مقالات

القرن الافريقي ما بعد الثالث من نوفمبر ! بقلم / صالح م. تيدروس

24-Sep-2020

عدوليس

قبل نحو عامين وتحديدا في الثامن من يوليو 2018 وصل رئيس الوزراء الاثيوبي ابي احمد الى العاصمة الاريترية أسمرا ليجد استقبالا رسميا وشعبيا وليٌنهي بذلك حقبة دامت زهاء عشرين عاما من الحرب والتوتر بين البلدين الجارين امتدت آثارها الى عموم منطقة القرن الافريقي. ومنذ ذلك التاريخ وعلى امتداد عامين تبادل الطرفان الزيارات وازيلت الحواجز في المعابر الحدودية وافتتحت السفارات ووقعت الاتفاقيات وتفاءل الكثيرون بهذه التطورات على امل ان تفضي الى حلحلة مشاكل المنطقة عموما. كان الحدث مفاجئا لمن لا يعلم بتفاصيل اللقاءات التي جرت في الغرف المغلقة ولم يتابع مجريات الأمور سواء على المستوى الإقليمي او الدولي. كثيرون هم من صفقوا لأبي احمد بحكم انه صاحب المبادرة ورسول السلام الذي بدأ خطواته الأولى

نحو تصفير الأزمات الداخلية والخارجية لأثيوبيا بل وتعجل آخرون في ترشيحه لجائزة نوبل للسلام للعام 2019. استلم ابي احمد الجائزة من الاكاديمية الملكية السويدية في صمت رافضا عقد أي لقاء صحفي كما هي العادة وهي اول سابقة في تاريخ الجائزة، لعلمه في قرارة نفسه بان هناك مشاركين او مستحقين أخرين غيره ساهموا في احداث التطورات التي تشهدها المنطقة (بالطبع ليس من بينهم افورقي)، وعاد الى اديس ابابا لمواصلة الدور الذي انيط به.
ماذا حدث بالضبط؟ ومن يقف خلف هذه التطورات التي شهدتها منطقة القرن الإفريقي؟
لتقريب الصورة أكثر دعونا نسترجع المشاهد حسب ترتيبها الزمني:
-في نهاية مارس 2018 الائتلاف الحاكم في اثيوبيا يختار ابي احمد رئيسا للوزراء خلفا لهيلي ماريام دسالنج الذي استقال قبل ذلك بنحو شهر.
-في ابريل 2018 يبدا ابي احمد في ممارسة عمله كرئيس للوزراء ويعلن المصالحة الوطنية مع كل جماعات المعارضة كما يعلن قبول اثيوبيا باتفاقية ترسيم الحدود الموقعة مع اريتريا.
-في الـ 20 من يونيو 2018 يشير افورقي في خطابه بمناسبة يوم الشهداء الى التطورات الجديدة في اثيوبيا ويقول انه سيرسل وفدا الى اديس ابابا لاستجلاء الأمر. وبالفعل وفي غضون يومين طار وزير الخارجية عثمان صالح برفقة يماني قبرأب الى اديس ابابا.
-وفي الأسبوع الأول من يوليو جاء ابي احمد الى اسمرا ووقع الطرفان العديد من الاتفاقيات مع تجاهل تام للاتفاقية الأصلية ونعني ترسيم الحدود بين البلدين.
-في سبتمبر 2018 وقع الطرفان اتفاقية أخرى في جدة بالمملكة العربية السعودية قيل انها برعاية سعودية ، حيث قام الملك سلمان بتقليد الرجلين بقلادة الملك عبد العزيز.
-بعد أسبوع واحد من ذلك وصل كل من ابي احمد وافورقي الى ابوظبي لعقد قمة ثلاثية مع ولي عهد ابوظبي حيث قلدهما وسام الشيخ زايد وقيل حينها ان الامارات قد لعبت دورا في التقريب بين الطرفين.
من خلال القاء نظرة عامة على هذه التطورات المتلاحقة ثمة تساؤلات منطقية تتبادر الى الذهن ومن بينها هل كان ابي احمد هو صاحب المبادرة في حدوث هذا الاختراق والتي بموجبها استحق جائزة نوبل للسلام!!؟ ام ان افورقي استطاع ان يقرأ الأحداث في اثيوبيا فاستجاب لدعوات السلام ورد التحية بأحسن منها!!؟ ام ان المملكة العربية السعودية بقيادة اميرها الطموح هو من تحرك خلف الكواليس للجمع بين الطرفين حسب ما رددته الوسائل السعودية !!؟ او ربما كان ولي عهد ابوظبي هو الممسك بخيوط اللعبة بدليل انه توج كل تلك اللقاءات بلقاء ثلاثي ، جمعه مع الطرفين واتحفتنا وسائل الاعلام الامارتية بان الشيخ محمد بن زايد هو صاحب الفضل في الوصول الى هذا الاتفاق. وفي ظل غياب المعلومات الحقيقية يمكن لأي طرف ان يدّعي ما يشاء ولكن قطعا لم تكن القوى الكبرى غائبة عما جرى ويجري من تطورات في منطقة القرن الافريقي بل ان كل شيء يتم وفق ترتيب مسبق وخطة مدروسة للرئيس الأميركي دونالد ترامب لتصحيح كل ما فعله الديموقراطيون في عهد أوباما على حد زعمه. وفي إطار هذا الدور الأميركي يتحرك الاماراتيون هنا وهناك للعب دور القوى الإقليمية وملئ الفراغ الذي كان من المفترض ان تلعبه كل من مصر والمملكة العربية السعودية في خدمة الحليف الأميركي. والدور الاماراتي بدأ في التنامي منذ الانتخابات الرئاسية الأميركية والتي فاز فيها الرئيس ترامب حيث استطاع سفير الامارات في واشنطن يوسف العتيبة ان يوسع شبكة اتصالاته في الدوائر اليمينية الأميركية مستفيدا من صداقته الشخصية مع صهر ترامب (جاريد كوشنر)، بل وهناك بعض الاتهامات بان الإماراتيين تدخلوا في الانتخابات الأميركية بالتعاون مع العملاء الروس وهي قضية معروفة ما زالت ضمن الملفات التي يتم التحقيق فيها من قبل الشرطة الفيدرالية الأميركية.
المهم في الامر ان دولة الأمارات العربية المتحدة ورغم صغر حجمها ومحدودية تأثيرها برزت كلاعب قوي خلال الأربع سنوات الماضية من خلال حضورها في العديد من الملفات والقضايا مثل اليمن ومصر وليبيا وسوريا والعراق والقرن الافريقي وغيرها.
بالنسبة لإرتريا التي كانت تعيش في عزلة تامة نتيجة الحصار الذي فُرض عليها من مجلس الأمن بإيحاء من الاميركيين طال ما حاولت تغيير الموقف الأميركي من خلال التواصل مع بعض الأصدقاء السابقين مثل هيرمان كوهين مساعد وزير الخارجية الأميركي الأسبق ولكن لم تحقق تلك المحاولات أي نجاح حتى جاء فوز ترامب في انتخابات 2016 لتبدأ مرحلة جديدة في العلاقات الدولية. استفاد افورقي من علاقاته بدولة الامارات العربية المتحدة خاصة وانه سمح لها باستخدام ميناء عصب لأغراض عسكرية (دون اتفاق معلن) وأعلن وقوفه صراحة مع الحلف السعودي الاماراتي في الحرب التي يخوضونها في اليمن، ليطلب من الإماراتيين للتوسط له لدى الإدارة الاميركية الجديدة حتى يرفعوا عنه الحصار وهو الطلب البسيط الذي لا يكلف الإماراتيين شيئا ويمكن إيصال الرسالة من خلال مكالمة هاتفية روتينية بين يوسف العتيبة وجاريد كوشنر. وبالفعل ابلغ الأميركيون الوسيط الاماراتي استعدادهم للتعامل مع أفورقي ولكن بشكل غير مباشر على شرط ان يتعامل مع القيادة الاثيوبية الجديدة بشكل إيجابي وانهاء حالة العداء بين البلدين وترك موضوع ترسيم الحدود وعدم اثارته في الوقت الراهن على الأقل، فقبل افورقي بالشروط وهو ليس بيده شيء بل رأى في ذلك مخرج من حالة العزلة والجمود التي ظل يعاني منها نظامه.
في الجانب الآخر كانت اثيوبيا تعيش حالة من الغليان الشعبي ضد حكم اقلية التجراي وكان يمكن ان تقود تلك الاحتجاجات الشعبية في ظل فشل الحكومة الى تفكك الدولة الاثيوبية وهو امر لا تسمح بها الإدارة الأميركية فحركت اصابعها بحثا عن رئيس وزراء جديد خلفا لـ (هيلي ماريام دسالنج) الذي استقال بفعل تلك الاحتجاجات وتم التوافق على ابي احمد في الغرف المغلقة على شرط ان يطلق مبادرات لإنهاء كل النزاعات الداخلية ومع دول الجوار وان يعمل على تماسك الدولة والحفاظ على وحدتها. كانت الإدارة الأميركية غير راضية عن النظام الفيدرالي الاثيوبي القائم على أساس عرقي وكذا التوزيع الجهوي للسلطات وفق أسلوب تشكيل جبهة الأهودق. استوعب ابي احمد الرسالة الأميركية جيدا ومضى ينفذ كل المطالب على وجه السرعة حيث أطلق سراح كافة المعتقلين وإعلان العفو عن كافة المعارضين الذين يحملون السلاح وقبول اثيوبيا باتفاقية السلام مع اريتريا.
كل ذلك تم خلال شهر واحد من اعتلاءه لمنصبه في رئاسة الوزراء.
ولكن يبدو ان واضعي السياسة الأميركية عندما قرروا دعم ابي احمد وتعزيز قوته للحفاظ على وحدة اثيوبيا من خلال إعادة تشكيل هياكل الدولة على أساس جديد نسوا ان ذلك يتناقض مع رؤية جبهة التجراي التي تتمسك بالنظام الفدرالي العرقي، فكانت أولى التحديات ان رفضت الجبهة الخطوة التي أقدم عليها ابي احمد بحل تحالف الاهودق وإقامة حزب الازدهار على انقاضه، كما ان افورقي وجد ضالته لإثارة حنق قادة جبهة التجراي من خلال القيام بزيارات متكررة لإقليم الامهرا المجاور وإطلاق تصريحات مضادة لهم.
لو ان جبهة التجراي وحدها هي التي وقفت في وجه ابي احمد حتى الأن لأمكنه حل القضية عبر الوسيط الأميركي او أي طرف آخر من خلال ضمانات او تطمينات بان مصالح الجبهة التجراوية سيتم الحافظ عليها بشكل خاص في إطار النظام الجديد، ولكن المشكلة ان ابي احمد خلق لنفسه أعداء جدد من أبناء الاورومو أنفسهم بعد اغتيال الفنان الاورومي الشهير (هتشالو هونديسا) وحملة الاعتقالات التي شملت رموزهم مثل الناشط السياسي (جوهر) واقالة رئيسه السابق وزير الدفاع لما مقرسا.
كل هذه المعطيات تعني ان الخطة الأميركية لإعادة ترتيب الأوراق في منطقة القرن الإفريقي لم تمضي وفق ما كان متوقعا حيث ان التوتر ما زال سيد الموقف وانعدام الثقة ليس بين ارتريا واثيوبيا هذه المرة بل بين الاثيوبيين أنفسهم رغم مضي عامين على مبادرة ابي احمد للانفتاح وتحقيق السلام.
في الثالث من نوفمبر القادم ستجري الانتخابات الرئاسية الأميركية ورغم ان استطلاعات الرأي العام ترجح كفة بايدن على ترامب الأ انه لا يمكن الجزم بنتيجة التصويت حيث ان قطاعات واسعة من الشعب الأميركي يمكن ان تغير رأيها في اللحظات الأخيرة وتصوت لصالح ترامب، وأيا كان الفائز في تلك الانتخابات فأن النتيجة لها انعكاساتها على منطقة القرن الافريقي كما هو الحال في بقية أجزاء العالم بما تمثله الولايات المتحدة الأميركية من ثقل وتأثير كبيرين على الساحة الدولية.
ولإلقاء نظرة على الانعكاسات والتوقعات المحتملة لنتائج الانتخابات الأميركية على أطراف اللعبة السياسية في منطقة القرن الإفريقي سنتناول كل طرف على حدا: –
افورقي واريتريا.
لا شك بان افورقي هو من أكثر المتضررين إذا هُزم ترامب في انتخابات نوفمبر، فالجمهوريون عموما واليمين المحافظ بشكل خاص لا يأبهون كثيرا بممارسات الحكام المتسلطين على رقاب شعبوهم طال ما كانت المصالح الأميركية مصانة، وهم اقل اكتراثا بشعارات الحرية ،والديموقراطية وحقوق الانسان التي يتغنى بها الديموقراطيون. فترامب الذي صافح رئيس كوريا الشمالية وعقد معه جلسة مباحثات ودافع بضراوة عن الأمير السعودي المتهم في مقتل الصحفي جمال خاشقجي، أكثر استعدادا لاستقبال افورقي في مكتبه البيضاوي حتى لو كان افورقي متهما بسجن وتغييب نحو 10% وتهجير نحو 50 % من شعبه. إذا فاز ترامب في الانتخابات سيتنفس افورقي الصعداء وسيجد طريقه للعودة مرة أخرى لممارسة لعبته القذرة دون الخروج من الخطة الأميركية.
اما أسوء خبر سيسمعه افورقي في مساء الثالث من نوفمبر القادم هو فوز المرشح الديموقراطي (جو بايدن) برئاسة الولايات المتحدة الأميركية، فالديمقراطيون بشكل عام هم نذير شؤم بالنسبة لأفورقي. ففي عهدهم فرضت العقوبات عليه من قبل مجلس الامن وفي عهدهم صُنفت ارتريا ضمن اسوء الدول في انتهاك حقوق الانسان. وإذا فاز بايدن ستعود تلك الوجوه التي لا تحب افورقي ولا يحبها الى الواجهة ومراكز صنع القرار الأميركي مرة أخرى مثل سوزان رايس التي كانت قد أدرجت ضمن القائمة القصيرة لمرشحي بايدن لمنصب نائب الرئيس الأميركي قبل اختياره للسناتورة (كامالا هاريس) ولا شك انه سيعرض عليها منصبا آخر ليستفيد من خبراتها خاصة في مجال العلاقات الخارجية. إذا عاد الديمقراطيون الى الحكم مرة أخرى لن يعيدوا عملية التسوية في منطقة القرن الإفريقي الى الوراء ولكنهم سيطالبون افورقي بإجراء إصلاحات سياسية وإطلاق الحريات كجزء من عملية السلام الشاملة في المنطقة وهي بمثابة شروط مزعجة لافورقي. ابي احمد واثيوبيا.
ربما يكون ابي احمد اقل تأثرا من غيره بالتغيير الذي قد تحدثه الانتخابات الأميركية في المنطقة أو ان الامر عنده سيان سواء فاز الديموقراطيون او الجمهوريون.
ويعتقد البعض ان الرجل يتمتع بقدرات تجعله أكثر ديناميكية في التعامل مع المتغيرات الدولية، فإذا نجح الديموقراطيون في الوصول الى البيت الأبيض يرجح ان يتعاملوا مع ابي احمد بشكل أفضل من إدارة ترامب وسيشجعونه على المضي قدما في خططه لبناء حزب الازدهار على ان يقدم بعض التنازلات لحلفائه السابقين في جبهة التجراي وتخصيص مقاعد مهمة لهم في الحكومة المركزية. لكن ربما يجد ابي احمد نفسه في مواجهة مع إدارة بايدن إذا تصاعدت موجة الاحتجاجات الشعبية في اثيوبيا مرة أخرى واضطر هو لتشديد القبضة الأمنية والزج بالمزيد بالمعارضين في غياهب السجون وتأجيل الانتخابات البرلمانية مرة أخرى. اما إذا فاز ترامب بدورة رئاسية جديدة فإن ابي احمد هو رجلهم في القرن الافريقي وعليه ان ينفذ اوامرهم الجديدة ومن بينها حل الإشكالية الموجودة مع إقليم تجراي من خلال الحوار المباشر معهم. المشكلة ان طريقة ترامب في التعامل مع من يعتبرهم حلفائه هي نفس طريقة صاحب صالة القمار أي “نحن نحميكم وعليكم ان تدفعوا او تنفذوا ما نقوله لكم” وهو أي ترامب يفتقد الى الكياسة واللباقة الدبلوماسية حتى في تصريحاته او تغريداته ولا يجيد أسلوب المجاملات حتى لأقرب الحلفاء. عندما مُنح ابي احمد جائزة نوبل للسلام سخر ترامب من الحدث امام جمع حاشد من مؤيديه حين قال:
” لقد عقدت صفقة وانقذت بلدا وسمعت ان رئيس تلك الدولة يحصل الآن على جائزة نوبل للسلام عن دوره في انقاذ بلاده، هل لي دور في هذا؟ نعم، ولكن هكذا تجري الأمور.” هذه الكلمات البسيطة الي قالها ترامب تفسر لنا ما جرى بالضبط خلف الكواليس والتي كانت نتيجتها ان يقوم ابي احمد بمبادرته للسلام كما أسلفنا القول كما توضح لنا لماذا اضطر ابي احمد للصمت لحظة استلامه لجائزة نوبل. وإذا ما جدد ترامب فترة رئاسته للمرة الثانية فإن اللغة الاستعلائية التي يتعامل بها مع حلفائه ستزداد حدتها وهو ما يزعج رؤساء مثل ابي احمد او غيره. أما فيما يتعلق بالسياسات القمعية ضد المعارضين واستخدم القوة لإسكات الاحتجاجات الشعبية التي قد يقدم عليها ابي احمد ربما يكون ترامب أكثر تساهلا معها.
جبهة التجراي :
الجبهة الشعبية لتحرير تجراي الحاكمة في مقلي كانت الخاسر الرئيسي في الصفقة التي عقدها ترامب لإنقاذ اثيوبيا من الانهيار، او كانت كبش الفداء لترتيبات الإدارة الأمريكية الجديدة في منطقة القرن الأفريقي، فهي لم تفقد سيطرتها ونفوذها في الحكومة الفيدرالية فحسب بل تم حل تحالف الاهودق الذي كانت تعول عليه لضمان وجودها الدائم في دوائر صنع القرار؟ كما جرت ملاحقة قانونية لبعض منسوبيها بتهم الفساد وجرائم ضد حقوق الانسان مثل المدير السابق للمخابرات الاثيوبية (قيتاجو اسفا) بالإضافة الى إجراءات إدارية أخرى تضع حدا لتدفق الأموال الى إقليم تجراى. كل هذه المصائب التي تكالبت على قيادة جبهة التجراي في آن معا تجعلها في أمس الحاجة لأي تطور يعيد عجلة الاحداث الى الوراء. الانتخابات الرئاسية الأميركية قد تكون فرصة تتمنى فيها قيادة التجراي هزيمة ترامب وحزبه وعودة الديموقراطيين الى البيت الأبيضـ ذلك ان جبهة التجراي وخلال فترة حكمها لأثيوبيا استطاعت ان توطد علاقاتها بعدد من رموز الحزب الديمقراطي الذين يمكن ان يشكلوا لوبي لاستعادة بعض الامتيازات في أي تسوية مستقبلية للأزمة السياسية في اثيوبيا. وبعيدا عن تطلعات جبهة التجراي وامنياتها من المرجح ان تعمل الإدارة الجديدة في البيت الأبيض سواء كانت ديموقراطية او جمهورية في اخذ مصالح شعب تجراي في الاعتبار ومن ثم حث ابي احمد على تقديم بعض التنازلات ووضع حد للإجراءات التي تؤدي الى عزلة إقليم تجراي.
دولة الأمارات :
جغرافيا لا تعتبر دولة الامارات جزءا من منطقة القرن الأفريقي ولكنها حاضرة في كل أجزاء منطقة القرن الإفريقي سياسا وامنيا وعسكريا واقتصاديا من خلال قواعدها العسكرية واستثماراتها المالية والاقتصادية وتحالفاتها السياسية. ما عدا الأموال الفائضة لا تملك الإمارات مقومات القوى الإقليمية التي يمكن الاعتماد عليها من قبل القوى الكبرى في إدارة ملفات حساسة مثل ما يحدث الآن، فعدد سكان هذه الدولة الخليجية لا يتجاوز المليونين ونصف المليون بينما يقيم فيها نحو 7 ملايين من الأجانب الذين جاءوا للعمل اغلبهم من الهنود والبنغال، وهي لا تملك جيشا كبيرا حيث تعتمد على المرتزقة والقوات المأجورة من الدول الأخرى في العمليات التي تقوم بها خارج الحدود. ان بروز الإمارات كلاعب قوى في عدد من الملفات الساخنة في منطقة الشرق الأوسط وافريقيا خلال السنوات الأربعة الماضية يعود أساسا الى تراجع دور القوى الإقليمية الأخرى نتيجة الأزمات الداخلية التي تعاني منها، وهي أي دولة الإمارات بذلك اشبه بالبالون المنتفخ بالهواء سيعود الى حجمه الطبيعي بمجرد تنفيس الهواء منه. قد تكون الانتخابات الأميركية القادمة هي الإبرة التي تنفس البالون الإماراتي إذا فاز الديموقراطيون في هذه الانتخابات، وهذا يفسر السعي الإماراتي المحموم لدعم ترامب من خلال حملة علاقات عامة والإيحاء للناخب الأميركي بأن ترامب فعل ما لم يستطيع غيره ان يفعله وهو الرئيس الذي ساهم في تطبيع العلاقات بين إسرائيل وعدد من الدول العربية.
على مستوى القرن الإفريقي سيتعزز الدور الإماراتي أكثر إذا نجح الجمهوريون في اكتساح الانتخابات الأميركية بينما سيتراجع هذا الدور إذا نجح بايدن في السباق الرئاسي حيث أن الرجل توعد بإعادة (الثبات والانضباط) ،الى السياسة الخارجية الأميركية حيث من المرجح إعادة ملف القرن الافريقي الى الخارجية الأميركية التي كان يتجاوزها ترامب، والاستغناء عن خدمات الشيخ محمد بن زايد.
تبقى ان نقول إنه وعبر إعادة ترتيب هذه المواقف والانعكاسات في الحالتين (فوز ترامب او خسارته) وجمعها في سلة واحدة يمكن ان ترسم لنا صورة شبه مكتملة لما سيكون عليه الوضع في القرن الأفريقي بعد الثالث من نوفمبر القادم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى