مقالات

التفكير بصوت عال : عمرمحمد احمد – روتردام

7-May-2008

المركز

تمكن المؤتمر الثانى للتحالف الدمقراطى الأرترى من الإتفاق على تعديل الميثاق السياسى. اعتبر ذلك نقلة نوعية فى مسيرة المظلة الجامعة لقوى المعارضة الإرترية. وكانت الخطوة المنطقية التالية، هى إختيار قيادةتجسد الأجواء التى سادت المؤتمر. ولكن للأسف الشديد فشلت مكونات التحالف فى إختيار تلك القيادة، واندلعت ازمة حادة اسفرت عن انفراط عقد “التحالف”…. وهذه نتائج لا تتفق مع منطق الأشياء.

كنا نتوقع الإحتكام الى الموضوعية والقراءة الصحيحة للواقع المعاش بإعتباره شرطا اساساً لخوض النضال الدمقراطى. بيد ان قيادات الفصائل السياسية تمادت فى مواقفها المتعنتة. كل طرف يريد ان يفرض شروطه على الآخر. لا جدال بأن النضال الدمقراطى الإرترى يمر بأزمة سياسية خانقة. فما هى اذن الأسباب الحقيقة لتلك الأزمة؟ هل يعود ذلك الى اختلاف الخلفيات السياسية لمكونات التحالف؟ او بعبارة اخرى ، هل يعود ذلك للتباين فى مواقف بين تنظيمات سياسية ذات انتماءآت سابقة “لجبهة التحرير الأرترية” واخرى ذات انتماءآت سابقة “للجبهة الشعبية لتحرير ارتريا” فى فترة الكفاح المسلح؟ ام تعود الأزمة لإختلاف المنطلقات السياسية لمكونات التحالف الدمقراطى الإرترى؟ لا نستطيع ان نتجاهل هذا العامل، بيد ان الخلاف الحاد بين مكونات التحالف ليس جديداً. فلا زلنا نذكر الأزمة التى اندلعت أثناء اختيار الأخ/ حورى تدلا بايرو لقيادة الجهاز التنفيذى. وكانت اطراف هذه الأزمة ذات انتماءآت ” جبهة التحرير الإرترية) سابقاً.هذا عامل يلعب دوراً اساساً فى الصراع بين مختلف القوى السياسية ، بيد ان هذا الأمر حل موضوعياً اثناء اتفاق مختلف مكونات التحالف على الميثاق السياسى كمرشد للتحالف الدمقراطى. هل اصبحت الخلافات بين التنظيمات السياسية المعارضة تتخذ اشكالاً ذات صيغة دينية ، اقليمية وقبلية؟ وبلغت درجة تغييب الحوار العقلانى وسيدة حوار الطرشان!!؟ ارتريا كيان حديث يعانى من التخلف فى كافة المجالات، ويتميز بالتعدد فى الأنتماءآت الدينية والقبلية واللغوية. ولاشك ان هذه المعطيات تعكس نفسها، بدرجة او بأخرى على المسرح السياسى، بيد انه من ناحية اخرى امتلك الشعب الإرترى تجربة سياسية غنية عبر النضالات السلمية فى فترة تقرير المصير وعهد الفدرالية، وعبر النضال المسلح الطويل الأمد. ولا ريب ان هذه التجربة الثرة تركت بصمات واضحة على كافة مناحى الحياة، بما فى ذلك المجال السياسى. ففى فجر الحركة الوطنية، لم يكن بعد مفهوم المواطنة واضح المعالم فى بلد كان يعتبر مشروع وطن يناضل من اجل تقرير مصيره… كانت ” الرابطة الأسلامية” هى العمود الفقرى للقوى التى كانت تتطلع الى بناء كيان سياسى مستقل فى ارتريا. ربما كان ذلك اقتداء بتجربة ” الرابطة الأسلامية” فى باكستان. ويقال ان بعض قيادى “الرابطة الاسلامية” الارترية اجرى لقاءآت ” بظفر الله خان” وزير الخارجية الباكستانية فى تلك الفترة. وسرعان ما اكدت لها التجربة النضالية ان ارتريا ذات الأنتماءآت الدينية واللغوية والعرقية المتعددة يتطلب تنظيمات اعرض وخطابا يلهم مختلف ” الكتل الاستقلالية” التى شكلت املا واعداً لولا التواطؤ بين اثيوبيا- هيلا سلاسى وحلفائها الاستعماريين. وبدءاً من تجربة النضال السلمى الذى قادته “حركة تحرير ارتريا” ومرورا بتجربة النضال المسلح طويل الامد، وانتهاءاَ بالنضال الدمقراطى ضد الدكتاتوريه، أكد الشعب الارترى وقواه السياسية ان لهم الولاء لوحدة الوطن والشعب. يتأكد هذا الولاء ، يوما بعد يوم، رغم ممارسات النظام الدكتاتورى فى كافة المجالات التى ترقى الى درجة التخريب التى تهدد سيادة الوطن ووحدة المجتمع الارترى. قد يقول قائل الا يكفى ظهور التنظيمات” الأسلامية” على المسرح السياسى دليلا على تفاقم الأحتقان الطائفى فى صفوف المجتمع الارترى؟ الا تشكل هذه الظاهرة قنبلة موقوتة تثير بين فترة واخرى على اثارة الخلافات الحادة فى صفوف المعارضة الدمقراطية؟ بادئ ذى بدء اقر بأننى اختلف مع العديد من مواقف وتحليلات تلك التنظيمات “الاسلامية” بيد اننى أؤكد على الحقائق التالية: اولا: ظهور التنظيمات الاسلامية على المسرح السياسى لم يكن تجسيدا للأحتقان الطائفى فى صفوف المجتمع الارترى، بل كان ذلك نتاجا لتطورات محددة داخليا وخارجيا ، لاسيما النهج المغامر والمقامر للنظام الدكتاتورى فى ارتريا. لايعنى ذلك البتة، ان التيار الأسلامى نبت شيطانى عرضى او وافد من الخارج. فنحن نعلم ، على سبيل المثال ، شخصية وطنية مثل الشيخ “محمد اسماعيل عبدة” حيث كان احد اهم المسئوليين عن العمل السرى لجبهة التحرير الأرترية فى اسمرا فى بداية السبعينات ثم عضوا فى” القيادة الثورية” وعضوا قياديا اسياسيا انتخب فى المؤتمر الأول لجبهة التحرير الارترية. وكذلك هناك شخصيات لعبت ادوار ملحوظة فى فترة الكفاح المسلح مثل الشهيد سعيد حسين وعمر الحاج ادريس . ثانيا: تطورت مفاهيم وممارسات التنظيمات الاسلامية نحو تأكيد الولاء لوحدة المجتمع والوطن. ثالثا: لم تكن التظيمات الاسلامية السبب الأساسى فى تفاقم الخلافات فى صفوف التحالف. رابعا: الأيمان بالنهج الدمقراطى يتطلب الأقرار بالتعايش والحوار بين مختلف التيارات السياسية والأيدلوجية. فهل يلعب التدخل الخارجى الدور الأساسى فى ضعف ” التحالف” واستمرار خلافاته الحادة؟ قد يثير هذا التساؤل فى هذه الأيام ما تنشره بعض الأقلام تلميحا او تصريحا بأن هناك مخطط خارجى لفرض قيادة معينة على “التحالف” وان هناك مؤامرات ذات صيغة طائفية او اقليمية …الخ. ولنكن اكثر صراحة ، التزاما بالعنوان ، ” التفكير بصوت عال” ، هناك اشاعات تنشر يوما بعد يوم تفيد بأن اثيوبيا تعمل من اجل فرض ” ادحنوم قبرماريام” على قيادة” التحالف”. وهذه ليست اول مرة تنشر فيها اقاويل من هذا القبيل. فحينما اختير ” حوروى تدلابايرو” امينا عاما للتحالف ، ردد الرافضون لهذا القرار اشاعات بأن هذا الأختيار كان قرارا اثيوبيا. وحينما اختير ” حسين خليفة” بدلا من حوروي ، ردد الرافضون ان هذا الأختيار ايضا كان قرارا اثيوبياً. لهذا كان من الطبيعى ان نشهد موسما للأشاعات اعتقادا من مردديها بأنهم بذلك يخلقون اجواءاً ملائمة لأختيار القائد الذى يريدونه وابعاد القائد الذى لا يرغبون في احتلال الموقع الأساسى فى جسم التحالف. اننى لست قياديا ملما بكافة المناورات ، ولكن مسألة التحالف اصبحت كتابا مفتوحا يقرأ فى خطوطه العريضة كل من له تجربة نضالية ويجتهد لقراءة ما بين السطور. فى هذا السياق نعلم جميعا ان دول الجوار ليست ” دراويش” دمقراطية ، بل لديها اجندة محدودة ، وستتعاون بطريقة او بأخرى مع القوى والشخصيات السياسية التى لها مصلحة فى تحقيق هدف ما. من هذا الأطار قد تميل اثيوبيا او السودان او اى دولة اخرى الى تنظيم معارض ارترى ما وفقا لتحليلاته، وهذا امر معترف به ومقبول ضمن اللعبة السياسية شريطة عدم فرضه بشكل متعنت، ومتعارض مع الأهداف العليا للنضال الدمقراطى. وتحديدا الألتزام فى كافة الحالات فى التأكيد على السيادة الوطنية. وخاصة ان التجارب قد علمتنا، ان الضمانة الوحيدة للقرار المستقل هى خلق الشروط ، المادية والمعنوية للقوة. واختتاما لمشوار التفكير بصوت عال، أؤكد ان السبب الأساسى لمشكلة “التحالف” هو غياب الأستراتجية الواضحة المعالم التى يجب تكريس كافات الطاقات من اجل تنفيذها. فى هذا السياق يجب ان يكون هناك موقف محدد للتحالف تجاه قضايا رئيسية وهى: 1- طبيعة النظام الراهن فى اسمرا 2- وسائل اسقاطه 3- المعالم الأساسية للنظام الدمقراطى البديل ولاسيما ما يتعلق بقضايا الأرض واللغات الرسمية ومعالجة مسائل القومية والأدارة و …. الخ وقبل هذا وذاك يجب الأتفاق على طبيعة التحالف. فالتحالف ليس بديلا للتنظيمات القائمة ، بل هو ائتلاف لتحقيق اهداف محددة ، متفق عليها ويمكن ان يرتقى هذا الأئتلاف الى قيام “جبهة وطنية” تعتبر كماً ونوعاً اكثر قوة. اذا كان هناك اتفاق عام على هذا المفهوم فليس هناك مجال للخلافات العقيمة اثناء اختيار قيادة التحالف. واذا تعذر الأتفاق على اختيار قيادة للتحالف تكون مسئولة عن العمل المشترك لمرحلة محددة، فيمكن اختيار قيادة حتى يتم الأتفاق على صيغة اخرى، او اللجؤ الى اختيار المناصب القيادية بالتناوب. هذه هى الخيارات المتاحة او ابتداع صيغ اخرى يتفق عليها اذا كانت هناك رغبة حقيقية فى تصعيد النضال الدمقراطى وانقاذ الوطن. وكلمة اخيرة اقولها بصدق لقيادات مكونات التحالف ، ان ليس هناك مجال للمناورات العقيمة. اما ان تكونوا على مستوى المسئولية الوطنية او ستكون البداية لتغيير حقيقى فى معسكر المعارضة الدمقراطية. الهدف الأساسى من تسويد الأسطر السابقة هو تنشيط المناقاشات السياسية المتسمة بالشفافية بحثا عن التوصل الى الحلول لمعضلات النضال الدمقراطى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى