مقالات

الإريتريون في مصر.. جذور تاريخية زرعتها الملكة الفرعونية حتشبسوت

27-Oct-2010

المركز

القاهرة – دار الإعلام العربية
على امتداد تاريخهما، استقبلت مصر الآلاف من أبناء “إريتريا” في مدارسها وجامعاتها، كما عاش في عاصمتها العديد من رموز إريتريا مثل الزعيم المؤسس إدريس محمد آدم، والشاعر عبدالرحمن سكاب الذي كان عضواً في جماعة “أبوللو الأدبية”.

بهذه الكلمات بدأ حبيب محمد عثمان، المستشار الإعلامي بالسفارة الإريترية في القاهرة، حديثه إلى “العربية.نت” حول التواصل الشعبي بين أبناء إريتريا وإخوانهم المصريين. وأشار إلى أن علاقة الشعبين الإريتري والمصري متميزة ومتجددة عبر التاريخ، حيث توجد في مصر جالية كبيرة، ويعتبر مقر اتحاد الطلبة الإريتريين بشارع شريف بقلب العاصمة المصرية -والذي افتتح عقب قيام ثورة 23 يوليو/تموز 1952– معلماً إريترياً مهماً في مصر، ويعتبر بمثابة الدار الجامع للإريتريين وليس الطلاب فقط.ذهب وعاج وبخور للملكةوأوضح حبيب أن العلاقات الاجتماعية بين الشعبين ذات عمق تاريخي وجغرافي حيث توطدت منذ التاريخ القديم، واستمرت حتى الآن علاقة متميزة، فيذكر التاريخ أن الملكة الفرعونية حتشبسوت كانت ترسل بواخرها إلى ما يسمى بأرض “البونت” التي تعرف حالياً بـ”إريتريا” لاستيراد البضائع الثمينة مثل الذهب والعاج والبخور.وعن أحوال الإريتريين في الشارع المصري أوضح: “نحن لا نحس بأننا غرباء، بل نتعايش مع مجتمع يشبه مجتمعنا على المستويين التكافلي والاجتماعي، لاسيما أن الإريتريين يعشقون مصر لأنها ارتبطت في أذهانهم بالأزهر الشريف والكنيسة المصرية القديمة، وهي بالنسبة لنا منارة علمية وثقافية، فضلاً على انطلاق الحركة الوطنية الإريترية من أرضها بإنشاء أول تنظيم لمواجهة المستعمر، واستضافتها للزعامات السياسية الوطنية في فترة النضال وتقديم كل المساعدات المطلوبة للطلاب الإريتريين الذين كانوا يتوافدون ومازالوا حتى الآن للدراسة بمصر من خلال منح دراسية”.استقبلت مصر العديد من الإريتريين في مدارسها وجامعاتهاوعلى الرغم من أنه لا توجد أرقام دقيقة حول أعداد الإريتريين في مصر، إلا أن تواجدهم منذ آلاف السنين يؤكد عمق هذا التواجد، الذي بات ملموساً بشدة فور قيام ثورة 1952، حيث حرص الرئيس المصري الأسبق جمال عبدالناصر على الانفتاح على جميع الشعوب العربية والإفريقية، فبدأت الجالية الإريترية القديمة بالطلاب الذين كانوا يأتون للدراسة في الأزهر الشريف والجامعات والمدارس المصرية، وهؤلاء عاش أغلبهم بعد الدراسة في مصر لظروف الاحتلال الذي كانت تعاني منه بلادهم. وتزوج أغلبهم من مصريات، ومن هؤلاء القدامى الشيخ إبراهيم المختار أول مفتٍ في إريتريا، الذي درس وعاش في مصر، بل وعمل فيها قاضياً في المحكمة الشرعية بمنطقة “باب الخلق” المصرية.أيضاً المفتي الحالي في إريتريا الشيخ عثمان الأمين تعلم وعاش في مصر سنوات طويلة، وكثير من الأسر الإريترية التي قدمت إلى مصر خلال عقود مختلفة جاءت من مدينة “مصوع” خلال وصاية الحكم التركي، وعندما أصبحت تحت الحكم الخديوي المصري كان تحرك الإريتريين إلى مصر طبيعياً وكأنهم في ظل دولة واحدة.وخلال فترة حق تقرير المصير بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وفد إلى مصر أعداد كبيرة من الشباب الإريتري للدراسة وعاشوا فيها وتزاوجوا وتصاهروا مع المصريين، وانصهروا في مجتمعهم.والنموذج الأمثل أن سفير إريتريا بالقاهرة حالياً هو “فاسيل جبر سلاسي” جاء والده إلى مصر في الأربعينات وتزوج من مصرية أنجب منها العديد من الأبناء من بينهم السفير الحالي، ما يدل على مدى التفاعل والتداخل الاجتماعي بين الشعبين.علاقة الشعب الإريتري والمصري متميزةوتزايدت العلاقة قوة ومتانة باستمرار، فكانت مصر ملاذاً للعديد من الزعماء السياسيين مثل الشيخ إدريس محمد آدم والشيخ إبراهيم سلطان والسيد ولد أب وغيرهم.وفي بداية الستينات أسس عدد من الزعماء السياسيين الإريتريين الذين قدموا إلى مصر أول تنظيم سياسي تحت مسمى “جبهة التحرير الإريترية”، وتضامن معهم كل الطلاب الإريتريين في مصر، لذلك يعتبر الإريتريون القاهرة هي المركز الرئيس الذي انطلقت منه شرارة ثورتهم.ولم تتوقف الهجرة إلى الشمال، بل ظلت متجددة ومستمرة خاصة في ظل توافد آلاف الطلاب الإريتريين للدراسة في الجامعات والمدارس المصرية، وهنا ميزة فريدة، حيث كان هؤلاء الطلاب يأتون بصحبة أسرهم، ما شكل قاعدة كبيرة للجالية الإريترية في مصر.ويفضل الإريتريون السكن في أماكن محددة في القاهرة مثل فيصل، الهرم، 6 أكتوبر، الزيتون، مدينة نصر، مصر الجديدة، الدقي.أهلي ولا زمالك؟الطريف أن الإريتريين المقيمين في مصر يشاطرون المصريين في منافستهم لأنديتهم الرياضية، فتجد منهم من يشجع النادي الأهلي بحرارة، بينما قد يتقاتل البعض الآخر من أجل نادي الزمالك.وتشهد المقاهي الخاصة بالإريتريين والتي تتمركز في مناطق مثل الدقي، فيصل، أرض اللواء أحاديث عديدة عن الوطن والسياسة وأحوال المجتمع، سواء المصري أو الإريتري.. واللافت أن هذه المقاهي لا تقتصر على الإريتريين وحدهم، بل كثيراً ما تشاهد أحدهم يأتي بصحبة صديقه المصري ويقضيان سوياً ساعات من السمر واللعب.جلسة “القهوة” وقت الغروبكما يحتفل الإريتريون بمختلف الأعياد الدينية، سواء عيد الفطر والأضحى المباركين، أو شم النسيم والميلاد، كل بطريقته الخاصة.ويفضل الإريتريون في الإفطار أكلة “العصيدة” وكذلك “الشعيرية” و”الزغني”.. كما أنهم يفضلون “اللمة” في مكان واحد في الأمسيات كمجتمع إما في منازلهم أو مقاهيهم ليتبادلوا أطراف الحديث ويتحدثون في كل شيء.ومن أهم ما يشتهرون به جلسة “القهوة” وقت المغرب، حيث يتجمعون حول طاولة مربعة أو بيضاوية، مصنوعة خصيصا لوضع متطلبات القهوة، وعلى أحد أطرافها فتحة دائرية بقدر “الجبنة” المصنوع من الفخار لتوضع عليه وبجوارها الفشار والحلوى والبخور، وتوزع الفتاة التي تشرف على تحضير القهوة لكل حاضر فنجان أمامه، وتكرر ذلك حتى يكتفي، وفي هذه الحالة يقلب الفنجان دلالة على عدم رغبته في المزيد.العربية نت -27اكتوبر2010م

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى