مقالات

إثيوبيا وإريتريا: كلفة الحرب الباهظة تؤجلها ولا تلغيها: ياسين محمد عبدالله

28-Nov-2007

ecms

اتهمت إريتريا، في الأسابيع الماضية عدة مرات، إثيوبيا بالتحضير لغزوها. وأبدى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، في تقرير لمجلس الأمن عن الوضع في منطقة عمل بعثة حفظ السلام الدولية بين البلدين قدمه بتاريخ 1/11/2007 ، قلقه الشديد من تعزيز البلدين قواتهما بالقرب من حدودهما المشتركة. وقالت مجموعة الأزمات الدولية في تقرير أصدرته بتاريخ 5/11/2007 إنها تتوقع نشوب حرب بين البلدين خلال الأسابيع القادمة.

ليست هذه المرة الأولى التي تطلق فيها صفارات الإنذار بقرب اندلاع حرب بين البلدين فقد أُطلقت هذه الصفارات عدة مرات منذ توقف القتال بين إثيوبيا وإريتريا نتيجة لاتفاق وقف إطلاق النار الذي وقعا عليه في الجزائر في يونيو 2000، لكن القتال لم يتجدد بينهما منذ ذلك التاريخ.وفي اعتقادنا أن هناك وقائع وتطورات جديدة تبرر القلق الدولي والتوقعات الأكاديمية. أول تلك الوقائع والتطورات يتعلق بالوضع في الحدود بين البلدين. فقد بلغ عدد القوات التي أدخلتها إريتريا إلى المنطقة الأمنية المؤقتة حوالي 5000 جندي وقد اعتبر الأمين العام التصرف الإريتري خرقا لاتفاقية وقف إطلاق النار. وقامت إثيوبيا من جانبه بإجراء تدريبات لقواتها المسلحة وعززت من دفاعاتها حيث أعادت نشر ناقلات جنود مصفحة ومدافع على بعد 10 كيلومترات من المنطقة الأمنية. وفشلت بعثة السلام الدولية في اقناع البلدين بحضور اجتماعات لجنة التنسيق العسكرية التي لم تعقد أية اجتماعات منذ اجتماعها الـ 37 في 31 يوليو 2006. وقد اشترطت إثيوبيا لاستئناف مشاركتها في اجتماعات اللجنة سحب إريتريا قواتها من المنطقة الأمنية بينما قالت إريتريا إن لن تعود للمشاركة في الاجتماعات قبل أن يأتي رد ايجابي من إثيوبيا بخصوص عملية ترسيم الحدود.ثاني تلك الوقائع والتطورات يتعلق بعمل لجنة الحدود الدولية التي تكونت بموجب اتفاق الجزائر في 12/12/2000 .فبعد أن فشلت اللجنة في تطبيق القرار الذي أصدرته في 13/4/2002 بخصوص النزاع الحدودي بين البلدين أبلغت ممثلين للبلدين في اجتماع عقدته معهما في لاهاي في السادس والسابع من سبتمبر الماضي أنها ستعتبر الحدود التي رسمتها على الورق هي الحدود الرسمية بين بلديهما إذا لم يمكنها البلدان من الشروع في ترسيم الحدود حتى نهاية نوفمبر وبحلول هذا التاريخ ستعتبر أيضا تفويضها منتهيا.وثالث هذه الوقائع والتطورات هو ولوج حروب الوكالة بين البلدين مرحلة جديدة خصوصا في الصومال حيث تواجه القوات الإثيوبية وقوات الحكومة الصومالية مقاومة متصاعدة من بعض فصائل المعارضة الصومالية بمساعدة علنية من الحكومة الإريترية ، إضافة لتصاعد الهجمات التي تشنها المعارضة الإثيوبية المسلحة داخل إثيوبيا والتي تتلقى الدعم أيضاً من الحكومة الإريترية.فهل ستندلع الحرب بين البلدين قريبا أم أن حالة اللا سلم واللا حرب ستستمر برغم التطورات المذكورة؟ يظل خطر اندلاع حرب بين البلدين أمراً متوقعا في كل الأوقات ما لم تحل جذور المشاكل التي تسببت في نزاعهما وهي مشاكل لا تنحصر فقط في النزاع حول الحدود بل تشمل مجالات سياسية واقتصادية يتطلب علاجها تهيئة الأجواء لإجراء حوار شامل بين البلدين وتكييف أوضاعهما السياسية الداخلية لإنجاحها وإشراك التكوينات السياسية المختلفة في كل بلد في هذا الحوار. ومن مستبعد أن تبدأ إريتريا في الظروف الحالية بشن الحرب بسبب الاختلال الاستراتيجي في قدرات البلدين لغير صالحها. ومع أن هذا الاختلال لم يردع قادتها من شن هذه الحرب في مايو 1998 فلا يعقل أن لا يكونوا قد استفادوا من الدروس القاسية لتلك الحرب خصوصا وقد فقدوا الآن الكثير من الميزات التكتيكية التي كانت في صالحهم سابقا . فالاقتصاد الإثيوبي الأكبر كثيراً من نظيره الإريتري يتفوق الآن في مستوى أدائه حيث بلغ مستوى نمو صافي الناتج المحلي لإثيوبيا في عام 2007، حسب صندوق النقد الدولي، 10.5% بينما بلغت هذه النسبة في إريتريا في نفس العام 1.3% وهو ما يعد من الناحية الواقعية مؤشرا سلبيا قياسا إلى نسبة النمو السكاني في البلاد البالغ أكثر من 2%. وتعد أوضاع الجبهة الحاكمة في إثيوبيا أكثر تماسكا من نظيرتها في إريتريا بعد أن عالج قادة الجبهة الإثيوبية خلافتهم السياسية الداخلية بطريقة مرنة دون الحاجة لوضع المعارضين في السجن أو التكيل بهم وقد أسس بعضهم مؤخراً حزبا معارضا، بينما يرزح القادة الذين اختلفوا مع الرئيس أفورقي في السجون منذ 2001 دون أن تُعرف الأماكن التي يحتجزون فيها أو يُسمح لأسرهم بزيارتهم الأمر الذي أدى إلى شعور بالإحباط وسط الجنود خصوصا وأن أغلب القادة المعتقلين هم من قيادات حرب التحرير. ويزيد من حالة الإحباط العام في إريتريا حرمان شعبها من حقه في انتخاب ومحاسبة حكومته حيث لم تجر أية انتخابات عامة في البلاد منذ نيلها استقلالها في عام 1993. واستطاعت إثيوبيا في السنوات الأخيرة، لأسباب عديدة أهمها الشراكة التي أقامتها معها بخصوص الصومال، أن تكسب لجانبها الولايات المتحدة الأمريكية التي كانت حليفة لكلا للبلدين في السابق بينما تدهورت علاقة إريتريا مع حليفتها السابقة. ووصل التدهور في علاقة البلدين إلى حد تهديد الولايات المتحدة الأمريكية لإريتريا بإضافتها اسمها إلى قائمة الدول الداعمة للإرهاب كما جاء في تصريح لجينداي فرايزر في أغسطس الماضي وذلك بسبب الدعم الإريتري للمحاكم الإسلامية في الصومال. هذا إضافة إلى أن شن إريتريا حرب جديدة ضد إثيوبيا سيفقدها ما حققته من مكاسب بفضل قرار لجنة الحدود الدولية إذ من الطبيعي إذا ما شنت إريتريا حربا عليها أن تلغي إثيوبيا اتفاق الجزائر الذي خول هذه اللجنة صلاحية إصدار قرار ترسيم الحدود بين البلدين. ومن المستبعد أيضا أن تُقدم إثيوبيا على شن هذه الحرب. فالمنطقة المتنازع عليها،والتي حكم بها لصالح إريتريا، تقع الآن تحت سيطرة إثيوبيا فحتى رفض إريتريا سحب قواتها من المنطقة الأمنية لن يكون كافيا لدفع إثيوبيا لبدء الحرب.لكن هناك أسباب أخرى قد تدفع إثيوبيا لاتخاذ قرار الحرب مثل تطور مسار الحرب في الصومال ضدها بشكل خطير بسبب الدعم الإريتري، أو تطور عمليات المعارضة الإثيوبية المدعومة من إريتريا إلى حد تهديد سلطة الحكومة أو استقرارها. وحتى في هاتين الحالتين فإن حسابات دقيقة ستحكم القرار الإثيوبي. فإثيوبيا تدرك دون شك حاجتها للدعم السياسي والمادي لأمريكا غير المتحمسة كما يبدو لخيار الحرب ضد إريتريا بسبب تخوفها من أن تؤدي هذه الحرب إلى انهيار الأوضاع في هذا البلد الصغير الذي يحتل موقعا استراتيجيا مهما وأن تحوله الفوضى إلى بؤرة عدم استقرار تأثر سلبا على دول الإقليم بما فيها إثيوبيا، وأن يشكل هذا التطور تحديا جديداً للولايات المتحدة الأمريكية في حربها على ما تسميه بالارهاب.وسيجعل النجاح الاقتصادي، الذي قلنا إنه يرجح كفتها في أية حرب قادمة، إثيوبيا تفكر كثيرا قبل التورط فيها، فهي ما كانت لتحققه لو لا المساعدات والاستثمارات الخارجية الضخمة التي ستتأثر سلبا دون شك فيما إذا دخلت حرباً جديدة. تبقت حالة واحدة يمكن أن تغض فيها الولايات المتحدة الطرف عن هجوم إثيوبي ضد إريتريا أو حتى أن توفر له التغطية الضرورية وهي إذا كان الهجوم بغرض دعم انقلاب أو تمرد داخلي في إريتريا يوفر فرصة حقيقية للتخلص من النظام الحالي دون أن يعرض الدولة للانهيار.* نشرت في إسبوعية إيلاف عدد (151) الإثنين 26نوفمبر 2007م

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى