مقالات

اضاءات حول بعض من تاريخ الترجمة في اريتريا

بقلم/ محمود أبوبكر

اذا ما خرجنا قليلا من التعريفات الاكاديمية للترجمة والتي قد تنحصر في مفهوم “تحويل النص من لغته الاصلية الى لغة اخرى” .. فإن هناك نماذج أخرى يمكن وصفها بانها نوع من الترجمة، والتي تعيد كتابة الموروثات المحلية التي تخص منطقة بعينها بلغة اخرى. أي ترجمة الموروثات الشفاهية من لغتها الاولى الى لغات اخرى – غالبا تكون لغة اجنبية.وعند التأصيل لفكرة الترجمات في اريتريا تاريخيا ، لا بد ان نقف عند هذا الجانب، ففي الاغلب ان العديد من المخطوطات والكتب التي اعدها ونشرها باحثون أجانب، حول التاريخ والتراث والموروثات الاريترية قد يمكن اعتبارها نوعا من الترجمة، لأنها نقلت من لغتها الاصلية (لغاتها : التقرايت / التجرنية/ البلين/ العفر ..الخ) الى لغات اوربية، حتى ان لم تكن تلك النصوص مطبوعة او حتى مخطوطة بشكلٍ محدد . والواقع ان اغلب الموروث الثقافي الاريتري الذي تم توثيقه خاصة في القرنين التاسع عشر والعشرين تم من قبل باحثين او كتاب اجانب كنسخة اولى نقلا عن المتداول شفاهةً، وهو بالتالي صادر بلغة اجنبية (انجليزية/ ايطالية ..الخ) 
وهنا يمكن التحدث عن ثلاث انواع من الكتاب / المؤرخين او المترجمين :  
النوع الاول : البعثات التبشيرية، سواء كانت سويدية بريطانية برتغالية ..الخ بداية من القرن السادس عشر الميلادي، وقد ساهمت هذه البعثات في توثيق الكثير من الموروثات الثقافية والمجتمعية السائدة في اريتريا حينها، بلغات اوربية (سويدية / المانية / انجليزية/.. )وقد ارتكز جهود هذه البعثات في ترجمة الأشعار – الاأعراف المجتمعية – الأساطير – والمورثات فضلا عن محكيات تراثية وروحية، ( يذكر ان البعثة السويدية اصدرت عدة كتب حول هذه الجوانب) منها مسرحيات وقصائد وقوانين عرفية.  
النوع الثاني : البعثات البحثية والاستشراقية، والتي ارتبطت بمحاولات استكشاف الحياة الاجتماعية والثقافية والسياسية في المنطقة، ودراسة تاريخ هذه المنطقة، وقد تكون هذه البعثات مرتبطة ايضا باهداف سياسية او عسكرية تخص دول بعينها، كانت ترى الحبشة ككل، بوابة مهمة للقارة البكر .. وبالتالي هناك عدد من الاصدارات في هذه الفترة سواء كانت بحثية او منشورات تخص اغراض عسكرية او سياسية، او تلك المتعلقة بالجوانب الاجتماعية والروحية عن المنطقة، وقد صدرت بلغات اوروبية، منها اصدارات موزينجر الذي أصدر “فتح مقارح” الذي يخص اعراف قومية البلين وتحديدا منطقة مقارح، كما أصدر كتاب اخر عن “اعراف وتقاليد البوقوس” في منطقة حلحل، وجميع اصداراته باللغة الالمانية، ما يعن أن اعراف قومية البلين سواء في مقارح او بوقوس تم كتابتها وطبعها باللغة الالمانية قبل ان …………. بعملية ترجمة عكسية من الالمانية للتجرنية . كما يمكن الإشارة الى اصدارات تيرمين هام، الذي كتب عدة كتب تحت عنوان الإسلام في الحبشة، والاسلام في السودان ..الخ والتي وثق فيها تقاليد المسلمين وتراثهم الروحي في هذه المنطقة، باللغة الانجليزية، ما يعن انها ترجمة للتاريخ الشفاهي وللاعراف السائدة في المنطقة بلغة اجنبية . 
النوع الثالث : وهو ايضا ذو علاقة غير مباشرة مع النوعين وقد يلتقي معهما في عدد من المحطات والمنعرجات ويمكن تسميته ب “بعثات الرحلات” او ادب الرحلات، حيث جاب عدد معتبر من الرحالة هذه المنطقة، وكتبوا مشاهداتهم المختلفة بلغاتهم، فضلا عن ترجمة العديد من القوانين العرفية، ولعل اهمه ما يمكن الاشارة اليه هنا ما كتبه “صاموئيل جونسون” في كتابه المرجعي “رحلة في الحبشة»، بين سنتي ١٦٢٤–١٦٣٣، 
كما يمكن الاشارة الى اصدارات “بعثة برينستون إلى الحبشة” والتي تضمنت العديد من التقارير بالاضافة الى اصدار مجلد مهم للباحث “اينو ليتمان” المعنون بـ والذي وثق فيه بشكل كبير، شعر وغناء لغة التقرايت، وقد صدر الكتاب في عام 1910 ضاما حوالي 717 قصيدة شعرية وغنائية.  
ثانيا : الكتب والاصدارات التي تتحدث عن المنطقة والمترجمة من اللغات الاجنبية الى العربية. وهنا ينبغي الاشارة بشكل اساسي الى فترة تعد من اخصب المراحل فيما يخص الترجمة في التاريخ الاريتري المعاصر، حيث تمكنت جبهة التحرير الاريترية، بجهد معتبر من قبل المناضل والمثقف عثمان صالح سبي، من تأسيس مركز للاعلام والدراسات ببيروت/ لبنان، وقد عمل المركز بشكل مكثف على مشروع ترجمة الكتب والمنشورات الصادرة عن اريتريا من قبل باحثين اجانب، فضلا عن ترجمة التقارير الدولية حول قضية اريتريا.من بين هذه الاصدارات التي ترجمت للغة العربية :  
١/ اريتريا مستعمرة في مرحلة الانتقال (١٩٤١/ ١٩٥٢) لتريفايكس — ترجمة جوزيف صفير 
٢/ وثائق الامم المتحدة عن اريتريا (٤٨ / ٥٢ )(للغة العربية )٣/ فرناندو مارتيني، اريتريا في افريقيا الايطالية: انطباعات وذكريات – ( ترجم للغة العربية)٤/نايدل. التركيب السكاني في اريتريا العناصر والقبائل، (انجليزية) وترجمه للغة العربية جوزيف صفير . 
والملاحظ هنا أن اغلب الترجمات التي صدرت من هذا المركز لا تذكر اسماء المترجمين، ربما لأن المركز كان يسند المهمة الى مجموعة من المترجمين المتخصصين، او لأسباب أخرى، حيث نجد هذه الكتب تحمل تعريف (تم ترجمته من قبل جبهة التحرير الاريترية) دون ذكر المترجم ! 
 ثالثا: الاصدارات الاريترية المترجمة للغة العربية او للغات الارتيرية الاخرى كذلك اللغات الاجنبية 
١/ معظم الكتب التي صدرت في فترة الثورة (١٩٦١/١٩٩١) وما بعد الثورة فترة الدولة خاصة التاريخية منها والسياسية تم ترجمتها من اللغة التغرنية للغة العربية، او العكس، والمفارقة ان بعض هذه الكتب ايضا لا تحمل اسماء المترجمين، ربما لأن الكتاب انفسهم من يترجمون اعمالهم، او لأن سُنة عدم ذكر المترجم استمرت حتى بعد الاستقلال، حيث يتعاطى الكتاب هنا مع الترجمة باعتبارها اجراء تقني، وليس عمل ابداعي، واغلب هذه الاصدارات هي عبارة عن مذكرات لمناضلين عاشوا تجربة الثورة وساهموا في تحقيق الاستقلال الوطني، ومن بين هذه الكتب 
١/ الدفع والتردي، الامين محمد سعيد، صدر باللغتين العربية والتجرنية.كذلك كتابه الآخر، حق لا يقبل المساومة . 
٢/ رحلة في الذاكرة، محمد طاهر بادوري، (صدر باللغة العربية) وتم ترجمته للتجرنية.
٣/ لن نفترق، الم سقد تسفاي، صدر باللغة التجرنية وتم ترجمته للغة العربية، من قبل سعيد عبد الحي. ٤/ فيدرالية اربتريا مع اثيوبيا، (تجرنية) ترجمه للغة العربية ابراهيم توتيل٥/ اريتريا تحدي اقامة حكومة فاعلة تحت سيادة الدستور ، كبرآب هبتي ميكائيل، ترجمه للعربية، محمد محمود الشيخ (مدني ) ٦/ كفاحي في الثورة الاريترية احمد شيخ فرس (ترجم للتجرنية) هذه نماذج على سبيل الاستشهاد للكتب التي تم ترجمتها من والى العربية محلياً. 
ثالثا : الكتب الادبية 
في الفترة الاخيرة ازدهرت ترجمة النصوص الادبية الارترية للغات ارترية وكذلك للغات اجنبية، بشكل أكثر احترافية من ذي قبل، ولعل اولى التجارب الشهيرة كانت مع الروائي ابوبكر حامد كهال، حيث حظيت روايته “تايتنكات افريقية” المكتوبة باللغة العربية بترجمات عدة منها: الفرنسية / الانجليزية / التركية ..الخ كذلك حظيت روايات الاريتري سليمان أدونيا الى عدة ترجمات، منها روايته الأولى “الحب في جدة” المكتوبة بالانجليزية حيث ترجمها الى العربية خالد الجبيلي .
كما ترجمت رواية “مرسى فاطمة” لحجي جابر للغة الايطالية، وروايته ( رغوة سوداء) إلى اللغة الفارسية.فضلا عن روايات الروائي الاريتري تسفايو جبرآب الذي يكتب باللغة الامهرية، وقد تم ترجمة روايته الأخيرة “مذكرات نور النبي ” الى ترجمات باللغات : الانجليزية/ التجرنية/ والتقرايت. 
للروائي الاريتري هاشم محمود ايضا عدة ترجمات من بينها روايته “شتاء اسمرا ” التي ترجمها الى التجرنية ابراهيم محمد عبدالله.وكذلك رواية “عطر البارود” التي ترجمت لعدة لغات من بينها الانجليزية والفارسية . 
في الختام لا تزال الترجمة فعلاً استثنائياً في الواقع الاريتري، رغم اهميتها المركزية في مد جسور التواصل مع الآخر، كما أنها لم تتجاوز المفهوم التقني، لبعث الرسائل السياسية والتاريخية، بعيدا عن المفهوم الثقافي والابداعي الأعم. كما لا يمكن الإدعاء بوجود حركة ترجمة فعلية تنقل الآداب والفنون العالمية الى اللغات المحلية الاريترية، وهذا نتاج اسباب سياسية واقتصادية وثقافية.
هوامش:
* محمود أبوبكر: صحفي وكاتب إريتري.* المادة اعلاه تلخيص لمداخلة الكاتب في حفل ختام “اسبوع الترجمة الاريتري” الذي أقيم في القاهرة بتاريخ 14 مايو 2022.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى