مقالات

المعارضة الاريترية ..والحديث عن تحدي التغير المنشود! :محمدصالح عبد الله*

2-Sep-2010

المركز

أنهت المعارضة الاريترية مؤخرا مؤتمرا جامعا في إثيوبيا، بمشاركة واسعة من مناوئ اسمرة في الخارج ودول الجوار، وبحضور مختلف القيادات من مؤسسات المجتمع الأهلي الاريتري، وممثلي الجاليات الاريترية في المهجر وزعماء دين، فضلا عن مشاركة للمرأة والشباب ونشطاء حقوق الإنسان وغيرهم.

وبعد أيام من المداولات الشاقة أجمعت على صعيد واحد وهو تفعيل المتاح لها من آليات لإحداث التغير الديمقراطي الذي ينشده تحالف القوى الوطنية الاريترية المعارضة في الخارج.وبغض النظر عن نجاح المؤتمر والخروج بمقررات حاسمة في مسيرة النضال نحو الديمقراطية وحقوق الإنسان وغير ذلك من الشعارات المرفوعة في سماء المعارضة، إلا ان محللين رأوا في تجمع هذا العدد الكبير من مختلف التنظيمات والمسميات ذات التوجهات والمنطلقات المتباينة يعد في حد ذاته انجازا، فيما يواجه معسكر المعارضة جملة من التحديات ليس اقلها الإجماع على رؤية موحدة تستوعب عديدها المتفرق هنا وهناك لتواجه تحدي المستقبل ما يجعلها خيارا مؤتمنا وموثوقا به لدى الشعب الاريتري في الداخل والخارج وهو الذي يكاد يصرعه الدوار من فرط تجوال بصره في شتات المعارضة وفشلها في الإجماع على برنامج الحد الأدنى في مشوارها الطويل نحو التغير الديمقراطي المنشود.وقد لا يكون راهنا خاسرا في نظر البعض، إن قادة المعارضة الاريترية بمختلف مسمياتهم ومشاربهم قد وصلوا إلى درجة مهمة من “الديناميكية السياسية” والإدراك بان أولى خطوات التغير الديمقراطي في بلادهم تكمن في توحيد الرؤية والهدف المشترك وفق آلية تستدعي التنوع العرقي والثقافي والتوجهات والمعتقدات دونما إقصاء أو حجر في فضاء تتلاقح فيه الرؤى والتباينات ويتفاعل فيه التنوع دونما جمود ليكون قادرا على إنتاج حركة تغير وطنية حقيقية تكون محل احترام محيطها وتظفر بثقة جماهيرها وأنصارها، وتصبح من أهم محفزات بعث الأمل بعد أن استفحلت “أزمة البديل” في بلد بات نظامه يستمد قوته من ضعف معارضيه.يبدو للمراقب وعن قرب لحراك المعارضة الاريترية إنها لم تحسم بعد أمرها من آليات التغير التي هي بصددها فالبعض يتوسم “الخيار السلمي” لإحداث تغير ما وهي مهمة صعبة ان لم تكن مستحيلة على الأقل بالوقت الراهن، نقول ذلك لان عوامل التغير السلمي في هذا البلد لم تتكامل أو هي منعدمة، فمثلا لا توجد صحافة أو سائل إعلام مستقلة فقد حجر عليها منذ أكثر من ثمانية أعوام فلا مساحة للرأي والتعبير عنه، كما لا تسمح السلطات فيه بالنشاط السياسي السلمي أيا كان، وابلغ دليل على ما ذكر هو مصير ما كانت تعرف قبل الثامن عشر من سبتمبر 2001 بالمجموعة الإصلاحية والتي كان قوامها من رواد النضال والحرس القديم للجبهة الحاكمة والذين اتهموا بالخيانة وزج بهم في السجون والمعتقلات بدون محاكمات ودون أي اعتبار لدورهم التاريخي، كل ذلك لأنهم أرادوا الإصلاح ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا، ولا نعتقد انه وفي مثل هذا المناخ يصلح الحديث عن تحول سلمي او تعددية سياسية، خاصة في وقت تفسر فيه حرية التعبير على أنها خيانة والحديث عن الإصلاح يرقى إلى المؤامرة.وعلى ضوء ما سلف ربما تتحدد خيارات التغير الأخرى المطروحة على الساحة، والتي تبقى مفتوحة على كافة الاحتمالات وهي عناوين فضفاضة تحتمل التأويل والتنظير وتحدث جدلا واسعا في معسكر المعارضة ولا ينشغل بها النظام كثيرا وهو الذي لا يعترف أصلا بوجود المعارضة وربما يثير ذلك دهشة كثيرين من المتتبعين للشأن الاريتري، وكأن الاعتراف في حد ذاته أصبح شرفا لا تستحقه المعارضة.!إن المعارضة الاريترية تقف اليوم أمام مفترق طرق، فسنة التغير ستحمل الكثير من المفاجئات في الإقليم والفضاء الذي تتحرك فيه كتل وتكتلات معارضي الرئيس افورقي نتيجة لصعود “تيار مغاير” داخل الجهاز الحاكم يتمتع برؤية مرنة لما يجري على الساحة في ظل عقوبات مفروضة على اريتريا واتهامات إقليمية ودولية بانتهاكات لحقوق الإنسان وافتعال أزمات وتغذية نشاط جماعات متطرفة في الصومال واستعداء غير مبرر للأسرة الدولية في وقت يقف هذا البلد في حاجة ماسة إلى دور المجتمع الدولي لمساعدته في تجاوز الكثير من المشكلات والتحديات التي تواجهه.كما ان تجميد او تعليق اريتريا لعضويتها وتأثر علاقاتها مع الكثير المنظمات الإقليمية والدولية مثل الاتحاد الإفريقي والإيقاد والاتحاد الأوروبي والقوى المؤثرة الأخرى في العالم مثل الأمم المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية لم يعد مجديا بأي حال من الأحوال وبات يكرس للعزلة التي تعاني منها البلاد سياسيا وامنيا واقتصاديا، كل ذلك وغيره يدفع باتجاه ان يتقدم التيار “الواقعي” في اسمرة ويقدم نموذج جديد ومغاير لعلاقتها بالخارج في مسعى لفك طوق العزلة الدولية من حول رقبتها قد يكون ذلك من منظور افتراضي، لكنه إن حدث وتحقق فستكون ما تعرف بتجمعات المعارضة الاريترية أول الضحايا وأكبر الخاسرين لذلك التحول المتحمل حتى ولو من قبيل التكتيك طالما إن كل شيء جائز في فقه المصلحة والنظام في اريتريا ليس استثناءا.نعتقد ان ما سبق يحتم على المعارضة الاريترية ان تتحلى بقدر من الجرأة لتطرح نفسها بصورة أكثر جدية كقوة موجودة تحظى بتأيد شعبي وتتبنى خيارات شعبها وتأخذ في الاعتبار المصالح المتبادلة مع الجميع على ضوء تحقيق مصلحة الوطن، حتى وان لم تجد الاعتراف من قبل الحكومة الاريترية، وان تتخطى أي المعارضة مسلسل المبادرات الخجولة وهي لا تتعدى تنظيم الاجتماعات والمؤتمرات لتعتبر ذلك انجازا في حد ذاته، وان تتحرك في فضاء أوسع لتوجد لنفسها قوة دفع دولية لازمة حتى تشكل بديل حقيقي وتشطب الصورة النمطية “غير الفعالة” والمعروفة عنها سابقا، نقول ذلك ليس من باب المغامرة او الهرطقة أو لنكشف عن جهلنا بحقيقية هذه المعارضة والأوضاع غير المواتية التي تمر بها من خلافات وتباينات وضعف البنية التحتية وإمكانياتها المتواضعة، وإنما بكل بساطة ذلك من مقتضيات المرحلة القادمة التي تتطلب الشجاعة والموضوعية طالما أنها حملت هم الوطن والمسئولية التاريخية ولواء التغير، هذا هو الخيار المتاح ودونه الانتظار إلى أن يزهد النظام في السلطة وتلك أمنية تنبت في أرض ميتة أو في واد غير ذي ذرع، أو أن تتوارى خلف جدار مآسي وتطلعات هذا الوطن.!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى