مقالات

الجيش الإرتري … هل من خطوة ؟جمال همد

24-Dec-2008

المركز

تقرير : جمال همد
لعبت وتلعب الجيوش في دول العالم الثالث أدواراً سياسية مهمة ومؤثرة في تاريخ شعوب هذه الدول وخاصة في خمسينيات وصولاً إلى ثمانينيات القرن الماضي وإن بشكل أقل في ما تلا من عقود .

ففي مصر لا زالت المؤسسة العسكرية هي التي تحدد الرجل الذي يجلس في أعلى قمة الهرم السياسي وإن تزيا بالبدلة المدنية ، وكذلك الأمر في سوريا والجزائر ، أما في السودان فقد أطاح الجيش بثلاث تجارب ديمقراطية ببيان واحد اشتركت سماته ومسبباته . في أفريقيا جنوب الصحراء لا زالت جيوش الحركات المسلحة ذات الطابع الثوري شكلياً هي التي توجه الحياة السياسة (يوغندا ، تشاد ، بورندي ، رواندا ، الكنغو … الخ) وتوصف بنية هذه الجيوش بأنها ذات طبيعة عرقية أو إثنية أو قبلية مما فتت البنية العسكرية التي أنشأها الاستعمار قبيل رحيله عن هذه البلدان لذلك الحياة السياسية غير مستقرة دوماً في هذه الأنحاء ، كذلك تلعب أجهزة الأمن والمخابرات أدواراً مماثلة في تونس وجيبوتي … الخ ، أما في بقية البلدان كأثيوبيا مثلاً فالتحالف الحزبي الحاكم لم ترتخي قبضته بعد، والحياة الحزبية مسيطرة مع وجود جهاز أمني قوي ينفذ سياسة الحزب أو الائتلاف الحاكم وتكوينات الجيش في أثيوبيا متوازنة اثنياً وقومياً إلى حد ما .إذا كانت هذه صورة مجملة وعمومية في أفريقيا فما هي أوضاع الجيش الإرتري وما هي إمكانياته للعب دور سياسي الآن ومستقبلاً في مسيرة الحياة السياسية ؟ وكذلك ما هي علاقته بالحزب الحاكم والوحيد في البلاد ؟ نستطيع القول أن الجيش الإرتري وتسميته الرسمية جيش الدفاع الإرتري هو جيش في منزلة بين منزلتين إذا صحت الاستعارة الاصطلاحية فلا هو جيش نظامي تقوده مؤسسة عسكرية محترفة ولا هو جيش تحرير ، فلا زال هذا الجيش يحمل الكثير من سمات مرحلة التحرر الوطني بنية وتركيباً … معسكراته هي نفس المعسكرات السابقة في مرحلة التحرر كما أن نفس الهيكلية العسكرية تسيطر عليه وغياب الشارات والزي المميز والرتب العسكرية والترقيات والقوانين والتأهيل الأكاديمي والعسكري . القيادي بالحزب الديمقراطي الإرتري والذي تدرج داخل الجيش الإرتري وصولاً إلى رتبة الملازم أول علي همد ديناي تحدث إلينا عن بنية جيش الدفاع الإرتري بالقول : يتكون الجيش من عدة فرق عسكرية تشكل القوات البرية والمدفعية والدروع العمود الفقري بجانب الدفاع الجوي والبحرية وقوات خاصة تنقسم إلى وحدات خاصة والفرقة (525) كوماندوس وكذلك قوات الاحتياط . وهيكل تنظيمي من خمس مناطق عسكرية هي المنطقة الأولى يقودها العميد تخلي منجوس والمناطقة الثانية يقودها اللواء عندي قرزقهير عندي ماريام (وجو) ، المنطقة الثالثة بقيادة اللواء ولدي يوهنس ، المنطقة الرابعة يقودها اللواء أبرها كفلي والمنطقة الخامسة يقودها اللواء عمر حسن إدريس (طويل) وإدارة لهيئة الأركان العامة بقيادة اللواء هيلي ساميئيل (China) ملحقة بمكتب الرئيس بجانب قائد عام المخابرات العسكرية اللواء هيلي فليبوس .قواد المناطق الخمس بجانب رئيس هيئة الأركان والاستخبارات العسكرية هم القواد الفعليين للأقاليم وبصفتهم هذه يشاركون في الاجتماعات القليلة لمجلس الوزراء ويمتلكون صلاحيات واسعة تفوق صلاحيات الوزراء ومدراء الأقاليم المدنيين ، وعرف بعضهم بالبطش الشديد تجاه صغار الضباط وكذلك المدنيين ، (تخلي منجوس ووجو يمثلان نموذجاً) ، ويضيف ديناي أن جهاز الاستخبارات العسكرية يسيطر سيطرة تامة على الحياة العسكرية وداخل كل منطقة عمليات توجد شعبة له ترفع تقاريرها مباشرة دون الرجوع إلى قائد المنطقة العسكرية بجانب مراقبة الحياة المدنية ، وهذا الجهاز مرتبط بمكتب الرئيس أسياس أفورقي مباشرةً . ويشير ديناي إلى ضعف المرتبات والمعينات العسكرية للجيش عموماً مقارنةً بامتيازات القوات الخاصة والفرقة (525) .تأكيداً لحديث القيادي بالحزب الديمقراطي فإن زيادة مرتبات القوات الخاصة (1200 نقفة) مقارنة ببقية الجيش (450 نقفة) وهي قوات مدربة جيداً لحماية رئيس الدولة والقيادات العليا قد ضاعف من الغبن العام في أوساط الجيش وكذلك داخل الفرقة العسكرية (525) التي سحب البساط من تحتها وهذا ما يفسر الشائعات التي راجت مؤخراً في وسائل الإعلام الإرترية المعارضة عن تمردات داخل الجيش . وحول ما إذا كان وجود إمكانية لأن يقود الجيش التغيير السياسي المطلوب داخل البلاد ينفي القيادي البارز بجبهة التحرير الإرترية جيلاني موسى بالقول : الواقع الماثل أمامنا نظرياً على الأقل يقول بخلاف ذلك فلا وجود لمؤسسة عسكرية محترفة في إرتريا ولا زال الجيش هو عبارة عن مليشيات تفتقد إلى الكثير من مطلوبات المؤسسة فلا تشريعات ولا قوانين تنظم حياته بجانب أن قادته لم يؤهلوا التأهيل العسكري المطلوب مع فقدان الخلفية الأكاديمية لذا يصعب عليهم فهم واقع البلد وبالتالي لا يؤرقهم ما يجري وما يحملونه من رتب ليس نتيجة تأهيل وتدريب وتدرج متعارف عليه في المؤسسات العسكرية بل يخضع لتقديرات الولاء والخدمة الطويلة أثناء مرحلة التحرير . ويستدرك جيلاني بالقول ومع ذلك لا ينعدم من يغامر بإنقلاب عسكري مدفوعاً بعوامل داخلية لا علاقة لها بأوضاع الشعب والتغيير أو بعوامل خارجية وكلا العاملين يؤديان إلى قطع الطريق لإجراء التغيير الجذري المطلوب .هذه الرؤية يختلف معها علي محمد سعيد القيادي والباحث في مركز البحر الأحمر للبحوث والدراسات بالقول : توجد الإمكانية لإحداث التغيير إذا قرء ذلك في سياق أدوار الجيوش في دول العالم الثالث بحسبان أنها هي التي تأتي بأنظمة وتطيح بأنظمة حتى تلك التي تأتي عبر الديمقراطية ،الجيش الإرتري تم على يديه التحرير وله الخبرة العسكرية ويجب أن يتحمل مسئولياته التاريخية والأخلاقية . ـ انتهى حديث علي محمد سعيد . ربما تصعب الإجابة الشافية عن السؤال إلا إذا تتبعنا بقليل من التفصيل مسيرة جيش الدفاع الاريتري – الجيش الشعبي سابقا – فقد اتبعت القيادة السياسية للجبهة الشعبية لتحرير اريتريا سياسة صارمة تجاه الجيش الشعبي من خلال إشغاله وعدم إعطاءه برهة للتفكير والاستراحة وإبعاده دائما من الحياة السياسية وتحويله إلى أداة طيعة لتنفيذ التعليمات ، وتحويل الفرد داخله إلى (مسمار أو برغي) داخل منظومة عامة يمكن الاستغناء عنه في كل الأوقات وكذلك منع بروز قيادات عسكرية قوية فكان يتم إعادة الانتشار والخلط وسحب القيادات البارزة إلى مؤسسات مدنية اوابعادها حتى لا يداخلها الغرور . لذلك فقد الجيش القيادة وبين يدينا مثال لتغيب القائد إبراهيم عافة وابعاد مسفن حقوس وعبد الله آدم … والأمثلة كثيرة ، كما أن عمليات التسريح العشوائية بعد الاستقلال والتي طالت عشرات الآلاف من القيادات الوسيطة والأفراد كان جلهم من الذين تلقوا تعليماً أكاديمياً جيداً وجلهم في القوات البحرية والجوية . لذلك تمت السيطرة كاملة على الجيش من قبل قيادات ربطت مصيرها بالرئيس اسياس افورقي والذي بدوره تغول على صلاحيات الحزب الذي تحول إلى هياكل دون فعاليات . مما سهل الإحاطة بالحركة المطلبية التي قادها الجيش في 20مايو 2003م قبيل إعلان الاستقلال بأيام معدودة وكذلك سجن القيادات التاريخية للجبهة الشعبية دون أن يحتج احد . كما لعب جهاز الأمن العام وجهاز حماية الثورة دورا كبيرا في المراقبة والتوجيه وتفكيك كل محاولة للتعبير عن رأي أو الاحتجاج داخل الجيش الشعبي . ننهي بالقول ان الإستراتيجية العسكرية ذات النموذج الصيني وتطبيقاتها في كبموديا ولاوس والتي سارت عليها الجبهة الشعبية لتحرير إرتريا تضع مساحة واسعة بين جيش التحرير الثوري وممارسة السياسية واستخدام القدرات البشرية للجيش وقوداً للحرب بكل ما يعني هذا التعبير .فهل يمكن أن تتطور حركة الاحتجاجات المطلبية ( مرتبات ، إجازات ، تسريح الخ ) إلى تراكم كيفي يؤدي بالإطاحة بالنظام ..لنراقب ونرى ما تخبئه الأيام .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى