مقالات

أبي أحمد وحقل لالغام السياسي …! بقلم / فتحي عثمان

6-Nov-2020

عدوليس

في وسط المشهد السياسي الاثيوبي يبدو رئيس الوزراء ابي احمد كمن يضع قدميه على لغم دبابات، ويبدو، كذلك، أنه مدرك تماما لحساسية وضعه ولكن لا يعرف كيف يتخلص من ورطته.كل من يريد إنقاذه من ورطته يساومه بحياته، وهو يظهر في موقف لا يحسد عليه. هناك أكثر من زاوية للنظر لرئيس الوزراء في ورطته، ولكن سأتخير الزاوية السياسية وأركز على مفهومي المصلحة الوطنية العليا والتحالف السياسي وهما المؤشران اللذان، فيما أحسب، يمكن أن يحددا مستقبله السياسي برمته. فلو افترضنا أن رئيس الوزراء الاثيوبي يضع

المصلحة الوطنية العليا لبلاده فوق كل اعتبار، فهو في هذه الحالة مطالب بالانتقال إلى المربع الثاني وهو تحديد الحلفاء الذين يشاركونه هذا التوجه. الفدرلة العرقية لإثيوبيا جعلت من قوميات الارومو والأمهرة والتيغراي والصومال الفاعلين الاساسيين على المستوى الاقليمي اولا والمستوى القومي ثانيا. زاوية النظر من منظور المصلحة الوطنية العليا تلزم رئيس الوزراء بتحديد الخصوم السياسيين من الأعداء، باعتبار أن الخصم السياسي ليس بالضرورة عدوا. بدأ أبي احمد مؤخرا في استعداء حكام اقليم تيغراي في تصريحات بأنهم يريدون العودة إلى السلطات بأي ثمن بما ذلك استخدام العنف والوسائل غير المشروعة؟ قبل الخوض في غمار العداء مع الاقليم كان الأولى به الإجابة على سؤال: هل حكام اقليم تيغراي أعداء أم خصوم سياسيين؟ويبدو أنه أجاب على السؤال بشكل متسرع ووضعهم في “خانة” الأعداء، الذين تجب محاربتهم أو على الأقل خنقهم ومحاصرتهم، فما الذي يفسر اجابته؟ ما يفسر اجابته هو اختيار عدوهم اللدود اسياس افورقي كحليف. بذلك هو يدخل عنصرا “خارجيا” في تفاصيل اللعبة السياسية الداخلية لبلاده، ويعطي خصومه، خاصة، في تيغراي، تبرير كل تصرفاته بالتصرفات المعادية، التي ترفض، المحاصرة في الزاوية الضيقة، أو الوقوع بين مطرقة أديس ابابا وسندان أسمرا، مع ابداء الاستعداد للموت او الاستقلال من اثيوبيا نفسها اذا دعت الضرورة.
التعامل مع حكام تيغراي سوف يلزمه بالإجابة على أسئلة من شاكلة: هل يريد حكام تيغراي “فعلا” حكم اثيوبيا بأي ثمن كان؟ غنى عن القول أن اجابته على السؤال سوف تحدد خطواته التالية.يبدو أيضا مما يواجهه ويعقد أموره أن الخطر الذي “يتربص” به أكثر قربا من حكام الشمال. ففي قوميته نفسها لا يجد أبي احمد التأييد الكافي الذي يؤهله لتجاوز أزماته بسند شعبي قومي كبير. فأروميا كائن خرافي متعدد الرؤوس ولا يبدو أنه يتعامل معه باقتدار: مطالب الاحزاب والجبهات التابعة للإقليم تجعل تعامله معها “جحيم سياسي” خاصة خسارة الحلفاء مثل جوهر محمد وليما مقريسا والآخرين. والمطالب القومية للارومو والأمهرة والصومال تبدو أكثر تأججا واشتعالا من مطالب سكان تيغراي. ثانيا أن التعامل السياسي مع تيغراي، في حال اعتبارهم خصوما سياسيين يحاولون الوصول إلى السلطة عبر الطرق الديمقراطية أسهل من التعامل مع كائنات متعددة الرؤوس والاقليم، اي اقليم تيغراي، فعلا أكثر تجانسا من الناحية العرقية والسياسية ويسهل اتخاذه كحليف ولكن يبدو أن أبي احمد اختار “المسار القاتل” وهو استعداءهم والاستعانة بعدوهم عليهم.
فما الذي يمكن أن يقدمه “الحليف” اسياس افورقي، لمواجهة “العدو” حكام تيغراي؟ هنا تأتي نقطة المصلحة الوطنية العليا التي تحدد نوع واسلوب التحالف. المصلحة العليا لاسياس افورقي هي البقاء في السلطة مهما كان الثمن، وهنا يحتل الشعب الارتري ومصالحه كالعادة مكانة ثانوية، وهذا لا يحتاج إلى ذكاء لاكتشافه أو التعبير عنه؟ وهذا يحيل إلى سؤال آخر ما هي المصلحة العليا التي يتوخاها ابي احمد من حلفه مع أسياس افورقي؟ إن أفضل ما يستطيع اسياس افورقي تقديمه لرئيس الوزراء في ورطته هو “وصفة الشيطان”، وهي الوصفة التي أساسها التذكير الدائم لاسياس لحكام اثيوبيا بأن الفيدرالية لا تصلح لحكم اثيوبيا، إذن ما هو البديل الذي يقترحه اسياس لإثيوبيا؟ بما أنه لا يعرف سوى وصفة الحكم بالحديد والنار فإن وصفته العلاجية لأبي احمد ستكون بسيطة “اقضي على أعدائك وأبتدئ باقليم تيغراي”. هنا سوف يبدأ أبي احمد في النهل من كأس الاستبداد، والنظر إلى “خصومه” وأبناء جلدته “كأعداء” وليس كخصوم سياسيين يمكن الاحتكام معهم إلى الأحابيل والصناديق السياسية.
لن يستطيع أبي احمد و حليفه افورقي شن حرب على اقليم تيغراي، لأنهما لا يملكان القوة الكافية لبدء الحرب او تحمل تبعاتها. الإشارات بإرسال وفود امنية ارترية إلى السودان تهديد أجوف وزيارات ابي احمد المتكررة لا تخيف مقلي. لو افترضنا أن حربا نسج خيوطها ومبرراتها الحليفان ابي احمد واسياس نشبت ضد اقليم تيغراي وحققت ما نسبته 60 في المئة من طموحهما، أين نسبة 40 بالمئة المتبقية من الحسابات الكلية للحرب وتكلفتها المأساوية؟ النسبة المتبقية هذه سوف تصبح “البذور” لحرب أخرى قادمة.
وضع ابي احمد يحسمه قدراته السياسية والتي تبدو “كسيحة” بالمقارنة مع القدرات الشيطانية لحليفه اسياس افورقي، فأفورقي بنى مجده الشخصي على تلال من الجماجم فهل يطمح أبي لذروة مماثلة، ويقتفي أثر الشيطان.
سؤالان، يقعان، مجددا في قلب أزمة رئيس الوزراء الاثيوبي، وعليه أن يجاوب عليهما حتى يخرج من حقل الألغام الواقع فيه: ما هي المصلحة الوطنية التي انشدها، ومن هم حلفائي في تحقيقها؟وأمامه مساران، واحدهما اقرب الآن من الآخر، الأول هو الوقوع في شراك الاستبداد والعنف والآخر وهو الأصعب والذي لا ينال بسهولة هو التعامل مع الأزمة “كرجل دولة”.
وهو مطالب ايضا بأن ينظر إلى من “يخالل”.
حتى لا يفهم سياق هذا المقال أنه انحياز إلى سياسات حكام تيغراي، نؤكد بأنهم يدفعون ثمن حكمهم لإثيوبيا فيما مضى من وقت، وهذا ترك آثارا في النفوس لا تزال، ولكن هم أيضا امام تحدي يبدو في جوهره اصعب من تحدي رئيس الوزراء لأنه لا يتعلق بالمستقبل السياسي لفرد واحد بل بقومية كاملة وبعلاقاتها مع الشعوب المحيطة بها من الجهات الأربع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى