مقالات

جنرالات ارتريا والقفز العالي !

بقلم فتحي عثمان.

بداية تحتاج مناقشة دور الجيش في السياسة في ارتريا وتثبيت اركان الاستبداد إلى دراسة راشدة ومطولة بعيدة عن الأهواء والأغراض. من شأن هذه الدراسة، إن تمت، أن تجلي الفروض التقليدية – فيما يتعلق بإرتريا – خاصة ما إذا كانت الحرب، فعلا، امتدادا للسياسة حسب مقولة كلاوسفيتز أو بيان كون السياسة تابعة ومقودة بالحرب.. ابداء الرأي والدراسة في هذا الشأن يحد منه الترهيب والتخويف باطلاق توصيفات تصنم الفرد والمؤسسة: مثل “جيشنا خط أحمر” وجيشنا خط طمنطاشر وجيشنا خط ستة… الخ. الجيش والشرطة والأجهزة الأمنية هي الأدوات التي تتحقق بها “القوة القهرية” للدولة؛ وهنا يأتي السؤال: لمن تخضع الجيوش حتى تنطبق عليها صفة “جيوش وطنية”؟ وما الدور الوطني للجيش في ارتريا في الثلاثين عاما الماضية؟ ولا يمكن فصل السؤال عن النظرة السائدة في عالمنا المقموع إلى الطبقات السياسية كطبقات خادمة وتابعة ومنقسمة إلى شقين هما: نخبة مدنية ونخبة عسكرية؛ وكلتا النخبتان تقمعان الشعوب للأغراض السياسية والأمنية الخارجية والداخلية. سياسي امريكي حاول نفي صفة (الطاعة العمياء) عن جنرالات جيش بلاده بتوصيف طريف عندما قال: “جنرالاتنا ليسوا من النوع الذي يقول له الرئيس أقفز؛ فيرد: إلى أي ارتفاع أما جنرالات الجيش الارتري، الذين نعرفهم، فهم لا يسألون حتى عن الارتفاع المطلوب عندما يطلب منهم القفز.

اسياس افورقي

خلال الثلاثين عاما من حكم الفرد وبطشه كان هؤلاء الجنرالات هم العصا في يده والطلقة في مسدسه؛ إلا من شق عصا طاعة الدكتاتور وانحاز إلى شعبه ومطالبه في الانعتاق كالشهيد سعيد علي حجاي، والأسيرين القائدين بتودد ابرها وعثمان ادريس جمع وآخرون لا نعلمهم. هؤلاء انحازوا للتاريخ الناصع للمقاتل الارتري منذ الطلقة الأولى في جبل أدال حتى معارك دقمحري التي أدت إلى تحرير العاصمة اسمرا وكل المواقع التاريخية المشرفة للمقاتل الارتري. للجيوش الارترية تاريخ ناصع لوثه هؤلاء القادة بالوقوف ضد شعبهم وتطلعاته؛ وعندما نتحدث عن هؤلاء فإننا نتحدث عن ضباط وقادة كبار يمررون القرارات السياسية ويحولونها إلى قرارات عسكرية يكون لها ما يكون من تأثير وتبعات، أول من تنطبق عليهم هذه القرارات بخيرها- إن كان فيها خيرا اساسا- وشرها هو الجندي البسيط المغلوب على امره، والذي يرسف تحت اغلال ما يسمي بالخدمة الوطنية. ودور هؤلاء الضباط في وحدات الجيش المختلفة ووكالة الأمن القومي سيئة الصيت، معروف في سجن الشعب وقتله واتخاذ احلامه وطموحاته أهدافا ثابتة ومتحركة لتعليم اطلاق النار. وحتى لا يقال علينا أننا “نتجنى” على جيشنا المغوار: نسأل من أعطى الأوامر باطلاق النار على معوقي حرب التحرير في ماي حبار؟ ومن يحرس السجون والزنازين ويطلق النار على الهاربين في الحدود؟ أما (ورطات) الجيش الارتري ومغامراته في الخارج فهي قديمة وتعود إلى فترة الثمانينات عندما شارك الجيش الشعبي في المعارك ضد جيش الحركة الشعبية لتحرير السودان في قيسان والكرمك. وشاركت وحدات من قوات الدفاع الارترية في تصفية حزب الاتحاد الاسلامي في اثيوبيا تحت قيادة وحدات تأتمر بأمر رئيس الوزراء الاسبق ملس زيناوي.

ونفس هذا الجيش هو الذي اندفع إلى توقان وهمكشوريب في شرق السودان تحت خطة واشنطن لمحاربة الارهاب. وشارك هذا الجيش في معارك المتمرد لوران كابيلا في الكونغو من أجل الألماس. وهذا الجيش وضباطه كانوا يشحنون السلاح من مطار مصوع إلى المحاكم الاسلامية في مقديشو بطائرات مموهة بالوان الأمم المتحدة كان يشرف عليها ضابط الاستخبارات المعتقل حاليا طعمي مقلي. وفي كل هذه المغامرات والحروب كان الضحية الأولي هو الجندي الارتري البسيط الذي يؤمر فينفذ وعندما يرفض يسجن ويقتل. هذا الجندي عندما يقع في الأسر لا يجد حماية دولته أو أي حماية جهات قانونية دولية. فعندما طلبت جيبوتي من دولة قطر التوسط لمبادلة اسراها في اسمرا بالأسرى الارتريين لديها؛ أنكرت اسمرا أن لديها اسرى حرب جيبوتيين من الأساس، حتى هنا الأمر غير مستغرب، لكن أن ينكر حاكم ارتريا أن لديه اسرى في جيبوتي فهذا كان طعنة في قلب هؤلاء الاسرى المساكين الذين كان معظمهم من مجندي الخدمة الوطنية. وعندما زارهم ناشطو حقوق انسان ليلفتوا العالم إلى قضيتهم وجدوا أن قلوبهم ذابت لا بفعل حرارة جيبوتي المشهورة بل بإنكار بلادهم لهم. اليوم هذا ما ينتظر الأسرى الارتريين- إن كانوا على قيد الحياة. فهؤلاء لا يجدون أي حماية قانونية لهم كما ذكرنا من قبل، وإذا سئلت الضباط الذين قادوهم إلى المحرقة فإنهم سوف ينكرونهم كما أنكروا اخوانهم من قبل. فمن الذي يضع الجندي الارتري هذا الموضع المهين بالدفع إلى الحرب تارة وبالتبرير الدنيء لها تارة أخرى؟ ثم، واخيرا، إذا كان مبرر الحرب والغزو هو الدفاع عن النفس، كما يتوهم البعض، فكيف ينسى المروجون لهذا العبث أن الآخرين قد يشهروا عليك نفس السيف في يوم من الأيام بحجة الدفاع عن النفس: وكما تدين اليوم، غدا تدان. وبين اليوم الحائر والغد المبهم يضيع الجندي الارتري المسكين، ومن عداه من القادة والمأمورين هم من الذين أجرموا في حق شعبهم قبل أن يجرموا في حق الآخرين. وهما لا يستويان مسئولية ولا جريرة، وبذا اقتضى البيان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى