مقالات

الأستقلال : بين يأ س وأمل … و مهام لم تكتمل !؟ 1-2:عمر جابر عمر

13-May-2011

المركز

الحلقة الأولى : الحلم والواقع
تحل علينا هذه الأيام ذكرى أستقلال أرتريا وتحريرها من الأستعمار الأثيوبى – وهى ذكرى عزيزة على قلب كل أرترى وأرترية وحلم عاش فى ذاكرة الأجداد والآباء وحققه الأبناء بعد نضال مرير وطويل.ومن عاش أيام ما بعد التحرير وحتى الأستقلال يذكر تلك الفرحة فى وجوه الأطفال والدموع فى عيون الأمهات وهن يتذكرن الشهداء – وخارجيا كنت ترى التقدير والأحترام من شعوب العالم والذى كانوا يعبرون عنه كلما ألتقوا أرتريا و يرفعون له شارة النصر ويقولون : عشرة على عشرة ! ذلك الزخم الوطنى وتلك المشاعر الجياشة تراجعت بل كادت أن تتلاشى …الشعوب عندما تحتفل بذكرى أعيادها الوطنية فهى تفعل ذلك ليس لأسترجاع الذكرى وأجترا رها ولكنها تعتبرها وقفة مع الذات لمراجعة المسيرة وتقويم ما تم أنجازه على الأرض ومقاربته بما كان يشكل حلمهم وطموحاتهم. السؤال هو – لماذا كان الأستقلال أصلا ؟ لماذا نا ضل الآباء والأجداد من أجل الأستقلال ؟

لماذا أستشهد ( كبيرى ) ورفاقه ولماذا ناضل أعضاء الحركة – ولماذا خرج عواتى ورفاقه ولماذا أعلنت جبهة التحرير الكفاح المسلح ؟؟ لماذا ناضل الشعب الأرترى وقدم التضحيات ولماذا دخل الجيش الشعبى العاصمة الأرترية معلنا تحرير البلاد من المحتلين ؟ هل كان كل ذلك من أجل أشباع الحاجات البشرية الطبيعية من طعام وشراب ؟ ذلك كان متوفر منذ الأحتلال الأيطالى … هل من أجل الرقص والغناء كما يفعل النظام الحالى ؟ ذلك كان برنامج الأحتلال الأثيوبى لأ لهاء الشعب الأرترى … هناك مبادىء وأهداف محددة ناضل من أجلها الشعب الأرترى وقدم فى سبيلها التضحيات وهى لا يمكن تحقيقها الا بأنجاز الأستقلال .أولا – الهوية … تأكيد هويتنا الوطنية المختلفة عن تلك التى حاولت قوى الأحتلال فرضها علينا –الهوية ليست عنوانا فقط بمعنى أن نكتفى بكتابتها على جواز السفر – بل لها مضامين ومحتوى ومقومات اذا غابت أصبحت الهوية مزيفة وغير حقيقية. تلك الهوية الحقيقية لها مرتكزات ومكونات أهمها :1- أن تنطلق من الذاكرة الجمعية للشعب – أى أن تعبر عن التاريخ المشترك والقراءة الموحدة لما ضينا والتصور المشترك لمستقبلنا. هذا الركن غائب تماما اليوم من برنامج الدولة الأرترية – تم تزوير التاريخ وأصبح الشعب الأرترى فى معظمه معارضا أو مهاجرا فى بلاد الدنيا الواسعة ومن بقى فى الداخل فهو مكبل ومقيد ومجبر على قبول ما تمليه عليه السلطة الحاكمة.2- الثقافة – هذا ركن أساسى من أركان تأكيد الهوية – بعد الأستقلال تم فرض ثقافة واحدة ولغة قومية واحدة على بقية مكونات الشعب الأرترى . هذا ليس أستلاب فحسب بل هو تهجين ثقافى وتذويب لكل القوميات فى قومية واحدة ( حادى هزبى – حادى لبى ) !؟3- الدين …وهذا مكون آخر من مكونات الهوية – تم محاصرة ومطاردة المعلمين فى المعاهد الدينية الأسلامية وأعتقا لهم وحتى الناجحين والمتفوقين من أبناء الطائفة الأسلامية ( رجال الأعما ل – أطباء – صحفيين الخ )وحتى أبناء الطائفة المسيحية المعارضين تعرضوا للمطاردة والتهميش – أصبح الدين كله أداة من أدوات تثبيت السلطة والسلطان .3- الأمن من الخوف … المواطن يبحث عن سلامة نفسه وبيته وأهله – اذا أفتقد ذلك أما أن يترك البلاد ويهاجر وأما أن يعيش فى رعب دائم يعطل قدراته الأنتاجية وأستمرار حياته الطبيعية.الشعب الأرترى منذ الأستقلال فى حالة رعب دائم : أكثر من عشرة آلاف معتقل دون ذنب أو محاكمة – لا يعرف من مات منهم ومن بقى على قيد الحياة — ومن هاجر غرق فى البحار وتاه فى الصحارى وأصبحت أعضاء جسده سلعة رابحة لتجار تهريب البشر. رئيس النظام ومستشاره يقولان أن المخابرات الأمريكية هى السبب وراء هجرة هؤلاء – لماذا ؟ من أجل أفراغ أرتريا من شعبها والتمهيد لغزو ( ويانى ) وعودة الأحتلال الأثيوبى !؟ — حسنا وماذا فعل النظام أذا كنا نصدق هذه الأكذوبة ؟ ما ذا فعل حتى يحمى البلاد والعباد من هذه المؤامرة ؟ لا شىء – أنه يكذب على الله والوطن ولا يرف له جفن. أكثر من مأئة ألف لاجىء بعد الأستقلال – بلد يصبح طاردا لشعبه لا يمكن أن يفخر ويحتفل بأستقلاله.4- الممارسة الديمقراطية … الحقوق والواجبات – دولة القانون والحكم الرشيد – ذلك كان الحلم …كان ملك أيطاليا يعين من يمثله لأدارة شئون مستعمرة أرتريا – أمبراطور أثيوبيا كان يعين ممثله لأدارة شئون ( أقليم أرتريا ) – كانت هناك ( مرجعية ) حتى وأن لم تكن لها شرعية …اليوم ( أسياس أفورقى )قام بتعيين نفسه رئيسا دون تفويض أو مرجعية ( أنا الدولة ومن غيرى لا وطن لكم ولا أستقلال ) !؟هذا ما يعلمونه للشبيبة – أما الشعب فهو غائب ومغيب كما كان فى العهود السابقة…المأساة أن الشعب الأرترى هو من الشعوب الأفريقية القليلة التى عرفت بتجاربها وأبداعاتها فى سن القوانين والألتزام بها منذ عهود بعيدة … هذا الشعب اليوم هو الشعب الوحيد فى العالم الذى يعيش بلا دستور ولا قوانين !؟5- الكرامة الشخصية والأعتزاز بالنفس – الوطن ليس ( جغرافيا ) جامدة – أى مجرد جبال ووديان وسهول وأنهار – ذلك قدره وتلك حظوظه الموروثة – ولكن هناك ما يصنعه الأنسان ويبدعه ويغير به ذلك الميراث. الأستقلال قيمة سياسية وتاريخية تطلق كل ملكات وطاقات الأنسان – يبدع ويتطور ويتواصل مع محيطه ويؤثر ويتأثر بما يجرى حوله فى العالم – بعبارة أخرى يؤكد ذاته ويصبح ( وجودا ) يحترمه الجميع ويكون أضافة أيجابية وحقيقية لكفاح البشرية من أجل السلام والعدالة ومن أجل جعل هذا العالم مكانا أفضل للعيش والتآخى بين الشعوب . دولة أرتريا اليوم ليست عاجزة عن الأسهام فى ذلك كله فحسب بل وأصبحت عا ملا مضادا لتلك القيم والمثل. أصبحت معزولة عن محيطها الأقليمى والدولى ومطاردة من المجتمع الدولى وتحاصرها قرارات الأمم المتحدة وترثى لحالها الشعوب التى أستبشرت بميلادها.لم يعد هناك من حلفاء للدولة الأرترية غير بعض القبائل المتمردة فى جنوب السودان ودار فور وعصابات تهريب البشر من الرشايدة.6- التربية والنموذج …الشعوب حديثة العهد با لأستقلال تراهن فى نجاحها لأزالة التركة الأستعمارية على الأجيال الناشئة – لذا فأن تربية الأجيال فى الأتجاه الصحيح هو الضمانة للنجاح فى المستقبل. ذلك يتطلب نشر وغرس مفاهيم تعكس تاريخ النضال الوطنى بمصداقية وشفافية كاملة – خلق وتكوين الذاكرة الجمعية المشتركة وليس تربية الأستئثار والتهميش والأقصاء. منذ أيام شاهدت فقرة فى برنامج بثه التلفزيون الأرترى عن تاريخ الثورة ؟ بد أ بواحد يقول لصبية دون العاشرة أنه سيعلمها تاريخ الثورة وأمامه فرقة موسيقية تعزف لابراز ملامح كل مرحلة من خلال ترديد أغانى وعرض مواقف … أستبشرت خيرا بالمقدمة وانتظرت المحتوى : بعد أشارة سريعة وخجولة الى أبراهيم سلطان قفز الى الكفاح المسلح – لا ذكر لعواتى ولا جبهة التحرير … ثم فجأة الحديث عن ( القوى الديمقراطية ) داخل الثورة وكيف أستطاعت تطهيرها ثم التحرير …بقيادة الجبهة الشعبية !؟ لا ذكر لنضال أى فصيل وحتى التعبير عن مساهمات مكونات الشعب الأرترى فى مرحلة الثورة فهى لقومية واحدة وحتى أناشيد جبهة التحرير بالتقرنية هى التى تم تقديمها دون أشارة الى المصدر !؟ وبعد التحرير – مشهد دخول الثوار الى أسمرا – الرقص والغناء للقومية المختارة وأما البقية ( تعرفهم من الملابس والملامح ) مجرد كومبارس يصفقون ويهللون !؟ هذا هو الجيل الذى يشرف على تربيته يمانى قبرآب نقلا عن وتقليدا للتجربة النازية – الأيمان بالقائد المنقذ والمنتصر والملهم !؟ ذلك ما كان ينقص الشعب الأرترى وكأنه لم يعانى من قياصرة وفراعنة وأبالسة ؟تلك ( القوى الديمقراطية ) التى تحدث عنها العرض التلفزيونى هى نفسها التى قتلت وأعتقلت دعاة الديمقراطية والمطالبين بها بعد الأستقلال – سواء كانوا من الفصائل الأرترية الأخرى أو حتى من داخل الجبهة الشعبية ( مجموعة 13 ومجموعة 15 ) وانتهى الأمر الى تسلم مجموعة للسلطة تؤمن بفكرة وهوية وتوجه أنعزالى ( نحنان علامانا ) ولا تختلف عن أنظمة الفراعنة التى سقطت أو فى طريقها للسقوط…7-التنمية – فشل دائم ومتكرر فى كل المجالات – التعليمية والصحية والأنتاجية – السبب هو غياب التنمية فى الموارد البشرية وغياب الديمقراطية هو أبرز مظهر من مظاهر ذلك الخلل. ميزانية المغامرات العسكرية أكثر من 6%فى حين أن ميزانية الخدمات الصحية هى أقل من 2%.تجنيد كل من هو دون الأربعين – من سيقوم بالزراعة والرعى والعمل فى المصنع !؟ الغريب أن فى دولة الشعبية هذه لا توجد خطط خمسية أو عشرية …! مرة سألوا رئيس النظام عن خطة المرحلة القادمة – ضحك وقال : نحن لا نضع خططنا لمرحلة مؤقتة – كل شىء ( دائم ) !؟ وتلك كانت المرة الوحيدة التى كان فيها صادقا – فهو رئيس دائم ورفض الديمقراطية سياسة دائمة والمعتقلون يبقون فى السجن بصفة دائمة … وحتى اللاجئين يبقون فى السودان الى الأبد على حد تعبير وزير خارجية النظام !؟ أنه نظام مسكون بنظرية ( الخلود ) فى الدنيا وليس فى الآخرة – مرة سألوا رئيس النظام متى سيتقاعد ؟ قال أنه سيعيش مأئة عام – فى أنتظار أكتشاف أكسير للحياة يطيل من عمر الأنسان !؟8- من الأقوال المأثورة فى الذاكرة الجمعية للشعب الأرترى : الأيطاليون كانوا يقولون لنا يمكن أن نأكل ولكن لا يجب أن نتكلم – الأنجليز قالوا لنا تكلموا ولا تأكلوا – الأثيوبيون قالوا لا تأكلوا ولا تتكلموا …!أما النظام الدكتاتورى اليوم فى أرتريا يقول : لا تأكلوا ولا تتكلموا ولا تتحركوا الا بتعليما تنا – نحن سنعلمكم الكلام وكيف تتكلمون وحتى كيف تأكلون – أمرحوا وأفرحوا وأنتم تعساء – هللوا وأرقصوا وأنتم مكبلون ومقيدون ! أما ما تبقى أتركوه للقائد – هو يفكر نيابة عنكم ويقرر بأسمكم ويضعكم فى السجن أن شاء ويهجركم الى بلاد الدنيا الواسعة أذا أرا د !؟ ما أنتم الا … ماذا قال القذافى ؟9- الحروب العبثية التى شنها النظام ضد دول الجوار أستهلكت طاقات بشرية كان الوطن بحاجة اليها — أكثر من عشرين ألف شهيد ! أضافة الى الخسارة السياسية والمادية وسمعة البلاد خارجيا وتمزق النسيج الأجتماعى فى المجتمع الأرترى.لم يبقى من مظاهر وأنجازات الأستقلال غير علم يرفرف فوق مبنى الأمم المتحدة فى نيويورك وآخر فوق مبنى الأتحاد الأفريقى فى العاصمة الأثيوبية يذكر العالم بوجود دولة أسمها أرتريا وذلك للتسجيل فى الأرشيف فقط – أما على الأرض فلا منجزات ملموسة ولا أحلام تحققت ولا أهداف ومبادىء تجسد تتلك هى المهام التى لم تكتمل – أعطاء الأستقلال مضامينه الحقيقية : العدالة والمساواة والديمقراطية …وحتى يتحقق ذلك سيكون الأحتفال بذكرى الأستقلال هو تجديد عهد ووعد لأكمال المهمة.وهذه قصة حقيقية رواها أحد القادمين من أرتريا منذ أيام تعكس مشاعر المواطن العادى تجاه الدولة :كان أحد قيادات الجبهة الشعبية العليا ( سابقا ) يسير بسيارته فى الطريق فأشار له مواطن يقف فى أنتظار من يساعده على الأنتقال …توقف المسئول السابق وحمله معه فى السيارة – وبدأ الحديث كالعادة عن الأحوال وكيف هى ..؟ عبر المواطن عن تذمره الواضح وقال بالحرف – أن هذه الدولة ليست دولتنا – لا نصيب لنا فيها ولا حقوق !؟ قال المسئول المتقاعد – لماذا لا تطالبون بحقوقكم ؟ أجاب المواطن : لأننا هرمنا …! ولكن القائد السابق قال له : أليس لكم أبناء ؟ قال المواطن – من قال كلمة الحق منهم فقد حياته أو عاش خلف القضبان أو هاجر من البلاد …ولكن المسئول السابق يبدو أنه كان فى حالة مراجعة ذاتية للنفس وأختبار لمكانته بين قومه فقال للمواطن : ولكن هناك أشخاص أمثال فلان ( وذكر له أسمه ) يمكن أن يساعدونكم ؟ قال المواطن دون أن يلتفت اليه – هؤلاء ضحايا الختان العقلى الذى مورس عليهم – فقدوا القدرة على الفعل منذ وقت مبكر وأصبحوا مغفلين نا فعين …!؟ توقف المسئول السابق عن القيادة وقال له أنا هو ( فلان ) ؟ولكن المواطن لم يكترث لهذا التوضيح وقال له دون أن يلتفت اليه : يرحمكم الله ويغفر لكم !!ويبدو أن هذا المسئول السابق قد لازمه سوء الحظ حيث أصبح يخرج من موقف محرج ليجد نفسه فى آخر – فقد صادف أن كان فى مناسبة أجتماعية مؤخرا فى أحدى الدول الخليجية وألتقى أحد أصدقائه القدامى منذ عهد الدراسة فحاول أن يقوم بتسويق للنظام وقال لصديقه : متى نراكم معنا فى البلاد ؟ ولكن لسوء حظه كان يجلس الى جانب صديقه القديم أبنه الشاب وهو من شباب التغيير النشطاء فبادر وقال :قريبا أن شاء الله … أقرب مما تتصورون !؟كان الله فى عون الشعب الأرترى._________________________*كاتب وسياسي ارتري مقيم في استراليا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى