مقالات

العلاقات الإسرائيلية-الأرتيرية وانعكاساتها على السودان )1) … صديق محمد أحمد مضوي

18-Oct-2005

المركز

الصحافة السودانية – 18/10/2005م
إسرائيل هي العدو الأول للعالمين العربي والإسلامي ، والسودان أعلن عليها الحرب منذ قيامها في مايو 1948م .. ولكن تأثره بتلك الحرب ظل محدودا نسبة لبعده الجغرافي وضعفه النسبي في التأثير على القرار العربي ..

فالسودان ليس إحدى “دول المواجهة” والتي تغيرت صفتها في زمان التطبيع والهرولة إلى “دول الطوق” وخلال عقدي السبعينات والثمانينات لم تكن إسرائيل تأبه للسودان المنهوك اقتصادياً والرازح تحت حروبه الأهلية ومشاكله الداخلية .. ولكن في عقد التسعينات بدأت الأمور تتغير بشكل دراماتيكي .. فقد أوجدت “عاصفة الصحراء” ما يشبه الاحتلال الأمريكي للمنطقة العربية وتوالي مسلسل الاتفاقات مدريد ، أوسلو ، وادي عربة .. الخ . وفي ذات الوقت بدأت تطلعات وآمال الشعوب العربية تتجه إلى السودان والذي تبنى مشروعا حضاريا إسلاميا مثّل التحدي الوحيد تقريبا في زمن الهرولة و”الانبراش” وهذا الوضع هو ما جعل إسرائيل تنتقل إلى جوار السودان لتصبح دولة مواجهة من خلال إرتريا ومن هنا يأتي اهتمامنا بالعلاقات الإسرائيلية-الإرترية ماضيا وحاضرا وانعكاساتها السالبة على السودان!!.لسبر غور هذه العلاقات لابد من العودة إلى العلاقة التي ربطت إسرائيل بأثيوبيا باعتبار أن علاقتها بإرتريا شكلت امتدادا لها ، وعلاقة إسرائيل بأثيوبيا كانت وطيدة .. وهناك عاملان أحدهما تاريخي والآخر نفسي ساعدا على ترسيخها .. العامل التاريخي يتمثل في أن ملوك الأمهرا الأثيوبيين يدعون الانتساب إلى سيدنا سليمان عليه السلام وبلقيس ملكة سبأ .. وكان هيلاسلاسي آخر ملوكهم يعتبر نفسه الحفيد رقم 255 لسليمان وبلقيس!!.. والعامل النفسي يتمثل في أن كلا الدولتين ?إسرائيل وأثيوبيا- تعتبر نفسها وسط محيط عربي إسلامي يكاد يبتلعها!! هذا بالإضافة إلى متانة علاقة الغرب بأثيوبيا التي يعتبرها قلعة المسيحية في أفريقيا .. وكان من الطبيعي أن تولي إسرائيل تلك العلاقة تقديرا خاصا بحكم اعتبارها لنفسها راعية للمصالح الغربية الاستراتيجية في الشرق!! لكل هذه العوامل توطدت العلاقات بين الجانبين ونتج عنها اعتراف أثيوبي لدولة الكيان الصهيوني ومنحها تسهيلات في أرخبيل دهلك وجزر حالب وأبوفاطمة وكل هذه المناطق موجودة في المياه الإقليمية التي آلت إلى إرتريا بعد الانفصال!!.. وقد تطور الوجود الإسرائيلي فيها لاحقاً إلى قواعد عسكرية واستخباراتية!!عند مجيء نظام منقستو هايلي ماريام في أديس أبابا لم تتغير السياسة الغربية تجاه “أثيوبيا وإرتريا” علما أن الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي كانت على أشدها .. وتلك السياسة انطلقت حينها من عاملين أساسيين .. الأول تمثل في محاولة إبعاد النفوذ الشيوعي في منطقة القرن الأفريقي عن منطقة الخليج العربي والجزيرة العربية مستودع بترول العالم ، وقد تمثل ذلك النفوذ في نظامي أثيوبيا واليمن الجنوبي وتطور لاحقا إلى تحالف ثلاثي بعد أن أعلنت ليبيا نفسها “جماهيرية” في 1977م .. والعامل الثاني هو تأمين سلامة الدولة الصهيونية في فلسطين من خلال سلخ إرتريا عن انتمائها الطبيعي للعالم العربي ومن الطبيعي أن تلعب إسرائيل نفسها دورا أكبر في هذا الجانب .. وهذا ما حدث بعد إعلان استقلال إرتريا على يد الجبهة الشعبية لتحرير إرتريا!! .. المهم أن النظرة الغربية عموما والأمريكية خصوصا لأثيوبيا كقاعدة للمسيحية في أفريقيا لم تتغير بمجيء النظام الماركسي ، والدليل على ذلك أن الغرب تعاطف معها في حرب الأوغادين ضد الصومال ، رغم أن نظام محمد سياد بري كان في بداياته غربي التوجه!! كذلك استمر الموقف الغربي الرافض لانفصال إرتريا حتى عقد الثمانينات ، حيث بدأ الموقف الأمريكي يتغير مع انتخاب أسياس أفورقي رئيسا للجبهة الشعبية لتحرير إرتريا ، لأنه بانتخابه قد أزال عنها هوية العروبة .. إضافة إلى أن الجبهة قررت التخلي عن الماركسية وتبني الخط الديمقراطي .. ومما تجدر الإشارة إليه أن هذا الموقف الأمريكي المؤيد لانفصال إرتريا- والذي فرضته في أوائل الثمانينات المصالح وظروف انتخاب “رجل رهن الإشارة” ، كان ينبغي أن يكون هو الموقف الأمريكي الطبيعي ومنذ مطلع الستينات!! ذلك لأن الإدارة البريطانية كانت قد اتجهت في عام 1952م إلى تقسيم إرتريا بين أثيوبيا والسودان بعدما احتدمت المسألة الإرترية في الأمم المتحدة وانتهت بتبني المنظمة الدولية لمشروع قرار أمريكي يقضي بمنح الإقليم حكما ذاتيا تحت التاج الأثيوبي .. وقد استمر هذا الوضع حتى 1961م حيث أعلنت أثيوبيا ضم إرتريا نهائيا ضاربة بعرض الحائط القرار الدولي .. والغرب كله لزم الصمت ولم يحتج على الإجراء الأثيوبي ، بل ظل رافضا لانفصال إرتريا ومعاديا لثورتها التي وجدت الدعم والتأييد من السودان والعالم العربي!!نعود إلى الجبهة الشعبية وقائدها وعلاقاتها بأمريكا وإسرائيل .يرى بعض الباحثين ومنهم السوري أحمد أبوسعدة أن تأسيس الجبهة الشعبية لتحرير إرتريا قد تم بجهود رجال استخبارات أمريكيين وإسرائيليين فقد ورد في كتابه “حرب الجياع” :روى لي “ملاكي تخلي” مسئول الأمن في جبهة التحرير الإرترية الذي قتل في 1982م رواية أيدها فيما بعد ستة من كبار القادة من بينهم عبدالله إدريس محمد رئيس الجبهة ومفادها أن أسياس أفورقي كان يعمل في القاعدة العسكرية الأمريكية التي تعرف ب”كانيو ستيشن” قبل أن يلتحق بالثورة .. وبعد انفصال أسياس عن الجبهة برفقة 13 فردا اتصل به المسئولون الأمنيون في القاعدة الأمريكية عن طريق نائب الحاكم العام في إرتريا ويدعى “تسفايو هنس برهى” وتم إمداده بأموال وأسلحة شرقية حتى لا ينفضح أمره ..وهذه المعلومات أفشى بها رفيقه وأحد أقربائه ويدعى ميخائيل جورج وقد تمت تصفيته في أول يوم دخلت فيه قوات الجبهة الشعبية لمدينة أسمرا !!.. وهذه الرواية التي رواها أبوسعدة والتي أغتيل الشاهدان الرئيسيان عليها في ظروف غامضة دللت الأحداث اللاحقة كلها على صدقيتها فقد قضى أسياس أفورقي على جبهة التحرير والتي توفى زعيمها عثمان صالح سبي في المنفى ، كما وضح ابتعاد أفورقي عن العالم العربي وجفائه له منذ ظهور الجبهة القوي في مسرح الأحداث خلال السنوات الأخيرة من عقد الثمانينات .. وكذلك بأن الغرب لم يدعم أثيوبيا للقضاء على الجبهة الشعبية التي أصبحت تتمدد بسرعة داخل الأراضي الإرترية!! .. وأفاد نفس المصدر أن أسياس أفورقي زار واشنطن عام 1989م وهناك عبر عن إعجابه بإسرائيل وأنه سيحتذي بها في المستقبل .. وأكد له أقطاب اللوبي الصهيوني أنهم يدعمون توجهه وراضون كل الرضا عن تصفيته لجبهة التحرير الإرترية ذات الخط الوطني والقومي العربي .. وحينها كتب بول هينز ? وهو أحد الخبراء العسكريين الأمريكيين من الجالية اليهودية ? كتب يقول : إن أسياس أفورقي وافق على القبول العلني عند استقلال إرتريا على بناء قواعد عسكرية وأمريكية في إرتريا وهي قواعد تخدم مصالح أمريكا وإسرائيل المشتركة ، وفي عام 1990م زار فريق من أعضاء الكونغرس المناطق التي تسيطر عليها الجبهة الشعبية لتحرير إرتريا وعند عودة الوفد إلى واشنطن أعلن هيرمان كوهين مساعد وزير الخارجية للشئون الأفريقية أن الإرتريين لهم الحق في تقرير المصير .. وأكد أن ضم هيلاسيلاسي لإقليم مستقل عمل غير شرعي .. أي أن أمريكا لم تتخذ الموقف الذي كان مطلوبا منذ ثلاثين عاماً إلا بعد أن ضمنت أن النظام الذي سيدير إرتريا بعد استقلالها يدور في فلكها ويخدم مصالحها!!.. وفي عام 1991م بعد التحرير مباشرة زار الأسطول الأمريكي الموانئ الإرترية ، وبدأ تفاوض شركات البترول الكبرى على عقود التنقيب .. وتم تركيب رادار ضخم وعلى ارتفاع عال يسمح بمراقبة ورصد كل المنطقة بما فيها إيران .. وهو أهم بكثير من رادار كانيو ستيشن في أسمرا الذي استخدم للرصد والتنصت على العرب خلال حربي 1967م و 1973م . واستمرت الولايات المتحدة في استخدامه حتى عام 1977م حيث تم إغلاق القاعدة بعد تبني أثيوبيا للماركسية في عهد منقستو هايلي مريام .نواصل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى