“طغيان حالة الارتزاق” للسعودية والإمارات.. كيف تؤثر حرب اليمن على القرن الأفريقي؟!
23-Feb-2019
عدوليس ـ اليمن نت
قدم ألكساندر لوري باحث دكتوراه في الجغرافيا جامعة باريس فانسين، تحليلاً، لتأثير الحرب في اليمن على القرن الإفريقي والدور الذي لا يستهان به في الأزمة اليمنية.ونشر موقع “أوريان21” الفرنسي بنسختيه الفرنسية والعربية التحليل، ويشير في بدايته إلى العلاقة التاريخية بين اليمن ودول القرن الأفريقي.فتاريخياً، لطالما كانت العلاقات بين اليمن من جهة، وبين الصومال وإريتريا وجيبوتي من جهة أخرى، مهمة. عند انهيار الصومال ونظام سياد بري (1991)، كان اليمن، كما جيبوتي، بلد استقبال للاجئين الصوماليين الكثر. وكان هؤلاء يستقرون في مخيمات مؤقتة في محيط عدن أو داخل
أحياء المدينة، ضمن سياق حركة هجرة تعود إلى مئات السنين. بالنسبة إلى جيبوتي، لطالما كان اليمن مركزاً اقتصادياً لتموين مختلف البضائع، ويكفي التجوّل في شوارع وسط مدينة جيبوتي العاصمة، للوقوف على أهمية التجار اليمنيين. يذكر ماتيو آرو1 أنه في نهاية حرب الاستقلال بين إثيوبيا وإريتريا (1961-1991) كان الكثير من البحارة الإريتريين يستخدمون اليمن كقاعدة خلفية. وكان هؤلاء يقطعون البحر الأحمر لمساندة التمرد الإريتري عبر تزودهم المتواصل بالأسلحة والمؤونة والمعدات التي اقتنوها من اليمن.
وتابع: اليوم، بينما يسود الهدوء بين إثيوبيا وإريتريا، يشغل الصراع في اليمن، والذي بلغ عامه الخامس، الدول الساحلية على القرن الإفريقي، من دون أن تكون لها أي سياسة مشتركة تجاه هذا الوضع. فكل دولة تفاوض مختلف الفاعلين في الصراع أصالة عن نفسها فقط. وتحاول تحديد إستراتيجيتها الخاصة وفقاً لوضعها الجغرافي وسياستها الداخلية والدور الذي تلعبه على الساحة الدولية.
ميليشيات وقواعد عسكرية:
وقال التحليل: إريتريا “دولة منبوذة” رُفعت عنها العقوبات مؤخراً من قبل الأمم المتحدة. تحييدها التام منذ حربها مع إثيوبيا (1998-2000)، لم يترك لها غير مجال ضيق للمناورة وعدد من المحاورين المحدودين للغاية. وحده الدعم السعودي المالي، مكّنها من تفادي العزلة التامة. هذا التقارب بين أسمرة والرياض حمل النظام الإريتري على طرد معارضين يمنيين نحو بلادهم، موثقاً علاقة مبنية على المصلحة بين الدولتين، ما جعل السعودية تتموقع كوسيط بين إثيوبيا وإريتريا عام 2018. وينم هذا التقارب عن إرادة هيمنة سعودية متنامية ومعلنة في القرن الإفريقي.
منذ عام 2016، ترافقت مسألة تسليح ميناء عصب كقاعدة للإمارات العربية المتحدة مع إرسال القوات الإريترية الأولى والمتواضعة نحو اليمن. ثم سرعان ما استبدلت هذه القوات على الأراضي اليمنية بوحدات عسكرية من المرتزقة من دول إفريقية أخرى: أوغندا والتشاد وخاصة السودان الذي منيت ميليشياته بخسائر كبيرة (ناهيك عن المعلومات حول تجنيد القُصّر).
انفصلت جمهورية أرض الصومال الفتية عن الصومال في عام 1991 وهو انفصال غير معترف به من المجتمع الدولي. وتبحث الدولة الأخيرة التي أعلنت نفسها مستقلة في إفريقيا، عن مداخيل مالية جديدة. أرض الصومال التي بقيت طويلاً متحفظة حول حرب اليمن كانت تتفاوض مؤخراً على السماح بإرساء قاعدة جوية تابعة للإمارات العربية المتحدة في بربرة. وهي ستكون قاعدة خلفية للتحالف المحارب في اليمن والذي تقوده المملكة العربية السعودية. ولقد وافق برلمان أرض الصومال بـ144 صوتاً في مقابل صوتين رافضين، على إقامة هذه القاعدة، في خطوة أولى نحو اعتراف محتمل بها من قبل بعض الدول.
الوضع في جيبوتي معقّد أيضاً. فالدولة لم تقبل بإنشاء قاعدة عسكرية للتحالف ولا بإرسال وحدات عسكرية جيبوتية إلى اليمن ــــ رغم أنّها تشارك في عمليات خارجية لحفظ السلام. ومن جهة أخرى، فإن القاعدة العسكرية الأميركية التي أنشئت بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول تلعب دوراً مهماً في “الحرب ضد الإرهاب” التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية في اليمن كما يبرهن على ذلك اغتيال جمال البدوي في مطلع يناير/كانون الثاني الماضي، وهو أحد العقول المدبرة لتفجير المدمرة الأميركية يو إس إس كول عام 2000 في عدن. وهي بذلك تقدم دعماً غير مباشر للتحالف.
تمثل جيبوتي مركزاً رئيساً، جوياً وبحرياً، للأمم المتحدة في المنطقة. انطلاقاً من الميناء أو من مطار العاصمة، تُرسَلُ إلى اليمن مختلف شحنات برنامج الغذاء العالمي ومنظمة الصحة العالمية والمنظمات غير الحكومية الأخرى باتجاه ميناء الحديدة أو المطارات اليمنية. الفرص التي تتيحها السعودية لإيصال هذه المؤن الطارئة قصيرة جداً، ولا تمتد غالباً سوى لبضع ساعات. وكان يفترض أن يُمكّن خروج الحوثيين من الحديدة وفقاً لنتائج مفاوضات السويد في ديسمبر/كانون الأول 2018، من وصول أفضل لهذه المؤن، ما من شأنه دعم خط إنساني بين جيبوتي واليمن. لكن الوضع لايزال غير موثوق ولايزال وقف إطلاق النار في الميناء غير مستقر.
بأية حال، تبقى جيبوتي، بطريقة غير مباشرة، داعمة للتحالف. إذ قطعت الحكومة علاقاتها الدبلوماسية مع إيران في عام 2016، أسوة بالرياض. ولا تزال جيبوتي تساند السعودية في أزمتها مع قطر. كما أنّ القوات القطرية، وهي قوات عزل على الحدود بين جيبوتي وإريتريا، انسحبت مخلفةً مناوشات جديدة من جهتي الحدود في عام 2017.
رحيل السكان:
لا يقتصر أثر حرب اليمن في القرن الإفريقي على التحديات العسكرية. مع تقدم الحوثيين، والقصف السعودي، يخرج السكان من المدن الكبرى نحو القرى، ولكن أيضاً من اليمن نحو الدول المجاورة. وتتحدث إحصائيات للمفوضية العليا للاجئين تعود إلى أكتوبر/تشرين الأول 2017، وهي الأحدث إلى هذا التاريخ، عن وصول أكثر من 50 ألف شخص إلى سلطنة عمان وقرابة 39 ألف إلى السعودية وأكثر من 37 ألف إلى جيبوتي و40 ألف شخص إلى الصومال (بما فيها أرض الصومال).
عدم توفر المعطيات حول إريتريا، وتهميشها على الساحة الدولية، يمنعان من تكوين نظرة حقيقية حول تداعيات الحرب على هذا البلد. رغم أن العلاقات بين اليمن وإريتريا تتميز بوجود عدة زيجات وعائلات مختلطة بين ضفتي البحر الأحمر3. لطالما استقبل ميناءا البلد، عصب ومصوع، تجمعات لتجار يمنيين، يفترض أن هؤلاء بدورهم، استقبلوا عدة لاجئين يمنيين. وثمة فرضية ثانية تقوم على أنّ الطابع الاستبدادي لنظام هذا البلد حدّ من توافد اللاجئين إليه فيما عدا أولئك الذين لديهم أقارب في الداخل.
يبقى تساؤل أخير. خلال العقود الأخيرة، عرفت إريتريا موجة هجرة غير شرعية نحو اليمن. سنوياً، كان مئات المهاجرين يعبرون البحر الأحمر لإيجاد ملجئ في اليمن. مع بداية الحرب اليمنية، طُرح سؤال حول مصير هؤلاء: هل عادوا إلى إريتريا؟ هل بقوا في اليمن؟ أم أنّهم هاجروا نحو بلد ثالث؟
أما في الصومال، فالوضع فريد من نوعه. عندما تمت السيطرة على عدن، كان تدفق اللاجئين الذين غادروا جنوب اليمن نحو الصومال في أغلبه من اللاجئين الصوماليين. وكان هؤلاء قد تركوا الصومال بعد سقوط سياد بري في عام 1991 في اتجاه اليمن أملاً بحياة أفضل. خلال الأشهر الأولى من الأزمة، في عام 2016، تشير الأمم المتحدة إلى أن 89% من مجموع 29.505 من اللاجئين المسجلين في الصومال هم من جنسية صومالية، و10% من جنسية يمنية، و1% من جنسيات أخرى. ووفقاً للمنطقة الأصلية التي يأتون منها (أرض الصومال، أرض البنط، جنوب الصومال)، فإنّ عودة هؤلاء اللاجئين الذين فقدوا كل شيء تجري في سياق متوتر نوعاً ما مع السكان المحليين.
في جيبوتي، كان خروج الموظفين الغربيين من اليمن عن طريق البحر بدعم من البحرية الفرنسية والجيبوتية قد جلب تدفق اللاجئين اليمنيين نحو هذه الدولة الصغيرة. وقد وضعت فيها المفوضية العليا للاجئين نظامها لإدارة الأزمة والذي تجسد في إقامة مخيم للاجئين في أوبوك. في ذروة الأزمة (السيطرة على عدن والمخا من قبل الحوثيين في عام 2016) كان المخيم يأوي أكثر من 7000 لاجئ. إلى هؤلاء، يجب إضافة اللاجئين اليمنيين الذين غادروا جيبوتي نحو بلد ثالث (ويحملون جنسية أخرى) وأولئك الذين استقروا في العاصمة بفضل الروابط العائلية أو معارفهم الشخصية أو المهنية. وهؤلاء لا تشملهم إحصائيات المفوضية العليا للاجئين ولا يتمتعون بالمساعدات الطارئة. لذا، فإنّ المعطيات صعبة الحصر. رسمياً، بحسب المفوضية العليا للاجئين، استقر ما بين 2000 و2500 لاجئ يمني في جيبوتي في عام 2018. ويمكن بسهولة لهذا العدد أن يكون مضاعفاً إذا ما احتسبنا عدد الذين لم يصرحوا عن وجودهم .
في أوبوك، وهي المدينة المهملة منذ الحرب الأهلية في جيبوتي (1991 ــــ 1994)، أدى وصول هذه الدفعة الجديدة من السكان اليمنيين إلى تجدد اقتصادي في المدينة. ومع إقرار الحكومة الجيبوتية المرسوم الجديد المتعلق بعمل اللاجئين (المرسوم رقم 2017-410/PR/MI) في يناير/كانون الثاني 2018، دمج هؤلاء في الاقتصاد المحلي من خلال ظهور أو عودة عدة أنواع تجارية. في جيبوتي العاصمة، اندمج اللاجئون اليمنيون في شبكات التجارة. وتتكون هذه الشبكات غالباً من تجار يمنيين كانوا قد وصلوا قبل الحرب، أو من يمنيين حاصلين على الجنسية الجيبوتية لوجودهم منذ عدة أجيال. كما أنّ اليد العاملة من اللاجئين، والتي ينظر لها غالباً على أنّها أكثر تنافسية من اليد العاملة الجيبوتية، قد جلبت نفساً جديداً للاقتصاد في أحياء مدينة جيبوتي القديمة (المركز الكولونيالي والأحياء 1 و2) مع إضفاء صبغة يمنيّة على التجارة: المطاعم اليمنية ومحلات الأقمشة والعطر والإلكترونيات ومؤسسات البناء… هذه اليد العاملة هي أكثر تنافسية أيضاً من حيث أنّها مكوّنة في جزء لا يستهان به منها من رجال شبان: تذكر المفوضية العليا للاجئين أنّ أكثر من 36% من اللاجئين الوافدين عام 2016 هم من الرجال الذين تتراوح أعمارهم ما بين 18 و25 سنة . ووفقاً للمفوضية، فإنّ أسباب الهجرة مختلفة وتشمل الهرب من الحرب والفرص الاقتصادية (المتاحة) في جيبوتي التي تشهد قدوم مؤسسات صينية وظهور موانئ جديدة. معتمدين على جالية يمنية متجذرة، يندمج هؤلاء “اللاجئون” المدنيون ضمن مسالك اقتصادية تقوم بتزويد دول الخليج والصين.
ويرافق ازدياد المحلات التي يديرها يمنيون اختفاء التجار الصوماليين والعفر إلى جانب إضفاء صبغة يمنية محتملة على أنماط الحياة. تتقدم اللغة العربية شيئاً فشيئاً، وتنتشر المطاعم اليمنية خارج الأحياء المركزية. هذه الجالية تلقى عروضاً متمثلة في مدارس عربية “يمنية” وتأتي بمستأجرين جدد للشقق والفيلات في “هيرون” وفي الأحياء الراقية (الأمر الذي ينتج عنه ارتفاع أسعار العقارات)، فضلاً عن وكالات لتحويل الأموال لليمنيين الراغبين في دعم عائلتهم في اليمن… إنه اقتصاد كامل موجه لهذه الفئة الجديدة من السكان، يرى النور في جيبوتي.
خمس سنوات بعد بداية الحرب على اليمن، يبدو الأثر مباشراً على دول القرن الإفريقي. إذ عرفت العَسْكرة بل وما يسميه الباحث رولان مارشال “طغيان حالة الارتزاق”، لفائدة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. وإذا كان اللاجئون يساعدون في بعض الحالات على تنشيط الاقتصاد، فإنّ الوضع يتدهور ويهدد استقرار هذه الدول، الضعيفة بالأساس.