مقالات

إذا غابت الإرادة غاب الانتصار ..

بقلم /صالح سعيداي همد

لا يمكن الحديث عن الحاضر و المستقبل دون أن يكون التأريخ حاضراً بكل تفاصيله لأن صيرورة التأريخ من حيث التراكم و التحولات النوعية تعطي مؤشر واضحاً على الممكن في إطار المتاح . 

ظل التوصيف و النعت الذي لازم الثورة الإرترية على مر تأريخنا النضالي ( إنها الثورة المنسية ) مما يعني أنها لم تكن محور اهتمام المحيط الإقليمي الذي جاء يمارى رغبات الشعب الإرتري و توالى مع الإمبراطور المقبور و من بعده كانت المواقف مبنية على أسس أيدلوجية أثر صعود نجم اليسار ، و رغم ذلك أنداحت الثورة في الأرياف و المدن و هذا يعني أن الإرادة كانت أقوى من كل الظروف التي أحاطت بالثورة و استطاعت الثورة أن تحقق انتصارات نوعية أحدثت تحولاً لصالحها في مدة زمنية وجيزة هذا بطبيعة الحال أدى إلى التفاف شعبي كبير حولها خصوصاً في الريف الإرتري و هذا بطبيعة الحال أدى إلى إستهداف الريف حيث بدأت المجازر البشعة من بعد منتصف ستينيات القرن عقب تطور المواجهة مع العدو، كما أنه من المعلوم بالضرورة أن انطلاقة الكفاح المسلح كانت بنفر قليل و سلاح و عتاد أقل لأن أعظم شرط للانتصار كان حاضراً (الإرادة) . 

و على الرغم مما شهدته المدن من حياة مدنية و سريان للقانون و المحاكمات وفقاً له و استمرار الحياة الإقتصادية على نحو مرضي إلا أن الثورة كذلك شهدت دعماً كبيراً من داخل المدن رغم خطورة هذا الأمر لأن الشعب الإرتري في قراه و حواضره كان على يقين أن شرارة الثورة التي قدحت في أدال كفيلة بإيصال نضالاته و تضحياته إلى النصر المؤزر و بالتالي هذا جعل الثورة تفكر في تحرير المدن و كانت الانتصارات تترا .. 

و نحن نمر بالعام الأول من العقد الرابع بعد ثلاثة عقود عجاف من بعد الإستقلال الذي حولته طغمة فاسدة إلى (إستغلال) ما زلنا غير قادرين على مواجهة هذا الطغيان بذات الصلابة المعهودة عن الشعب الإرتري ، مع أن كل الاشتراطات التي يمكن أن تكون عوامل انتصار على هذا النظام متاحة و ممكنة . 

1- النظام لا يتمتع بأي مصداقية و بالتالي حتى علاقاته التي نظن إنها وطيدة مع بعض دول الجوار هي علاقات برغماتية قائمة على توظيف الأزمات الداخلية في دول الجوار لصالح بقائه وإلهاء الشعب الإرتري في حروب عبثية أنتجت هجرة الشباب صناع المجد و بناة المستقبل كأفدح خسارة للوطن . 

2- نقمة شعبية كبيرة نتيجة ممارسات النظام القمعية من اعتقالات تعسفية دون أي أسباب و مسوغات قانونية و دون أي تهم حيث يتم الاختطاف في جنح الظلام ، و لعل هذا النهج كان جزء من الممارسات اليومية (للجبهة الشعبية لتحرير إرتريا ) في مرحلة ما قبل التحرير و ظن الناس بعد صمت رصاص المعركة ستنتهي هذه الممارسات الغير مقبولة لأن الشعار الذي كانت تمارس تحت عنوانه هذا الجرائم البشعة كان شعار ( لا صوت يعلو فوق صوت المعركة ) و لكن تعالى صوت الطغيان بعد تحول التنظيم إلى تنظيم للفرد الواحد . 

3- تذمر داخل الجيش الذي لم يشهد عمليات تسريح لفترات طويلة نتيجة الاستدعاء المستمر و المتكررة جراء افتعال النظام لحروب عبثية هروباً من الاستحقاقات المؤجلة. 

4- وجود مواقف واضحة من منظمات حقوقية و عدلية بالضد من ممارسات النظام و بالتالي ضده ، مما يعني وجود موقف سياسي داعم في المحافل الدولية . 

و لعل عوامل الانتصار اكبر و أعظم مما ذكر و لكن كل هذه العوامل تظل ساكنة ما لم تتوفر إرادة سياسية ، و لعل المنطق يقول بأن الذين عليهم قيادة التحول من حالة السكون و الاستسلام للهزيمة النفسية هم من أطروا أنفسهم في عناوين سياسية و حجزوا مقاعدهم في المظلات الجامعة حتى أصابها لأن هذه العناوين ذاتها متكلسة و أغلب قياداتها تمارس النضال بصورة أقرب إلى الترف السياسي منه إلى الاستحقاق النضالي الذي يفترض أن يكون نتاج من يتصدى للقيادة و الريادة و إلا عليهم التراجع إلى الخلف و تسليم الراية لمن هم دونهم من الشباب لأن هذه القيادات افتقدت للإرادة السياسية و بالتالي فقدت في تنظيماتها و الأمر دواليك .. 

برز في أكثر من مرحلة أكثر من حراك شبابي يهدف إلى صناعة الفارق ولكنهم اصطدموا بصخور صماء و لعل سائل يسأل هل هناك من حال دونهم و دون تنظيم ذاتهم ؟؟ و أنا أقول أن العمل السياسي له ضوابطه و أن نسبة من هؤلاء الشباب مؤطرين في تنظيمات سياسية و في ظل القطيعة بين نسبة كبيرة من الشباب و القيادات المقعدة و المٌقعدة للعمل السياسي لو أتيحت فرص لشباب هذه التنظيمات بممارسة حقهم في الصعود إلى لعب أدوار قيادية ربما لشهدت اغلب هذه التنظيمات تحولات نوعية و كبيرة تنقلها إلى دائرة الفعل جراء إلتحاق الشباب برصفائهم المتوافقين معهم و ربما شهدنا تقلص في أعداد هذه التنظيمات جراء ظهور وحدات اندماجية نتيجة الهدف و الرؤية و الرسالة الواحدة لهذا الجيل . 

الإرادة منعدمة في صناعة التحول الديمقراطي ابتداء من هذه التنظيمات لأن أغلب قياداتها من شاكلة الدكتاتور نتيجة لتشبثها بالسلطة حتى الممات ، و من لا تتوفر لديه إرادة في القبول بالتحول الديمقراطي لا يمكن إيهام الشعب الإرتري بأن مناضل من أجل الديمقراطية فأن فاقد الشيء لا يعطيه ترجلوا عن مواقعكم و سيحفظ لكم هذا الجيل كسبكم على قلته و سيقدر جهدكم رغم اعتلاله و هذا سيبعث العافية في جسم المقاومة بعد حقنها بدماء شابة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى