مقالات

الأستاذ محمد سعيد ناود مؤرخا : هارون ادم علي

4-Feb-2011

المركز

قدمت الورقة في ندوة (ناود.. مسيرة حافلة بالعمل السياسي والثقافي والفكري) التي اقامها مركز البحر الأحمر للدراسات والبحوث بالتعاون مع المركز الإريتري للخدمات الإعلامية يوم 29 يناير 2011م بالخرطوم ،فإلى الورقة:

مـدخـل:الراحل الأستاذ محمد سعيد ناود سياسي وأديب ومؤرخ ارتري – سوداني غني عن التعريف ، تعرفت به لأول مرة عام 1988م بمدينة جدة في المملكة العربية السعودية عبر لقاء قصير ، فوجدته رجلا هادئ الطبع في قمة التواضع والاحترام يسلم عليك بترحاب حار كأنه يعرفك من قبل ويستمع إلي محدثه باهتمام كبير وابتسامة لا تفارق وجهه رغم مسحة الحزن العميق الذي يدل علي ما يحمله الرجل من هموم شعبه وقضية بلاده أين ما حل وكان أن أوصانا ونحن مجموعة من طلاب الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة بضرورة الاهتمام بالقضية الوطنية في منا شطنا الطلابية خاصة كتابة البحوث عن قضية الشعب الارتري ومعاناته فكانت كلمته هذه خير حافز لنا لرصد جائزة البحوث الصيفية حول القضايا المشار إليها في إطار التضامن الإسلامي لطلبة ارتريا في المملكة آنذاك. ولاشك أن رحيل ناود المفاجئ مثل صدمة عميقة للشعب الإرتري وفقدا جللا لواحد من جيل الآباء المؤسسين لمسيرة النضال الإرتري بعد أن ترك الكثير من الإرث النضالي والفكري لأبناء وطنه فهو إن رحل عنا بجسده باق بيننا بعطائه الفكري ، وما خلفه للأجيال من مؤلفات قيمة وتجارب نضالية ثرة واذا كان في تاريخ الشعوب رجال أفذاذ يستدل علي عظمة أوطانهم وشعوبهم بتاريخهم وانجازاتهم فان الأستاذ ناود كان واحدا من هؤلاء العظماء الذين سطروا تاريخ ارتريا المعاصر بأحرف من نور.ناود مؤرخاً:- التاريخ علم من أهم العلوم الاجتماعية التي اصبحت أداة لتوجيه الشعوب وقيادتها بالتعرف على خصائصها وعاداتها وبعث الهمم في النفوس والتآسي بالاولين والاستفادة من تجاربهم والاتعاظ بعبرهم ودروسهم والتعرف على السنن الربانية في الكون واسباب رقي الامم وسقوطها هذا فضلاً عن أن دارس التاريخ بالتعمق يكتسب ملكة النقد والتحقيق وربط السبب بالنتيجة ودقة التحليل للاحداث ومعرفة دوافعها مما يسهل له فهم الحاضر واستشراف آفاق المستقبل على علم وبصيرة بمعالم تاريخ الانسانية وكيفية بناء الامم، ومن ثم ظل الأستاذ ناود رحمه الله مهتما بالتاريخ وملازما للاهتداء به في كتاباته وتحليلاته السياسية وإضاءة الأحداث وصناعة التغيير في المنطقة لاسيما المجتمع الارتري ونضاله المرير ضد الاستعمار والجهل والتخلف ولم يكن اهتمام ناود وحبه للتاريخ يقف عند حد التوثيق للأحداث التاريخية فحسب وإنما كان يؤرخ للحضارة الإسلامية بأسرها في مظاهرها ودلالاتها مدافعا عنها مجليا صفحاتها الناصعة ومثبتا عراقتها في أفريقيا إذ يبدو أن ناود من خلال تجاربه الكثيرة واطلاعه الواسع قد استوعب أهمية التاريخ وعبره في تطوير الوعي الوطني وإحداث الثورة الإصلاحية في المجتمع بحسبان إن التاريخ ليس ماضيا فحسب بل هو بداية لصناعة الحاضر وبناء المستقبل المنشود حيث أن الأمة التي تفتقد خاصية التأمل والاستفادة من تاريخها هي امة متخلفة في حياة الأمم والشعوب ورقيها وفاقدة للثقة بنفسها ومن ثم أخذ ناود على عاتقه مهمة كتابة التاريخ الارتري الحديث الذي أصبح مدار اهتمامه في مؤلفاته منذ وقت مبكر أثناء فترة النضال المسلح رغم كثرة الأعباء ومتاعب البحث والنشر لأمثاله في تلك الفترة وحتى في دولة حديثة كإرتريا بعد الاستقلال في ظل تحديات كثيرة ومؤامرات على تشويه التاريخ الإسلامي وتزييفه وطمس معالمه ، فكان قلم ناود السلاح الذي تصدى بقوة لمجابهة هذه التحديات والمؤامرات ، كمشروع لنشر التاريخ الارتري بصورة نقية ومضيئة مع تأصيله وتأكيد جذوره وارتباطه بتاريخ وقضايا شعوب المنطقة عربيا وأفريقيا ، وهذا ما يسترعي انتباه القارئ لكتابيه العروبة والإسلام بالقرن الأفريقي وارتريا طريق الهجرات والديانات ومدخل الإسلام إلي أفريقيا وذالك بأسلوب جميل يتسم بالوضوح مع مرونة الطرح وسعة أفق الباحث التاريخي وعمقه في استقصاء الفكرة وتأصيلها كما أشار إلي ذلك الاستاذ يوسف عبد الرحمن رئيس تحرير مجلة العالمية في الكويت عند تقديمه لكتاب ناود ارتريا طريق الهجرات قائلا (لقد استطاع الأخ الباحث محمد سعيد ناود بقلمه الرصين إن ينقلنا تاريخيا وجغرافيا واستراتيجيا إلي بلده ارتريا عبر المداد الصادق ليتعرف القارئ الكريم علي الدور الذي قام به بلده ارتريا في انتقال الديانات والهجرات والثقافات والحضارات) إذ ركز ناود في مؤلفاته التاريخية علي عراقة الثقافة العربية الإسلامية في ارتريا الأمر الذي لا يعجب النظام الحاكم في ارتريا مما عرضه لكثير من المتاعب والمخاطر أهمها محاولة الاعتداء عليه جسديا في رسالة موجهة إلي كل أصحاب الفكر والأقلام الحرة بالإرهاب أو النفي من البلاد عاجلا أو آجلا متى ماتخطوا الخطوط المرسومة لهم على هامش الحرية المزعومة هنالك.منهجه:- يتميز منهج ناود في التعامل مع مصادر مؤلفاته التاريخية وطريقة توثيق نقوله بالاعتدال من حيث الإكثار أو الإقلال إذ يتبع في الغالب منهج الطريقة الاستقرائية الاستنتاجية للوصول إلي النتيجة أو الحكم تأييدا أو نقدا كما لم يكن ناود يكتفي بجفاف الحدث التاريخي في كتاباته دون تحليل أو تفسير وانما يضيف إليه تفسيرات وتحليلات جميلة خاصة أن التاريخ الارتري قد كتبه الاوروبيون الأجانب وما كتبه الارتريون إستنادًا إليهم يحتاج الي كثير من التوضيح والتفسير والتحليل والنقد و مما يتميز به منهج ناود بعده عن التحيز والأهواء حتى في توثيق تجاربه الشخصية كما في كتابه حركة تحرير ارتريا الحقيقة والتاريخ الذي ضمنه نضاله المرير في خدمة تحرير بلاده وخاصة تصوراته وملاحظاته للنضال السلمي والعمل السياسي في ارتريا وهو كتاب هام يدل علي عظم الجهد المبذول من المؤلف في تلك المرحلة الحرجة من عمر القضية الارترية وتراث ناود التاريخي عموما يحتاج إلي اهتمام ونشر وإبراز لكتبه الأخيرة إلي المكتبات حتى يعرف القراء والأجيال الجديدة في ارتريا تاريخ بلادهم وما خلفه الاستاذ ناود من التنوير الفكري والكتب التاريخية القيمة حيث يعد نشر وإعادة طباعة هذه الكتب نوعا من الوفاء لأهل العطاء من جيل الرواد والرموز الوطنية التي ساهمت بفاعلية في التعريف بإرتريا شعبه ونضاله و مع تقديرنا لجهد ناود وتثمين انجازاته في توثيق التاريخ الارتري المعاصر في ظرف استثنائي صعب- انعدام حرية الرأي- نجد أنه قد حاول باستماتة وتسابق مع الزمن إصدار عدة كتب مؤخرا لم تظهر إلا في موقعه علي الانترنت (ناود للكتاب) نذكر منها :1.تاريخ الطريقة الختمية في ارتريا. 2.شخصيات ارترية .3.العلاقات العربية الارترية.4.التاريخ المشترك بين ارتريا ودول الجوار .5.من أمثال الشعوب مع المقارنة بأمثال ارترية.6.الإستعمار الإيطالي وممارساته في ارتريا وعموم المنطقة. في ختام هذه الورقة الموجزة عن عطاء ناود التاريخي نتمني أن تري هذه الكتب النور لتعم الفائدة كما نرجو من المثقفين الارتريين ومراكز الدراسات وكل محبي الراحل ناود إقامة تأبين يليق بمقامه ومكانته السامقة مع مرور عام علي رحيله تقديرا لعطائه الزاخر وما كان يمكن أن يجود به قلمه السلس و ذاكرته المتقدة في توثيق التاريخ الارتري المعاصر قبل أن تدركه المنية إذ يكفيه أنه ساهم بمؤلفاته وكتاباته في إحياء الوعي بالتاريخ وأهمية التوثيق في مجتمع يغلب عليه التداول الشفهي للتاريخ وارتفاع نسبة الأمية كإرتريا حيث ظهر العديد من المؤلفات التاريخية وكتب المذكرات الشخصية للارتريين في السنوات الأخيرة بعد كتب ناود التاريخية مما يدل علي الاستفادة من مبادرته في توثيق الأحداث التاريخية منذ تأليفه لكتابه حركة تحرير ارتريا الحقيقة والتاريخ وغيرها من الكتب الاخري،إذ ظل ناود أديباً ومؤرخا صاحب تعبيرات متميزة لا يترك شاردة ولا واردة من معلومة تفيد القارئ إلا وتجده قد أوردها في كتاباته ، ومن ثم نستطيع القول بأن الأستاذ ناود كان رائد مدرسة متفردة في كتابة التاريخ والإبداع الأدبي ومن ثم لا غرابة أن تكرٌمه وتحتفي به قبل وفاته مؤسسة البابطين للإبداع الشعري بالكويت كما لم يكن جهود ناود مقتصرة على التأليف فقط بل كان له إطلالات عبر الإذاعة والتلفاز في إرتريا من وقت لآخر حول قضايا تاريخية مشِّكلاً حضوراً ساطعاً بأفكاره المرتبة ومنطقه التحليلي وطلاقة لسانه وقراءته للواقع ببصيرة نافذة وإنحياز للحقيقة دائماً وأبداً مما يجعل المشاهد أو المستمع يمتلئ فخراً وإعتزازاً بهذا المثقف الأديب المؤرخ المهموم بقضايا وطنه وشعوب المنطقة في مرحلة حرجة من تاريخ البلاد أحوج ما يكون فيه الشعب الإرتري وجيرانه إلي أقلام وطنية جريئة وصادقة مثل قلم ناود وهمته العالية وثقافته الواسعة . حيث ظلت قضية الإنسان الإرتري تأريخه وتراثه وأدبه ومعاناته محور كتاباته .ألا رحم الله الفقيد محمد سعيد ناود الذي عاش ينافح عن قضية بلاده وتأريخه حتى الرمق الأخير من حياته وسيظل انتاجه ملهماً للادباء والمؤرخين والأدباء الإرتريين من بعده كما ستظل مؤلفاته عنواناً لوعي وأصالة كاتب ومؤرخ كبير إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها .redseac@gmail.com

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى