مقالات

أسياس وإحتراف الدجل ..! :الأستاذ : محمد نور أحمد

5-Jun-2008

المركز

في مقابلة أجرتها الفضائية السورية مع رأس نظام هقدف ” الجبهة الشعبية للديمقراطية والعدالة ، حسبما يطلق على نفسه الحزب الأوحد والحاكم في إرتريا” وجهت له فيها أسئلة عدة في مسائل مختلفة . وطبعا كعادته أسياس فيما يختص بالقضايا التي تهم العرب في هذه الأيام التي يتودد فيها إليهم ، أجاب بما يدغدغ عواطف السائل العربي بالهجوم على الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل والدفاع عن القضايا العربية ،

وكأنه لم يقل في يوم من الأيام ” إن العرب لا يجدون حبلا يعلقون عليه مشاكلهم سوى إسرائيل ، وحتى لو بكى أحد أطفالهم فإنه لا بد قد تعرض لقرصة إسرائيل ” ..! وكأنه أيضا لم يتنكر للدعم العربي بدرجات متفاوتة للثورة الإرترية في كل مراحلها ، لا سيما من سورية والعراق في ظل حكم التيار القومي العربي ، وقد قالها صراحة في أحد الأيام عندما وجه إليه سؤال عن دور العرب في الثورة الإرترية بأنهم كتنظيم لم يتلقوا أي دعم عربي .! ومن المثير للإشمئزاز تزلفه بأن زيارته لسوريا مفتوحة وحتى أنها لا تتطلب أية إجراءات رسمية ، أي أن سوريا بلده ويمكنه أن يدخلها في أي وقت يشاء ، وينسى أنه في عام 1988م طلب عن طريق ممثله في دمشق تحديد موعد له مع الرئيس الراحل حافظ الأسد وقد تم له ذلك، وكان يتوقع وصوله من باريس ، لكن أسياس توجه عندما إزف موعد لقائه مع الرئيس حافظ الأسد إلى جدة بدلا من دمشق ، وفي إحدى زياراته للندن إتهم سوريا بمحاولة تعريب الشعب الإرتري مما يعني تدخلها في هوية الشعب الإرتري ..! لكن مايهمنا في هذه المقال تحديدا هو إجابته على سؤال الصحفي في تلك المقابلة عن تعامله مع اللغة العربية . فقد قال إنهم حاولوا تدريسها طوال السنوات السبعة عشرة التي تلت الإستقلال ولكن محاولاتهم باءت بالفشل . وما لم يجرأ على قوله للصحفي السوري هو أنهم لا علاقة لهم باللغة العربية ، لأن أسياس ليست له أية علاقة باللغة العربية ، بل هو عدوها الأساسي وهو الذي قرر في مؤتمر لتنظيمه السياسي في عام 1976م أن لا لغة رسمية لتنظيمه ، وأن اللغات الإرترية وهي تسع لغات متساوية عكس ما درجت عليه الثورة الإرترية بإعتماد اللغتين العربية والتيقرينية لغتين رسميتين للثورة وكانتا كذلك في عهد حكومة إرتريا الفيدرالية حتى ألغتهما إثيوبيا في عام 1963م عندما ألغت الإتحاد الفيدرالي ودمجت إرتريا عنوة إليها وفرضت اللغة الأمهرية . وتنظيم أسياس هو الآخر ألغى رسمية اللغتين العربية والتيقرينية وبالطبع قولا بالنسبة للثانية وهي لغة المجموعة الإثنية التي ينتمي إليها ، لهذا إستمرت كلغة عمل لتنظيمه وهي اللغة الرسمية غير المعلنة للدولة الإرترية اليوم . ومنذ عام 1976م أبتكر التعليم باللغات المحلية في مدارس القواعد الخلفية لتنظيمه مستبعدا التدريس باللغة العربية أو إستخدامها في نطاق ضيق تحت ضغط أولياء الأمور الذين كان يخشى أن ينقلوا أبنائهم وبناتهم إلى مدارس جبهة التحرير الإرترية التي كانت تعتمد اللغتين العربية والتيقرينية في مدارسها الإبتدائية والإعدادية . وبعد التحرير ومجاراة لرغبة الشعب أصدرت حكومة أسياس المؤقتة مرسوما في عام1992م تعلن فيه العربية والتيقرينية لغتين للتعليم في مدارس الحكومة حتى الصف الخامس للإنتقال بعد ذلك إلى اللغة الإنجليزية حتى الجامعة مع إعطاء الحق لأية مجموعة إثنية تريد أن تستخدم لغتها في التدريس، على أن تدرس اللغتين العربية والتيقرينية كلغتين، وقد أجمع كافة أولياء الأمور المسلمين على تعليم أبنائهم باللغة العربية وذلك ما لم يسر أسياس ، لذلك أمر وزير تعليمه عثمان صالح – وزير خارجيته اليوم- في مطلع عام1995م لتوجيه تعميم إلى كافة المدارس التي كانت تدرس بالعربية لتتحول إلى اللغات المحلية أو لغة الأم كما يسميها الحزب الحاكم، وكانت تلك ضربة قاضية للغة العربية مما أدى إلى تقلص نسبة الإقبال على التعليم بالنسبة للأطفال المسلمين ، إذ إنحدرت نسبتهم إلى 20% كما تدهورت نسبة النجاح إلى أقل من 30% وفي بعض المناطق رفض أولياء الأمور إرسال أبنائهم وبناتهم إلى هذه المدارس فهددت الحكومة بإغلاقها، فلم يبال أولياء الأمور بذلك ، وهو ما حدث فعلا في عدة مناطق وفي مقدمتها مدينة أغردات ،إذ لم تسجل مدرستها التي تحولت إلى لغة التغري أكثر اللغات المحلية إنتشارا بعد اللغة التقرينية خلال أسبوع حتى طفل واحد ، مما أجبر الحكومة على التخلي عن موقفها مؤقتا ، إلاّ أنها عاودته في العام التالي مع الإصرار عليه رغم أنف المواطنين . وهكذا حرم المسلمون من التعليم باللغة العربية ، لغة دينهم وثقافتهم . هذه هي الحقيقة لمن يهمه الأمر من العرب الذين نرى أنهم يتهافتون هذه الأيام نحو أسياس لمجرد أنه إحتضن المحاكم الصومالية نكاية بإثيوبيا لا إيمانا كما يزعم بحقهم في تطبيق شريعة دينهم في بلادهم ، وهو الذي أقام الدنيا وأقعدها ضد التيار الإسلامي في إرتريا وقال إن نظامه يتعرض لحملة تطرف إسلامية مصدرة إليه من نظام الإنقاذ السوداني في عام1995م وقطع علاقاته الدبلوماسية به ، وهذا ما جعله في ذلك الوقت أحد الأركان الأساسية في الحلف الذي أقامه الرئيس الأمريكي كلينتون ضد التطرف والإرهاب الديني كما أطلقته الحكومة الأمريكية على الحركات الدينية التي أعلنت مسئوليها عن حادثتي تفجيرالسفارتين الأمريكيتين في نايروبي ودار السلام عام 1998م . لكن أسياس الآن إستنفد أدواره منذ الحرب التي شنها على إثيوبيا عام1998م ورفض الوساطة الأمريكية الرواندية لحل النزاع الحدودي سلميا على أن ينسحب من قرية بادمي التي أصدر الأمر إلى قواته بالاستيلاء عليها لأسباب ليست لها أية علاقة بنزاع الحدود، لأن النزاع على هذه القرية لا يستحق إهدارعشرات الآلاف من أرواح الشباب وآلاف الملايين من موارد دولة حديثة الإستقلال بعد حرب تحرير لثلاثين عام . إن إجابة أسياس على سؤال الصحفي في الفضائية السورية لا يعدو أن يكون تأكيدا على إحتراف أسياس لغة الدجل التي أجادها طوال حياته السياسية ، والذين يراهنون على ما يتشدق به اليوم سيقبضون الهواء غدا ، وقبض الهواء أهون من وفاء أسياس بوعده وثباته على موفقه .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى