دراسات وبحوث

ورقة الحوار الإرتري ـ الإرتري.. التحديات والآفاق

8-Feb-2008

المركز

مدخل
الحوار لغة مشتق من الحور وهو الرجوع ، إنه ظن أن لن يحور ، أى لن يرجع ، والحوار هو مراجعة الكلام ،والمحاورة هي المجاوبة ، ونقول أحار الرجل الجواب ، أي رده ، واصطلاحا الحوار لفظ عام يشمل صوراً عديدة منها المجادلة والمناظرة ، ويراد به مراجعة الكلام ، والحديث بين طرفين دون أن يكون بينهما ما يدل بالضرورة على الخصومة .

الحوار الاريتري إبان مرحلة النضال السياسي والعسكريظلت مفردة الحوار تتردد في الساحة الاريترية منذ مراحل النضال السياسي ومرحلة حرب التحرير. ومن نماذج الحوار الجديرة بالذكر محاولات كل من الرابطة الإسلامية وحزب الوحدة حول فكرة بديلة لمشروعي الاستقلال الوطني الذي كانت تتبناه الرابطة الإسلامية ، والوحدة مع إثيوبيا ، الذي كان يتبناه حزب الاتحاد، وهي فكرة وضع اريتريا تحت الوصاية البريطانية، إلا أن الطرفين لم يتفقا على هذه الفكرة. كذلك حوارات جرت بين جبهة التحريرالإرترية وقوات التحريرالشعبية ،ثم الجبهة الشعبية لتحرير اريتريا في سبعينيات القرن الماضي بعد أن خاض الطرفان حرب أهلية شرسة سعى خلالها كل منهما فرض السيطرة على الساحة بعد إقصاء الأخر. ومن المعروف أن الحوارات الثنائية بين الفصيلين الرئيسيين في الساحة آنذاك ( جبهة التحرير الاريترية والجبهة الشعبية لتحرير اريتريا) ارتكزت على مفهوم وحدة القوى التقدمية في إشارة إلى حقيقة تبني الجبهتين الفكر الماركسي بقيادة حزبي العمل الاريتري (جبهة التحرير الاريترية) وحزب الشعب ( الجبهة الشعبية). ولم تسفر تلك الحوارات عن نتيجة ايجابية بالرغم من محاولات نظام النميري رعايتها وتشجيعها حيث كانت عبارة عن تكتيكات تفتقر إلى مصداقية الطرفين المتحاورين.شهدت الساحة الارترية حوارات لاحقة بعد ذلك منها حوارات انتظمت فيها جبهة التحرير الاريترية، الجبهة الشعبية لتحرير اريتريا، جبهة التحرير اريتريا اللجنة الثورية، جبهة التحرير الاريترية ـ قوات التحرير الشعبية ، وذلك تحت رعاية الجامعة العربية ، أعلنت على أثرها ما عرفت باتفاقية تونس، ولكن تلك الاتفاقية لم تر النور خاصة وأنها تزامنت مع معارك عسكرية شرسة كانت تدور رحاها بين كل من جبهة التحرير اريترية والجبهة الشعبية انتهت بإلحاق هزيمة عسكرية بجبهة التحرير الاريترية وانقسامها إلى عدة فصائل تحمل اسم جبهة التحرير الاريترية.بعد فشل اتفاقية تونس انخرطت فصائل جبهة التحرير الاريترية بقيادة عبدلله ادريس، وجبهة التحرير الاريترية اللجنة الثورية بقيادة عبد القادر جبلاني، وجبهة التحرير الاريترية قوات التحرير الشعبية بقيادة عثمان صالح سبي في حوارات تحت رعاية كل من المملكة العربية السعودية والسودان انبثق عنها ما عرف بجبهة التحرير الاريترية التنظيم الموحد. ثم انتكست هذه التجربة نتيجة لخلافات أدت إلى انقسامها إلى طرفين تحت إسم جبهة التحرير الاريترية المجلس الوطني بقيادة عبدلله إدريس، وجبهة التحرير الاريترية التنظيم الموحد بقيادة عثمان صالح سبي ثم انقسم تنظيم جبهة التحرير الاريترية بقيادة عبدالله إدريس إلى جناحيين يقود أحداهما عبدلله إدريس والآخر بقيادة عبدالقادر جيلاني، بينما ظل التنظيم الموحد بقيادة عثمان سبي موحدا. الحوار بعد الاستقلال:بعد جلاء قوات الاحتلال الإثيوبي عام 1991م عن الأرض الاريترية، وانطلاقا من الإيمان بان عملية التحرير التي تحققت هي نتاج لإسهامات كافة القوى الوطنية خلال سنوات معركة التحرير أصدرت أربعة تنظيمات اريترية معارضة بمذكرة إلى الجبهة الشعبية لتحرير اريتريا وهي ج ت ا، ج ت ا المجلس الوطني، ج ت ا التنظيم الموحد، وحركة الجهاد الإسلامي الاريتري، إعلانا سياسيا تدعو فيها إلى تجاوز خلافات مرحلة حرب التحرير بين فصائل الثورة الاريترية والتوجه نحو مصالحة وطنية شاملة تسفر عن تشكيل حكومة وحدة وطنية مؤقتة ريثما تنضج الظروف لإقامة حكومة دستورية تنبثق عن ممارسة ديمقراطية وتعبر عن إرادة جماهير الشعب الاريتري.( ومن الجدير بالذكر أن تنظيم جبهة التحرير الاريترية المجلس الثوري قاطع اجتماعات التنظيمات الأربعة التي صدر عنها الإعلان المذكور معترضا على مشاركة حركة الجهاد الاريتري في ذلك اللقاء.). إلا أن الجبهة الشعبية لم تستجب لذلك النداء وأعلنت عدم اعترافها بوجود تنظيمات سياسية أخرى في الساحة الاريترية وفي أعياد الشهداء في العشرين من يونيو عام 1992م أعلن الرئيس الإرتري رفضه الإعتراف بالآخريين وطالب قيادة التنظيمات أن تلتحق بالوطن بصفتهم الشخصية ،وتأسيسا على هذه القاعدة مضت الجبهة الشعبية الحاكمة في طريق تكريس نظامه الشمولي الذي قيد كل أشكال الحريات الأساسية .الحوار على مستوى المعارضة:في سياق تعزيز جهود فصائل المعارضة الاريترية لمقاومة النظام الدكتاتوري شهدت ساحة المعارضة الاريترية سلسلة من الحوارات أسفرت عن إقامة التشكيلات التالية في مراحل مختلفة:- 1/ التحالف الاريتري عام 1996م وهو تحالف على نمط الجبهة الوطنية المتحدة حيث احتفظت التنظيمات المكونة لها باستقلاليتها. وكان قد ضم هذا التحالف كل من جبهة التحرير الاريترية المجلس الوطني، جبهة التحرير الاريترية ، حركة الجهاد الإسلامي الاريتري.2/ تأسس تجمع القوى الوطنية الاريترية عام 1999م وضم التنظيمات الثلاث التي كونت التحالف الاريتري المذكور أعلاه بالإضافة إلى سبعة تنظيمات أخرى وشخصية وطنية هي الأستاذ / علي محمد سعيد برحتو . وفي عام 2002م تطور التجمع وسمى بالتحالف الوطني الإرتري حيث انضمت إليه فصائل التنظيم الديمقراطي لعفر البحر الأحمر، و حزب التعاون الاريتري .3/ في عام 2004م انضمت الى التحالف تنظيمات ج ت ا المجلس الثوري، الحزب الديمقراطي الاريتري، الحركة الشعبية الإرترية ،والحركة الفيدرالية ومرة أخرى تغير الاسم إلى التحالف الديمقراطي الاريتري. وفي فبراير2007م انقسم هذا التحالف إلى كتلتين بذات الاسم.التجارب الوحدوية:شهدت ساحة المعارضة الاريترية تجربتين وحدويتين انطلاقا من تماثل البرامج والمنطلقات السياسية تمثلتا في الوحدة الاندماجية بين جبهة التحرير الاريترية وجبهة التحرير الاريترية المجلس الوطني عام 2000م والوحدة التي دمجت فصائل المؤتمر الوطني والحركة الشعبية والجبهة الديمقراطية الثورية الإرترية ، تحت اسم جبهة الإنقاذ الوطني. وفي عام 2004م اندمجت الجبهة الديمقراطية الشعبية الإرترية ( ساقم ) وجناح من الجبهة الثورية الديمقراطية ( سدقئ).حوار الحكومة والمعارضة:لم تشهد الساحة أي حوار بين المعارضة والحكومة نتيجة لموقف الأخيرة الرافض للاعتراف بوجود معارضة اريترية، وجابهت الحكومة الاريترية مساعي أصدقاء اريتريا بالرفض القاطع لأية محاولة لإقناعها بأهمية الحوار مع الفرقاء، بينما تؤكد فصائل المعارضة على مواقف ثابتة للدخول في حوار جاد مع الحكومة تحت رعاية وسطاء مقبولين لدى الطرفين بغية إيجاد تسوية سلمية للازمة السياسية في اريتريا. على الرغم من أن شعار الحوار بين القوى السياسية ظل مرفوعا منذ أكثر من نصف قرن ما تزال قضية الوحدة الوطنية في اريتريا تواجه تحديات كبيرة خاصة بعد تجربة حكم النظام الدكتاتوري التي عمقت أزمة الثقة بين مكونات الشعب الاريتري. ويتعين على القوى السياسية ان تنخرط في حوار سياسي يتناول القضايا الجوهرية مثل الدين والهوية والتحول الديمقراطي وآليات الحكم التي تضمن التعايش السلمي بين مكونات الشعب الاريتري. الحوار الإرتري ـ الإرتري تعدد القوالب وتواضع النتائج :على الرغم من تعدد قوالب الحوار الوطني المعروفة عبر التجارب الإنسانية التاريخية ، يصعب تحديد شكل القالب الذي يصلح للحالة الإرترية في هذه المرحلة ، وتأتي صعوبة تحديد الشكل المناسب من بعض الملاحظات المهمة التي نحاول أن نذكر منها :-•إن أطراف الحوار المتوقعة في هذه المرحلة في تكويناتها الغالبة ـ تنظيمية ، سياسية ـ هي امتداد لمرحلة سابقة وهي مرحلة الثورة ، حيث تشكل الشعبية كمدرسة وتنظيم طرفاً أصيلاً في الحوار المرتقب ، كما تمثل الجبهة عبر تجربتها التاريخية ومدرستها السياسية طرفاً آخر ، مع ملاحظة بعض التوجهات الجديدة ، هنا وهناك دون أن ينسف ذلك الفرضية الأساسية .•كانت هنالك حوارات بين هذه المكونات كتنظيمات ومدارس ، ولكن حتى الآن لم يخضع ذلك الحوار لتقييم منهجي موضوعي ، وهو أمر يبقى في غاية الأهمية لبناء أركان حوار لاحق .•رغم وحدة الهدف والحافز في مرحلة النضال وهو تحرير البلاد وطرد المستعمر ، والاتفاق على الوسيلة الرئيسية وهي الكفاح المسلح حتى النصر وتحرير البلاد ، لكن لم يصل الحوار إلى غاياته المرجوة في أي مرحلة تاريخية ، دون أن ننفي أن هنالك تقدم واختراق نظري في بعض المراحل ، وهي نقطة في غير صالح الحوار في هذه المرحلة بعد أن تباعدت الأهداف وتعددت الوسائل .•مع افتراض أن الحكومة طرف والمعارضة طرف أخر في هذه المرحلة ، وانعدام أي تجربة حقيقة في هذا المضمار ولكن المؤكد أن الحكومة ليست كلّ واحد ، كما أن المعارضة ليست كيان واحد ، ومن هنا فإن الحوار بين مكونات كل معسكر ليس بالتجربة المشجعة ، والملاحظة هي وجود الحوار في معسكر المعارضة ولكن ليس بما يتناسب والتجربة التاريخية والتحديات الماثلة ، في حين نجد ضمور كبير في تجربة الحوار داخل الحكومة ، وكل المحاولات انتهت نهايات مخيبة للآمال بل مأساوية في كثير من مراحلها .•الحوار عبر التجارب التاريخية يأتي نتيجة إحساس الطرفين أو الأطراف بضغط المشكلة وضرورة تجاوزها ، وهو ما لم يتحقق حتى الآن ، وإن كان ذلك بدرجات متفاوتة بين المعسكرين من جهة ، ومكونات كل معسكر على حده من وجه آخر .آفاق الحوار الإرتري ـ الإرتري :إن الملاحظات السالفة الذكر هي مداخل تعميمية تساعدنا على محاولة قراءة مستقبل الحوار الإرتري ـ الإرتري ، خاصة في بعده الرئيسي ـ ونعني حوار الحكومة ، المعارضة ـ وبالتأكيد إن هذا الحوار هو حوار افتراضي حتى الآن ، وتنطلق الفرضية من حاجة الجميع للحوار مع وجود أزمة مستحكمة في الساحة السياسية الإرترية ، وهو ما تدركه كافة القوى السياسية ولكنها تختلف في مسبباته ،وفي ذات الوقت تبتسر هذه القوى المشكلة في شكل يجنبها المسئولية ، ومن ثم تبرر عدم مبادرتها لفتح صفحة المعالجة الحقيقة التي تبدأ بالحوار ، حيث نجد أن الحكومة تفترض أن المشكلة هي أطماع دولية ـ إثيوبية، أمريكية ـ في هذه المرحلة ، وأن المعارضة لا تعدو أن تكون واحدة من الأدوات المستخدمة من قبل هؤلاء ، بينما تعتقد المعارضة أن المشكلة تكمن في النظام وتركيبته ورؤيته القاصرة ، وأن المشكلة محلولة بزوال النظام .إن هذه الافتراضات لا تخلو من وجه من وجوه الحقيقة ، ولكنها ليست الحقيقة كلها ، لذا فإن المدخل المناسب في تقديرنا هو الاعتراف بالأزمة وتوصيف أسبابها الحقيقة ، فمثلاً الحكومة يجب أن تعترف أن هنالك أزمة داخلية عميقة نتيجة سياساتاتها التي هي في الأصل فصيل واحد من فصائل الثورة ، لم يعترف بالآخرين ، كما لم يشغل نفسه بالبحث عن أي شرعية دستورية خاصة بعد الحرب الإرترية ـ الإثيوبية عام 98ـ2000م . وتحتاج المعارضة أيضاً أن تعترف بأن هنالك أطماع دولية وإقليمية وأنها يجب أن لا تكون أداة بيد الأخرين ، هذه مفاتيح دون شك تحوى في داخلها تفاصيل كثيرة شائكة ، كما تنبني عليها مواقف والتزامات كبيرة على الأرض .التفاوض هو عملية معقدة تعتمد على الإقناع من جهة والضغط من جهة أخرى ، ولا يتأتي الضغط إلا من خلال عوامل تتمثل في توافر المعلومات الكافية للمحاور ، وامتلاكه أوراق مخفية يمكن أن يبرزها في التوقيت المناسب ، لكن الأهم في عملية الحوار والتفاوض هو القدرة على تقديم التنازلات والبدائل ، ويعتمد نجاح الحوار على حجم التنازلات التي يمكن أن تقدمها الأطراف ، ودائماً ما تأتي التنازلات نتيجة لضعف أو وعي بالمشكلة ، ومن هنا تسعى الأطراف دائماً إلى تحسين مواقفها التفاوضية من خلال فرض بعض الحقائق على الأرض ، والثوابت في الوجدان .وفي هذا الصعيد تمتلك أطراف الحوار المرتجاة في إرتريا ـ الدولة ، المعارضة ـ مقومات نجاح الحوار إذ يملك كل من الطرفين نقاط قوة ، ونقاط ضعف وهي مسألة مهمة جدا ، لأن ذلك يشكل نوعا من التوازن .نقاط القوة لدى الحكومة :أ| تمتلك الحكومة الاعتراف الدولي ، باعتبارها الحكومة الموجودة على الأرض ، ولها تمثيل دبلوماسي وعلاقات خارجية على مستوى العالم .ب| تسيطر الحكومة على القوة في الأرض ، الجيش والأمن والخدمة المدنية .ج | تمتلك الحكومة إعلاماً أكثر تنظيماً وقوة من المعارضة .د| الحكومة موجودة على أرض الدولة بينما فاعلية المعارضة خارج ميدان المعركة .نقاط الضعف : أ| غياب الشرعية الدستورية التي تسند الحكومة ، وغياب القانون ومقومات العدالة .ب| الوضع الاقتصادي والأمني المتدهور .ج| التهديد الإقليمي المباشر ، والدولي الغير مباشر .د| الكراهية الكبيرة من قبل كافة قطاعات الشعب .هـ | غياب الكادر المؤهل في كافة مرافق الحكومة بما فيها المناصب الكبيرة والدستورية و| غياب التخطيط الإستراتيجي ، ومركزة الدولة في يد الرئيس ، مما يجعل الآخرين إما أصحاب مصلحة أو خائفين ، وليس مقتنعين .ز| الفساد السياسي والمالي والأخلاقي الذي ضرب كافة مفاصل الدولة .نقاط القوة لدى المعارضة : أهم نقاط قوة المعارضة هي العزف على نقاط ضعف الحكومة ، وانتقادها وتقديم بدائل نظرية ، دون أن تتحمل مسئولية أخلاقية أو سياسية عن توفير البدائل طالما هي خارج الحكومة ، وطرحها لمفاهيم الديمقراطية وحقوق الإنسان والحكم الرشيد التي أصبحت مقبولة دولياً .نقاط ضعف المعارضة :أ| الخلافات المستمرة بين فصائل المعارضة والتي تحمل في بعض ملامحها الخلافات التاريخية .ب| ضعف المعارضة على الأرض ومركزتها في الخارج .ج| غياب العلاقات الدولية إلا في إطار محدود جدا .د| ضعف تأطير المعارضة للجماهير وضعف الآليات التعبوية والتنظيمية للتعاطي معه .هـ | غياب التخطيط في أدائها ، وشح المعلومات المتوفرة لديها عن الخصم لوجودها خارج الدولة .ز| أزمة قيادة كبيرة وعدم وجود قيادات جماهيرية ذات كاريزما .الحوار الإرتري ـ الإرتري مفردة حاضرة عملية غائبة :أن الأمر الطبيعي طالما كانت هنالك عوامل نقاط قوة وضعف لدى أطراف الحوار المفترضة ، أن يكون هنالك حوار بين تلك الأطراف لكن هذا الحوار لم يقم حتى الآن وفي تقديرنا أن هنالك أسباب أدت إلى غياب الحوار نذكر منها :أ| العقلية التي تتحكم في مفاصل وقرارات الدولة ، حيث عرفت الجبهة الشعبية عبر تاريخها بنهجها ألإقصائي ، وكانت نتائج الاستفتاء التي جاء فيها الإجماع الإرتري على الاستقلال فرصة تاريخية للمصالحة الوطنية ، وكذلك الحرب الإرترية الإثيوبية في عام 1998م ، وغيرها من الفرص التي أهدرتها الجبهة الشعبية .ب| ضعف المعارضة في كافة مجالاتها السياسية ، والعسكرية ، والإعلامية والدبلوماسية ، والتنظيمية ، ولم تشكل في يوم من الأيام تهديد للدولة وبالتالي في تقديرات الحكومة فإن المعارضة لم تشكل أي ضغط حقيقي تحتاج معه إلى خوض حوار ، أو تقديم تنازلات .ج| الحرب الإثيوبية الإرترية أعطت النظام فرصة في إيجاد مبررات لاستمراره ، وتعليق الدستور ، كما استطاع من خلال تداعياتها ، التخلص من منافسين محتملين من داخل الجبهة الشعبية .د| غياب الرؤى الإستراتيجية للأطراف الإقليمية الفاعلة وتعاملها برد الفعل مع الحكومة والمعارضة الإرترية على حد سواء.هـ| لم تشكل إرتريا أولوية في سلم الأولويات الدولية ، ولو كانت غير ذلك لبحثت القوى الدولية عن مقومات استقرار الدولة من خلال فرض تسويات وتقديم تنازلات على القوى المختلفة .فرص قيام الحوار ونجاحه : إن فرص إقامة حوار إرتري ـ إرتري تظل قائمة طالما المشكلة السياسية قائمة ، كما تعتبر فرص نجاحها على المستوى النظري كبيرة جداً ، لكن على المستوى الواقعي تظل مجرد بدايتها بعيدة عن التخيل ، دع عنك فرص نجاحها ولعل هذا هو الأمر المحير في المشكلة الإرترية .إن نجاح أي حوار يتوقف على فرص التقاطع والتضاد بين الأطراف ونحاول أن نقف على الأجندة المتوقع طرحها من قبل كل طرف ـ الحكومة ، المعارضة ـ في مائدة الحوار :-أجندة المعارضة : تتوقع أن تطرح المعارضة على مائدة الحوار بعد الشرط الإجرائي المتحقق ببداية الحوار وهو الاعتراف من قبل الحكومة ووجود وسيط مقبول من الطرفين :- أ| إطلاق سراح السجناء ورد المظالم عبر آليات متفق عليها .ب| الانتقال إلى نظام ديمقراطي وقيام انتخابات نزيهة بمراقبة دولية .ج| من أجل الترتيب لذلك لابد من حكومة انتقالية ( وحدة وطنية ) ودستور انتقالي .د| برنامج تنمية متوازن يراعي عملية التمييز الإيجابي للأقاليم الأكثر تضرراً .هـ | إعادة اللاجئين إلى مواقعهم مع العمل على إدماجهم في المجتمع بالاتفاق والتنسيق مع المجتمع الدولي .أجندة الحكومة :يتوقع أن تطرح الحكومة في المفاوضات أ| الاعتراف بالدور الكبير الذي لعبته الجبهة الشعبية في تحرير البلاد وإدارتها والحفاظ على سيادتها ومواردها .ب| موقف واضح من المعارضة تجاه قرار ترسيم الحدود ، ومن الموقف الإثيوبي تجاه هذه القضية .ج| الإبقاء على المؤسسات الموجودة والعمل من خلالها ، وفتح صفحة جديدة دون التلويح بمحاكمات أو ملاحقات قضائية .د| قد تكون هنالك مطالب بالإبقاء على شخص الرئيس على رأس الحكومة الانتقالية .وبقراءة متأنية للأجندة المطروحة بشكلها العمومي نجد إن إمكانية الاتفاق عليها واضحة رغم التعارض الشكلي الذي يظهر من بين فقرات الأجندة لكنها ليست متباعدة إلى المستوى الذي يمكن أن نصفها بأنها متوازية يستحيل تلاقيها ، فمثلاً الخوف من الأطماع الخارجية ، والتدخلات الإقليمية هو محل اتفاق بين المعارضة والحكومة ، وكذلك الموقف من قرار ترسيم الحدود بين إرتريا وإثيوبيا وضرورة الالتزام به ، ومن هنا يبدو أن المشكلة هي في بداية الحوار في حد ذاته ، مما يجعل الحوار في حد ذاته في هذه المرحلة هدفاً دون البحث عن فرضيات نجاحه من عدمها ، ويبقى المدخل المناسب هو في الشروط الإجرائية ليس لطرف ولكن لمصلحة الحوار ، وهذه الشروط هي الاعتراف المتبادل والوسيط المناسب .الخلاصة : بما أن الحوار الإرتري ـ الإرتري بإرادة إرترية غير متوقع نتيجة عوامل تعرضنا لها تفصيلاً ، تتراوح بين النفسية والتاريخية والسياسية ، وحالة عدم الثقة المتبادلة ، لكن في ذات الوقت مع وجود تقاطعات في الأجندة المتوقع طرحها من طرفي الحوار فإنه من الواضح إمكانية نجاح الحوار إذ قام الحوار أبتداءاً في منبر مناسب ، وعادة المنابر والوسطاء يجب أن تتوافر فيهم شروط مناسبة منها إمكانية تأثيرهم على أطراف الحوار ، وأن يكونوا أصحاب مصلحة في إنجاح الحوار ، وبالتالي فإن الورقة في خاتمتها تفترض أن السودان مثلاً ، وبدعم عربي ( مصر ـ السعودية ـ قطر ) هو منبر مناسب لإدارة حوار بين الطرفيين ، خاصة وأن الأحداث دفعت العلاقات السودانية الإرترية نحو التقارب أكثر ، بل يمكن أن نقول نحو التخندق في مواقف مشتركة حيال قضايا مصيرية ، مما يستدعي التفكير في حلول أوسع مدى من الحدود القطرية لكل دولة على حده ، والمعني أن كل من الدولتين معنية في هذه المرحلة بضرورة استقرار الدولة الأخرى لمصلحتها قبل مصلحة الدولة الأخرى ، وهو ما تحاول إرتريا ترجمته من خلال وساطتها المتعددة في ملفي الشرق ودارفور ، وهو ذات الهدف الذي يستدعي الإرادة السودانية للبحث في مفاتيح استقرار إرتريا ، وسيكون مفتاح ذلك الاستقرار هو الحل السياسي للمشكل الإرتري ، خاصة وان إثيوبيا تملك مفاتيح مهمة في عملية إستقرار إرتريا وتشكيل مستقبلها بحكم الثقل الجيوسياسي الذي تتمتع به ، والسودان بحكم العلاقات المتوازنة التي يتمتع بها مع الطرفيين الإرتري والإثيوبي أيضاً بمكن أن يسهم في نزع فتيل التوتر بين البلدين ويراعي بشكل متوازن مصالح الدولتين من جهة ، ومصالح الدولة والمعارضة الإرترية من جهة أخرى ،ويستطيع السودان أيضاً أن يقلل من المخاوف الإثيوبية تجاه هذا الحوار بحكم الثقة المتوفرة بين البلدين ، ومعلوم أن عملية الإستقرار السياسي في إرتريا وفق المعطيات الموجودة تحتاج لما هو أكبر من المصالحة بين النظام والمعارضة ، وإن كانت تلك المصالحة أهم أركانها ،وقد يعتقد البعض أن المعارضة ليست مؤهلة في هذه المرحلة لخوض ذلك الحوار نتيجة للضعف الذي تعاني منه ولكن المعارضة الإرترية مهما كانت ضعيفة في نظر الحكومة فإن مطالبها عادلة وإن لم تساعدها عدة عوامل داخلية تتعلق بتركيبتها التاريخية والسياسية ، متضافرة مع عوامل خارجية أهمهما الرغبة الأمريكية في استمرار النظام لعدم وجود بديل ، وحتى لا تنهار الدولة كما حدث في الصومال وهو ما يوسع حزام المخاوف من انتشار الإرهاب حسب أولويات المحددات للسياسة الأمريكية في هذه المرحلة ، عليه فإن الفرصة مواتية الآن وليس غداً للسودان للاستفادة من علاقاته مع هذه القوى في اتخاذ القرار لبدء خطوة أكثر تأثيرا وفاعلية وهى حوار وطني إرتري ـ إرتري .الخاتمة :نختم بأن نذكر الحضور الكريم أن هذه الورقة هي لمشروع افتراضي لم يلح في الأفق ما يبشر به ، وفي ذات الوقت تنعدم الأسباب الموضوعية لعدم قيامه ، مع وجود المصلحة الجماعية لقيامه ونجاحه ، لذا فإن البحث عن أسباب وعوامل أخرى ليست بالضرورة منطقية يصبح أمراً يسحق أن يبذل فيه جهد لعل من تلك الزاوية تتكشف الحقيقة الغائبة .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى