مقالات

السودان والقضية الإرترية بعد ثورة أكتوبر 1964م : محمد سعيد ناود – أسمرا

7-Nov-2007

المركز

إن حركة تحرير ارتريا ومنذ ميلادها في السودان في 2/11/1958م وعلى أثر هجمة نظام الفريق إبراهيم عبود ضدها ، اتبعت الإستراتيجية القائلة بالاحتماء بالجماهير السودانية والتلاحم معها ، قد تم تطبيقها أثناء الحكم العسكري الذي دام ستة أعوام كاملة ، وقد ظهرت نتائج هذه الإستراتيجية بإيجابياتها الكبيرة المباشرة بعد ثورة أكتوبر السودانية.

وتلك النتائج انعكست في مواقف الأحزاب وزعامات وشخصيات وصحافة مما لايمكن حصره . ولكنني وعلى سبيل المثال لا الحصر سنتطرق لبعضها مع المعذرة لمن لايأتي ذكره،إلا أن تلك المواقف ونضالات هؤلاء الأفذاذ ستظل محفورة في الوجدان ، وقد أتطرق لها تفصيلا في حديث الذكريات والمذكرات ، كما أنه من المحتم سيتطرق إليها آخرون غيرنا .الزعيم الكبير ورمز استقلال السودان الأستاذ إسماعيل الأزهري لقد زرنا الزعيم إسماعيل الأزهري في منزله بأمد رمان بعد ثورة أكتوبر مباشرة ، وكان وفدنا من حركة التحرير الإرترية يتألف من : السادة ، ولدآب ولد ماريام ، محمد صالح محمود ، يسين محمد صالح عقدة ، محمد سعيد ناود . وقد استقبلنا في مكتبه المتواضع في فناء المنزل وهو يرحب بنا بحرارة ، ثم قدم لنا التمر والشاي . وبعدها بدأنا نشرح له القضية الإرترية وظلم الإمبراطور هيلاسيلاسي وجوره والفظائع التي يرتكبها بحق شعبنا والنضال الذي يخوضه الشعب الإرتري في سبيل قضيته العادلة . وظل الزعيم الأزهري صامتاً وهو يستمع لشرحنا ، وعندما انتهينا من حديثنا رد علينا بوجهه البشوش وضحكته الصادرة عن القلب قائلاً : (( أقول لكم ماضاع حق وراءه مطالب وحتما ستنتصرون )) . إنها عبارة قصيرة ومقتضبة لخصت الموقف بكامله . وليته كان حيا ليرى بأن نبوءته قد تحققت . وفي نهاية اللقاء طلب منا مقابلة الأستاذ مبارك زروق الذي كان ساعده الأيمن في حزبه كما كان وزيراً للخارجية في حكومة أكتوبر ، والذي كان بيننا وبينه حديث طويل عن قضيتنا في لقائنا به . الأستاذ محمد عبد الجواد : ذلك الرمز في الحركة الوطنية السودانية ، فكما تلقيت العلم على يديه في المراحل الأولى من التعليم حيث كان معلما في مدرستنا ، أيضا كان أستاذا لنا في الوطنية عندما كان يتصدر المظاهرات ضد الإنجليز . فعندما أصبح الأستاذ عبد الجواد وزيراً للمواصلات بعد ثورة أكتوبر السودانية ، فقد كان مركز حركة تحرير ارتريا في الخرطوم في أحد بيوت السجانة ، وقد تراكمت إيجارات هذا المنزل حتى بلغت ( 80 ) جنيهاً ، وان صاحبة المنزل هددتنا بالطرد مالم ندفع هذا المبلغ . وآنذاك كنا عاجزين تماماً عن دفع هذا المبلغ الكبير ، كما كنا نعاني كثيراً للحصول على قوتنا اليومي ، وظللت أفكر في الخروج من ذلك المأزق ، وفجأة تذكرت أستاذي وصديقي محمد عبد الجواد ، وقلت( إنه الآن في موقع الوزارة ولابد وأن يخرجنا من هذا المأزق ) . وفي الصباح الباكر أنا وزميلي يسين عقدة كنا أمام منزله ، ولكن الشرطي الحرس منعنا من الاقتراب من بوابة المنزل قائلا ً أن الوزير لايزال نائماً . وأثناء جدالنا مع الشرطي وبصوت عال حيث كنا نصر على الدخول والشرطي يرفض ذلك ، سمع الوزير صياحنا الذي أيقظه من النوم وأطل علينا فإذا به يشاهدني ، فأمر الشرطي بالسماح لنا بالدخول ، وهو يرحب بنا . وأمر عائلته بإعداد الفطور والقهوة . وعند جلوسه معنا أبلغته إن إيجارات المنزل تراكمت علينا ونحن نطلب سلفية لتسديد إيجارات مقر التنظيم . فقال لي ليس عندي نقداً فهل أعطيكم شيكاً ؟ فرحبت بذلك فأحضر دفتر الشيكات وسألني عن المبلغ ، فقلت له المبلغ هو ( 150 ) جنيها فقط ، فكتب لنا شيكاً بالمبلغ وقال : يمكنكم أن تسددوا هذا المبلغ بتوريده للبنك على حسابي . وبعد مرور عام تقريبا قابلت الوزير محمد عبد الجواد في القاهرة فوجهت له الدعوة بدار حركة تحرير ارتريا بالقاهرة . وقد سألني قائلاً (( إنك سببت حرجاً لوزير سوداني ، فقد حررت شيكاً للبنك لسحب مبلغ من المال معتمداً على وعدكم بتسديد الدين ، فإذا بالبنك يعيد الشيك لعدم وجود رصيد باسمي )) وهنا انفجرت ضاحكاً وأنا أقول : إنها قصة تنفع للتاريخ ، ألحق عليك عندما صدقت بأننا سنرد الدين ، وحكيت له قصة الإيجارات المتراكمة التي بلغت ( 80 ) جنيها وليس ( 150 ) جنيها ، فشاطرني في الضحك وكأن شيئاً لم يكن . بالنسبة لي كان محمد عبد الجواد أستاذا وصديقا وقدوة في الحماس الوطني والبساطة والتواضع . أقطاب الاتجاه الإسلامي : الأستاذ الصادق عبد الله عبد الماجد ، يسين عمر الإمام ، الدكتور حسن عبد الله الترابي : كانوا يعتبرون أن القضية الإرترية هي قضيتهم ، وظلوا متمسكين بهذا الموقف دون أن يتراجعوا قيد أنملة حتى تم تحرير ارتريا . الدكتور عز الدين علي عامر : كنا نتفاءل به كلما قمنا بجولة لجمع التبرعات ، فقد كان أول من نذهب اليه حيث كنا نزوره في عيادته ، ويستقبلنا بكل بشاشة وترحيب . الأستاذ الرشيد الطاهر بكر المحامي ، الأستاذ محمد جبارة العوض هاتان الشخصيتان العظيمتان كانتا من أشد المناصرين والعاملين لنصرة القضية الإرترية ، وظلا وفيين لهذا الموقف دون أن يتزحزحا حتى توفاهما الله وقبل أن يشاهدا ثمار جهودهما بتحرير إرتريا واستقلالها . الأستاذ محمود محمد طه : رئيس الحزب الجمهوري لقد كان مكتبه في الخرطوم ومنزله في أم درمان مفتوحان لنا ، ولم يبخل علينا بتوجيهاته ومساعدته لنصرة قضيتنا . وحدث أن أبدى السيد ولدآب ولد ماريام اهتمامه بفكر الأستاذ محمود محمد طه وطلب منا تعريفه به فأخذناه إلى منزله بحي الثورة بأم درمان فرحب بنا الأستاذ محمود وأكرمنا كعادته ، وهنا قال له السيد ولدآب ولد ماريام إنني أود معرفة فلسفتك وفهمك للإسلام مع إنني مسيحي ، وكان الحديث بينهما باللغة الإنجليزية ، فقام الأستاذ محمود وفتح أحد أدراج مكتبه وقدم للسيد ولدآب ولد ماريام ملفا مكتوباً بخط اليد باللغة الإنجليزية ، وبعد أيام وبعد أن قرأ السيد ولدآب ذلك الملف بدأ يعبر لنا عن إعجابه باالاستاذ محمود محمد طه وبفكره ، وطلب منا أن نأخذه إليه لإعادة الملف له . وهناك قال السيد ولدآب مخاطبا الأستاذ محمود : ( لقد قرأت أوراقك واقتنعت بكل ماجاء فيها ، فأما أن تكون أنت مسيحي أو أكون أنا مسلم دون أن أدري ، لأن فهمي للمسيحية لايختلف عما جاء في أوراقك عن الإسلام ) . فرد عليه الأستاذ محمود : ( كل الأديان منبعها واحد ) .الأستاذ عبدالله عبيد حسن : نائب رئيس تحرير جريدة التلغراف لقد كنا ننشر بياناتنا على صفحات جريدته دون اختزال أو تعديل .في تلك الفترة وضعت كتيبا عن القضية الارترية بعنوان ( ارتريا ضحية المطامع ) وهو الكتاب الثاني الذي أصدرته الحركة وكان ذلك في منتصف الستينات ، ولكن المشكلة التي واجهتني كانت قيمة طبع الكتاب ومن أين لنا الحصول على المال . ذهبنا لعدد من المطابع فإذا بها تطلب مبلغاً كبيراً يفوق إمكانياتنا بكثير وهو بالمئات من الجنيهات ، فنصحنا أحد الأصدقاء بالذهاب إلى مطبعة الأستاذ علي الأزهري شقيق الزعيم إسماعيل الأزهري ، ولم نتردد وقمنا بمقابلة الأستاذ علي الأزهري الذي رحب بنا وأجلسنا ، فقلنا له إننا مناضلون من أجل حرية بلادنا ارتريا مثلما كان شقيقك الزعيم إسماعيل الأزهري مناضلا في يوم من الأيام وتعرض للتشريد والسجن ، ولكنه في النهاية انتصر لقضية بلاده وهاهو اليوم رئيسا لمجلس السيادة في السودان المستقل . ونحن أيضا اليوم مناضلون نعيش حياة التشرد ، ومن المحتم فإن غدا سننتصر ونصبح حكاماً في بلادنا المستقلة . فقام الأستاذ علي الأزهري بالتأكيد على صحة كلامي . عندها قلت له : ( إن لدينا كتاباً نود أن نطبعه إلا أن ظروفنا المادية صعبة ولذا نتعشم أن تجاملنا في قيمة الطبع ) . وقدمت له الكتاب وهو بخط اليد . فتصفحه ثم قال : إن الكتاب مكلف ولكني لن أربح من ورائكم ، ولن أتقاضى أجور العمال أو قيمة الطبع ، ولا أطلب منكم إلا أن تدفعوا قيمة الورق فقط وهي ( 90 ) جنيها ، فكدنا نطير فرحاً. ونحن نفكر في كيفية الحصول على جزء من المال لدفعه كعربون من قيمة الكتاب ، توجهت في الحال إلى مكتب صديقي الأستاذ عبدالله عبيد حسن في جريدة التلغراف وشرحت له الأمر من أجل تأمين السلفية ، في ذلك الأثناء دخل ( المراسلة ) وبيده مبلغ من المال كان عبارة عن حوالة مالية بريدية من أحد متعهدي بيع الصحف بالأقاليم ، وعندما أراد المراسلة تسليم المبلغ للأستاذ عبدالله حسن أشار له بتسليم المبلغ لي دون أن يلمسه ، وكان المبلغ حسبما أتذكر لايتجاوز السبعة جنيهات ، وبمعايير ذلك الزمان لم يكن مبلغا صغيرا . وبالانتهاء من طبع الكتاب والتوزيع عدت للأستاذ عبدالله لكنه رد علي بغضب : ( عيب ياراجل … ألا تعرف التعامل بين الإخوان ) ورفض استلام المبلغ .اللواء خليفة كرار : نائب مدير جهاز الأمن العام لقد كانت صداقته حميمة مع كل قيادات الثورة الارترية والذي لم يغفل الجانب الإنساني حتى في تنفيذ القوانين . وفي خارج وظيفته لم يتوان في تقديم كل التسهيلات والمساعدات لنا . وفي الإطار الشخصي لن أنس معاملته الكريمة والإنسانية لي حتى عندما كنت أعتقل بواسطة الجهاز الذي كان يرأسه .الأستاذ عبده دهب : سفير الثورة الارترية لدى الشارع السوداني فقد فتح المجال لنا واسعا لخلق علاقات مع نجوم المجتمع السوداني خاصة رجال السياسة والنقابات ورجال العلم . الأستاذ عبده دهب هو مناضل سوداني عتيق بدأ نضاله للقضية الوطنية السودانية ، والحركة التقدمية على وجه الخصوص في مصر ثم واصلها في السودان ، وكان منزله مفتوحاً لنا في حي العمارات . عبد اللطيف محمد عباس : مدرب الملاكمة السوداني الشهير كان من المؤيدين والمساندين الأشداء للقضية الإرترية ، وقد ساعدنا كثيرا في الاتصالات وتعريفنا بأصدقاء من رجالات المجتمع السوداني ، كما كان مقره في ( مجمع الرياضة ) كذلك منزله بمثابة مقرات لحركة تحرير ارتريا . وفي المجال الصحفي :* جريدة أكتوبر ورئيس تحريرها الأستاذ محمود إسماعيل الذي كان وزيرا للإعلام في حكومة أكتوبر ، فقد سخرت الجريدة صفحاتها للقضية الإرترية ودخلت في مواجهة مكشوفة مع السفارة الإثيوبية .*جريدة ( الصحافة ) ومن داخلها الصديق سيد أحمد خليفة الذي أصدر كتابه الأول بعنوان ( ارتريا جزائر الساحل الأفريقي ) . فقد تخصص في القضية الارترية وأخبار ثورتها عند عمله بعدد من الصحف العربية والسودانية لدرجة أن من لايعرف بأنه من شمال السودان وكمان ( سنجك ) كان يعتبره ارتريا . *جريدة ( أخبار الأسبوع ) من داخلها الأستاذين عوض برير وميرغني حسن علي اللذين سخرا صفحاتها للقضية الإرترية وأخبار الثورة وبلاغاتها العسكرية .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى