مقالات

الجبهة الشعبية والموت السريري

بقلم/فتحي عثمان

تناولنا فيما مضى دعاوى اصلاح افورقي الشخص بعد هذا العمر المديد والممارسات الشائنة، وقلنا بأن عوجه يشبه عوج شجر (الطندب) الذي يضرب به المثل في السودان في استحالة تقويم عوده وفك تشابكه. والرجل في صفاته وفعاله يقف نقيضا كاملا لبيت الشعر القائل:
“لك وجه محاسن الخلق فيه ماثلات تدعو القلوبا”.
ولا نعيد ونكرر ما سبق قوله، ونمضي إلى ما يليه وهي دعاوى إصلاح المؤسسة: والمؤسسة المقصودة هنا هي الجبهة الشعبية، وهي دعاوى في ميزان التحقق والفحص، إذا أجاد دعاتها تقديمها، لا تخرج عن ثلاثة مستويات.
المستوى الأول: الهياكل
وهو مستوى البنية التنظيمية وتشمل المؤتمر التنظيمي الجامع وهو أعلى سلطة تشريعية في الجبهة، ثم اللجنة المركزية (برلمان الجبهة)؛ وهي أعلى سلطة تشريعية بين المؤتمرين التنظيميين، وأخيرا المكتب السياسي، القيادة التنفيذية للتنظيم. وكل هيئة من هذه الهيئات تخضع للجهة التي تعلوها من ناحية المساءلة والمحاسبة. ثم يضاف إلى هذه الهياكل القيادية الأقسام التنظيمية. أول مؤتمر للجبهة الشعبية عقد في عام 1977، والثاني بعد عشر سنوات، وأخيرا عقد المؤتمر الثالث في عام 1994. بعد المؤتمر الثالث والأخير تغير اسم التنظيم للجبهة الشعبية للديمقراطية والعدالة، واللجنة المركزية إلى المجلس المركزي وأخيرا المكتب السياسي إلى المكتب التنفيذي ( التخلص من التسميات القديمة جاء في سياق التنصل من التوجه الماركسي وتبني اقتصاد السوق ومسميات هياكل الشركات المتعددة الجنسيات).
ماتت هذه الهياكل كلها واحد تلو الآخر وأصبحت مجرد مسميات، وتم اختصارها جميعا في (مكتب الرئيس)، هذا بالطبع في الوقت الذي أصبحت فيه الجبهة هي الحكومة والحكومة هي الجبهة.
المستوى الثاني: الأفراد
في بواكير انشقاقه عن التنظيم الأم جبهة التحرير الارترية تسمي التنظيم باسم قوات التحرير الشعبية وغير اسمه في المؤتمر التنظيمي الأول إلى الجبهة الشعبية لتحرير ارتريا. وأغلب القادة المؤسسين والتاريخيين كانوا أعضاء في التنظيم الأول، ثم تعاقبت الأجيال حتى وصلت إلى مرحلة الجيل الذي التحق بالجبهة الشعبية مباشرة ولم يمر بتجربة جبهة التحرير أو التنظيمات الأخرى. قضت غوائل الزمان والحرب طويلة الأمد والحروب الأهلية على الكادر المؤسس للتنظيم وأصبح المتبقي على قيد الحياة منه تحت إمرة (رئيس الجبهة الشعبية) أو مسجونا أو معارضا للحكم في المنافي.
والإصلاح على مستوى الأفراد يمكن أخذ زبدته بفكرة إصلاح افورقي نفسه: فإذا صلح الرأس صلح سائر الجسد، وكما يقول المثل المصوعي (أول ما يفسد السمك من رأسه). وصلاح الأفراد في حالتنا التي نتحدث عنها لا يرجى، وكما يقال يمكنك أن تزيح جبلا من أن تغير طبعا.
مستوى القيم:
هذا المستوى الأخير هو مستوى المبادئ المرشدة: أي مستوى الأيديولوجيا. وتمثله المبادئ الموجهة للتنظيم مثل بناء وطن مستقل ومواطن حر، وجيش قوي على أسس الاعتماد على الذات، وبناء المواطن الصالح، ومحاربة العدو بسلاحه وعتاده، وتوعية وتسليح وتنظيم الجماهير وصولا إلى دولة ديمقراطية حرة وعادلة.
هذا المستوى يمكن تقسيمه تاريخيا إلى مرحلتين الأولى هي مرحلة الكفاح المسلح حيث القوة العسكرية الضاربة وتدمير العدو وتحقيق الاستقلال المنشود. أما المرحلة الثانية فهي مرحلة الدولة وحصاد الهشيم الذي نشاهد الآن.
إجمالا إصلاح هذه المستويات الثلاث حرث في البحر؛ وحلم ببعث طائر الفنيق. فالجبهة الشعبية على مستوياتها الثلاثة مات سريريا وشبعت موتا؛ والحل الأمثل هو نزع أجهزة المساعدة على الحياة عنها رأفة بها وبأهل الميت المكلومين.
وحتى يتضح هذا الموت لنسأل الشباب والشابات في عمر الخامسة والعشرين: هل تعرفون الجبهة الشعبية: اختاروا واحدا من المستويات الثلاثة وتحدثوا عنه في حالة الإجابة بنعم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى