مقالات

الحركة الأسلامية الأرترية: بين خصوصية الواقع وشمولية الرسالة (1-3):عمر جابر عمر

23-Dec-2010

المركز

الحلقة الأولى : سنوات الأنتشار والتقدممدخل: كانت صلاتى وعلاقاتى مع الحركة الأسلامية الأرترية فى الماضى من خلال الاعلام( الصحف – الأنترنت – البالتوك) واللقاءات العابرة مع بعض قيادات التنظيمات الأسلامية.لكن فى ملتقى الحوار – أديس أببا 2010 التقيت وجها لوجه مع قيادات تلك المنظمات وكوادرها العليا الفاعلة. أجريت معهم حوارات جعلت من رؤيتى التى تكونت عبر المتابعة تتجاوز قالب التحليل الأنطباعى لتصل الى صورة واقعية تعكس السلوك البشرى اليومى للأنسان.

وجدتهم مثلهم مثل غيرهم أرتريين يسكنهم الهم الوطنى ويسعون للخلاص وان اختلف نهجهم ومنهجهم. لا يدعون امتلاك الحقيقة وحدهم – أكثر من ذلك فقد أصابتهم آفة بقية أبناء وطنهم من المعارضة ألا وهى آفة الأنقسام ! حينما نتحدث عن الحركة الأسلامية الأرترية لا نتحدث عن الأسلام فى أرتريا كدين بل عن قوى سياسية رفعت شعار الأسلام وبشرت بتطبيقه لتغيير الواقع الموجود والوصول الى السلطة اما منفردة أو مشاركة مع الآخرين.. الرابطة الأسلامية لم تكن ( حركة اسلامية) فى شعاراتها وأهدافها – بمفهوم الأسلام السياسى الحديث— لكنها كانت تنظيما وطنيا للمسلمين الأرتريين بمكوناتهم الأجتماعية والثقافية. شعاراتها كانت وطنية ( الأستقلال) وكانت تنادى بالديمقراطية والدستور مثل الأحزاب ( المسيحية) الأوربية .النشأة والتكوين : عندما نتحدث عن البدايات ونورد بعض الوقائع والملامح لنشوء الحركة فان ذلك يجب فهمه فى اطار تلك المرحلة الزمنية ( الثمانينات من القرن الماضى) ولا ينسحب بالضرورة على واقعها اليوم. وتناولنا وتحليلنا لها ينطلق من المعايير والمفاهيم التالية:@ هل كان ظهورها فى ساحة العمل السياسى اضافة لحركة المعارضة الأرترية أم خصما عليها؟@ما هى انجازاتها فى اطار المواجهة مع النظام الدكتاتورى؟@هل طبقت ما رفعت من شعارات أم انه قد حدث طلاق بين النظرية والممارسة؟@ هل ساعدت على خلق بيئة لنمو وعى وطنى مشترك يساعد على التعايش الرضائى؟وفيما يلى وقفة سريعة عند بعض المحطات لتطور الحركة الاسلامية الارترية:1-بعد المؤتمر الوطنى الثانى 1975 وجدت بعض الرموز الاسلامية نفسها خارج التشكيلة القيادية – لم يتم انتخابهم فى المؤتمر رغم انهم كانوا فى جبهة التحرير الارترية لسنوات طويلة. عقد اجتماع فى كسلا حضره –عبد الحق شحاتة – وهو ضابط سورى لجأ الى مصر – قال لهم الرجل:فشلتم لأنكم لا تملكون تنظيما يجمعكم ويوحد جهودكم ويحميكم مثل حزب العمل!؟ كان من أبرز المشاركين فى ذلك الاجتماع – محمد اسماعيل عبده— حامد تركى— محمد عثمان ازاز – حامد حسين—تطورت تلك الخلية ولكنها بعد فترة تعرضت للاعتقا ل من قبل أجهزة الأمن فى جبهة التحرير ولم يتم الافراج عنهم الا بعد دخول الجبهة الى السودان 1981 وكانت المحطة الأخيرة لتلك الجماعة تكوين منظمة الرواد المسلمين.2- بعد أن فرضت الشعبية التدريس بلغة الأم – انقسمت قبائل الساهو بين مؤيد ومعارض لذلك البرنامج – تدخل عقلاء القوم ومن حصلوا على قسط من العلوم الدينية فى الخارج وعملوا على اصلاح ذات البين واتفق الجميع على اللغة العربية باعتبارها لغة القرآن وكانت النتيجة ظهور(اللجنة الاسلامية) بقيادة مجموعة من بينهم الشيخ –عرفة.3- كرد فعل على حملات التجنيد للفتيات حدثت معركة فى منطفة سيدنا مصطفى وقتل بعض المواطنين ولجأ البعض الآخر الى السودان كان من بينهم الشيخ (مجاوراى) وهو يتمتع بتأييد شعبى فى منطقته.4- من الخارج برزت الجبهة الاسلامية لتحرير ارتريا بقيادة (عمر الحاج ادريس).5- الأتحاد الأسلامى – وهو تجمع طلابى وشبابى لعب دورا هاما فى جمع وعقد المؤتمر التأسيسى.نلك كانت حلقات الحركة الأسلامية التى أسست حركة الجهاد الأسلامى الأرترى.نشأت وتكونت فى ظل أوضاع داخلية ( أرترية) وأخرى اقليمية ودولية بالغة التعقيد. كان المسلمون الأرتريون بعد خروج جبهة التحرير الأرترية من ساحة العمل العسكرى ( 1981) يعيشون حالة انكسار نفسى واحباط تاريخى والمستقبل أمامهم أصبح لا يحمل أملا ولا رجاءا.بعد سقوط نميرى وبدء مرحلة الديمقراطية الجديدة فى السودان 1984 وجدت الجبهة الاسلامية القومية السودانية (الترابى) نفسها محاصرة من أحزاب السودان الأخرى .. اقتربت جبهة الترابى من مكونات الحركة الأسلامية الأرترية بحثا عن حليف وبالمقابل وجدت تلك المكونات الأرترية فى الحركة الأسلامية السودانية مظلة سياسية واعلامية ساعدتها على عقد مؤتمرها التأسيسى الذى انبثقت عنه (حركة الجهاد الاسلامى الارترى) فى 30111988 بقيادة الشيخ عرفة وعضوية قيادية لكل من محمد اسماعيل عبده— حامد تركى – مجاوراى وآخرون –كان ميلاد الحركة تعبيرا عن التمسك بكبرياء شعب أصيب بجرح كبير وقرر أن يسترد عزته – كان صرخة رفض للذل والأستكانة – كان طلبا للحياة الكريمة أو الموت بشرف …تلك كانت الحلقات الرئيسية لروافد الحركة الأسلامية الأرترية و السؤال : كيف كان الوضع السياسى والأجتماعى فى داخل ارتريا من جهة وفى المحيط الأقليمى والدولى من جهة ثانية؟أولا- ارتريا – # — فى احصائية أجرتها سلطات الأحتلال الأثيوبى فى منتصف الثمانينات وجدت ان سكان ارتريا يبلغون 2 مليون نسمة أقل من 20% منهم مسلمون !؟# – التنظيم الأرترى الوحيد الذى كان يعمل داخل أرتريا هو الجبهة الشعبية بكل قوتها العسكرية والسياسية.ثانيا – اقليميا ودوليا – الوضع فى السودان كان فى حالة مخاض والحركة الأسلامية السودانية كما قال المحامى ( على عثمان محمد طه – نائب الرئيس الحالى ) فى محاضرة له قبل الأنقلاب العسكرى الذى حملهم الى السلطة: لقد أكملت الحركة الأسلامية السودانية صيامها وقيامها وقعودها وهى فى – العشرة الأواخر من شهر رمضان تنتظر ليلة القدر) – ولم يطل الأنتظار – وكانت ( ثورة الأنقاذ) ! دوليا كان هناك مد أسلامى فى أيران – أفغانستان – تركيا بالأضافة الى الحركة السلفية ونشاطها الدعوى والتعليمى ما ساعد على اعداد مئات من الكوادر الأسلامية الأرترية فكرا وتنظيما.فى ظل تلك المعطيات والمعادلات بدأت حركة الجهاد نشاطها ووجدت تأييدا جماهيريا لم تتوقعه تمثل فى تطوع المئات فى العمل العسكرى الذى تصاعد بسرعة واستطاعت الحركة أن تنتشر فى مناطق القا ش— سيتيت وعنسبا والساحل ووصلت حتى مشارف ( كرن ) لتصبح القوة المسيطرة أثناء الليل وجعلت النظام فى حالة دفاع يومى . كان الشباب فى مقاهى (كرن) يهددون بعضهم بعضا ويقولون: سأبلغ عنك ( قصرى تشعتى) اشارة الى المجاهدين وعمامتهم التى كانوا يضعونها على رؤسهم على شكل ( الرقم 9) !كان المؤيدون فى جميع أنحاء العالم يجمعون التبرعات والأموال ويرسلونها الى قيادة الحركة – وكان المحسنون فى منطقة الخليج مصدر دعم كبير للحركة. استطاعت الحركة أن تبنى لها خلايا فى كل مدن أوربا وأمريكا وكندا والشرق الأوسط – انتشر اعلام الحركة وخطابها الحماسى الذى حمل مضامين التحدى للنظام الدكتاتورى وتبشيرا بقرب بزوغ فجر الأسلام. تدافع وتدفق المتطوعون وتسابق المجاهدون وتنافسوا فى نيل شرف الشهادة – كانت قدرة الحركة التنظيمية والبشرية أ قل من أن تستوعب كل القادمين. تلك كانت سنوات التمدد والأنتشار – سنوات التقدم والأزدهار حتى وصلت الحركة الى مرحلة كادت أن تصبح فيها رقما يصعب تجاوزه ودخلت فى حسابات القوى الأقليمية والدولية – ولم يكن ذلك كله خيرا وبركة عليها ! تقول بعض المصادر المتابعة للصراع الأرترى— الأثيوبى ان ما أوقف الأثيوبيين من دخول العاصمة الأرترية(أسمرا) فى حرب بادمى كان الخوف من البديل – والذى لم يكن فى ذلك الوقت غير الحركة الأسلامية الأرترية !؟أما على المستوى الداخلى فقد أصبح هم ( الخلافة) و ( الامارة) محور الحديث بين المجاهدين وموضوع خلاف واتفاق بين المدارس الفقهية المختلفة التى انتشرت فى صفوف الحركة – ما أدى فى نهاية الأمر الى الأنقسام وما تبع ذلك من تداعيات على مجمل مستقبل الحركة السياسى والعسكرى والجماهيرى. ولكن بالأضافة الى العامل الذاتى الداخلى كانت هناك عوامل خارجيةتمثلت فى الحصار والمطاردة للحركة من قبل ( ذوى القربى – ثورة الأنقاذ) من جهة ومن القوى الدولية والأقليمية بعد الحادى عشر من سبتمبر من جهة ثانية. تلك العوامل يمكن تلخيصها فى الأتى:@ عامل ذاتى داخلى يتعلق بالحركة – خطابها وتواصلها مع الواقع الأرترى.@ ظلم ذوى القربى – ثورة الأنقاذ وتأثير المشروع الحضارى.@ الوضع الدولى – بعد الحادى عشر من سبتمبر ومطاردة وحصار الحركات الجهادية فى العالم.تلك كانت بداية سنوات التراجع والأنكماش – كيف تعاملت معها الحركة الأسلامية الأرترية؟ذلك موضوع الحلقة القادمة –كان الله فى عون الشعب الأرترى

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى