مقالات

التعليم باللغة العربية في إرتريا بقلم / محمد نور أحمد

4-Nov-2014

عدوليس ـ ملبورن ـ

أطلعت على ملخص لندوتي الأستاذ محمد نور فايد عن التعليم باللغة العربية في إريتريا في مختلف المراحل التاريخية منذ العهد التركي، وذلك في موقع ( عدوليس ) بتاريخ 20 أكتوبر 2014م . ورأيت من باب إثراء ما ورد في تينك الندوتين من جهة ، وتصحيح بعض ما لاحظته من معلومات ، ان أدلو بدلو ، واتمنى من القاريء العزيز ان لايمل من الإطالة النسبية في الخوض في بعض التفاصيل وهي برأي مهمة لتبيان رأي .

/ التعليم في العهد التركي لم ينشيء الاتراك مؤسسات تعليمية كما قال الاستاذ محمد نور فايد منذ ان وصلوا إليها في عام 1557م لأنهم لم يديروها مباشرة وإنما عن طريق نواب (البلو ) سكان حرقيقو ، وذلك بعد توفير الأسلحة والذخائر لهم وقوتين من المليشيات العسكرية إحداهما تركية والثانية عربية ، وكوادر لجبايت الضرائب والاتاوات تحت حماية المليشات وإشراف النواب البلو ./ في العهد المصري :حلت أسرة محمد علي باشا حاكم مصر محل الأتراك في عام 1841م ، لتتخلى عنها في 1885م بأمر من بريطانيا ، لتقوم إيطاليا بمواجهة الثورة المهدية التي أستولت على كامل السودان الشمالي ووصلت طلائعها إلى إرتريا ، وتوغلت في بعض مناطق غوندر في إثيوبيا . واسرة محمد علي باشا لم تهتم بنشر التعليم في الفترة التي أدرات فيها إرتريا ./ في العهد الإيطالي :أنشأ الإيطاليون في إريتريا بعد ان أستقرت إدارتهم فيها منذ عام 1889م مدارس إبتدائية لانتاج موظفين من الدرجة الدنيا ، ومترجمين . وقد أقروا التعليم باللغتين العربية والتجرنية ، وقد وجدت إيطاليا اللغة العربية في جزيرة مصوع منتشرة بين السكان ، تحكم حياتهم اليومية وتجارتهم . وجزيرة ( باضع ) كما كان يطلق عليها في ذلك الزمان ، وليلحقها التحريف بعد ذلك لتصبح ( باظع ) ، ثم تستقر في تسمية مصوع ، قد نشأة في أنقاض جزيرة دهلك ، بعد إنتهاء حكم الأمويين والتي جعل من الجزيرة مركز تجاريا يربط بين ضفتي البحر الأحمر وشماله وجنوبه ، وكان سكانها في أغلبهم من الحجاز واليمن وحضرموت والعربية لغتهم . عموما يمكن القول ان اللغة العربية كانت مقبولة في محيط مصوع بين المتحدثين بلغتي التجري والساهو كلغة دين بغض النظر عن معرفتهم أو عدم معرفتهم بها ، اما التجرنية إريترية مكتوبة ، وكان التعليم في تلك المدارس الإبتدائية باللغة الإيطالية .كان الإيطاليون يكاتبون نظار القبائل المسلمة باللغة العربية ، وبالتجرنية للمسيحين ، ولم يتطور الأمر للتعليم باللغتين ./ في العهد البريطاني :لم تكن بريطانيا تريد الإستمرار في إدارة إريتريا بعد ان استولت عليها قواتها بعد إلحقت الهزيمة بالقوات الإيطالية في 1941م ، ولأن الإقتصاد البريطاني كانت قد أرهقته الحرب وإدارة إريتريا تشكل عبيء مالي جديد ، علما بإن إريتريا لا موارد طبيعية قد تم إكتشافها في عهد الإدارة الإيطالية يمكن الإعتماد عليها في تغطية تكاليف الإدارة وفي مقدمتها مخصصات الموظفين . لكن الولايات المتحده الإمريكية اصرت على برطانيا للإستمرار في إدارة إريتريا وذلك لإكتشافها العلو الشاهق لمرتفعات حماسين الذي يصلح لإقامة قاعدة للإتصالات اللاسلكية ، وكانت إيطاليا قد أقامة قاعدة للإتصالات بالسطول موسليني في البحر الأحمر أطلقت عليها إسم ( راديو مارينايو ) ، وكانت بريطانيا تخشى ان يقع هذا الموقع الإستراتيجي في يد خصم محتمل في المستقبل ، وربما كانت تتنبأ بإندلاع حرب باردة بينها وبين بعض حلفائها .إذا كان على بريطانيا ان تدير إريتريا حتى يتحدد مصيرها ولابد لها من خلق كادر محلي لأن إستجلاب كادر من بقية مستعمراتها أو من بريطانيا نفسها سيكون مكلفا ، وهذا يتطلب بالضرورة فتح مدارس ، ولكن بأية لغة تدرس هذه المدارس ؟ لإيجاد الحل كان لابد من العودة للشعب الإريتري لمعرفة اللغة التي يريد ان يتعلم بها أبنائه لمعرفة رغباته والحصول على المعلمين بسهولة ، بإستشارات واسعة جرت مع الأعيان قرر المسلمون التعليم باللغة العربية بينما أختار المسيحيون التعليم بالتجرنية ، وبالفعل تم الحصول على عدد كافي من معلمي التجرنية وعدد محدود من معلمي العربية ، تم إستكمال عددهم من السودان القريب لإريتريا ، وقد ساهم المعلمين السودانين في تدريس اللغة الإنجليزية كالغة في المرحلة الإبتدائية بجانب العربية ، ثم الإنجليزية كلغة تعليم في المرحلة الأوسطى . واستمرت اللغتين العربية والتجرنية كلغتين فقط ، وبهذا تمكنت الإدارة البريطانية من إيجاد موظفين في المراتب الدنيا ومعلمين للمدارس الإبتدائية ، ومع إنتهاء السنوات الأربعة الأولى . وقد توسع التعليم فيما بعد ليشمل الريف .ويمكن ان يطرح سؤال هنا عن قيمة قاعدة الإتصالات التي كانت سببا في إستمرار بريطانيا وقبولها دون رغبتها ؟الإجابة هي ان وزارة الدفاع الأمريكية أستلمت قاعدة ( راديو مرينايو ) في 1943م وزودتها باجهزة إتصالات حديثة ومتقدمة للتشغيل ، ساهمت في إرسال وإستقبال الرسائل من وإلى أقصى مكان في العالم ، دون حدوث اي تغيير في ذبذباتها ، وفي ذات الوقت يمكنها إختراق أية رسالة في أي مكان في العالم ، وقد ظهرت قيمتها الحقيقية في عام 1945م عندما دعي هتلر سفير أمبراطور اليابان في المانيا وهي احد دول المحور لزيارة الخطوط الأمامية لقوات هتلر للوقوف على رجة الإستعداد والجاهزية ، وطلب منه تبليغ حكومته للمبادأة بالهجوم على قوات الحلفاء من جانبها في ذات الوقت التي ستقوم له القوات الألمانية بالهجوم . وبعث السفير بالبرقية التي تم إلتقاطها من قاعدة ( راديو مرينايو ) في أسمرا ــ قانيو إستيشن فيما بعد ــ فصدرت التعليمات للجنرال أيزنهاور الذي كانت قواته ترابط على شواطيء النورماندي والنتيجة معروفه للجميع . بعد ذلك قررت الولايات المتحدة ان تكون إريتريا في يد حليف ، لهذا دعا الرئيس روزفلت رئيس الولايات المتحده أثناء الحرب العالمية الثانية الإمبراطور هيلي سلاسي لمقابلته وهو عائد من يالطا بعد الإجتماع الشهير الذي جمعه بتشرشل وإستالين بعد نهاية الحرب وبعث له طائرته الخاصة ، والتي أقلته لقناة السويس حيث قابل الرئيس الأمريكي على ظهر باخرة ، كما جاء في كتاب (لم أفعله من أجلك ) لـ ماكلا رونغ . في هذا اللقاء أتفق روزفلت وهيلي سلاسي على جعل إريتريا جزء من الإمبراطورية الإثيوبية وان تكون القاعدة تحت تصرف الولايات المتحده الأمريكية ، وكل ما مرت به القضية الإريترية بعد ذلك ، هو مجرد مناورات للإخراج النهائي لمشروع الإتحاد الفيدرالي الذي طرحته أمريكا على الجمعية العامة للأمم المتحده وليس عصبة الامم كما جاء في ندوة محمد نور فايد ، لان عصبة الأمم تكونت بعد الحرب العالمية الأولى وإنتهت بإنتهاء الحرب العالمية الثانية لتحل محلها ” الأمم المتحدة ” وقد حشدت الولايات المتحده الأصوات اللازمة لتمرير المشروع داخل الجمعية العامة.رفض هيلي سلاسي مشروع التقسيم الذي طرحه ونستون تشيرشل ، وكان المشروع يقوم على تنازل هيلي سلاسي عن أوغادين لإقامة الصومال الكبرى ، والتنازل عن المنخفضات الإريترية لضمها لشرق السودان والإكتفاء بالمرتفعات الإريترية والسواحل ، وكان رفض الأمبراطور هذا المشروع بناء على الأتفاق الذي تم بينة وبين روزفلت ، ولم يكن للرابطة الإسلامية ولا حتى الكتلة الإستقلالية أي تأثير على مصير إريتريا لان دورها كان محدودا وليس بالضخامة التي وصفها محمد نور فايد ، ولو كان الأمر كما ورد في الندوة لتحقيق الإستقلال في عام 1952م فالقضية كانت في يد قوة عظمى كانت لها مصالح في إريتريا ./ في عهد الأتحاد الفيدرالي :قررت الجمعية التأسيسية في سبتمبر 1952م إعتماد اللغتين العربية والتجرنية لغتين رسميتين لإريتريا ، وذلك بعد نقاش حاد وطويل بين الكتلة الإستقلالية التي كانت تنادي برسمية اللغتين وحزب الوحدة مع إثيوبيا الذي كان يرفض اللغة العربية لأنها لغة دين وليست لغة الشعب . واستمرت العربية وكذلك التجرنية كلغتين للتعليم في المدارس الأولية اما في المدارس الوسطى بالإنجليزية ، استمر الأمر حتى إلغاء اللغتين في عام 1962م بعد ضم إرتريا نهائيا إلى إثيوبيا ، وليس صحيحا ماجاء في ندوة محمد نور فايد بقيام الطلاب والشباب بين عامي 1957ــ 1958م بمظاهرات ومسيرات تطالب بالتدريس باللغة العربية ، فقد كانت اللغة العربية معمول بها في ذلك الوقت كما ذكرت ، لكن تلك المظاهرات كانت إحتجاجا على فرض إداء التحية الصباحية للعلم الإثيوبي وبدأ رفض ذلك في مدرسة هيلي سلاسي الثانوية لكنه أخذ فيما بعد مضمونا واسعا لرفض الإحتلال الإثيوبي لاريتريا ، كما كان لإضراب العمال من البداية مرتبط بالأجور لكنه تطور ليأخذ المضمون الوطني الواسع ./ الحركة الوطنية واللغة العربية تبنت حركة التحرير الإريترية اللغتين ، ومضت على نفس نهج الحكومة الإريترية وكذلك جبهة التحرير الإريترية وقوات التحرير الشعبية بعد إنقسامها من جبهة التحرير الإريترية .بعد إنقسام قوات التحرير الشعبية إلى اللجنة الإدارية والبعثة الخارجية تبنت الأخيرة اللغتين وبالأحرى أستمرت على نهجها السابق ، في حين تبنت اللجنة الإدارية التي كانت تضم اسياس افورقي ورمضان محمد نور ومحمد علي عمارو وعلي سيدعبدالله ومحمود شريفو ومسفن حقوس وإبراهيم عافه نهج جديد ، وقررت عدم إعتماد لغة رسمية بإعتبار جميع اللغات الإريترية متساوية ، وان إعتماد لغة رسمية يعوق تطور اللغات الأخرى .جبهة التحرير الإريترية :قررت جبهة التحرير الإريترية في مؤتمرها الأول إعتماد اللغتين العربية والتجرنية لغتين رسميتين للتنظيم ، وكان سيرا على نفس النهج الذي سلكته منذ تاسيسها ، لكن هذا المؤتمر أتى بشيء جديد وهو إعطاء المجموعات القومية التي يتكون منها الشعب الإريتري الحق في تطوير لغاتها ، لكن القرار لم يمارس عمليا ن لأن احدا لم يهتم به ولم يذكره احد في المؤتمر الثاني للجبهة في حين أستمر إعتماد اللغتين الرسميتين العربية والتجرنية .الجبهة الشعبية لتحرير إريتريا :قال الاستاذ محمد نور فايد في ندوته ما يلي : بالنسبة للجبهة الشعبية فقد تجاهلت موضوع اللغة العربية في وثيقتها ” نحن واهدافنا ” ـ ” نحنان علامان ” . ومن الواضح ان الاستاذ محمد نور فايد لم يقرأ وثيقة نحن واهدافنا ولا يعرف متي صدرت .نحن واهدافنا هو برنامج عمل صدر عن تنظيم اسمه ( سلفي ناظنت ) أو حزب الإستقلال ، اصدره اسياس افورقي عندما أنفصل عن القيادة العامة في عام 1970م ، ولا تتضمن الوثيقة اللغة العربية ضمن اللغات التي عددتها وحددت المجموعات القومية التي تتحدث بها ، اما الجبهة الشعبية فقد تأسست عام 1976م . وكان أسياس افورقي قد أنضم بحزبه لقوات التحريرالشعبية في مؤتمر بيروت 1972م ، وكانت اللغتين العربية والتجرنية هما اللغتين الرسميتين لقوات التحرير الشعبية كما أسلفت . وعندما تأسست الجبهة الشعبية لم تلغ اللغة العربية وإنما أعتبرتها إحدى اللغات التابعة لما أسمته بالقوميات التسعة ، وقبيلة الرشايدة هي القومية التاسعة من وجهة نظر الجبهة الشعبية ، كما لم تهمل الشعبية اللغة العربية لحاجتها الماسة إليها في الإعلام لأن قطاع واسع من الشعب الإريتري يتعامل مع اللغة العربية كلغته ويجيدها ، لذا كان لزاما عليها للوصول إليهم إستخدام العربية في الإعلام وينطبق عليها القول ” مكرها أخاك لابطل ” ، ليس هذا فحسب فبعد التحرير وفي عام 1992م أصدرت مرسوما للتعليم باللغة العربية ، إلا ان أسياس تراجع عن ذلك فيما بعد واصدر أمرا للمناضل المحترم براخي قبر سلاسي وزير التعليم في ذلك الوقت لاصدار تعميم لجميع مديري المدارس الإبتدائية للتعليم في مدارسهم بلغة الأم وهذا ما رفضه الوزير لأنه يتعارض مع رغبات الشعب الإريتري ، لذلك تم نقله لوزارة الإعلام ليحل محله عثمان صالح وزير الخارجية الحالي والذي نفذ الأمر . نذكر هنا ان زوجة براخي كانت قد شاركت بورقة في سمنار اللغات الذي عقد في مقر وزارة التعليم وكنت واحدا من المشاركين فيه ، طالبت فيها التعليم باللغتين العربية والتجرنية في المراحل الإبتدائية ، اما ورقتي فقد نشرت على نطاق واسع ومن بين الإريترين ، كما نشرت في موقع عدوليس .كما أتذكر هنا ان ورقتي كنت قد قدمتها في وقت مبكر للجنة المنظمة ، ولم تترجم للتجرنية ، فطلبت من الصحفي الشاب يوسف إبراهيم بوليسي ان يترجم ملخص الورقة التي طلب مني تقديمها في ربع ساعة وبعد تقديم الملخص أنبرى الوزير عثمان صالح بالقول انه سيترجم ملخصها وقال ان الورقة ليس فيها ما يستوجب الترجمة وفيها الكثير من العموميات . فنهضت دون إستئذان وقلت للحضور كان ينبغى ان تترجم اللجنة المنظمة الورقة كما هي ، ولم تفعل ، كما رفض الوزير ترجمة من أثق فيه ومن واجبي ان اترجمها بنفسي . وكان ذلك ولم يعترض الوزير .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى