مقالات

في إجواء الذكرى (٥٦) لثورة اكتوبر : هل من آفاق لاستعادة مبدئية وحميمية الروابط النضالية مع مطالب الارتريين؟. بقلم/ عثمان صالح.

23-Oct-2020

عدوليس

كل اطلالة لاكتوبر من كل عام لها طعم خاص مرتبط بذكرى أحدى التحولات الكبيرة وألايام المشرقة التي شهدتها المنطقة – ذكرى الثورة الشعبية السودانية في 21/10/١٩٦٤م ضد حكم العسكر بقيادة الجنرال إبراهيم عبود . والسودانيون هم اهل سبق وخبرة في هذه التحولات الكبيرة عربيا إذ تعتبر ثورة اكتوبر في الواقع اول ثورة عربية شعبية تطيح بنظام عسكري مستبد . وان كانت ثورة اكتوبر بشكل أساسي تعبيرا عن رفض الشعب السوداني للسلطة الدكتاتورية وطغمة العسكر التي هيمنت على البلاد وأنهت الحياة الديمقراطية.

وانتهجت على مستوى المنطقة ولاسيما في تعاملها مع قضية الشعب الارتري سياسات تتناقض والروابط الوثيقة بين الشعبين في مظهر جلي من مظاهر الاختلاف مع قناعات الشعب السوداني والإضرار بمواقفه المشرفة حيال قضايا أشقائه . فقد قطع نظام 17 نوفمبر شوطا بعيدا في التعاون مع الإمبراطور هيلا سلاسي ومساندة الاحتلال الإثيوبي لإرتريا ومعاداة الثورة الارترية ومحاربة النشاط النضالي الارتري وذهب بعيدا في ذلك عبر تسليم مناضلين من جبهة التحرير الارترية الى الاحتلال الاثيوبي . فلا غرابة اذن في ان يكون الارتريون اكثر الناس سعادة بثورة اكتوبر لأنهم كانوا اكثر الناس تضررا من مواقف وممارسات نظام الجنرال عبود.
ورغم خصوصية الاسباب والعوامل المباشرة للثورة إلا أنه يلاحظ بوضوح انه لم تكن النتائج الايجابية المباشرة لثورة أكتوبر موقوفة على الساحة السودانية بل كانت ثمارها قد امتدت الى نطاق اوسع .فالنتائج المهمة والمباشرة لانتصار ثورة اكتوبر على الساحة السودانية المتمثلة في:
1/ انتصار إرادة الشعب السوداني بسقوط السلطة الدكتاتورية القمعية . 2/ استعادة الأحزاب السياسية والنقابات والهيئات التي أشعلت الثورة وساندتها بالعصيان المدني لحرية نشاطها.
3/ قيام انتخابات عامة في البلاد بعد أشهر قليلة من نجاح الثورة وإعادة الحياة الديمقراطية في البلاد. قد انعكست بلا شك آثارا إيجابية في ساحات اخرى قريبة وبعيدة افادت منها بمستويات مختلفة في مواجهة التحديات.
وبالقدر الذي عززت فيه الثورة ثقة الشعب السوداني في نفسه وقدرته على تحدي القهر وإسقاط أنظمة التسلط والقهر وأوجدت ارضية صلبة للصراع مع الدكتاتوريات فيما بعد فتلتها ثورتا ابريل 1985م وديسمبر2019 ، فان تلك التحولات السياسية المهمة قد انعكست ارضية صالحة لافادة نضالات شعوب اخرى في المحيط القريب الافريقي والعربي من ناحية وعمقت ايضا من مشاعر التضامن بين أبناء المنطقة عموما والوطن العربي وخلقت أرضية للتلاحم ومساندة حقوق الشعب الفلسطيني والحقوق العربية عموما وحماية القضايا الأساسية للأمة من ناحية اخرى.
فمن المظاهر والمواقف السياسية التي استندت على أرضية ثورة 21 أكتوبر لاءات وقرارات قمة الخرطوم التي تصدت لتداعيات نكسة (يونيو ٦٧م) وشددت على التمسك بثوابت عربية من خلال( لا صلح ولا اعتراف ولا تفاوض) مع الكيان الصهيوني قبل ان يعود الحق العربي الى أصحابه.اما على الصعيد الارتري فقد أنصفت ثورة أكتوبر الشعب الارتري وأعادت في الساحة السودانية الاعتبار لنضاله كحركة تحرر وطني وجزء من حركة الثورة العربية وتكونت في أجواء الحرية والإخاء والتعاطف الذي أوجدته جمعيات للصداقة مع الشعب الارتري والروابط المؤيدة لنضاله وحقه في الحرية والاستقلال.
ما اشبه الليلة بالبارحة!
واليوم تمر علينا ذكرى ثورة اكتوبر والشعب الارتري يعيش اوضاعا مأساوية رغم النقلة الكبيرة التي حققها في صراعه ضد الاحتلال بتحقيق الانتصار التاريخي في الرابع والعشرين من مايو1991م ولكن دون ان يتحقق حلمه في الامن والسلام والعودة الى الوطن الذي ضحى من اجله بالغالي والنفيس، نتيجة تسلط طغمة قمعية دكتاتورية حولت البلاد الى سجن كبير ووطن طارد لابنائه الامر الذي اوجب الاستمرار في مسيرة المعاناة بحثا عن الحرية ودفاعا عن مقتضيات الحياة الكريمة. نعم نعيش اليوم واقعا شبيها بحال النضال الارتري في النصف الاول من ستينات القرن الماضي حين انتصرت ثورة اكتوبر وعاد في اجواء انتصارها التوازن الى العلاقة الراسخة بين الشعبين بعد ان وضعها نظام الجنرال عبود في الاتجاه المعاكس ، وفي ذات الوقت على المستوى العالمي نعيش نظام قطب واحد تغير فيه منهج التأييد وطرائقه وشهد طفرة خطيرة من (تقديم المساعدة المالية والسياسية والاعلامية والتعليمية والفنية) الى ارسال القوات المدججة بل وايصال (الاصدقاء/ الحلفاء/ الوكلاء) الى سدة الحكم على الدبابات وهو ما لا ولن يرضى به الارتريون ولو امتد النضال بهم مئات اخرى من السنين.. ان حاضر السودان بعد انتصار ثورة ديسمبر يحتم في تقديرنا نظرة فاحصة للوضع الخاطئ الذي اوجدته علاقة نظام الانقاذ بنظام اسمرا ، ويقتضي قراءة صادقة وامينة للاخطار المحدقة بهذه العلاقة التي نتجت عن النظرة غير المبدئية لنظام الانقاذ لمطالب الشعب الارتري ، واتفاقات التعاون الامني والاستخباراتي مع نظام اسمرا لحماية مصالحهما السلطوية . أقول ان الواقع اليوم يطرح على المكونات السياسية في السودان ذات السؤال الذي طرحته اجواء انتصار الثورة الشعبية في اكتوبر فخاطبته المكونات السياسية السودانية حينها او- قل معظمها- بمبدئية، اقول ذات السؤال يعود الآن فتطرحه اجواء انتصار ثورة ديسمبر على واجهات الشعب السوداني وكياناته السياسية وانا لمنتظرون لنرى كيف ستكون عليه الاجابة هذه المرة . العقل والمنطق وقوانين السنة الكونية تقول ان(55) سنة بين اكتوبر وديسمبر ، حصل فيها من الوعي والتطور والنضج السياسي والفكري والسمو الايماني الكثير مما يبشر بموقف ايجابي- من غالبية القوى السياسية – نحو مطالب الشعب الارتري ورغبته في تأسيس حياة قوامها الحرية والديمقراطية ودولة مؤسسات تستوعب كل ابنائها — وان كنت لا استبعد — موقفا معكوسا ومحتوى منقوصا لهذا من البعض ممن هم مع الديمقراطية والحرية في بلاد ومع نقيضها في غيرها ان كان في ذلك منافع خاصة لهم.
إن كانت ثورة اكتوبر محطة تستمد منها الشعوب مزيدا من العبر والدروس وتتزود منها بكل معاني الإصرار والتضحية والفدائية للتخلص من كل صور القيود فعلى صناعها – اهل السودان – ان يكونوا سندا للباحثين عن الحرية والمناضلين من اجل الديمقراطية في المنطقة حتى تتأمن الثورة الراهنة والديمقراطية في السودان بسياج شبيه لها ومكمل لمقاصدها في المنطقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى