تقارير

مخاطر محتملة.. هل يستمر السلام بين إثيوبيا و إريتريا؟ بقلم/ مايكل روبن

28-Mar-2019

عدوليس ـ الوطن العمانية

على الرغم من أن بوصلة عام 2019 تؤشر إلى أن العلاقات بين اثيوبيا و إريتريا سوف تأخذ منحى التطبيع غير أن ثمة تحذيرات متزايدة بشأن المكونات الرئيسية للعلاقة والتى تظل فى مجملها غير مستقرة ,إذ أن وقائع التاريخ تنبىء باحتمالات انقلاب الجانبين على مسارات السلامفبعد صراع دام الثلاثين عامًا ضد إثيوبيا حصلت باإريتريا على استقلالها الكامل في عام 1993، عقب هروب الدكتاتور السابق منغستو

هيلاماريام فى 21 مايو 1991، إلى المنفي في زيمبابوي. وي. وكان الرئيس الإريتري إسياس أفورقي والزعيم الإثيوبي الجديد ميليس زيناوي رفاق السلاح ضد نظام منغيستو. بدا الأمر كأنهما سيقودان بلدانهما إلى فترة من السلام والازدهار.
في مراجعة لكتاب “فاينانشيال تايمز” ، عاد الكاتب البريطاني جون رايل بعقارب الساعة للوراء حيث الاحتفال عام 1995 في مدينة ميكيلي الشمالية في إثيوبياوكما هو معلوم خاضتا الحركتين معا حرب العصابات وهزمتا الدرق، ثم اتفقا بشكل غير مسبوق على الانفصال الودي، وفي الأوساط الدبلوماسية الغربية وصف ملس وإسياس على أنهما سلالة جديدة من رجال الدولة فى إفريقيا. وفي ذلك المساء وعلى مشارف مدينة مقلي شوهد ملس وإسياس وغيرهم من الضيوف وهم يرقصون سوياً علي ضوء القمر على غناء نجم البوب ​​الإثيوبي المخضرم محمود احمد .
لكن شهر العسل بينهما لم يدم طويلا، وسرعان ما انهارت المبادرات , فبعد ثلاث سنوات اندلعت سلسلة مناوشات بين إرتريا وإثيوبيا بسبب نزاع حدودي بسيط وأدي إلى صراع واسع النطاق. وللعلم فإن تلك الأرض الحدودية والمتنازع عليها لا تملك مقومات أو موارد حقيقية. ووصف حينها النزاع بأنه أشبه ” برجلين أصلعين يتقاتلان على مشط”.
إذ أن وصلة رقص إسياس وميليس ذات مرة في ميكيل ، سرعان ما قصفتها طائرة إريترية وانطلقت نيران القناصة والقنابل المدفعية ونيران الدبابات والغارات الجوية والاستيلاء على الأراضي وحرب الخنادق الشبيه بالحرب العالمية الأولى والمليئة بالهجمات البشرية. وبحلول الوقت الذي وافق فيه الطرفان على وقف لإطلاق النار ، كان ما لا يقل عن مائة ألف إثيوبي وإريتري قد لقوا حتفهم في القتال. كان السلام فاتراً ، وفي بعض الأحيان بدا وكأنه مجرد هدنة وسيندلع على إثرها القتال مرة أخرى.
استخدم كليهما الأزمة كذريعة لتضييق الخناق علي بلديهما وفي حين كان الدبلوماسيين والمحللين يأملون في أن تصبح إرتريا دولة ديمقراطية، غير أنها سرعان ما انحدرت إلى حكم استبدادي. وفي عام 1999 خفضت مؤسسة فريدوم هاوس تصنيفها إلى “غير حر”. واستخدم أسياس النزاع لإنشاء نظام تجنيد شبه دائم , إلى أجل غير مسمى – وغالبًا لايمكن تمييزها عن العبودية. وفي غضون ذلك بدأت إثيوبيا باستخدام وسائل القمع بالرغم من أنها لم تكن شديدة التطرف.
الخلاف الاثيوبي الارتري كان في حالة تأهب لاشتعال الحرب لأي سبب وفجأة وجاءت مبادرة السلام 2018م بين البلدين والتى يرجع العديد من المراقبين الفضل فى خروجها إلى النور إلى تعيين البرلمان الإثيوبي أبي أحمد الشاب والمقاتل السابق في حرب العصابات وضابط المخابرات والذي عمل لدي وكالة الأمن القومي الاثيوبي , إذ أن عمله السياسي الحالي والجهود التى لمعالجة بطالة الشباب ومحنة النازحين وكذلك قدرته على بناء الائتلافات عرقية ,دفعته بقوة إلى صدراة المشهد .
ابي احمد عند تنصيبه دعا للسلام ولم يضيع أي وقت لمتابعته وتحقيقه، ولدرجة أن المحاربين القدامى في المنطقة فوجئوا بالاستجابة السريعة من جانب إسياس لجهود ابى أحمد. وقع الزعيمان اتفاقية للسلام في سبتمبر 2018 بالمملكة العربية السعودية. وكان التقارب سريعًا، واستأنفوا التجارة. لذلك فإن هناك كانت تكهنات واسعة النطاق بأن أبي احمد قد يفوز بجائزة نوبل للسلام.للأسف، في حين أن أبي احمد يبدو مخلصًا غير أنه من غير المرجح أن يكون هناك سلام واضح ودائم بين إثيوبيا وإرتريا. حيث يكمن موطن التعقيد فى أن أسياس البالغ من العمر 73 عامًا يرى أنه أقل من أن يكون على قدم المساواة مع أبي احمد البالغ من العمر 42 عامًا أكثر من كونه أبا ومرشداً. حتى مع أفضل الاحتمالات فإن مفهوم أسياس للدبلوماسية يقوم على أن يملي موقفه ثم ينتظر خصومه لقبوله دون أي حل وسط، لكن عندما يكون الخصم أو الشريك أصغر منه جيلا، فإن فرص إسياس ستنحصر من ضئيلة إلى معدومة .و ستنشأ بينهم حتما قضايا ثنائية، ومن غير الواضح ومن المنظور الإثيوبي ما إذا كان الإثيوبيون العاديون سيدعمون تنازلات ابي احمد المتكررة – ناهيك عن تحالف سياسي وهمي، لاسيما وأن اثيوبيا تعد الآن ثاني أكبر دولة في أفريقيا من حيث عدد السكان بعد نيجيريا، أكثر من 100 مليون، يسيطرون على شرق أفريقيا. وبينما يرى أسياس أسمرة وأديس أبابا على قدر المساواة، لكن الإثيوبيين لن يقبلوا أبدًا التعامل بالمثل مع بلد يبلغ عدد سكانه اقل من ٢٠ او ٢١ مرة.
لذا، عندما يثير أسياس شكوى أو مشكلة ولم يكن لدى أبي احمد مجال للمناورة، ماذا يفعل أسياس؟
في الماضي أبدى إسياس استعدادًا لإخضاع الأمن الإقليمي ووضع بلاده الاقتصادي من أجل إحساسه الملتوي بالشرف الشخصي. مثلما ذهب أسياس وملس من الرفاق والأصدقاء إلى الأعداء في غضون بضعة أشهر فقط، وكذلك الحال سيكون بالنسبة لأسياس وأبي احمد. أضف إلى هذا المزيج أن إثيوبيا تزداد ديمقراطية بينما أصبحت إرتريا كوريا الشمالية للقارة الأفريقية، ولإسياس أسباب شخصية لوضع المكابح على السلام أو حتى عكس اتجاهه. قد يرحب أسياس مؤقتًا بالتدفق الاقتصادي الذي يجلبه السلام لبلاده المدمرة والفقيرة، لكنه لن يواصل ذلك على حساب سلطته.
من المؤكد السلام بين إثيوبيا وإرتريا شيء جيد. لكن التفاؤل يجب ألا يحجب الدبلوماسيين والمحللين عن رؤية ومعرفة الواقع، وإذ أن الديكتاتوريين على غرار أسياس لا يغيرون سلوكياتهم فجأة بين عشية وضحاها.
الواقعية السياسية لاتعنى فقط, الاحتفال بالتقدم الصحيح، ولكن أيضاً الاعتراف بمدى ضحالة الوضع والتخطيط بشكل استباقي، للحصول على فرصة للتقارب والذى قد يكون عابراً.
ــــــــــــــــــــــــــ
مايكل روبن: باحث بمعهد أمريكان إنتربرايز.
https://alwatanalarabi.com/مخاطر-محتملة-هل-يستمر-السلام-بين-إثيوب-
134979

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى