مقالات

الربيع العربي..يشكل اختبارا حقيقيا للمؤسسة العسكرية : محمد أبو حامد

25-Jun-2011

المركز

ان التحولات السريعة التي يشهدها العالم العربي في أكثر من بلد، تؤكد بما لا يدع مجالا للشك إن عهدا قد ولى او يكاد بكل ما فيه وان تلك المرحلة أصبحت في ذمة التاريخ هو الذي سيحكم لها او عليها، وان الأمة مقبلة اليوم على عهد جديد يبدو كما هو ظاهر للعيان يكتب بالدماء شأنه في ذلك شأن أي تحول كبير لا بد وان يبذل دونه كل غالي وثمين.

ان انهيار جدر الصمت وحاجز الخوف لدى الشعوب العربية والتي لازمها طويلا وحجب عنها الرؤية لما يجري مثل ضربة البداية لهذا التحول والتغير الذي تعيشه المنطقة العربية اليوم، كما ان سلمية الثورات الشعبية رغم مواجهتها بالقسوة والعنف اكسبها المزيد من الاحترام سواء في محيطها أو على المستوى الداخلي، وأدى ذلك في ذات الوقت إلى إحراج الأنظمة في البلدان التي شهدت ثورات.ولم تفلح تلك الأنظمة في السيطرة على الوضع رغم استخدام القوة المفرطة وتحريك الجيوش والدبابات في مواجهة صريحة مع الشعب، ورغم ان خيار استخدام القوة ضد الاحتجاجات الشعبية اثبت فشله في أكثر من مرة، لكنه وللأسف الشديد فانه بات الوسيلة الوحيدة المستخدمة ضد المتظاهرين.وفي المقابل، يكون هذا العنف والقمع مصدرا ومحفزا لمزيد من التظاهر والإصرار على المطالب من قبل الشعب، بل وكلما اخفق هذا النظام أو ذاك في الإيفاء بمطالب الجماهيرية والاستماع إلى مطالب المجتمع بالإصلاح وأخذها على محمل الجد وأمعن في القتل والانتهاكات، كلما كان ذلك مدعاة لرفع سقف مطالب الشعب لتصل إلى مطلب رحيل النظام برمته.يقول محللون، ان اللجوء إلى القوة المفرطة مباشرة دون أي مقدمات من قبل الأنظمة، لهو دليل ضعف وإفلاس واضح من قبل هذا النظام او ذاك، وان ذلك بدور يساهم في إغلاق قنوات الحوار او حتى الحديث عن الإصلاح السياسي او الاقتصادي والتي وان جاءت هذه الإصلاحات في الأساس تأتي مبتورة ولا تلبي تطلعات الشعب الذي تسيل دمائه في سبيل هذه الإصلاحات والتغير المنشود.أما ملاذات النظام وتبريريه لعمليات القمع للاحتجاجات الشعبية، من قبيل ان معظم الشعب مع النظام وان الذين يتظاهرون هم قلة لا تمثل الأغلبية، والانجرار وراء التقرير الأمنية لأجهزة النظام التي ثبت إنها تغيب السلطة عن الشارع ولا تعكس نبض المجتمع على الإطلاق، وترويج السلطة لبعض العبارات المعروفة المستهلكة، مثل ان التظاهرات مدفوعة خارجيا، وسيطرة عصابات مسلحة على التظاهرات، فضلا عن الزج باسم الجماعات الإسلامية وتنظيم القاعدة ، والترويج لنظرية المؤامرة الخارجية، وغير ذلك الكثير، كل ذلك وغيره لم يعد ينطلي على الداخل الذي يشهد على سلمية وشعبية تلك الاحتجاجات وأيضا لا يقنع المجتمع الدولي بوجود تهديد إرهابي خطير كما يزعم هذا الزعيم او ذاك هربا من الاعتراف بان ما يجري هو ثورة شعبية حقيقية لها مطالب معتبرة ومشروعة ويجب ان تحترم.وان الرد بإرسال الجنود والآليات المدرعة إلى القرى والبلدات لإخضاع الناس بالقوة ما هو إلا دليل آخر على فشل النظام في الاستجابة لتك المطالب وبالتالي تسقط كافة التبريريات التي تساق من قبل السلطات في قتل الناس باسم الحفاظ على الأمن ولمجرد إنهم طالبوا بالإصلاح والتغير وتلك حقوق مشروعة يبدو ان الموت دونها أصبح شرفا.لكن وبينما الشارع يصرخ ويريد الإصلاح او تغير النظام او غير ذلك من الشعارات التي باتت مألوفة على الساحة منذ ان عرفت المنطقة العربية معنى الثورة الشعبية وإرادة التغير التي تولد عنوة واقتدارا لتحقيق الحرية والكرامة وإيجاد فرص العمل، ولقمة العيش والمساواة والعدالة الاجتماعية ومحاربة الفساد والمفسدين، بينما هكذا يبدو الحال، فإذا العيون والقلوب تكون شاخصة باتجاه المؤسسة العسكرية والدور الذي يمكن ان تلعبه في هذه المرحلة الدقيقة والحساسة من عمر البلاد والعباد، فيطرح الشارع المنتفض ومعه الساسة والمحللون جملة من التساؤلات حول ماهية دور الجيش الذي غالبا ما يكون دوره حاسما في حال ما تدخل لصالح احد الطرفين الشعب أو النظام، أو ما إذا كان يريد ان يقف على ارض محايدة بين الجانبين وتلك مهمة صعبة أيضا وان كانت دائما الخيار الأمثل للمؤسسة العسكرية التي تؤمن بعقيدة القتال ضد العدو ومواجهة التهديد الخارجي وليس الانخراط في الشئون الداخلية.لكن لا غنى عن دور المؤسسة العسكرية في مثل هذه الظروف، ولعبت المؤسسة العسكرية دورا محوريا وهاما في إبعاد سيناريو أسوء بعد اندلاع الثورة التونسية والمصرية وذلك من خلال الانحياز المباشر إلى الشارع وإعلان المسئولية عن حفظ الأمن والسماح للتظاهر السلمي، وبالتالي سحب الشرطة والأمن من الشارع والذي كان في صدام مع الناس من قتل وقمع واعتقال، لان الأجهزة الأمنية والشرطة بوحداتها المختلفة دائما ما تكون اقرب من الجهاز السياسي القائم في الدولة ويتلقى منه الأوامر ويتلون بألوانه، وهذا ليس حال المؤسسة العسكرية او هكذا ينبغي أن تكون.فمع تحكم الجيش على الوضع الأمني اكتملت دورة القوة الشعبية لتؤدي في نهاية المطاف إلى سقوط النظام القائم بعد أن يصل إلى قناعة بأنه لا توجد أي فرصة لتغيير موقف العسكر لصالحه.وقد اعتبرت الأوساط المختلفة بان موقف المؤسسة العسكرية في تونس ومصر كان وطنيا ومسئولا، وابعد شبح سيناريو خطير خيم على مخيلة الجميع ان لم يكن تدخل الجيش بتلك الطريقة وفي الوقت المناسب.بيد ان الأمر لم يكن كذلك في حالات الثورات الشعبية في كل من اليمن وليبيا وأخيرا سوريا، ويقول محللون ان طبيعة الأنظمة السياسية السائدة في تلك البلدان لعبت دورا مؤثرا في توجيه موقف المؤسسة العسكرية، فقد حدث انشقاق في المؤسسة العسكرية اليمنية بعضها مع الثورة والآخر مع النظام، وعزا ذلك محللون إلى الولاء القبلي وهو أمر تاريخي معروف في هذا البلد.أما في ليبيا فلم تكن هناك مؤسسة عسكرية معروفة بالمعنى المتعارف عليه، وإنما عمد النظام إلى تكون قوات خاصة موالية له اقرب إلى مليشيات منها إلى قوات نظامية معروفة، وأهملت بالتالي المؤسسة العسكرية في البلاد، وهذا يرجع إلى هيمنة القذافي وأسرته والمقربين منه على كل شيء في البلاد وتقديم الولاء للنظام على المصلحة الوطنية والعمل على تأمين النفوذ أكثر من العمل لمصلحة البلد.وبالتالي فمنذ قيام الثورة لجأ القذافي مباشرة إلى قواته الموالية، بينما تفككت المؤسسة العسكرية المبعثرة أصلا وقليلة الخبرة والعتاد.أما السيناريو السوري فمثل في الغالب نموذج لولاء الجيش للنظام ما عداء بعض الانشقاقات غير المؤثرة هنا وهناك، وبالتالي فان المؤسسة العسكرية في سوريا أصبحت الذراع الطويلة للنظام يبطش بها كيفما شاء وحامية بصورة مطلقة لسلطة الرئيس، وكانت عواقب ذلك بادية في حالة الكارثة والكابوس الذي يعيش فيه الوطن السوري اليوم.وفي المحصلة كانت النتيجة ربما واحدة في تلك البلدان الثلاثة، وهي استمرار دورة العنف دون نهاية تلوح في الأفق وإعطاء المبرر لمزيد من التدخل الأجنبي في شئون تلك البلدان تحت مختلف المسميات.ومهما يكن من أمر، فان الثورات الشعبية العربية التي أشعلها البسطاء بعد عقود من الظلم والاضطهاد، فإنها قد تأخذ المسار الخاطئ في حال تحالفت المؤسسة العسكرية مع هذا النظام أو ذاك والذي لا يتورع في استخدام أبناء الوطن في مواجهة الشعب ولا يبالي حتى لو تحولت ما باتت تعرف بساحات التغير إلى مستنقعات من الدماء، وقد تحقق تلك الثورة أهدافها المرجوة بالإصلاح والتغير في حال ما وقفت المؤسسة العسكرية مع خيار الشعب في أفضل الأحوال شريطة ان تكون ضامنة للتحول الديمقراطية المنشود، او أن تقف على الحياد على الأقل.. وهكذا فان الثورات الشعبية العربية مثلت تحديا او اختبارا حقيقيا للجيوش العربية سوءا في عقيدتها التي تؤمن بها وهي حماية الوطن، او حتى في موقفها في حماية العشب من النظام وبالتالي وجدت نفسها في بؤرة الأحداث وفي فهوة البركان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى