مقالات

القديس ” تاتا ماديبا” بقلم / حسن إدريس

8-Jan-2014

عدوليس

رحل عن عالمنا الزعيم الجنوب أفريقي الملهم ” نيسلون مانديلا” الذي وافته المنية وقد بلغ من العمر الخامسة والتسعين . عاش حياته واهباً إيها للنضال من أجل التحرر والمساواة – الذي استحق ان يغدو فيها بجدارة الزعيم العالمي – ، وعانى فيها ماعاني من حياة ذل وقسوة تحت بطش نظام التمييزالعنصري . لكن صموده أينع وأثمر، ليتحقق بذلك حلم حياته في إسقاط ذلك ” نظام الأبارتايد ” البغيض ، وكانت له المقدرة العالية على بعث الحياة في الكلمات التي كان يستخدمها لتصبح من أكثر أسلحته قوة ونفاذ أثناء كفاحه .وقد كان الحضور كبيرا جداً لفيف من رؤساء وقادة العالم لمراسم تأبينه .

حيث قال الرئيس الأمريكي باراك أوباما “إن مانديلا اكتسب مكانته في العالم عبر النضال والإيمان. وضحى بحريته من أجل الآخرين، و كذلك أمر بتنكيس الأعلام في البيت الأبيض ، والدوائر الحكومية حداداً علي الشخص الملهم له ، ومشيرا أنه لا يمكن أن يتصور حياته الشخصية دون النموذج الذي قدمه مانديلا . واضاف أوباما “اليوم، الولايات المتحدة فقدت صديقا قريبا، وجنوب أفريقيا فقدت محررا عظيما، والعالم فقد ملهما للحرية والعدالة والكرامة الانسانية”.وقال عنه الرئيس الأمريكي الأسبق /بيل كلينتون إن العالم قد فقد بوفاة مانديلا أحد أبرز قادته ، وواحد من النماذج البشرية الممتازة.وقال رئيس وزراء بريطانيا/ ديفيد كاميرون إن لقائه بمانديلا كان بمثابة شرف عظيم.ووصفه الأمين العام للامم المتحدة/بان كي مون بأنه أسطورة للعدالة والكفاح من أجل الكرامة الإنسانية، والمساواة والعدل.”ولن أنسى أبدا احساسه بالايثار، وشعوره العميق بالأهدف الأنسانية النبيلة المشترك”.وقالت ملكة بريطانيا /أليزابيث الثانية “إنها تشعر بعميق الحزن لرحيل مانديلا، وإن دفئا شديد يغمرها حين تتذكر لقاءهما “.وقال بابا الفاتيكان “إن مانديلا بنى جنوب أفريقيا جديدة مؤسسة على المبادئ الراسخة للتسامح الأنساني والمصالحة والحقيقة”.وكذلك شهادته رفيقه الأسقف الجنوب أفريقي/ ديزموند توتو “لقد علمنا دروسا استثنائية عن التسامح والرحمة والمصالحة”.، وحينما كان العالم ينعي البطل الأسطوري ، أتت جموع غفيرة من مواطنيه تتدافع أمام منزله في مدينة جوهانسبيرغ ، وهم يغنون ويرقصون ، في انطلاقة عفوية وفي تجمع فريد من نوعه مُحتَفين ، ومرددين أغاني مناهضة للعنصرية ، وفي مزاج احتفالي بهيج بحياته المذهلة التي وهبها لهم ، هاتفين “يعيش مانديلا”وهذه محطات من حياة الخالد الذكر:-* ولد روليهلاهلا مانديلا، نجل الزعيم “ثيمبو” في منطقة “مفيزو” في مقاطعة “كيب الشرقية” في 18 يوليو/ العام 1918م. كان أول طفل في العائلة يتلقى تعليما نظامياً. وتم أطلاق إسم “نيلسون”. عليه في المدرسة وذلك لصعوبة نطق إسمه.* ليذهب إلى جوهانسبيرغ في العام 1941م،فاراً وذلك لتفادي زيجة أسرية كانت مرتبة. ، ليتقى هنالك السيد/ وولتر سيسولو الذي ساعده في الحصول على وظيفة بمكتب ويتكن وايدمان للمحاماة. ولينضم إثرها إلى حزب المؤتمر الوطني الإفريقي مبتدأً مسيرته النضالية.* ليؤسس أول شركة للمحاماة يديرونها ذو البشرةالسوداء مع أوليفر تامبو في العام 1952م * ليُقوم كذلك بتنظيم النشاط السري للحزب ، وذلك لما كان يتمتع به من مقدرة قيادية فائقه ، ولقب باسم “بمبرنيل الاسود” تيمنا برواية “بمبرنيل القرمزي”، ويعزي ذلك لما كان له من وسائل التخفي والاختباء وتفادي رجال الشرطة ، ولممارسة نشاطه السري تنكرمرة كسائق ، وأخرى كطاهٍ ، وثالثة كبستاني ، ليتنقل على طول البلاد دون ان تلحظه أعين السلطات.. وبعد ان حظرت الحكومة نشاطات الحزب ، حتم عليهم تشكيل الجناح العسكري للمؤتمر الوطني بقيادة مانديلا واعتقل هو 155 آخرين.من رفاقه بتهمة الخيانة العظمي في العام 1956م .* و في فترة لاحقة أسقطت عنهم التهمة. ليتزوج من ويني مانديلا.. ليعتقل ثانية في العام 1962م مع شخصيات أخرى من الحزب وحينها خضع للمحاكمة وقد تم اتهامه بالتخريب وممارسة العنف. وحكم عليه وسبعة اخرين بالسجن مدى الحياة في جزيرة “روبن”. * وحينما بدأ المجتمع الدولي بفرض العقوبات ، وممارسة الضغط الشديد ضد نظام (الابارتايد). والتضامن العالمي الكبير الذي حظي به مانديلا . ليؤدي ذلك بالرئيس الجنوب أفريقي آنذاك /فريدريك دي كليرك برفع الحظر عن نشاطات حزب المؤتمر الوطني. وأطلاق سراح مانديلا بعد 27 عاما قضاها في السجن.وعندها توافد أنصار الحزب وأحتشدوا لتحية ولإستقبال رمزهم الأسطوري رفقة زوجته ويني مانديلا ، ويقول عن حياته الزوجية التي لم يوفق فيها “يبدو أن قَدَرَ المحاربين من أجل الحرية ألا ينعموا بإستقرار في حياتهم الشخصية…أن تكون بمثابة الأب لدولة هوشرف كبير، لكن أن تكون الأب في أسرة فهذا مدعاة سعادة غامرة.”وذلك إثر طلاقهماالذي تم بُعيْد خروجه من السجن. (طريق طويل إلى الحرية، 1994) ليفوزبجائزة نوبل للسلام العام 1993م بالاشتراك مع رئيس جنوب أفريقيا حينذاك/ فريدريك ويليم دي كليرك)* ولتأتي مرحلة ثانية من سيرته العطرة ، في تاريخ جنوب إفريقيا، وللمرة الأولى أن يُصوت الموطنين وبمختلف أجناسهم في انتخابات حرة وديمقراطية. وليفوزفيها حزب المؤتمر الوطني ويصبح مانديلا أول رئيساً من أصل أفريقي. ووقال في كلمة خلال حفل تنصيبه “أبدا، أبدا، أبدا لن تشهد هذه الأرض الجميلة قمع شخص لآخر…فلتسود الحرية، وليبارك الرب أفريقيا.” “وجائزتنا المشتركة يجب أن يكون معيارها السلام المبهج الذي سينتصر، لأن الإنسانية المشتركة التي جمعت البيض والسود في عرق واحد أخبرتنا بأن علينا أن نعيش سوية…”* وكانت من جملة الصعوبات التي واجهته بعد إنتخابه رئيساً،هي السكن العشوائي في الأحياء الفقيرة التي أخذت تنتشر في المدن الكبرى ، والفقر ومرض نقص المناعة- الأيدز- وكذلك العمل المضني من أجل تتطبيق مبادئه التي ناضل لها وفي مجتمع عاني كثيراً من القهر والتمييز واصبحت والسلطة في يده ، وهي نشر ثقافة التعايش السلمي في ما بين مكونات المجتمع الذي يحلم به ويقول في هذا الصدد ” حاربت ضد سيطرة البيض، وحاربت ضد سيطرة السود، لقد كنت أسعى من أجل مجتمع حر ديمقراطي يعيش فيه الجميع بسلام وتكون الفرص فيه متساوية. هذا هو المثال الذي أتمنى أن أعيش من أجله وأن أحققه.” “حوارات مع نفسي” 2010)”وإذا اقتضت الحاجة، فأنا مستعد للموت في سبيله ” ولإحياء الذكرى الخامسة لإطلاق سراحه، زار سجن جزيرة روبن الذي أمضى فيه 18 عاما. بصحبة آخرين من زملائه النزلاء بالسجن السئ الصيت الذي كان يفرض عليهم القيام بالاعمال الشاقة في مقالع الحجارة.والتي ادت الى به الى مرض ذات الرئة ، وعن ذكراه للسجن يقول”الشخص الذي يسلب حرية شخص آخر هو أسير الكراهية، يقف وراء قضبان التحيز وضيق الأفق…المضطَهد والمضطِهد كلاهما سُلبا إنسانيتهما.” “طريق طويل إلى الحرية، 1994”)* وليتنحى من رئاسة الحزب في عام 1997م لثابو أمبيكي. ليعلن انسحابه من العمل العام وفي العام 2004م. وقائلا للإعلاميين ومازحا “لا تتصلوا بي، سأتصل أنا بكم”.وليصبح وقتها من أرفع سفراء بلاده حيث عمل جهده لتفوز جنوب أفريقيا بتنظيم أول كأس العالم في القارة السمراء 2010م وخاض حملة لمكافحة مرض نقص المناعة المكتسب (الايدز) ومن اقواله :- وفي رسالة له من سجن قرأتها ابنته زينزي أمام حشد لانصاره في سويتو العام 1985م يقول “باسم القانون وجدتني أعامل كمجرم…ليس بسبب ما قمت به، ولكن بسبب ما دافعت عنه وبسبب ضميري. لن يقبل أحد بكامل وعيه مثل هذه الحياة، لكن يأتي وقت يُحرم فيه المرء من أن يحي حياة طبيعية، حين يعيش حياة شخص خارجا عن القانون لأن الحكومة قررت استخدام القانون بهذه الصورة.””السؤال الذي يطرح على أكثر من صعيد: هل كان صحيحا من الناحية السياسية أن نستمر في ترويج السلام وعدم العنف أثناء تعاملنا مع حكومة جلبت ممارساتها الوحشية المعاناة والبؤس للأفارقة؟ لا أستطيع ولن أقدم أي تعهد في وقت لا أنعم فيه أنا أو أنت أو الشعب بالحرية. حريتي وحريتك لا يمكن الفصل بينهما. وسأعود.””وجدت الحبس الانفرادي أكثر شيء بغيضا في السجن، فلا بداية له ولا نهاية. ولا يبقى سوى عقل الشخص، الذي قد يبدأ في خداعه. هل كان هذا حلما أم هو واقع؟ يبدأ الفرد يشك في كل شيء. هل اتخذت القرار الصائب؟ وهل كانت تضحيتي تستحق ذلك؟ في الحبس الانفرادي لا يوجد ما يصرف عن هذه التساؤلات المؤرقة.””لكن الجسم البشري لديه قدرة كبيرة على التكيف مع ظروف المحاكمة. ووجدت أن الشخص يستطيع تحمل ما لا يطاق إذا حافظ على معنوياته. المعتقدات القوية هي سر التغلب على الحرمان. وروحك المعنوية تجعلك تشعر بالشبع حتى لو كانت المعدة خاوية”وعن نفسه يقول”قضية واحدة كانت تقلقني بشدة في السجن وهي الصورة الخاطئة التي نظر بها العالم الخارجي إليّ وهي “صورة قديس”. لم أكن كذلك يوما، حتى استنادا إلى التعريف الدنيوي للقديس بأنه شخص مذنب يحاول أن يتوب.” ولكن عزيزي أوليس هذه هي أخلاق القديسين وان تسامح بهذا القدر لا يأتي به الا الانبياء ، ولن يصل اليه محض بشر مثلنا لأنه فوق طاقتنا ” لاترثيب اليوم عليكم “و”أذهبوا فأنتم الطلقاء ” وهذا ورب البيت لهو خلق وسجية انبياء الله محمد ويوسف فقط (عليهم الصلاة والسلام)ولكن حين نلقي نظرة على حال الشعب الارتري ، والزخم الذي تمتع به *قديسنا* في مطلع تسعينيات القرن الماضي ، وما إتبعه من ممارسات تقشعر لها الابدان ،ويعجز القلم عن وصفها ،من إنزلاق في حضيض الوحش الانساني ، وقسوة منقطعة النظير. وبما تحمله من نعرة نرجسية لاترى في الوجود إلا نفسها ، وكان نتاج ذلك إقحام هذا الشعب – الذي عاني مافيه الكفاية من ويلات ولا يزال – في حرب عبثية مع كل دول الجوار، ليطيل بها عمره في سدة الحكم ، ومن سياسة إقصاء لكل من سولت له نفسه بأن يخالفه الرأى ، ويقول له “حسبك” ، ومن سجون ممتدة علي طول البلاد وعرضها والتنكيل ، والسخرة التي فُرضت على الشباب تحت أسم الخدمة الوطنية التي لا أمد لها ، وتضييق المعيشة لمن لم يجد وسيلة للهرب وترك الوطن . فهل لنا ان نضع الميزان في ما بين جنوب وشرق أفريقيا أو بالأحري ما بين رأس الرجاء الصالح ورأس داميرا مَن منا يستطيع أن يضع كفتيّه ويقِيمه ؟؟؟؟؟ وإن حاولنا أن نقارن بينهما حتى وإن كان من باب التهكم والسخرية لغدا حالنا ” أحفش وسوء كيل ”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى