مقالات

حول تاريخية اللغة العربية في ارتريا – 2 – محمد سعيد ناود

3-Sep-2010

المركز

أيضاً لم تأت اللغة العربية إلى إرتريا مع قبيلة الرشايدة . لأن هجرتها إلى إرتريا قريبة جداً وتعود إلى أقل من مائتي عام . وفي فترة الاستعمار الإيطالي كان هناك عدد من الصحف تصدر بالعربية . ونفس الشيء في فترة الاستعمار البريطاني حيث نرى الكثير من الأقلام الإرترية التي كانت تعبر عن مختلف القضايا باللغة العربية في الصحف في تلك الفترة البعيدة .

وفي فترة الثورة التي امتدت لأكثر من ثلاثين عاماً كانت اللغتان العربية والتجرينية المستعملتان في أدب الثورة ومخاطبة الجماهير الإرترية بالداخل والخارج . بل وفي تلك الحقبة ظهر أدباء في مجالات الشعر والقصة والمقالة السياسية وفنانون باللغة العربية ، طرقوا عدداً من المجالات وكان أغلبها التحريض على الثورة والتغني بالوطن والشعب والتبشير بإرتريا المستقلة . وفي ظل إرتريا المستقلة لبس أمراً غريباً أن يتحدث رئيس الدولة الإرترية باللغة العربية بطلاقة وكذلك عدد من الوزراء الإرتريين . كما يتحدث بها الكثير من المسئولين في مفاصل الدولة ورجال القوات النظامية من جيش وشرطة وأمن مضافاً إليهم قيادات وكوادر الحزب الحاكم . بالإضافة لوجود مدارس تدرس باللغة العربية ومدارس أخرى تقوم بتدريس اللغة العربية كمادة لغة . أيضاً أن اللغة العربية هي لغة تخاطب في الكثير من المدن الإرترية . كما أن الركن العربي من إذاعة ( صوت الجماهير ) والقسم العربي في التلفزيون الإرتري ، والنسخة العربية اليومية من صحيفة ( إرتريا الحديثة ) التي تصدر خمسة مرات أسبوعياً من وزارة الأعلام الإرترية ، وصحيفة ( النبض ) العربية التي يصدرها ( الإتحاد الوطني للشبيبة والطلبة الإرتريين ) ، كما أن المحررين والكتاب والأقلام الكثيرة التي تشارك في الإذاعة والتلفزيون والصحفيتين المذكورتين كلها من الإرتريين . كل هذا يعكس أصالة اللغة العربية في إرتريا بجانب إنها لغة المحيط الذي تقع فيه إرتريا ، لذا ، فإن اعتبار اللغة العربية لغة أصيلة وعريقة في إرتريا ليس محل جدل . إن الذين يبحثون عن جذور اللغة والثقافة عليهم التخلص من عقدة ربط ذلك بالدين ، فالدين للديان ” ولا أكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي ” . فقد تم تناول اللغة العربية وجذورها في إرتريا في شكل عموميات . ورحم الله أمرءوا عرف قدر نفسه . فأنني أعرف أن هذا العمل أكبر من طاقتي وأكبر من مؤهلاتي العلمية . وعزائي أن الجهود الفردية من هنا وهناك من الممكن تتجمع في النهاية لتصبح عملاً متكاملاً كبيراً . وأن تشكيل ذهنية المواطن الإرتري على أسس سليمة وصحيحة تعتبر مهمة كبيرة وشاقة وطويلة الأمد ، تلعب فيها الأقلام دوراً هاماً . وبصرف النظر عن اختلاف اللغات والموقع الجغرافي والتنوع الأثني ـ أن وجد ـ إلا أننا في النهاية نود أن نخلق شعباً واحداً مترابط المصالح الآنية والمستقبلية ، وموحداً في طموحاته الواضحة والمشروعة ، وفي رؤيته لتاريخه وللغاته ولثقافاته . فنحن جزء من المحيط العربي ونقع في القارة الأفريقية وفي منطقة حساسة منها وهي القرن الأفريقي الذي تتقاذفه الأهواء والمخططات الأجنبية من كل جانب ، وتحاول تلك المخططات فتح ثغرات تنفذ منها لإعاقة تطورها والانحراف بمسيرتها إلى صراعات وقضايا جانبية . وأكرر أن البحث والتنقيب عن اللغات والثقافات والتاريخ للشعب الإرتري يهدف في النهاية إلى تمتين وحدة شعبنا . كما أن دراستنا للغات الإرترية ستقودنا في النهاية للتوصل إلى التاريخ الحقيقي لشعبنا . إن اللغة العربية في إرتريا ومنذ دخولها عبر الهجرات العربية الأولى استمرت بفضل الخلاوي القرآنية التي انتشرت في إرتريا ، وكذلك عبر مشايخ الطرق الصوفية . أيضاً هناك مراكز علم ساهمت في ارتياد الإرتريين لها مثل _ زبيد ـ في اليمن التي كانت مركزاً للعلوم الدينية واللغوية والعلوم العربية والإسلامية والتحق بها كثيرون من الإرتريين ، أيضاً لعبت سنار في السودان في عهد مملكة الفونج ( 1504ـ 1820 ) نفس الدور ، وكان كثيرون من الإرتريين قد التحقوا بها . أيضاً الخلاوي القرآنية في السودان الحديث وكذلك المعهد العلمي في أم درمان لعبت دوراً كبيراً في تأهيل الإرتريين . وكمثال على ذلك فإن مفتي ألديار الإرترية السابق الشيخ إبراهيم المختار أحمد عمر رحمه الله ومفتي إرتريا الحالي الشيخ الأمين عثمان الأمين أطال الله في عمره ، فأن هذين العالمين الجليلين مع الكثير من الإرتريين نالوا قسطاً من التعليم في المعهد العلمي بأم درمان بالسودان ثم واصلوا بعد ذلك طريقهم الأزهر الشريف بمصر . كما أن الأزهر الشريف ومنذ إنشائه قبل أكثر من ألف عام كان قبلة لطلاب العلم وكان ولا يزال ( رواق الجبرتة ) الذي أستوعب العديد من الإرتريين . كما أن مراكز العلم في مكة المكرمة والمدينة المنورة والمسجد الأموي في سوريا ، كل تلك المراكز ساهمت في اجتذاب طلاب العلم من الإرتريين ، وعن طريق كل تلك المراكز حافظت اللغة العربية على وجودها وتواجدها في إرتريا ، ويتضح ذلك من بروز عدد من الشعراء الإرتريين باللغة العربية في الماضي البعيد . إلا أن شعرهم كان يأخذ الصبغة الدينية وفي السيرة النبوية . أما في وقتنا الراهن وبحكم انتشار التعليم باللغة العربية فقد برز كثير من الإرتريين كشعراء يرتادون في شعرهم كل المجالات كما برز أدباء وكتاب ارتادوا مجال القصة ومجال التأليف. هناك أشياء يتحاشى البعض من التطرق لها خوفاً من تهمة التعصب الطائفي وهذا في نظري خطأ . فحقائق شعبنا من الضروري التطرق لها وإشباعها بحثاً وتنقيباً . وهذا من شأنه أن يخلق مزيداً من الترابط عبر معرفة كل الحقائق وليس الهروب أو التهرب منها .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى