مقالات

ارتريا بين الاحلام الزائفة والآمال الضائعة ( الحلقة الثانية ) … عمر جابر عمر- ملبورن – أستراليا

19-Oct-2005

استراليا

كان المردود الطبيعي لتضحيات الشعب الارتري وصموده ان يتحقق امله في مرحلة مابعد الاستقلال. لم يكن الارتريون يحلمون بمعجزات تتحقق ولاكانوا يأملون ان تكون بلادهم بين يوم وليلة في مصاف الدول المتطورة والغنية.

كانت آمالهم متواضعة ومشروعة وتتناسب مع قدراتهم ومواردهم والتحديات التي يواجهونها.. اولا كان الامل ان يجدوا في ارتريا المستقلة الامن والامان –السلم والاستقرار. ان يضمن كل مواطن انه آمن في بيته واسرته وعمله وحركته . ثانيا: ان يعود اللاجئون الذين طالت غربتهم وييدأون حياة جديدة بين أهلهم وفي وطنهم . ثالثا: محاربة الفقر وتحقيق الحد الادنى الذي يحفظ كرامة ووجود الانسان, على حسب تعريف الأ مم المتحدة فان الفقير هو من يقل دخله عن دولار امريكي واحد في اليوم ولاتتوفر لديه مياه صالحة للشرب, والفقر ليس حالة يفتقد فيها الانسان حاجاته المادية والضرورية فحسب بل يمثل حالة عقلية ونفسية تجعل من الفرد محل عطف من المجتمع ومعزولا عن المساهمة في الايقاع اليومي لحركة المجتمع. في ارتريا المستقلة فان وكالات الأغاثة الدولية وجهت نداء لاغاثة 1.2 مليون شخص وهنالك اكثر من 200000 مشرد وعائد ونازح بسبب الحرب الاخيرة مع اثيوبيا . رابعا : كان الامل ان يجد المواطن دولة ترعى شئونه الصحية وتوفر له مياه الشرب. تقرير اليونسيف الصادر في 27/5/2005 يقول ان 3% فقط من سكان القرى يمكنهم الحصول على خدمات صحية كافية . وفي دراسة اخرى فان نسبة السكان الذين يحصلون على المياه النقية هي الثلث فقط! نسبة الاصابة بمرض الايدز بلغت .27% حسب تقديرات عام 2003 : خامسا: كان المواطن الارتري يتطلع ويأمل ان يجد أبناؤه التعليم الضروري والمناسب فماذا وجد؟ متوسط الطلاب الذين تم استيعابهم سنويا (بنين وبنات) في المرحلة الابتدائية في سن 7-11 لايجدون فرصة للتعليم. في المرحلة المتوسطة فان النسبة المستوعبة بلغت 28% وفي المرحلة الثانوية بلغت 15%الطلاب الذين تم قبولهم في جامعة أسمرا سنويا يتراوح عددهم بين 200 و500 . سادسا: غياب الحقوق الاساسية للانسان من حيث كونه بشرا ناهيك عن حقوق المواطنة . حرية الرأي والعقيدة – حق الدفاع عن نفسه وتوفر شروط الاعتقال القانونية والمحاكمة الشرعية. كل ذلك ضاع وتبخر و اصبح المواطن هدفا لممارسات أمنية لايسندها قانون ولايؤيدها ضمير انساني .سابعا: العدالة والمساواة : فرضت الفئة الباغية لتحقيق حلمها الزائف هيمنة ثقا فية عزلت بموجها كل من لاينتمي الي تلك الثقافة وان مئات الخريجين من البلاد العربية لم يجدوا فرصة للعمل في دولتهم المستقلة بسبب جهلهم باللغة التقرنية. ليس العمل في جهاز الخدمة المدنية فحسب بل وفي كل مواقع التمثيل والقرار. قي الوظائف الحكومية فان نسبة ابناء المرتفعات بلغت 95% من درجة مدير قسم فما فوق. وكلما نزلنا درجات السلم تزداد النسية حتى تصل ال 97% نظرة سريعة الي دليل الهاتف توضح الاسماء وهي خير دليل على الهيمنة. السلطة محتكرة لحزب واحد شكليا ولكنها عمليا في قبضة اتجاه وتوجه ثقافي واقليمي يمثله المسيحيون من ابناء المرتفعات الارترية. اما الاسماء الاسلامية في الحزب والدولة فهي مجرد ديكورات تذكرنا باسماء وواجهات الجمهوريات السوفيتيه السابقة والتي كان يتم توظيفها في قيادة الكرملين وقيادة الحزب الشيوعي السوفيتي. الثروة- حدث ولا حرج : ماظهر منها ومابطن- ماتم استثماره وما تقرر احتكاره- كله في يد شركة البحرالاحمر والجنرالات وحاشية السلطان وحتى الاغاثة العالمية – يستولي عليها الحزب الحاكم ويوزعها كيفما يشاء بل ويبيع جزءا منها . وحتى المساعدات التي تقدمها بعض المؤسسات مثل مؤسسسة (الفرد هولوز) الاسترالية والتي أنشات مستشفى خاص لصناعة العدسات اللاصقة في اسمرا- اكتشفت بان الحزب الحاكم يتاجر في تلك العدسات خارج ارتريا! ماذا بقى من آمال هذا الشعب لم يقتلها النظام الحاكم في ارتريا؟ السلامة والامن والاستمرار في الحياة رغم كل ماسبق ذكره؟ وحتى هذه لم يجدها المواطن الارتري بسبب الحروب العبثية التي فجرها النظام وراح ضحيتها عشرات الآلاف من ابناء وبنات الشعب الارتري، واصبحت الخدمة الوطنية سيفا مسلطا لاشغال وتشغيل كل الطاقات بعيدا عن التنمية- بعيدا عن بناء حياة طبيعية والاهم بعيدا عن الاسهام في العملية السياسية. اذا كانت التجربة قد اثبتت بان حلم الفئة الباغية كان زائفا- فهي قد اكدت في الوقت ذاته بان آمال الشعب الارتري وتطلعاته المشروعة في حياة حرة وكريمة لنتنتهي ولايمكن اجهاضها.الامبراطورية الاثيوبية حاولت ذلك –طمس الهوية الارترية وفشلت- فكيف تنجح فئة صغيرة ومعزوله في تشكيل تلك الهوية واعطائها محتوى مغاير لما ناضل من اجله الشعب الارتري وضحى في سبيله بكل ما لديه؟ تلك الهوية موجودة في الذاكرة الجمعية للشعب الارتري – في وجدانه – في انفاسه – في حركته وفي معتقداته وموروثاته. انها مرحلة ابتلاء واختبار لصمود هذا الشعب وقدراته على الصبر وتحمل المحن انها مرحلة فرز بين الذين يعيشون ليومهم ويعبدون كرسى الحكم وبين الشعب الذي ينظر الي المستقبل ويؤمن بان ساعة الخلاص آتية لاريب فيها. لو كان اصحاب الاحلام الزائلة ينجحون لنجح هيلاسلاس وميلوسوفتش ونظام بريتوريا العنصري السابق –الخ ولكن التاريخ يعلمنا بان اصحاب الآمال العريضة والتي تنسجم مع حركة التاريخ هم الذين يفوزون في نهاية المطاف لانه لايصح الا الصحيح . وكما قال الشاعر الارتري : لو تقرأو التاريخ ينبئكم لو دامت لهم لما كانت معكم لكنكم صم.. عمى .. بكم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى