مقالات

انتقال سلمي للسلطة في إثيوبيا : محمد ابو حامد *

24-Sep-2012

المركز

وضعت الجبهة الحاكمة في إثيوبيا “EPRDF” حدا للتكهنات والتوقعات التي راجت في البلاد عقب وفاة رئيس الوزراء السابق مليس زيناوي حول من سيخلفه في القيادة، وذلك بعد ان انتخب مجلس الجبهة التي تكون الائتلاف الحاكم في البلاد بعد مداولات بعيدا عن أعين الإعلام هيلي مريام دسالينغ نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية والذي كان يشغل منصب القائم بأعمال رئيس الوزراء منذ رحيل زعيم الجبهة في أغسطس الماضي، كما نجح الاجتماع في انتخاب نائب لرئيس الوزراء وهو دمكي موكنن وزير التعليم الاتحادي وهو بيولوجي مسلم ينتمي إلى عرقية الأمهرا التي تشكل ربع سكان إثيوبيا. في وقت صادق فيه البرلمان الإثيوبي الجمعة الماضي، رسميا وفي جلسة طارئة على تعين دسالينغ رئيسا للوزراء في إثيوبيا لتدخل البلاد مرحلة جديدة.

وكان كثيرون عبروا عن صعوبة المرحلة المقبلة في البلاد وما ينتظر إثيوبيا بعد ان رحل زيناوي الرجل القوي والذي ظل يمسك بخيوط العملية السياسية في بلاده لعشرون عاما بل أصبح محور اهتمام إقليمي ودولي بعد ان نجح في ترتيب بيت الحكم من الداخل وأقام التحالفات مع القوى الغربية المتنفذة، وأصبح واحدا من أكثر القيادات الأفريقية المؤثرة في مجريات الأحداث ليس بالقرن الأفريقي وحسب وإنما في عموم القارة وعلى المستوى الدولي ايضا.حيث كان واحدا من القيادات الأفريقية التي لم تغب عن منتدى الكبار سواء على مستوى قمة الثماني او مجموعة العشرين، وذلك نظرا لحجم مبادراته ومساهماته ومقترحاته ما جعله صوت أفريقيا في المنابر العالمية خلال السنوات الأخيرة من حياته، خاصة وبعد ان اختاره الاتحاد الأفريقي على رئس لجنة رئاسية تتفاوض باسم القارة حول قضية المناخ. أما على الصعيد المحلي، فقد نجح زيناوي في طبخ توليفة حكم متجانسة من مختلف القوميات والتي تشكل فسيفساء المجتمع الإثيوبي، وعمل لسنوات على بناء القدرات داخل قيادات الصف الأول من الجبهة الحاكمة خاصة الجيل الجديد من تلك القيادات كي تكون مؤهلة لإدارة المرحلة وكرس كل خبرته ومعرفته وتأثيره في توجيه سياسات البلاد نحو التنمية الشاملة وبناء المشروعات العملاقة كالطاقة والزراعة والتعدين والنفط والطرق والجسور والاتصالات والنهضة العمرانية وخلاف ذلك من المشروعات الصغيرة التي جعلت المواطن الإثيوبي البسيط ان يعرف لاول مرة معنى الاعتماد على الذات ومحاربة الفقر المزمن بالإمكانيات الذاتية واستغلال مختلف الموارد المتاحة ما جعل إثيوبيا تحقق نموا متواليا أشادت به المؤسسات الدولية والمراكز المتخصصة وتوقع كثيرون ان تكون إثيوبيا في غضون الأعوام القليلة المقبلة من بين الدول متوسطة الدخل. والاهم من ذلك فان الزعيم الإثيوبي الراحل، قد عمل بشكل كبير على بناء مكانة إثيوبيا وتحسين صورتها أفريقيا وبين الأسرة الدولية من دولة تعتمد على المساعدات الإنسانية والاغاثية وتدمن المجاعة وتعاني الفقر المدقع، الى بلد يحقق سرعة نمو كبيرة ومتتالية من بين بلدان أفريقيا جنوب الصحراء، فضلا عن الدور السياسي المهم لأديس ابابا في مختلف القضايا الإقليمية والدولية ما جعل لها ثقلا مهما في الأحداث المحيطة بالإضافة كونها عاصمة القرار السياسي والاقتصادي في القارة باعتبارها مقرا للاتحاد الأفريقي ولجنة أفريقيا الاقتصادية وتلك مكاسب أسياسية حافظت عليها إثيوبيا بقدر كبير في عهد زيناوي. وبالتالي فان غياب شخص بهذا الحجم والتأثير، استدعى قلق الأوساط الإثيوبية القريبة والبعيدة بل المحيط الإقليمي والقاري من ذلك القادم وملامح المرحلة التي ستدخل اليها إثيوبيا، وعملية انتقال السلطة في البلاد بعد ان وضعت الجبهة الثورية الديمقراطية لشعوب إثيوبيا “الائتلاف الحاكم” لأول مرة أمام اختبار صعب وحقيقي في مسيرتها. ورغم ان الجميع كان ينتظر المفاجئة من نتيجة اجتماعات الجبهة الحاكمة الأسبوع الماضي، الا ان المفاجئة نفسها تمثلت في انتخاب دسالينغ وبنسبة وصلت الى أكثر من تسعين في المائة من الأصوات وهو ما يشير ببساطة الى إجماع غير مسبوق على زعيم إثيوبيا الجديد ليكون خليفة لزيناوي. حيث يقول العارفون ان اختيار زيناوي لدسالينغ والذي ينتمي الى قبائل “الولايتا” في جنوب إثيوبيا والمهندس المدني والإداري المقتدر والمشهود له بالتدين..ليكون نائبه لم يأت من فراغ حيث كان من اقرب المقربين إليه واختبر مقدراته في المجالات المختلفة ليستحق هذا المنصب الرفيع، كما ان تعين دسالينغ من قبل زيناوي قبل عامين في منصب نائب رئيس الوزراء جاء في إطار رؤية الراحل استبدال القيادات من الحرس القديم للجبهة الحاكمة بآخرين جدد من الذين التحقوا بها بعد هزيمة نظام منجستو مطلع تسعينيات القرن الماضي. ومهما يكن من امر، فان إثيوبيا تبدأ مرحلة جديدة في تاريخها السياسي قد لا تختلف كثيرا عن النهج الذي رسمه زيناوي نظرا لان القيادة الجديدة بزعامة هيلي مريام بزغت من رحم رؤيته والنهج الذي رسمه وترعرعت تحت قيادته.بيد انها ستكون حتما مهمة للغاية وجديرة بالتأمل، حيث جاءت بشكل عكس كثير من التوقعات من قبل المحللين في الداخل والخارج، والذين اعتقدوا جازمين، بان خليفة زيناوي سيأتي من داخل جبهة تحرير التجراي التي إليها يرجع الفضل في إسقاط حكم منجستو بعد سنوات من النضال الدموي، لكن انتخاب هيلي مريام بنظر كثيرين يشير الى رؤية أوسع للقيادة الإثيوبية الجديدة بان يكون خليفة زيناوي من داخل دوائر القيادة الجماعية للائتلاف الحاكم وليس الحلقة الصغيرة وهو ما حدث بان تحمل الجميع المسئولية وقدر حجم التحدي.وبذلك تكون القيادة الإثيوبية جنبت البلاد أي تجاذبات توقعها البعض حول هذا التحول لتحافظ إثيوبيا على استقرارها وتماسكها الداخلي وهو ما يشير إلى نضج سياسي سيدعم المكاسب السياسية والاقتصادية التي حققتها البلاد في السنوات الماضية.* مختص بشؤون القرن الافريقي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى