراجعات داخلية؛ بالتحول إلى العمل السياسي، وهو تحول خاضع لواقع الظروف المحلية والإقليمية والدولية، وليس بالضرورة ثابتاً.
https://www.hafryat.com/ar/node/7151