مقالات

نحو موقف وطني توافقي تجاه الأحداث في إثيوبيا

عبدالرازق كرار

بالرغم من إعلان الجبهة الشعبية لتحرير تغراى انسحابها من كافة المناطق خارج إقليم تغراى، واستعدادها لإعطاء الحوار السياسي والسلام فرصة، لكن يمكن القول بكل ثقة إن الحرب الجارية في إثيوبيا منذ الرابع من فبراير 2020م، هي حرب التقديرات الخاطئة، لذا فإن التوقعات بشأن مآلاتها أمر بالغ الصعوبة. فعندما بدأت هذه الحرب كانت الجبهة الشعبية لتحرير تغراي تملك العدد والعدة العسكرية والتي كان متوقعاً أن يجعلها تصمد في هذه الحرب لفترة معقولة حتى وإن لم تحقق الانتصار، بيد أن الأمور أخذت طابعا دراماتيكيا عندما تمكّنت القوات الفيدرالية الإثيوبية والقوات الإرترية من دخول عاصمة تغراى (مقلي) في أقل من 3 أسابيع من بدء الحرب. وهذا الانتصار السريع وغير المتوقع لم يربك حسابات الجبهة الشعبية لتحرير تغراى وحدها، بل أربك حتى حسابات الحكومة الفيدرالية التي وجدت نفسها أمام مسؤوليات متزامنة لم تكن قد أعدت لهما بشكل كاف وهي إدارة إقليم التغراي وخوض حرب استنزافية لا تملك رفاهية اختيار زمانها ومكانها مثل المعركة الأولى. وإذا كانت الجبهة الشعبية لتحرير تغراى قد أخطأت التقديرات في بادئ الأمر، فإن رئيس الوزراء الإثيوبي وحليفه الرئيس الإرتري أسياس أفورقي أخطا في تقديراتهما في إمكانية حكم وإدارة إقليم التغراي بالتزامن مع خوض حرب العصابات الاستنزافية. ولم يمض طويل وقت وبالتزامن مع هزائم كبيرة تعرض لها الجيش الفيدرالي الأثيوبي والمليشيات الموالية له، لم يجد آبي أحمد بداً من الاعتراف إن إقليم تغراى غير قابل للحكم وإن قواته أصبحت تهاجم بشكل متكرر، وبالتالي أعلن انسحابه من الإقليم وأعلن عن إيقاف الحرب من طرف واحد. 

بيد أن آبي أحمد عندما أعلن الانسحاب بغض النظر إن كان مختاراً أو صاغرا، فإنه اختار خوض معركة موازية وهى إحكام الحصار على إقليم تغراى براً وجواً، مضافاً إلى ذلك استمرار قطع الخدمات الضرورية كالكهرباء والاتصالات والخدمات البنكية. وكانت استراتيجيته ذات بعد مزدوج وهما إجبار الجبهة الشعبية لتحرير تغراى على تقديم تنازلات جوهرية وبالتزامن جعل إقليم تغراى غير قابل للحكم والإدارة وتحميل الجبهة الشعبية لتحرير تغراى المسؤولية عن غياب وتردي الخدمات بحيث تزداد النقمة الشعبية عليها وسط حاضنتها الشعبية. بالمقابل فإن الجبهة الشعبية لتحرير تغراى استفادت من التراجع غير المنظم للقوات الفيدرالية نتيجة للقرار المفاجئ بالانسحاب الكلي من تغراى (ماعدا المناطق المتنازع عليها) والضغوطات الدولية لسحب/إخراج القوات الإرترية من إثيوبيا مما خلق حالة من عدم التجانس المؤقت بين الحليفين (آبي/أسياس)، واتبعت استراتيجية الهجوم بالتنسيق مع تحالف مكون من جبهة تحرير الأورومو وبعض التنظيمات الأخرى. وسواء كان هدف الجبهة الشعبية لتحرير تغراى قطع طرق الإمداد الرابطة بين جيبوتي والعاصمة الإثيوبية أديس أبابا، أو اقتحام أديس أبابا، أو مساعدة جبهة تحرير الأورومو لفعل 

ذلك فإن الأهداف السياسية من وراء الاستراتيجية الهجومية حينها تكاد تكون معروفة، وهى إخراج منظومة آبي أحمد خارج المسرح السياسي وتكوين حكومة انتقالية عبر ميثاق سياسي جديد يقوم على الفيدرالية/الكونفدرالية بشكل أوسع بكثير مما هو منصوص عليه في الدستور الحالي، مع التأكيد على حق القوميات في تقرير مصيرها في إطار زمني محدد، وهي مقاربة سياسية تكاد تجد صدىً كبيراً لدى الحليف الأبرز للتغراى وهي جبهة تحرير الأورومو وحركة تحرير بني شنقول. 

ومرة أخرى أيضاً تأخذ الأحداث مساراً مفاجئاً، ومع صمود الجبهة العفرية التي يجد مقاتلوها الدافع الكافي للدفاع عن أرضهم، ووصول امدادات لوجستية للجيش الفيدرالي والحملة التعبوية الكبيرة التي قامت بها الحكومة الفيدرالية ومناصروها في الداخل والخارج، إضافة الى توغل الجبهة الشعبية لتحرير تغراى لمناطق بعيدة للغاية عن حاضنتها الشعبية ومكشوفة مما يصعب تأمين خطوط الإمداد، وجدت الجبهة الشعبية لتحرير تغراى نفسها في حال تقهقر عن كامل إقليمي العفر والأمحرا وهو ما أطلقت عليه انسحاب تكتيكي، في المقابل أعلن الجيش الفيدرالي والمليشيات الموالية له تقدمهم في كافة المحاور بشكل متسارع للغاية، فما الذي يعنيه ذلك على المسار السياسي؟ 

معلوم إن التاريخ الإثيوبي الحديث لا يعرف أنصاف الحلول، أو تقديم التنازلات، إذ إن الإرث السياسي في جله منتصر ومستسلم قاتل أو مقتول، لكن الواضح هذه المرة إنه لن يمضي وقت طويل حتى يكتشف الطرفان بأنه لايوجد حل عسكري حاسم لهذه الحرب المدمرة، وإن عليهما تقديم تنازلات للوصول الى تفاهم، وإن الأسقف العالية ليست ممكنة. 

في بداية هذه الحرب والتي أطلق عليها رئيس الوزراء الإثيوبي “عملية فرض القانون” كان الهدف هو القضاء على قيادة الجبهة الشعبية لتحرير تغراى قتلاً أو اعتقالاً ومن ثم إعادة تشكيل المزاج السياسي لسكان الإقليم بحيث يكون منسجماً أكثر من المقاربة المركزية التي طرحها أبي أحمد ويعتقد أنها سوف تشكل رافعة ايدلوجية لطموحاته السياسية. بالمقابل كانت سقوفات الجبهة الشعبية لتحرير تغراى هي إخراج أبي أحمد من المسرح السياسي وإعادة تشكيله من خلال تحالفات واسعة من القوى الفيدرالية في إثيوبيا. لم يمض وقت طويل حتى بدأ سقف مطالبات الطرفين الأولية تنحى اتجاهاً واقعياً، وأصبح مطالب الحكومة الفيدرالية هو انسحاب التغراى من كافة المناطق التي استولت عليها خارج إقليمها، وبالمقابل فإن مطالب التغراى انحسرت في رفع اسمها من قائمة المنظمات الإرهابية ورفع كافة أشكال الحصار المفروض على الإقليم والسماح بمرور المساعدات الدولية دون شروط أو عقبات. إن هذه الأسقف الواقعية لمطالب الطرفين والتي تقوم على أساس ضرورة التعاطي مع الأخر كأمر واقعي لا مناص منه لم تفرضه فقط عوامل توازن القوى أو (الرعب) بين الطرفين، ولكن أيضا قلة المقاربات السياسية البديلة. فالتغراى مهما كانت قوتهم العسكرية ضاربة ومكنتهم من اقتحام العاصمة أديس أبابا، (وهو أمر ضئيل 

الاحتمالية) لكنهم يدركون جيداً أنه سوف يكون عصياً عليهم حكم إثيوبيا في المستقبل المنظور، وبالتالي لن يمكنهم البقاء في أديس أبابا لفترة طويلة، كما إنه في ظل حالة الاستقطاب الراهنة دخول أديس أبابا لا يعني بالضرورة سقوط النظام، فلا يزال آبي أحمد يتمتع بشعبية كبيرة لدى قطاعات واسعة من الشعب الإثيوبي وبالتالي بإمكانه البناء على شرعيته من داخل إثيوبيا أو خارجها. بالمقابل فإن تجربة الستة أشهر التي دخلت فيها القوات الفيدرالية مدعومة بالجيش الإرتري عاصمة إقليم تغراى كانت كافية لأن يصل آبي أحمد إلى قناعة أن إقليم التغراى غير قابل للحكم من قبل الحكومة الفيدرالية وعليه حتى في حال تحقيق نصر عسكري ودخول مقلي مرة أخرى (وهو احتمال ضئيل للغاية أيضا) فإنه في ظل الإدراك بعدم القدرة على السيطرة على مقاليد الأمور في الإقليم فإنه سيكون نصراً لا معنى له، وكذلك فكما حدث في الجولة السابقة فإن دخول القوات الفيدرالية مدينة مقلي لا يعني نهاية الجبهة الشعبية لتحرير التغراى، وفي ظل التحالفات الإقليمية الحالية بإمكانها مواصلة عملياتها العسكرية وهزيمة القوات الفيدرالية مرة أخرى. 

آفاق الحل السياسي للصراع الإثيوبي وما يترتب عليها 

على الرغم من تحركات مبعوث الاتحاد الإفريقي الرئيس النيجيري الأسبق أولوسيجون أوباسانجو والتقاطعات الدولية والإقليمية في الساحة الاثيوبية، لكن تظل الولايات المتحدة الأمريكية الأقدر على إحداث اختراق في الأفق السياسي الإثيوبي منفردة كانت أو بالتنسيق مع المبادرات المطروحة على الساحة. ترتكز المقاربة الامريكية على تصوراتها التاريخية ومصالحها الاستراتيجية الآنية والمستقبلية القائمة على إثيوبيا الموحدة المحافظة على وحدتها عبر نظام فيدرالي متوازن بين مكوناتها بما يضمن السلام بين هذه المكونات. إن تحقيق الرؤية الأمريكية والتي يشاركها فيها معظم الدول الغربية تعني الاعتراف بما هو على أرض الواقع وهو الحكومة الفيدرالية بقيادة آبي أحمد والجبهة الشعبية لتحرير تغراى كحكام لإقليم تغراى. بيد أن هذه المقاربة تواجهها عدة عقبات أبرزها وضعية المناطق المتنازع عليها في تغراى، والتيار المتطرف في الحكومة الفيدرالية الذي لا زال يأمل في القضاء النهائي على الجبهة الشعبية لتحرير تغراى (أو القضاء على شعب تغراى إن تطلب الأمر بحكم كونهم لا يشكلون سوى نسبة ضئيلة من سكان إثيوبيا ويمكن الاستغناء عنهم) والنظام الإرتري الذي يعتبر عنصرا أساسيا في هذا الصراع إن لم يكن هو مهندس هذا الصراع. بالمقابل الجبهة الشعبية لتحرير تغراى تواجه معضلة كبيرة وهي إن شعب تغراى لم تعد لديه الرغبة أو الدافع للاستمرار في ظل الدولة الاثيوبية الحالية، والطموحات القومية وصلت مستويات من الصعب عقلنتها. وأمام هذه الحالة فإن أي مقاربة للحلول السياسية لن تكون مرضية لهم ما لم تتضمن بشكل أو بآخر حق تقرير المصير لشعب تغراى بعد مدة من الزمن تطول أو تقصر سواء من خلال تفعيل المادة (39) في الدستور الاثيوبي أو ضمن الاتفاق السياسي، ونظراً للروح القومية المتصاعدة وسط شعب التغراى خاصة الأجيال 

الشابة فإنه طال الزمن أم قصر نحن أمام واقع سياسي يتشكل ستكون أبرز ملامحه بروز دولة جديدة في المنطقة أو إقليم يتمتع بشكل من أشكال الحكم الذاتي على أقل تقدير. 

تأثير الصراع الإثيوبي على إرتريا 

لا شك إن الأحداث في إثيوبيا لها تأثير على كافة دول الجوار الإثيوبي بدرجات متفاوتة، إلا إن إرتريا دون هذه الدول ذات ارتباط مصيري بالصراع الدائر ونتائجه، ولا يعود ذلك فقط الى تشابك العلائق التاريخية والسياسية والاجتماعية والثقافية بحكم الجغرافيا بين البلدين، ولكن أيضا لأن النظام الإرتري هو فاعل رئيس في هذا الصراع إن لم يكن هذا الصراع هو معركته المنتظرة منذ وقت طويل، وإذا كان لتشابك العلائق ذات الأبعاد والأوجه المتعددة تأثير كبير على الوضع في إرتريا، ولكن تبقى خيارات النظام أو بالأصح اختياراته من جهة، ومواقف وخيارات الكيانات والنخب المعارضة له من جانب آخر هي ما سيكون له تداعيات مصيرية على إرتريا السياسية والجغرافية. 

ليس سراً إن اختيارات النظام الإرتري في هذه المعركة تعود جذورها الى الخلافات بين الرئيس الإرتري ورئيس الوزراء الراحل ملس زيناوي وهى خلافات حول القيادة والنفوذ والتصورات الكبرى لإدارة المنطقة ودور كل منهم ضمن هذه المعادلات، وهو ما قاد الى حرب مهلكة راح ضحيتها أكثر من مائة ألف من الطرفين، وحسمت لصالح ملس زيناوي ووجد أفورقي نفسه مجبراً على توقيع اتفاق وقف العدائيات في يونيو 2000م والذي بموجبه أصبح 25 الف كلم (ربع مساحة إرتريا) خارج السيادة الارترية باعتبارها منطقة منزوعة السلاح. ضمن تحديد خياراته للمنطقة وفق تصوراته رأى زيناوي إبقاء النظام في إرتريا ضعيفاً معزولاً مستخدماً علاقاته الدولية من خلال حصار دبلوماسي واقتصادي، وبالمقابل ساعدت سياسات النظام الإرتري الداخلية في إحكام العزلة، وهكذا فشل النظام الذي يفترض به أن يحمي إرتريا من القيام بواجبه في حمايتها عسكريا وقد سلم مجبراً ربع مساحتها لتكون منطقة خارج السيادة، وحتى عندما جاء حكم المحكمة الدولية لصالح إرتريا فشل النظام في استخدام الحكم الملزم والنهائي لصالح استعادة السيادة الإرترية على المناطق التي حكمت بها المحكمة لصالح إرتريا ، وفشل أن يكسب تعاطف المجتمع الدولي أو الجوار العربي و الأفريقي ، وهكذا فشل النظام في الحفاظ على سيادة إرتريا حرباً او سلماً (دبلوماسياً). 

بيد أن النظام الإرتري الذي يعرف بشكل مفصل فسيفساء المجتمع الإثيوبي والتناقضات بين مكوناته اختار اللعب على عامل الزمن، معولاً على حالة الرفض المتنامي لسيطرة الجبهة الشعبية لتحرير تغراى وسط مكونات الشعب الإثيوبي، مدركاً إن ذلك سوف يكون لصالحه في نهاية المطاف، وعليه عمل على مد حبال الوصل مع جلّ التنظيمات المعارضة على تناقض أجندتها وتصوراتها بما فيها تلك التصورات التي تتعارض 

من وجود إرتريا دولة مستقلة ذات سيادة، ولكن أفورقي كان قد وضع هدفاً مركزياً وهو إخراج الجبهة الشعبية لتحرير تغراى من المسرح السياسي وإلى الأبد، وهذا الهدف يخدم رغبتين لدى أفورقي، الأولى الانتقام فأسياس معروف عنه لا ينسى ولا يسامح، وهدف آخر أكثر أهمية وهو أن وجود الجبهة الشعبية لتحرير تغراى يتعارض بشكل كامل مع مشروعاته وتصوراته للمنطقة والتي ترتكز على إلغاء النظام الفيدرالي في إثيوبيا واستبداله بنظام مركزي قوى، تدعمه إرتريا من خلال موقعها الاستراتيجي عبر شكل من أشكال الوحدة/التكامل، بحيث تكون إثيوبيا/إرتريا دولة مركزية في القرن الأفريقي بل في أفريقيا، ويكون أسياس ملكها المتوج أو صانع الملك، وهو حلم حرمه منه ملس زيناوي ليس رفضاً للفكرة من حيث المبدأ ولكن لأن طموحات زيناوي لم تكن أقل من طموحات أفورقي. وسواء كانت الأحلام الإمبراطورية كامنة في العقل الباطني لأبي أحمد فعززها أفورقي، أو هي من إيحاءات أفورقي ووجدت صدى لدى آبي أحمد فإن الرجلين وجدا نفسيهما في حلف واحد وطموح متقارب (على الأقل في هذه المرحلة) وإن ما يحول بينهم وبين حلمها هو وجود الجبهة الشعبية لتحرير تغراى والقوى الفيدرالية الأخرى في إثيوبيا. وبالتالي لم يكن هناك مناص من التخلص من هذه العوائق حرباً كما هو الحال في تغراى، أو اعتقالاً وتضييقاً كما هو الحال مع القيادات الفيدرالية الأورومية. 

بالمقابل فقد ألقت الأحداث في الساحة الإثيوبية بظلالها بشكل كثيف على ساحة المعارضة الإرترية ويبدو إن المعارضة والانتلجنسيا المرتبطة بها التي كانت ساكنة لا تسمع لها كبير نشاط مؤثر، قد وجدت ضالتها في هذه الأحداث ليس لإحداث اختراق سياسي، أو توافق وطني لمواجهة التحديات التي فرضتها هذه الأحداث ولكن للعودة إلى ما برعت فيه طوال العقود الثلاثة الماضية وهى الاصطفافات وتفكيك التحالفات وإعادة التموضع بناء على خلافات حول قضايا ليس للمعارضة فيها كبير تأثير سواء عبر تحالفاتها السابقة أو تحالفاتها الجديدة. 

إن المحددات التي تحكم مواقف المعارضة الإرترية والانتلجنسيا المرتبطة بها لا تختلف كثيراً عن الخلافات السابقة في طبيعة المحددات، وإن اختلفت عن السابق في حدة التعبير عنها والبناء عليها في خلق وتفكيك التحالفات وإعادة التموضع. المحدد الرئيس هو الموقف من الجبهة الشعبية لتحرير تغراى وما إذا كانت حليفاً يمكن الوثوق به أو عدواً متربصاً يجب الحذر منه أو القضاء عليه إذا ما أتيحت الفرصة لذلك، ويضاف اليه عاملان مساعدان وهما الموقف من مشروع آبي احمد من جهة وحليفه أفورقي في الجهة المقابلة. 

موقف الكيانات الإرترية والنخب المعارضة من الجبهة الشعبية لتحرير تغراى تتداخل فيها عدة عوامل ذاتية وموضوعية تتراوح بين العوامل الإيجابية والسلبية. جلّ العوامل السلبية مرتبط بعوامل نفسية مرتبطة بموقع شعب التغراي في الذاكرة الجمعية لبعض المكونات الاجتماعية لدوافع دينية واجتماعية وسياسية، وبعضها مرتبط بظروف 

وأحداث تاريخية مثل مانفيستو التنظيم لعام 1976م، وتعاونهم مع الجبهة الشعبية لتحرير إرتريا في إخراج الجبهة من الساحة الإرترية في بداية ثمانينات القرن الماضي والاغتيالات/والاختطافات التي حدثت لعدد من المناضلين إبان الفترة الأولى من حكم الحليفين أفورقي/ زيناوي، ثم الحرب الإرترية الإثيوبية 1998-2000م والتداعيات المرتبطة بها، مثل طرد الإرتريين من إثيوبيا ومصادرة كافة ممتلكاتهم، ومن ثم الإصرار على عدم تنفيذ قرار المحكمة الدولية الملزم بخصوص ترسيم الحدود وهو ما أعطى النظام الإرتري المبرر لجعل البلاد مرهونة لحالة اللاسلم واللاحرب وأطال من عمره ضمن عوامل أخرى، والطريقة التي أدارت بها ملف المعارضة طوال فترة استضافتها لها. 

العوامل الإيجابية مرتبطة بالتداخل الاجتماعي والثقافي بين بعض مكونات المجتمع الإرتري وإقليم تغراى وهو ما شكل أرضية انطلق منها مشروع (تغراى-تغرنية) في أربعينيات القرن الماضي، وأيضا شكل أساساً للتحالف بين الجبهة الشعبية لتحرير إرتريا، والجبهة الشعبية لتحرير تغراى إبان مرحلة الكفاح المسلح وبعد التحرير. يضاف إلى ذلك إقرار الجبهة الشعبية لتحرير تغراى لحق الشعب الإرتري في تقرير مصيره والإقرار بأن قضية إرتريا تختلف عن قضية تغراى كون الأولى هي قضية استعمار في أدبياتها الرسمية منذ التأسيس، ودعم عملية الاستفتاء والاعتراف بنتائجه وكونها أول المباركين بالاستقلال بغض النظر عن الدوافع تظل ضمن الإيجابيات. تلا ذلك احتضان إثيوبيا للمعارضة الإرترية وتوفير مقر آمن لقياداتها في وقت ضاقت فيه مساحات التحرك أمام المعارضة، وتهيئة المناخ لحوار حقيقي بين مكونات الشعب الإرتري في (ملتقى الحوار/مؤتمر الحوار) بغض النظر عن جدوى نتائجه على الأرض، كل هذا يضاف إلى ما يعزز الصورة الإيجابية للجبهة الشعبية لتحرير تغراى. بيد أنه يجب الانتباه هنا إلى أن الأبعاد الإيجابية والسلبية لا يمكن تعميمها وهي مرتبطة بموقع الكيان/الفرد في خارطة المعارضة فما يُنظر إليه إيجاباً لدى البعض قد يعتبر سلبياً للآخر والعكس أيضاً صحيح. 

مع اتساع رقعة ثورة الأورومو في إثيوبيا في عام 2015م، وتنامي النقمة الشعبية الإثيوبية تجاه الجبهة الشعبية لتحرير تغراى، بدأت بعض النخب التغراوية تستشرف آفاقاً جديدة لموقعهم في خارطة المنطقة، وضمن هذه المقاربات ظهرت أطروحة تغراى/الكبرى المستقلة، ولكن استقلالها بوضعها الحالي قد لا يكون مجدياً وعليها التمدد تجاه إرتريا سواء جزئياً من خلال الوصول إلى البحر (عصب) أو كلياً من خلال استنهاض التراث الجئزي والبناء عليه في تأسيس دولة متجانسة ثقافياً. هذا الخطاب على علاته وجد صدى لدى البعض في كل من إرتريا والتغراى. والاستقلالية النسبية التي كان يتمتع بها اقليم التغراى جعلت منه منصة لهذا الخطاب والذي أثار قلق قطاعات واسعة من الإرتريين خاصة أولئك الذين لا يشاركون الإقليم الخلفية الإثنية والثقافية، وهو ما اعتبره البعض خطراً وجودياً للكيان السياسي الإرتري ومهددا لكل المكتسبات التي دفع ثمنها الشعب الإرتري شهداء وجرحى 

ولاجئين. ومما فاقم هذا الإحساس أنه لم يجد تصدى من القيادات الرسمية لتنظيم الجبهة الشعبية لتحرير تغراى، وقد ازدادت وتيرة هذا الخطاب حدة ورعونه خلال الحرب الأخيرة بتحميل المسئولية عما حدث من جرائم في تغراى لمكونات اجتماعية محددة بما يساعد ترسيخ صورة محددة لطبيعة المعركة لدى شعب التغراى. 

نحو بناء موقف وطني متسق ومتوازن تجاه هذه الأحداث: 

في ظل تداخل العوامل المذكورة فإنه ليس بالأمر اليسير تحديد موقف توافقي وطني متسق يراعي كل هذه المحددات، وفي الوقت ذاته يستصحب المواقف والمصالح التنظيمية والطموحات الفردية للنخب الإرترية، خاصة وإن الساحة يتجاذبها طرفان هما الأعلى صوتاً، طرف يرى في الجبهة الشعبية لتحرير تغراى حليفاً يمكن الاعتماد عليه في إسقاط النظام، وطرف آخر يرى فيها عدواً يستدعي تناسي الخلافات مع النظام. بيد أن الموقفين المذكورين في حقيقتهما مدفوعين بطموحات النخب وتصوراتها لدورها في سيناريوهات التغيير وما بعد التغيير ، ويستبطنان ما هو أهم من ظاهر الموقف، حيث يستبطن الموقف الأول العجز عن إمكانية تغيير النظام من الداخل، وبالتالي الاستعانة بالجبهة الشعبية لتحرير تغراى في تغيير النظام لأن مصلحتها في تغيير النظام في هذه المرحلة لا تخفى على أحد، وحدوث التغيير وفق هذا السيناريو يجعل حظوظهم في السلطة أوفر، بينما يستبطن الموقف الآخر إمكانية أو التعويل على التغيير من الداخل (تغيير القيادة) من داخل النظام نفسه و يبني تصوراته على أن الموقف المتماهي مع مواقف النظام الحالية سوف يجعلهم الأقرب إلى قوى التغيير في الداخل وبالتالي حظوظهم أكبر. 

حتماً ليس هناك ما يعيب في مواقف ومصالح الكيانات أو طموحات النخب المعارضة، ولكن هذا التباعد في المواقف وهذه الحدة في الخطاب هي مما لا يساعد على الهدف المركزي وهو تغيير النظام وإقامة بديل ديمقراطي في وطن آمن ومستقر يسع الجميع، وبالتالي الانحراف في مواقف ومصالح وطموحات الكيانات والنخب يقاس إلى مدى قربه أو بعده من الهدف المركزي الذي لا تختلف حوله قوى المعارضة. كما أنه من غير المعقول والمقبول بعد ثلاثة عقود من العمل المعارض ألا تتمكن هذه الكيانات والنخب من تطوير مقاربة لتصور مشترك يستوعب الأحداث الجارية ويتعاطى معها بما لا يتناقض والهدف المركزي، وعليه هذه المقالة تحاول أن تضع المحددات الأساسية لبناء تصور وطني توافقي تجاه الأحداث الجارية، أخذة في الاعتبار إن الكيانات المعارضة في طرفي المعادلة سواء تلك ترى في التغراى حلفاء أو الذين يرون في أفورقي حامي السيادة ليسوا ذوى تأثير حاسم في مجريات الصراع الحاضر ولكن موقفهم قد يكون له تأثير في المستقبل، وأدناه أهم المحددات: 

أولاً: لابد أن ندرك إن النظام الإرتري الحالي بكل مؤسساته الأمنية والعسكرية مسخر بشكل كامل لخدمة مشروعات أفورقي، وأنه الآمر الناهي ولا توجد مؤسسة أو فرد راغب/قادر للتصدى له لأسباب معقدة ذات أبعاد عديدة. كما أنه لابد من الإقرار إن مشروعات وطموحات أفورقي ليس بالضرورة متجانسة مع المشروع الوطني الإرتري الذي ضحى من أجله الشعب الإرتري، ولا بد من الاعتراف بأن أفورقي ليس بالضرورة حريصاً أو معنياً بسيادة إرتريا أو مصالح شعبها وحتى إن كان راغباً في ذلك فهو أيضاً أعجز عن حمايتها، ذلك إن حماية السيادة تتطلب وحدة وطنية وأفورقي لم ولن يكن حريصاً على الوحدة الوطنية كما ثبت خلال العقود الثلاثة الماضية، وبالتالي الاعتقاد بأنه حريص على السيادة أو قادر على حمايتها ولذا لابد من التحالف معه في هذه المرحلة لا يعدو أن يكون سذاجة سياسية في أحسن الأحوال. وعليه لا يمكن بناء موقف وطني توافقي ما لم يكن هذا الموقف متمايز بشكل واضح عن مواقف النظام. 

ثانياً: إن أفورقي استخدم مقدرات الشعب الإرتري من جيش وموارد مادية في مغامراته لأهداف تخصه في إثيوبيا بشكل عام وإقليم تغراى على وجه الخصوص وهذه حقيقة لا جدال حولها باعتراف الحكومة الاثيوبية، والآن هنالك قرائن كافية للتدليل على جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية قد تم ارتكبت بواسطة الجيش الإرتري، وإذا كان الجيش الإرتري يرتكب فظائع تجاه شعبه فلا يوجد عقلاً ما يمنعه من ارتكاب جرائم مماثلة أو أبشع في تغراى، وحتى إن لم يرتكب الجيش الإرتري أى جرائم فإنه طالما ترسخ في العقلية الجمعية لشعب تغراى ونخبه ذلك، فلا بد من إيجاد معالجة لهذا الغبن بغض النظر إن كان مبنيا على مظالم حقيقية أم متصورة، وإلا فإن دائرة الانتقام سوف تستمر كلما رجحت موازين القوى لأحد الأطراف وهذا لا يخدم مصلحة أيٍ من الشعبين الإرتري والتغراوي ولا يحقق الاستقرار في المنطقة. وعليه فإن التشبث بالإنكار هو مما لا يجدي بل يفاقم الغبن ويعزز فرص الانتقام المتبادل. والموقف المطلوب هو إدانة زج أفورقي بالجيش الإرتري في الصراع الإثيوبي وإدانة أي جرائم حرب أو جرائم ضد الانسانية أياً كان مرتكبها، والدعوة لتحقيق دولي محترف ومحايد في كافة الجرائم المرتكبة بواسطة كافة أطراف الصراع، وتقديم المجرمين للعدالة. 

ثالثاً: مع التأكيد على حق المعارضة في التعاون مع أي قوة تربطها بها مصالح آنيه ومستقبلية بما في ذلك الجبهة الشعبية لتحرير تغراى التي من الواضح أنه في هذه المرحلة تتقاطع أهدافها مع أهداف المعارضة الإرترية في تغيير النظام الإرتري، لكن أي تعاون في هذا الفضاء يجب أن يكون وفق شروط المعارضة الإرترية ويستصحب الثوابت الوطنية من وحدة الأرض والشعب والسيادة ولا تستخدم فيه المعارضة كأداة لمشروعات لا تمت بصله لهذه الثوابت. كما أن الاعتقاد بأن الجبهة الشعبية لتحرير تغراى يمكن أن تسقط النظام الإرتري لصالح المعارضة الإرترية ثم يكون نتاج ذلك وطن متماسك وديمقراطي 

يتعايش سكانه بسلام هو تصور واهن، فلا يمكن لتنظيم لم يحقق الاستقرار والرفاهية في الدولة التي حكمها أن يحقق ذلك في دولة مجاورة، وهو لم يفعل ذلك وهو على قيادة الدولة ولديه كل امكانياتها فما بالك الآن وهو يصارع لحماية نفسه وإقليمه، هذا فضلاً عن المقاربات المدمرة لإعادة صياغة الجغرافيا السياسية للمنطقة والتي جعلت من التغراى منصة لها في الخمسة سنوات الأخيرة، والتي تستهدف بدرجة أساسية الخارطة السياسية والبشرية الإرترية بشكلها الحالي، هذا فضلا عن أن التجارب المماثلة كافية لدحض هذا الوهم، فالولايات المتحدة الأمريكية وهى رائدة الديمقراطية الليبرالية في العالم وبكل ما تملك من إمكانيات لم تستطع أن تحقق سلاما او ديمقراطية في العراق أو أفغانستان فما بالك بالجبهة الشعبية لتحرير تغراى. 

رابعاً: إن كل القرائن تشير إلى أن إقليم تغراى لن يستمر على وضعه الحالي وأن المنطقة قد تشهد ميلاد دولة جديدة، أو حكم إقليمي شبه مستقل، وبما أن الجغرافيا لن تتغير بناء على رغبات أحد فستكون هذه الدولة/الإقليم مجاورة لإرتريا، ولا بد من إيجاد صيغة للتعايش السلمي وتبادل المنافع. أيضاً فإن محاولات الفصل بين شعب تغراى والجبهة الشعبية لتحرير تغراى في هذه المرحلة هى محاولات غير مجدية ليس لأن الجبهة الشعبية لتحرير تغراى هي قدر شعب تغراى الوحيد، ولكن لأن الظروف الحالية حتمت أن تتعالى جلّ النخب التغراوية على خلافاتها وتصطف خلف الجبهة الشعبية لتحرير تغراى انضماما أو تحالفاً، وعليه إذا كان مجاورة إقليم التغراى قدر جغرافي فإن التعاطي من الجبهة الشعبية لتحرير تغراى قدر سياسي، فالجبهة الشعبية لتحرير تغراى لا تزال لديها مواقفها السياسية المعلنة تجاه استقلال ووحدة وسيادة إرتريا وهي مواقف يبنى عليها في القانون الدولي ولا يمكنها التنصل منها بسهولة، كما أن الخيارات البديلة في الإقليم للجبهة الشعبية لتحرير تغراى هي خيارات أكثر تطرفاً فيما يتعلق باستقلال الإقليم وتصوراتها للعلاقة مع إرتريا الدولة والشعب. إزاء هذه الحقيقة فإن التواصل مع الجبهة الشعبية لتحرير تغراى مهم جداً، ويجب أن يكون محور هذا التواصل الرفض القاطع لأي محاولة اجتياح لإرتريا كلياً أو جزئياً، وإن كل المبررات في هذا الصدد غير كافية لمثل هذه المغامرة وهي ستكلف الجميع ثمناً باهظاً في الحاضر والمستقبل، وإن كل مخاوف التغراى يمكن معالجتها سواء كانت تغراى دولة أو إقليم بحكم ذاتي أو إقليم اثيوبي مجاور، فلا توجد مصلحة إرترية في إيذاء الإقليم وسكانه، وإن تغيير النظام هو قضية إرترية خالصة، وأنه حال تغيير النظام يمكن معالجة كافة الاشكالات التي تسبب فيها النظام بما يحقق السلام والاستقرار والتعايش بين شعوب المنطقة. 

خامساً: مد حبال الوصل مع الحكومة الفيدرالية الإثيوبية وإيصال رسالة واضحة إن الموقف المنحاز تجاه النظام يتناقض مع رغبة معظم مكونات الشعب الإرتري، وإن مستقبل التعايش في المنطقة يتطلب مواقف أكثر اعتدالاً ومراعاة لمصالح الشعبين في 

المستقبل بدلاً من رهن هذه العلاقات مع نظام معزول من شعبه ويعتبر من أسوأ الدكتاتوريات في العالم، وإن الخطابات التي تنتقص من سيادة إرتريا أو تتعالى على تضحيات شعبها مرفوضة شكلاً ومضموناً، وكما يتمنى الشعب الإرتري السلام والاستقرار والانتقال الديمقراطي السلس في إثيوبيا، فإن على الحكومة والنخب الإثيوبية في المركز أن تبادل الشعب الإرتري ذات التمنيات، علماً إن مصلحة البلدين تمكن في نظم ديمقراطية مستقرة واقتصاديات متعاونة تقوم على التكامل وتبادل المنافع بما يحفظ سيادة كل دولة ويحقق مصالح الشعبين، وأي تصور يقوم على غير ذلك سوف يكون ذو كلفة عالية على للجميع. 

خاتمة 

مع التأكيد على خطورة الأحداث الحالية على مستقبل إرتريا، لكن إرادة الشعب الإرتري دوماً كانت أقوى وأقدر على التصدي لها، فتاريخ إرتريا الحديث شهد احتلالاً وحكماً فيدرالياً ثم احتلالاً كاملاً واستقلالاً ثم غزو من قبل إثيوبيا في عام 2000م، توغلت فيه قواتها الى عمق الأراضي الإرترية. ومع كل ذلك بقيت إرتريا صامدة على الخارطة السياسية. ولكن خطورة الأحداث الحالية تكمن في هذا الانقسام الكبير وسط المعارضة الإرترية ونخبها وعجزها عن تشكيل موقف وطني توافقي دون التنازل عن مشروع التغيير الديمقراطي في إرتريا، ودون البحث عن قوى خارجية لتقوم بهذه المهمة، والأدهى هو عجز هذه القوى وهذه النخب عن إدارة حوار موضوعي بناء للوصول الى هذا الموقف الوطني التوافقي خاصة وأن الأمر يتعلق بمصير إرتريا. وعليه فإن البناء على هذه المحددات يمكن من أن يشكل أرضية لحوار بين هذه التنظيمات والنخب نحو تشكيل موقف وطني توافقي يستصحب حقائق الواقع، وامكانيات ودور هذه الكيانات والنخب في تشكيل هذه الحقائق، ولا تتناسي أو تتعالي على مواقف وطموحات النخب السياسية. واضعين في الاعتبار أن دور الكيانات والنخب المعارضة سواء المصطفة مع تغراى أو المنحازة للنظام هو دور هامشي لا يغير في مسار الأحداث الحالية، ولكن بالمقابل فإن تشكيل موقف وطني توافقي بين هذه القوى والنخب له دور محوري في مستقبل إرتريا لأنه يمكن أن يشكل الأساس لدولة مستقرة وديمقراطية تسع الجميع وترسي قواعد للتعاون البناء مع دول الجوار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى