مقالات

إريتريا : جدل الثورة وإرهاق الفعل السياسي العقيم! بقلم / صالح سعد

4-Mar-2018

عدوليس ـ ملبورن

( لقد غاب عن الأذهان أنَّ الحق ملازمٌ للواجب , وأنَّ الشعبَ هو الذي يخلقُ ميثاقَهُ ونظامه الاجتماعي والسياسي الجديد عندما يغير ما نفسه ) مالك بن نبي الكثير من النخب الثقافية والسياسية الإرتيرية تخلط بين مفهوم الثورة اللاحب باعتباره فعلاُ شعبياً وبين الفعل السياسي الناتج من حراك التنظيمات السياسية الذي أُرهِقَ في ماراثونات الاجتماعات والسمنارات والمؤتمرات واعتباره سبيلاً للتغيير المنشود .يغيب عن هذه النخب وهي تعيش أمنيات الثورة والتغيير السياسي في إريتريا حقيقة مهمة جداً وهي = أنَّ الثورة حالةٌ شعبيةٌ لا يمكن أن يصنعها تنظيم سياسي , ولايمكن أن يقف في وجهها نظام حاكم ولكن ينبغي أن تجتمع فيها شروط الحالة الثورية .

فالثورة ليست مجرد انتفاضة شعبية هنا أو هناك , أو مظاهرات أو اعتصامات تجتمع للتنديد بالديكتاتورية ثمَّ ينفض سامرها , إنَّما الثورات تبدأ من تثوير العقول بالتغيير في منظومات الأفكار الحاكمة , فلو رجعنا إلى تاريخ كل الثورات العظيمة في التاريخ الانساني في العالم لوجدناها تتكأ على رصيد ٍ من الأفكار الفارقة وتراكمات الفكر التنويري والتي تشربها الشعوب عبر وسائل التثقيف الشعبية .
هذا يعني أنَّه لابد للثورات من = شرارة فكرية ممهدة للثورة ومصاحبة لها في مسارها باعتبارها دليلاً هادياً لمسيرتها وموجهاً مرشداً لآفاقها المستقبلية , فالثورة ليست مجرد حراك لإسقاط الأنظمة الديكتاتورية , وكذلك لايمكن اختزال مفهومها في سخط شعبي من استبداد النظام الحاكم أوتردي الحالة الاقتصادية وسياسية التجويع والافقار .
إنَّما هي = تحولٌ ثقافيٌ وإرادة جماعية وعملٌ حضاريٌ تنصهر فيه تراكمات التنظير الفلسفي للحرية والعدالة والمساواة , وجُهدٌ إصلاحي سياسي , ومحصلة أحلام الشباب وأشواق المظلومين والمضطهدين والمهمشين , مقصده وغايته تفكيك منظومة الاستبداد وتجفيف بيئته الحاضنة وإقامة منظومة بديلة على المستوى الثقافي والسياسي .
السؤال المرهق هو : لماذا تخلفتْ الحالة الإرترية عن التأثر بثورات الربيع العربي والأرض من حولها تمور غلياناً , وهي تشكل نموذجاً بائساً وقاتماً للديكتاتورية والعزلة عن العالم ؟لا أزعم أني أملك جواباً هو كلمة الفصل في الموضوع ولكن يمكن القول بأن الحالة الإرتيرية لها خصوصيتها التي ينبغي تفهمها وهذه بعض المؤشرات لتخلف شروط الثورة عن الحالة الإرتيرية : أولاً : أنَّ حالة الانسداد تعاني منها إريتريا نتيجة سياسات النظام الحاكم القابض والمتحكم في كل شيء ولد حالة احباط ويأس وهذه الحالة وان كانت هذ الحالة شرطاً لازماً لاندلاع الثورات واشتعال فتيلها , إلا أنَّ الثورات تحتاج أيضاً إلى الشعور بقوة دافعة نحو التغيير والأمل في التغيير , فالثورات تولد من الأمل لا من اليأس كما ذهب إليه المؤرخ الأمريكي كرين برايتون في كتابه ( تشريح الثورة ) .
صحيح أنَّ عمق الإحساس بالظلم وعمومه في المجتمع شرطٌ سابقٌ للثورات , الا أنه لابد أن يتحول إلى أمل في التغيير والإيمان بإمكانيته وهو الحلقة المفقودة في الحالة الإرتيرية .ثانياً : جدل الداخل والخارج حيث إنَّ غالبية القوة الواعية والحية من الشباب تعيش في أرض المهجر بعيداً عن الوطن مسرح العمل التغيير الحقيقي والفعلي , ومن المنطقي القول بأنَّه لا توجد ثورة على مدار التاريخ قامت في الخارج وصدرت إلى الداخل لتحدث التغيير المنشود , الحالة الإرتيرية حالة نشاز لامثيل لها في هذا العالم فسياسة التفريغ للعنصر الشبابي تطيل عمر الديكتاتورية ونظامها القابض .
ثالثاً : أنَّ النخبَ الثقافيةَ العَالِمة قد استهلكت في عمل سياسي عقيم مدار حراكه خلال العقود الثلاثة منذ إعلان استقلال إريتريا في التنظيمات السياسية التي أدمنت متلازمة الانشقاقات والانشطارات والدوران في حلقة مفرغة من العيش في مشاكل تجربة الثورة الإرتيرية وأزمات تجربة جبهة التحرير وماتولد منها من فصائل وتنظيمات سياسية , أو تنظيمات سياسية هي إفراز للفرز الديني / الاجتماعي/ المناطقي .
هذه النخب كان المأمول منها أن تكون المحرك الفعلي للحراك الشعبي من خلال تحولها إلى قيادات شعبية وازنة محل ثقة الشعب بمختلف فئاته , بدلاً من أن تكون مجرد تروس في عجلة التنظيمات ووقود للصراعات الحزبية والتنظيمية العبثية .
رابعا ً : الفجوة القائمة بين قطاع عريضٍ من المجتمع والتنظيمات السياسية والتي اختلطت لديها أولويات المرحلة السياسية فبدلاً من تبنيها مشروع مقاومة سياسية يكون الشعب – وغالبية الشعب غير منتمي لتلك التنظيمات – قطب رحاها انشغلت بحراك سياسي لا يتجاوز العمل التنظيمي الرتيب , وصناعة مظلات سياسية تتنافس فيها على مقاعدها والسيطرة عليها وفق نظريات المحاصصة في خلطٍ بائسٍ بين مرحلتي المقاومة والمعارضة = المجلس الوطني نموذجا.
زبدةُ القول وخلاصتُهُ : أننا في حاجة إلى لإعادة تركيب العقل الجمعي الإرتيري بعيداً عن ماكينة الاجترار التاريخي للتجربة الوطنية وإعادة تدوير انشقاقاتها , وفي المقابل نحتاج إلى الفصل الواضح بين مفهومي المقاومة والمعارضة , فالمقاومة فعلٌ ثوري ُوالمعارضة فعلٌ سياسي يستلزمٌ وجود الاستقرار السياسي والدستوري وه سابقٌ لأونه في الحالة الإرتيرية .
كسرة :
( إنَّ السياسة التي تجهلُ القوانين َ الأساسية لعم الاجتماع وهو الذي يعتبر علم بيولوجيا البنى التحتية والأجهزة الاجتماعية ليست إلا ثرثرة عاطفية ولعباً بالألفاظ وطنطنة غوغائية ) ــ
مالك بن نبي ــصالح سعد
للتواصل : smusaa75@gmail.com

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى