مقالات

أزمة القيادة ومستقبل إرتريا السياسي: رؤية محايدة…بقلم: جمال بيشا

6-May-2007

المركز

الخلاف الأخير، حول السلطة داخل التحالف الديمقراطي الإرتري “السابق”، أوضح فيما لا يضع مجالاً للشك أن المشكل الرئيس الذي يواجه إرتريا هو غياب قيادة سياسية قادرة على تقليب المصلحة الوطنية على مصلحتها الذاتية والحزبية، وتحليل جذور الأزمة والصراع الإرتري-الإرتري.

وأكد ذلك الخلاف، كذلك، على أن هناك قوة وأيدي خارجية (غير إرترية) تتحكم على سياسات الحركات والأحزاب المكونة للتحالف. والافتراضات التي أكدها ألا توافق الأخير هي أن التعايش بين التنظيمات ذات الطابع الإسلامي وتلك التي تنادي بالعلمانية خاصة، وبين التنظيمات والحركات ذات التوجه العروبي والمسيحي عامة، أصبح أمراً غير ممكن. هذا أكده الخلاف في فقرتي الشريعة والتكتل حول من يقود التحالف. كل الذي سبق يؤكد، وبقوة، أن طريق التحول إلى الديمقراطية ونظام الحريات أصبح بعيد المنال في الوقت الحاضر. فالسيناريوهات المتوقعة للتغيير يمكن تلخيصها في النقاط التالية:1- أن تدعم وتتبنى كل من أثيوبيا والدول الغربية التحالف الديمقراطي 2 لإزاحة النظام القائم2- أن يُكّون التحالف الديمقراطي1 جيشاً مشتركاً بتبنيه القوة العسكرية الطريق الوحيد المتاح أمامه للتغيير3- أن تقوم إحدى الحركات التي تملك قوة عسكرية بمغامرة عسكرية لتبديل النظام القائم4- أن يعترف النظام الإرتري القائم بالمعارضة الإرترية ويجلس معها للتفاوض لتفادي المأزق الصومالي. أولاً: مما لاشك فيه هو أن النظام الإثيوبي والدول الغربية وخاصة أمريكا يسعون وبكل ما يملكون من قوة لإزاحة النظام الإرتري القائم حتى لو كان على طريقة إزاحة “المحاكم الإسلامية” في الصومال، فالدول الغربية قد لا تمانع أبداً من توكيل النظام الإثيوبي بأن يقوم بهكذا فعلة. فأحد الموانع التي تقف أمام النظام الإثيوبي من إزاحة النظام قد تكون عدم وجود حكومة إرترية في المنفى تطلب من النمر الإثيوبي التدخل على أساس أن النظام والحكومة الإرترية مازالت حكومة انتقالية غير منتخبة من الشعب. والسبب الآخر الذي كان يمنع ملس زيناوي من التدخل المباشر، بتوكيل غربي، قد يكون وجود التنظيمات ذات التوجه الإسلامي والعروبي وبقوة في التحالف القديم. فبانشقاق التحالف الديمقراطي الإرتري تحقق الشرط الثاني، ولذلك لا نستبعد أبداً تدخل أثيوبي مباشر أو غير مباشر (عن طريق تدبير انقلاب عسكري داخلي) لإزاحة النظام الإرتري. وفي هذه الحالة قد يقبل ويرحب الشعب الإرتري بالداخل بهذا النوع من التدخل، وذلك لوجود قيادات من حزب الجبهة الشعبية، خاصة قيادات الحزب الديمقراطي. وإذا تحقق هذا السيناريو فلا نتوقع تغير ديمقراطي حقيقي في الساحة الإرترية، بل قد يتحول الصراع إلى صراع ثقافي، فتشريعات من قبيل “لا أحزاب على أسس دينية”، والطبيعة والفكر السياسي الشبه متطابق بين قيادات التحالف الديمقراطي2 والنظام القائم، ستعكر الأجواء الديمقراطية، ورجوعنا إلى نقطة الصفر هو الاحتمال الأقوى.ثانياً:رغم الصعوبات التي تعتري السيناريو الثاني، سيناريو التغيير العسكري، فمن المحتمل أن يلجئ إليه التحالف الديمقراطي1 على أساس أن أغلب التنظيمات والأحزاب التي تنضوي تحت هذا التحالف لا تمانع من استخدام القوة العسكرية لإزالة النظام الحاكم، وبل كان ومزال لبعضها قوة عسكرية يمكن أن تكون أساس لجيش قوي يستطيع بالفعل إزالة النظام. والذي يقوي من هذا الافتراض هو عدم انضواء الحزب الديمقراطي- الأوحد، تقريباً، الذي كان يعارض استخدام القوة العسكرية ضد النظام من داخل التحالف الموحد- تحت مظلة التحالف الديمقراطي1. هذا الاحتمال قد يكون الأمثل للبعض، حيث أن تغيير من هذا النوع يكون تغييراً جذرياً بحيث أنه سيساعد على مسح الآثار السالبة للنظام القائم، ويمكن من خلال تغيير من هذا النوع إعادة التوازن السياسي، والاقتصادي والثقافي بين الفئات الإرترية المختلفة. ولكن هذا النوع من التغيير قد تعترضه عدة عقبات. العقبة الأولى، عدم توفر الدعم اللوجستي والمالي، والعمق الإستراتيجي في الوقت الحالي. فالدول التي يمكن أن تدعم تحرك من هذا النوع هي إما أثيوبيا أو السودان. أما الجانب الأثيوبي من غير الممكن أن تدعم، أو تسهل دعم التحالف الديمقراطي1 على حساب التحالف الديمقراطي2، أما السودان فهو في غنى تام عن الأزمات، أضف إلى ذلك أنه لا يثق في قدرات المعارضة الإرترية للقيام بهذا النوع من التغيير، ولذلك نستبعد أن يشارك أو يبارك السودان على هذا النوع من المغامرات. ثالثاً: السيناريو الآخر المحتمل في عملية التغيير هو أن تغامر إحدى الحركات منفردةً بالقيام بانقلاب شامل على الدولة من خلال تنفيذ عمليات تصفية جسدية للقيادات العسكرية للنظام الإرتري بما فيهم رئيس الدولة، في وقت متزامن، ومن ثم استلام السلطة. هذا الاحتمال وارد ولكنه سيكون دموياً ويحول إرتريا إلى صومال آخر، وحتى لو نجح الانقلاب فمن الصعوبة أن يكون هناك استقرار سياسي عاجل، بل سيستمر نظام الحزب الواحد. وسيكون أي انقلاب عسكري بداية سيئة لانقلابات عسكرية أخرى، وحتى الآن الشعب الإرتري في مأمن من هذا النوع من التغيير.رابعاً:أما السيناريو والحل الأمثل، على الرغم من بُعد احتمال وقوعه من خلال المعطيات المتوفرة، هو أن يعترف النظام القائم بالمعارضة الإرترية كقوة وطنية ويتحاور معها للحفاظ على الدولة والكيان الإرتري، وهذا يتطلب أولاً خلق جو إيجابي من الطرفين وخاصة الحكومة، فمثلاً جهود إظهار حسن النية من قبيل إطلاق سراح السجناء السياسيين وعودة اللاجئين الإرتريين قد تخلق جواً إيجابياً لترتيب البيت الإرتري. عليع، يجب أن يعود النظام الإرتري إلى رشده قبل أن ينفرط ويخرب البيت الإرتري وليس الصومال الشقيق عنّا ببعيد. وعلى الرغم من الأزمة التي تمر بها الدولة الإرترية إلاّ أن الوضع مازال قابل للتحكم. لهذا السيناريو إيجابيات عديدة منها الحفاظ على ما تبقى من الدولة الإرترية من موارد على شحها، عدم المساس بالبنية التحتية على قلتها، تجنيب الشعب الإرتري الهجرات وما يتبعها من إنفاق موارد لإعادة هؤلاء المهجرين في حالة قيام حرب، تجنب التأصيل للتغيير عن طريق القوة العسكرية أو الانقلابات، الحفاظ على أرواح الأبرياء، عدم الرجوع إلى نقطة الصفر من جديد؛ أما السلبية الوحيدة لهذا النوع من التغيير الإيجابي هي استمرار سياسة الأمر الواقع وانعدام التوازن السياسي، والاقتصادي والاجتماعي الثقافي بين فئات الشعب الإرتري المختلفة. أخيراً:لا شك على أن هناك أزمة قيادة مستنيرة غير قادرة على نقد ذاتها، وقراءة الماضي والحاضر والمستقبل قراءة تحليلية نقدية للخروج من المأزق السياسي الذي تمر به الأمة الإرترية. والدليل على ذلك إسرار هذه القيادات التاريخية على أنها مؤهلة للتغيير والبناء، والحقيقة هي أن بناء دولة بمواصفات حديثة تحتاج لقيادات متعلمة مهنية لم تشارك في أي من مراحل الصراعات والحروب، فللحروب رجال ولصناعة الحياة آخرين. وللأسف، فإن عدم النجاح في توصيف الصراع الإرتري-الإرتري والوقوف عند جذور المشكلة سيتسيب في فشل أي دولة إرترية قادمة. فالصراع في إرتريا هو صراع بين ثقافتين إسلامية ومسيحية وهذه هي الحقيقة حتى منذ بداية الثورة وماسبقها من أحدث، والتاريخ شاهد على ذلك، ونبش هذه المساءل المعقدة سيساعد كثيراً على بناء دولة إرتريا قوية ومعاصرة، وليس كما يدعي البعض بأن هذا التوصيف سيعكر جو الوحدة الوطنية. وهذا النوع من التوصيف سيساعد على إعطاء كل ذي حق حقه ويؤسس لشراكة حقيقة غير زائفة، وسيكون أساساً قوياً لوضع دستور إرتري بمواصفات حديثة، فدول كماليزيا مثلاً، ينظم فيها الدستور وبصراحة متناهية حقوق وواجبات كل فئة، وهذا كان من الأسس القوية التي مكنة ماليزيا من الانطلاقة الحقيقة لبناء دولة حديثة. الدولة الإرترية في خطر حقيقي! في ظل الصراعات الدائرة في الساحة. فالشعب الإرتري في أمس الحاجة لوضع حد لهذه الصراعات للانطلاق نحو المستقبل، على الحكومة الإرترية الرجوع إلى رشدها وعدم المكابرة والتلاعب بمقدرات الشعب الإرتري، و الدعوة لمؤتمر مصالحة وطني تحدد فيها جذور الصراعات ويؤسس فيه لكتابة دستور إرتري يحدد الفترة الانتقالية للحكومة القائمة، ومن ثم تشكيل برلمان جديد تشارك فيه كل التنظيمات الإرترية للخروج من مأزقنا السياسي الخانق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى