مقالات

مرت ذكرى رحيله العشرين دون ضجيج : عثمـان صالـح سبـي المعلم الثائر..بقلم : محي الدين علي

6-Apr-2007

المركز

moheiali@yahoo.com
يحار الإنسان وهو يمسك بالقلم وفي نيته محاولة الكتابة عن شخصية المناضل والثائر عثمان سبي ، الصاخبة العنيفة ، والثائرة المؤثرة ، من أين أبدأ ؟ وكيف يمكن أن ألج واسبر أعماق روحه وشخصيته التي كانت تموج بكثير من الأحداث .

فلقد كانت حياته مجلد ضخم عمره يناهز النصف قرن من الكفاح والنضال والمعاناة ومواجهة التحديات ، فمنذ تكوين جماعة العروة الوثقى ، وخلال سني دراسته في معهد المعلمين بأديس أبابا ، ونشاطه وتثو يره لا بناء قريته أثناء عمله معلما بمدرسة حرقيقو وحضهم على النضال والعصيان والثورة ، مرورا بتأسيسه مع بعض من رفاقه لجبهة التحرير الإرترية في القاهرة ثم تقلده للموقع الأول في تنظيمات الثورة طيلة سنوات الكفاح وحتى يوم وفاته في العام 1987م فلقد كان دوما الأول والرائد والقائد والرقم الصعب في تجربة الثورة الإرترية والذي لايمكن تجاوزه أو تخطيه . لقد ولد الشهيد سبي في مطلع الثلاثينيات من القرن الماضي في قرية (حرقيقو ) ، ولم يكن يودع أعوام براءته الأولى حتى وجد إن المؤامرات وقد حيكت في أروقة الأمم المتحدة وفي صالونات وزارات الخارجية للدول الكبرى من أجل طمس هوية وكيان الشعب الإرتري وإذابته تمهيدا للانضمام للإمبراطورية الإثيوبية والذي تم بإلغاء الاتحاد الفيدرالي بين إرتريا وإثيوبيا في 14 نوفمبر من العام 1962 واعتبار إرتريا وحدة إدارية في إطار الإمبراطورية الإثيوبية . يسطر الشهيد سبي في دفتر يومياته بعض من ذكريات طفولته الباكرة وما علق بها من صور وخيالات في قريته ( حرقيقو ) فيكتب بتاريخ 21/7/1982م :(( يوم في العيد ولا عيد: ((كان لابد لي في ظل وضعي الشخصي ووضع قضية بلادي بل ووضع الإنسان في الأرض الذي تدمره الحروب أن أتساءل كما تساءل الشاعر العربي قبل نحو ألف عام ” بأي شيء عدت يا عيد ” فلم يكن ليوم عيدنا هذا ما يفرح ويسر ، لا مسرات للطفولة فالعيد في قريتنا الوادعة ( حرقيقو ) حيث الأطفال يخرجون بملابسهم المزركشة إلى ” المصلى ” خارج المدينة ثم ينتشرون و يزورون الأهالي والأقارب ليكرمونهم بما تيسر من دراهم أو حلويات ، أما مسرات الكبار وقد عادوا ببيارقهم الخاصة بطرقهم الصوفية وهم يهللون ويكبرون ويتلون المدائح النبوية ، لقد أمست قريتنا خراباً بعد أن دمرها الإثيوبيون الغزاة وتشرد أهلها في أصقاع الدنيا كسائر القرى ومدن إرتريا . كما لم يكن هناك ما يسر حولنا ، فشعب فلسطين المشرد يزداد تشردا وتقتيلا وهو يواجه حملات الابادة والغزو الإسرائيلي للبنان الجميل ، وأخبار الحروب تملأ الدنيا حتى الأطفال ” أطفالي ” لم أجد في وجوههم الفرحة )). لقد سمحت لي الظروف أن اطلع على بعض ما كتب الشهيد سبي في دفاتر يومياته وقد قمنا بنشر البعض مما تيسرمن تلك الأوراق في نشرة ” دندن ” التي كان يصدرها الاتحاد الوطني للشبيبة الإرترية في سوريا في مطلع التسعينات ، فلقد لاحظت من قراءاتي لما كتب من صفحات يبدو أن الشهيد لم يعدها للنشر لكي يطلع عليها غيره ، بل لنفسه ، إذ كان يكتبها في وقتها وهو على ما يبدو على عجلة من أمره ، مسجلا فيها خواطر وأحاسيس ينفس فيها عن كربه وربما يستجيب لدواعي أمور تعتمل في دواخله وكأنها اعترافات أمام نفسه ، ويمكن أن تكون لوحات معبرة رسمها بريشته وخطها بقلمه . ويمكن أن أقول إن بعض ما سطر في دفاتر يومياته موغل في الخصوصية الشخصية والعائلية . وكثيرا ما تحفل يومياته وما كتبه في مفكراته بالعديد من الآراء حول الشخصيات والزعماء ولاسيما القيادات الإرترية التي كانت تلازمه وبعض من تلك اليوميات كتب في فترات متباعدة وفيها يعبر عن احباطات كبيرة وعظيمة ، فنقرأ في يوم 26/5/1982م : (( إن إحدى الدويلات ( … ) التي تذيقنا العذاب لتدفع لنا مبلغا سنويا ، والادهى إن إدارة المراسم في هذه الدولة كتبت لفندق الهيلتون تبلغه بإنهاء ضيافتنا ابتدءا من 17 الجاري ، ويبدو إن الإنسان يزيد بشاعة كل ما زاد المال ، والحقيقة لولا إنني أعالج قضية عامة تتطلب التضحية بالكرامة الذاتية لغادرت الفندق والبلاد فوراً ولكن قضية إرتريا بحاجة إلى مساعدة هذه الدولة)) ] يمكن الرجوع إلى تفاصيل هذه الحادثة في كتاب الأستاذ احمد أبو سعده : إرتريا من الكفاح المسلح إلى الاستقلال [ . وهكذا فالشهيد سبي كان دوما في الموقع الذي يتلقى فيه الصدمات ويمتصها طالما كان يعمل من اجل هدف نبيل فكثيرا ماكان هدفا لسهام النقد الجارحة وغير الموضوعية بل وغير المبررة أحيانا من اقرب الناس إليه ، ورغم ذلك وبشهادة من ناصبوه العداء كان تسامحه أسمى مراتب القوة والبطولة ، فحب الانتقام وردود الفعل كانت في نظره أسوأ مظاهر الضعف وأبرزه ، فقد كان يمتلك شعورا إنسانيا نبيلا ونادرا . ومن بطولة الشهيد سبي ورجولته التي لا يعرف لها حدود اعترافه بغلطاته وتحمله مسؤولية ما يرتكب من أخطاء وتجاوزات وقد تجلى ذلك في الكلمة التاريخية التي ألقاها في المؤتمر التنظيمي الأول لقوات التحرير الشعبية في العام 1977م والتي كانت بمثابة كشف حساب قاسي مع النفس وكل من عاصر تلك المرحلة بامكانه أن يقر بما قال وقتها ، فقد أكد على تحمله قسطاً من العثرات وحالات التراجع بل والانقسامات التي عانت منها الثورة طيلة السبعة عشر عاما الماضية ، باعتباره مؤسسا وقائدا ومعلما حين قال لقد أهملنا التنظيم والتا طير والتوعية على حساب البندقية دون أن يغفل إن البندقية بكل تأكيد هي الأمضى والأنجع واللغة التي يمكن أن يفهمها الأعداء ونتفاهم من خلالها معهم ، مؤكدا في الوقت نفسه إن التجربة هي خير معلم ومن لا يعمل لايخطىء . لقد كانت للشهيد سبي القناعة الراسخة بأن حياة المناضل العامة والمترعة بشتى ضروب الكفاح والنضال لايمكن أن تسير بوتيرة واحدة ، بل كثيرا ما تعتريها الصعاب وتنتصب العراقيل أمامها ، فيقدم الثائر عندها ويحجم ، ويبدي ويعيد ويكون الهادي والرائد دوما ضميره أي ضمير القائد ، وروحه الثائرة ، ومبادئه السامية التي يعمل على نشرها وتحقيقها دون أن يحيد عنها . فيكتب بتاريخ 1/9/1982م وبمناسبة الذكرى الحادية والعشرون لاندلاع الثورة : (( ورغم هذا العمر الطويل للثورة فإنها ما تزال أبعد عن النصر بل وتعيش في حالة نكسات عسكرية وسياسية بسبب الانقسامات والاختلافات وتجاهل العالم لها رغم ما قدمه شعب إرتريا من تضحيات في الأرواح والأموال . إن المطلوب هو إعادة نظر في كل سياساتنا حتى يخلق تنظيم إرتري وطني أو تحالف وطني من التنظيمات يتجاوز حساسيات الماضي ولكن سيظل ذلك مجرد أمنية مالم تقتنع كل الأطراف الإرترية بان هذا هو المدخل الوحيد للنصر )). إن الوحدة الوطنية دون شك هي هاجس كل الإرتريين ، والشهيد دوما كان يردد ويؤكد على أهميتها وحيويتها ويحذر من مخاطر الفرقة والانقسام والتشرزم والانزلاق في مهاوي الصراع الطائفي مذكرا ومستحضرا للتاريخ وما يحويه من أحداث مؤلمة مرت بها إرتريا نتيجة لانعدام الوحدة الوطنية ، وتأكيدا على أهمية وحدة أداة الثورة كان تنظيم قوات التحرير الشعبية الذي كان يقوده الشهيد يرفع شعار : الوحدة ـ التحرير ـ البناء والتقدم ، ومن هذا المنطلق لم يتوانى الشهيد سبي من الالتقاء بأي طرف إرتري يلوح بالوحدة الوطنية ، واللذين عاصروا تلك الفترة يدركون الكم الهائل من الاتفاقيات الوحدوية التي كانت تبرمها قوات التحرير الشعبية مع الفصائل الأخرى ، دون أن نغفل دور تلك الفصائل في الوحدة الوطنية الإرترية وتقديرهم لحتميتها وضروراتها وان اختلفت الوسائل في معالجتها والوصول إليها . فلقد كان الشهيد سباقا بل ومستعدا في أحايين للتضحية بالتنظيم الذي يقوده متجاوزا كل الأنظمة والضوابط الداخلية من اجل الدخول في أي عملية وحدوية طالما إن الغاية هي التحرير والاستقلال وبناء دولة إرتريا المستقلة بعد إزالة الاحتلال عن كاهلها وربما الكثيرين يذكرون تصريحه الهام على اثر توقيع اتفاقية 20 أكتوبر في الخرطوم في العام 1977 بين جبهة التحرير الإرترية والجبهة الشعبية لتحرير إرتريا ، ورسالته الشهيرة للسيد / أبو القاسم محمد إبراهيم نائب رئيس جمهورية السودان الديمقراطية في حينه باعتباره عراب تلك الاتفاقية ، والتي يبدي فيها استعداده لحل التنظيم بحال إتمام الوحدة بين الجانبين، ولايمكن أن ننسى مزايدات البعض ومطالبتهم إياه بين الحين والآخر بحل تنظيمه على اعتبار إن الوحدة قد تحققت وكلنا ندرك ما آلت إليه الوحدة بين الفصيلين المذكورين فيما بعد وهنا يمكن أن نقرأ ما كتب بتاريخ 2/8/1982م : (( قابلت (…..) ممثل الجبهة الشعبية لتحرير إرتريا وانطلقنا في الحديث السياسي فاخبرني بأنه قادم من السودان ، وان المكتب السياسي مجتمع في الميدان لإقرار مشروع الوحدة الوطنية ، فأبديت له من جانبي استعداد تنظيمنا ولو بدون اتفاق بتقديم المساعدات التموينية والاقتصادية والعسكرية ، لأن قوتهم هي قوة اريتريا والحفاظ عليها هو الحفاظ على الثورة الإرترية ، وكنت صادقا مع نفسي في ذلك )) . لا احد ينكر بان الشهيد سبي قد أولى الإعلام والكتابة والتأليف عناية خاصة وقد تجلى ذلك في مكتب الإعلام الخارجي في بيروت والذي لعب دورا تنويريا وتثقيفيا هاما لعقود من خلال النشرات والدوريات والكتب التي كان يصدرها بانتظام ، بالإضافة إلى مركز الأبحاث والدراسات الإرترية الذي كان مقره في العاصمة الإيطالية روما وكلا المكتبين كانا تحت الإشراف المباشر للشهيد وعيا منه وإدراكا بضرورة إعلاء صوت الثورة حتى يصبح مدويا في كل مكان وحتى يتحطم حاجز الصمت ووضعية الحصار الإعلامي الذي يلف بالقضية الإرترية من كل جانب ، فلقد كتب الشهيد في 25/11/1982م :)) تحدثت بمبادرة من عندي مع البرنامج الإفريقي focus on Africa في الإذاعة البريطانية حيث أجرى معي مدير القسم حديثا تناول آخر الأحداث وخطاب منقستو الذي ألقاه اليوم في اسمرا ووعد فيه بتدمير ” التذمر ” الإرتري ودعا إلى أعمار إرتريا وبناء ما خربته الحرب وسألني رأي فقلت له ” إذا كنا بحاجة إلى استعمار ليعمر لنا بلدنا سنستعين باستعمار إيطالي أو أوربي آخر وليس استعمار إفريقي متخلف وإذا كان لإثيوبيا إمكانيات للتطوير فلتطور بلدها الجائع “) وفي سعيه الدءوب لنشر القضية الإرترية والتعريف بها وعكس نشاطاتها الدبلوماسية فقد واجه الكثير من العنت والصعوبات بعضها ناجم عن الصراع المحموم للإعلام الإثيوبي وبعض من أنصاره والبعض الآخر نتيجة اللامبالاة والتقصير من جانب الإعلام العربي بشقيه الرسمي وغير الرسمي ، فيكتب الشهيد بتاريخ 22/5/1982م : (( توجهت في الثامنة مساء إلى نادي الثقافة والفنون في ( ….) حيث ألقيت محاضرة شفوية عن صراع القوى العظمى في البحر الأحمر على مدى التاريخ ودور إرتريا في ذلك ، وكان الحضور محدودا لا يتجاوز الثلاثين شخصا معظمهم من غير أبناء المدينة ، وقد هاجمت الدول العربية بقوة عندما سألني احد الحضور عن موقفها من القضية الإرترية ، قلت انه لا توجد دولة مستقلة لكن هناك دولة تابعة للغرب وأخرى تابعة للشرق ولابد من إقناع المتبوع قبل إقناع التابع ووصفت مساعدات الدول العربية لإرتريا بأنها رمزية وبان التبرعات التي أقيمت لصالح مجاهدي أفغانستان لم تكن لوجه الله إنما تمت بإيعاز أمريكي والا فلماذا لم تتم تبرعات مماثلة لثوار إرتريا وهم يقاتلون من عشرون عاما )) ] يمكن العودة إلى نص المحاضرة التي صدرت في شكل كتيب بعنوان صراع القوى العظمى في البحر الأحمر وانعكاساته على منطقة الخليج [ . المثقف والكاتب : يعتبر الشهيد سبي من القلائل الذين اثروا المكتبة الإرترية بالعديد من المؤلفات التاريخية بل ومساهمته المقدرة في ترجمة عدد من الكتب باللغات الأجنبية عن إرتريا بالإضافة للتعليق عليها وكثيرا ما كانت مقدمته لتلك الكتب تغني وتثري مادة الكتاب . وهنا يمكن أن استعرض على عجالة بعض من مؤلفاته الهامة : الكتاب: تاريخ إرتريا تاريخ النشر : 1974 قام بالتقديم للكتاب المؤرخ اللبناني يوسف إبراهيم يزبك الذي أثنى على جهد المؤلف ودأبه قائلا إن مستقبل إرتريا ( الجارة ـ الأخت ) لا ينفصل بأي حال من الأحوال عن مستقبل الوطن العربي ، حيث تنبسط بقاع إرتريا من السودان إلى باب المندب ، والمواجه الإستراتيجي والاقتصادي والأخوي للجزيرة العربية . ويضيف أن من استولى على اسمرا وصلت مدافعه إلى هذه الجزيرة .فمن الحكمة والوعي وواجب الوطنية العربية أن يعنى جميع العرب في جميع أقطارهم بما يضيم إرتريا من شجون ومخاطر تهدد شعبها الطيب وتهدد مصيره . أما في مقدمة المؤلف ، يقول إن دافعه لكتابته لتاريخ إرتريا منذ أقدم العصور ليس من اجل سد النقص الذي تعانيه المكتبة العربية عن ماضي هذا القطر الذي تجمعه بالعالم العربي أواصر التاريخ والجغرافيا والحضارة والثقافة ، بل رغبته في الإسهام بخدمة متواضعة لدحض المزاعم الإثيوبية التي دأبت على اغتيال الحقائق التاريخية لمصلحة أهدافها التوسعية منكرة وجود إرتريا ككيان مستقل تاريخيا. يتألف الكتاب من 19 فصلا ، أبرزها : مدلولات التسميات القديمة : كوش ، اكسوم ، الحبشة صلة الهضبة الإرترية بمملكة اكسوم . جذور الثقافة في الهضبة الإرترية وصلتها بالعرب قبل وبعد دخول المسيحية .الصراع في البحر الأحمر عبر التاريخ. مملكة البجة في إرتريا في العصور الوسطي .علاقة بيت الفونج بإرتريا . علاقة إرتريا مع الحبشة في عهد ملوك غوندر الكتاب : جغرافية إرتريا الناشر : دار الكنوز ـ 1983 قام المؤلف بكتابته بعد تأليفه لكتاب تاريخ إرتريا لشعوره بالنقص والتقصير في هذا المجال نظرا لعدم صدور كتاب عن هذا الموضوع يبين الحقائق الموضوعية عن جغرافية إرتريا هذا البلد الذي تصارعت الأمم منذ عهود سحيقة للسيطرة عليه لأهمية موقعه الجغرافي الاستراتيجي على البحر الأحمر . لقد اعتمد المؤلف عند كتابته على معلومات جمعها على مدى 25 عاما ، ثم على النشرات الدورية التي أصدرتها الحكومة الإرترية وحكومة الاحتلال الإثيوبية بالإضافة إلى الكتاب القيم( حقائق عن إرتريا ) الذي ألفه بالإنجليزية ” ارعدوم تدلا ” في عام 1964وهو إرتري الأصل . لقد تطرق المؤلف سبي إلى الزراعة والمعادن والصناعة والثروات المائية ،كذلك لم يغفل السياحة التي ربطها بجودة المواصلات والطرق التي تربط مدن وقرى إرتريا بصورة مثالية . كما أشار إلى تنوع المناخات وتوفر وسائل الراحة في مختلف المدن الإرترية العصرية . الكتاب : جذور الخلافات الإرترية وطرق معالجتها . الناشر : إلا علام المركزي لقوات التحرير الشعبية ـ 1978 في هذا الكتيب يقول المؤلف إن الخلافات الارتريه أيا كانت مبرراتها فهي معوقة للنصر ، وبرغم ذلك إن هذه الخلافات لاتاتي من فراغ فلابد أن تكون لها أسباب موجبة . ويشبه الخلاف الإرتري ـ الإرتري ، مثل الخلاف اللبناني ـ اللبناني ، والخلاف القبرصي ـ القبرصي له جذور تاريخية تعود على الأقل ـ إذا تناسينا الماضي البعيد وهو محفور في اللاوعي ـ إلى فترة تقرير المصير في الأربعينات عندما طرحت القضية الإرترية أمام شعبها ليقرروا مصيرهم في عام 1946م اثر اتفاقية باريس للسلام بين ايطاليا ودول الحلفاء الأربعة المنتصرة . ويضيف المؤلف انه مع استبعاد التجربة اللبنانية والقبرصية التي تكرس الطائفية بتخصيص مناصب وزارية وإدارية لكل طائفة ، لان لبننة إرتريا وقبرصتها تعني القضاء على كيانها الموحد . ولكن مع معالجة الواقع الإرتري بحلول واقعية تمنع شعور أية فئة بالغبن وتؤمن بالتوازن العادل . يتألف الكتاب من ثماني فصول جاءت على النحو التالي : تأثير الجغرافية والتاريخ على تكوين سكان إرتريا ، أسباب الفشل للحصول على الاستقلال ، فشل الاتحاد الفيدرالي ، نمو الوعي الوطني ، جبهة التحرير الإرترية والثورة المسلحة ، فشل مساعي الوحدة ومخاطر الانقسام الديني ، الحل يكمن في المواجهة الصريحة للنفس ، الخلاصة . الكتاب : صراع القوى الدولية على منطقة البحر الأحمر والقرن الإفريقي عبر العصور وانعكاساته على منطقة الخليج . الناشر : الإعلام المركزي لقوات التحرير الشعبية ـ بيروت 1982م يشير المؤلف في هذا الكتيب إلى المصريون القدماء باعتبارهم أول من اهتم بالبحر الأحمر وجعلوا منه وسيلة للأسفار البعيدة بقصد الاتجار ، ولقد قامت الملكة حتشبسوت برحلة إلى بلاد البونت ، على إن المصريين القدماء لم يحتكروا طرق التجارة في البحر الأحمر فقد دخلت حلقة التنافس الفينيقيون فقد أرسل حيرام ملك صور سفنه إلى البحر الأحمر لتأتي له بالذهب الذي اشتهر في تلك المنطقة . كما تصارع البطالسة واليونانيين الذين حكموا مصر مع التجار العرب للسيطرة على تجارة شرق افر يفيا . يتحدث المؤلف بشيء من التفصيل عن انتصار منيليك ملك الحبشة على الطليان في معركة عدوا عام 1896م ودور الإمبراطور هيلي سيلا سي واجتماعاته مع الرئيس روزفلت عام 1943م وخطوة بريطانيا الظالمة عندما وقعت اتفاقية مع الإمبراطور هيلي سيلا سي بموجبها سلمت بريطانيا لإثيوبيا مناطق تبلغ مساحتها 40 ألف كيلو متر مربع من اجل إضعاف الصومال . ويرى المؤلف أن الارتباط الاستراتيجي بين الخليج ومنطقة القرن الإفريقي والبحر والأحمر تحتمه ضرورات أمنية واقتصادية وسياسية وأيدلوجية . ويضيف انه لا حياد في واقع الحياة انه فقط مبدأ خيالي لا يقوم على اسس واقعية وموضوعية . فالعالم ينقسم بين غرب رأسمالي تتزعمه أمريكا وشرق شيوعي تتزعمه روسيا . فالكلمة الأخيرة في دنيانا ومنذ أن هبط الإنسان على الأرض هي للأقوياء ، لصانع الرمح والترس والسيف ، أو لصانع المدفع والدبابة والطائرة والقنبلة الذرية . لذا لابد للدول الصغيرة أن تتعايش مع هذه الحقيقة دون أن يؤذي ذلك مشاعرها الوطنية ، فالسياسة في النهاية هي فن تحقيق الممكن وذلك إلى أن يقضى الله أمرا كان مفعولا . الكتاب : الصراع في حوض البحر الأحمر عبر التاريخ : صدر في مطلع السبعينات . الكتاب : علاقة السودان بإثيوبيا عبر التاريخ : صدر في مطلع الثمانينات . هذا عوضا عن المقالات والدراسات والبحوث التي كان يكتبها بين الحين والآخر في عدد من إصدارات جهاز الإعلام لقوات التحرير الشعبية . بالإضافة إلى مؤلفاته ، هناك أرشيفه الضخم والثر الذي كان حريصا على جمعه وتنسيقه وترتيبه قبل أن يسقط في يد مافيات الحرب الأهلية في لبنان التي قامت بالاستيلاء عليه ثم بيعه ربما بمبالغ طائلة أو تسليمه لأجهزة وجهات بكل تأكيد يهمها أن تعرف الكثير عن تفاصيل الحياة اليومية للثورة الإرترية من خلال ماكان يحويه ذلك الأرشيف الهام من معلومات ووثائق لا تقدر بثمن ، وكثيرا ماكان الشهيد يبدي أسفه وحسرته لفقدانه ذلك الرصيد الذي صرف عليه من الجهد والوقت حتى يكون مرجعا هاما ليس لشخصه وحسب بل وللثورة والأجيال كما كان يردد دوما . ثائر القرن الإفريقي بامتياز : يعتبر كثير من أبناء الصومال الشقيق إن الشهيد سبي هو الابن البار للقرن الإفريقي بجميع دوله وقواه الثورية فلم يتوانى في مد يد العون والمساعدة للإخوة في الصومال الشقيق بالإضافة لعمق الصداقة التي جمعته بعدد من السياسيين الصوماليين منذ افتتاح أول مكتب للثورة الإرترية في الصومال تحت مسمى ” جمعية الصداقة الإرترية الصومالية ” في العام 1962م والأدوار الهامة التي لعبها في مساعدة الصومال كنوع من رد الجميل لهذا الشعب الذي قاسمنا قوت يومه . وفي هذا الصدد يقول الأستاذ علي محمد نور طرابلسي رئيس تحرير سلسلة ” بونت “للدراسات الثقافية والتاريخية ” ((اعبر عن تقديرنا وعرفاننا للموقف الايجابي الذي اتخذه الأستاذ عثمان سبي تجاه صدور وميلاد هذه السلسلة ومبادراته الجريئة الواعية ….. ولا مناص من القول هنا بان الاستاذ سبي وهو ابن قرن أفريقيا الذي يشعر شعورا عميقا بمآسيها ومتطلباتها وتناقضاتها ليس أمامه إلا أن يقوم بمثل ما قام به من موقف ايجابي من اجل سلسلة جاءت لتحمل مشعل الثقافة ونبش التاريخ للمنطقة …. )) . وكما سبق وان كتبت عند تعليقي على المحاولة الأولى في كتابة المذكرات للمناضل ناود ، يجب أن لا نقوم بتقويم قياداتنا التاريخية انطلاقا من مواقعنا النضالية في السابق أي التزامنا بمختلف فصائل الكفاح المسلح التي كانت مطروحة في الفترة السابقة للاستقلال أو مواقفنا السياسية في الوقت الراهن مع أو ضد الحكومة الإرترية ، يجب أن لا نقوم هؤلاء المناضلين على فرعيات صغيرة وهنات بسيطة وسقطات وكبوات هنا وتراجع هناك ، وهو بكل تأكيد تقويم لا يقل خطورة عن تقويم تجربة الثورة ككل ، فكثير من التجارب لحركات التحرر الوطني تم تقييمها على أنها أسوأ نموذج وافشل تجربة ، وذلك بالنظر إليها ضمن سياق مرحلة زمنية محددة كانت تعاني فيه التراجع والتقهقر ، والنموذج الماثل في ذهني حتى الآن هو فترة الانسحاب الاستراتيجي في مطلع الثمانينات حيث اعتبرها البعض إنها حالة من التراجع والانكفاء لايمكن أن تستعيد الثورة فيها قوتها وعنفوانها ، وعلى العكس فقد كان هذا الانسحاب هو البداية والفاتحة لمعارك شرسة ابتداء بـ ( وقاو إزـ شمال شرق الساحل ) ومرورا بـ ( نادو إزـ افعبت ونقفة ) وانتهاء بـ ( فنقل ـ مصوع) التي كانت الفاتحة والبداية للزحف على العاصمة اسمرا ومن ثم تحرير كامل التراب الإرتري ، لذا التجربة والأشخاص والقيادات يتم تقييمها ككل لجهودها ونتائجها وليس للغلطات والانتكاسات المرحلية ( وفي هذا السياق استحضر الحلقات الثلاث للصحفي اللبناني، السوري الأصل الأستاذ رياض نجيب الريس بعنوان” قضايا خاسرة” في مجلة المستقبل وذلك في مطلع الثمانينات حيث قام بتصنيف القضية الإرترية بأنها من القضايا الخاسرة مدرجا إياها مع القضية الكردية) ولا أدري ماهو تقييمه الآن وهو يشاهد ميلاد امة قاومت وصمدت وانتصرت وهي تصنع مستقبلها بكل فخر وإباء . أخيرا ، إن الواجب والمسؤولية تقتضي أن نسكب هذا التاريخ الحي في وجدان وروح شبابنا الناهض ، هذا الجيل الذي لم يكتوي بنار الثورة والنضال والصراع ،هؤلاء الذين لم يقدر لهم أن يعيشوا سنوات ما قبل الاستقلال ، يجب تعريفهم بالنماذج البشرية من القادة والأبطال والرواد الأوائل فهو واجب وطني وأخلاقي أن يتم تسجيله بأمانه ودقة ، ولا اشك مطلقا ورغم حدة الخلافات بين الشهيد سبي وعدد من قيادات الثورة ورغم القطيعة والمقاطعات التي خاضها البعض مع الشهيد ، إلا أن الغالبية تقر بان حياته وتجربته ، قدوة ، ونهجاً، ينضح بزخم البطولة والرجولة ، وروح المثابرة على الكفاح، والأمم الحية تحيا بروح أبطالها وتجدد حياتها باستلهام حياتهم وتجاربهم . لقد رحل الشهيد سبي وهو يؤمن ويجذم برسوخ إن الثورة الإرترية لابد منتصرة وان جذوتها ستظل متقدة حتى يستقل الوطن ويتحرر من دنس المحتلين الإثيوبيين ، وهذا ما تحقق في صبيحة الرابع والعشرون من مايو في العام 1991م . واليوم أحفاد سبي هم من يقع على عاتقهم الدفع بعجلة التنمية وترسيخ جذور الاستقلال والمحافظة عليه باعتباره أمانة الشهداء . ما يحزنني حقا وأنا اختم هذه المشاركة المتواضعة إن المناضل سبي قد رحل وبعد كل هذه المسيرة النضالية المشرفة ، رحل وفي كل عام تتجدد ذكراه دون أن يتطوع رفاقه وتلاميذه وأبناءه من خط كلمة عنه ومن دون أن ترى مدوناته ومفكراته طريقها إلى النشر ، هذا يحزنني أكثر من حزني على رحيله .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى