مقالات

القرن الافريقى : الى اين ؟؟ .. الحلقة ( 4 ) : عمر جابر عمر .. ملبورن .. استراليا

30-May-2006

المركز

الصومال
ربما كان الصومال البلد الافريقى الوحيد الذى يتمتع بتجانس ثقافى (لغة واحدة ) وعقيدة واحدة (الاسلام) وحتى الخلفية الاثنية مشتركة .ورغم ذلك كله وقع فى شراك العلاقات الاجتماعية الضيقة (القبلية) وكانت سياسة الاستعلاء والتهميش هى التى اعطت تلك التركيبة الاجتماعية بعدا أخطر مما تمثله وحجما اكبر مما تستحقه .

وفى محاولة لرفض ذلك الاستعلاء وتحقيق ( الاستقلالية ) افترق ابناء الوطن الواحد ودخلت البلاد فى شتات وتمزق واحتراب اصبح موضع تعجب ورثاء من المراقبين ولكن ومهما كان دور القيادات الحزبية او امراء الحرب او زعماء العشائر فان هناك لاعبا اساسيا وراء كل ذلك : الاستعمار الاجنبى .عندما حصل الصومال على استقلاله عام 1960 كان هناك شمال وجنوب والادارة فى كل اقليم مختلفة :بريطانيا ايطاليا.كان الجزء المستعمر من قبل ايطاليا اكثر تطورا ثقافيا (انتشار التعليم) واقتصاديا مع وجود ثروة حيوانية كبيرة . وكانت هناك عملتان ومنهجان فى ادارة البلاد.على الجانب الاخر كانت بريطانيا تدير المنطقة باعتبارها (محمية ) وكان وجودها عابرا وغير قائم على الاستمرارية.وفى الاستفتاء الذى جرى حول الاستقلال رفض الشمال النتائج وقبل الجنوب لانه كان اكثر استعدادا لتولى شئون الدولة الجديدة .ويقول بعض المراقبين : ربما كان من الافضل والاكثر واقعية تكوين دولتين (شمال وجنوب) بدلا عن دولة واحدة – خاصة وان الخلافات الداخلية والفوارق الاجتماعية والاقتصادية لم تتم معالجتها .ثم انه كانت توجد قضايا اخرى تتعلق بالوطن (الام ) لم يتم الاتفاق عليها عشية الاستقلال(اوجادين والحدود الكينية )وقد بدأ الصومال تجربته الديموقراطية ولكنها كانت تجربه بدائية مغلفة بعباءة القبلية والتى اصبحت تمارس بصورة علنية.كانت القيادات السياسية تعبيرا عن مكانة ونفوذ العشائر اكثر منها قيادات حزبية تجمع كل الوان الطيف الاجتماعى .وبعد تعثر وصراعات داخلية – حدث انقلاب الجيش عام 1969 (سياد برى ) وكان اول شعار له : الغاء القبلية ! وسرعان ما اصبح النظام الجديد طرفا فى الحرب الباردة وانحاز الى جانب الاتحاد السوفيتى .برزت صورة (الرفيق سياد برى ) فى الساحات العامة فى المدن الصومالية والى جانبه لينين وماركس !! ثم اصدر الزعيم الماركسى الجديد كتابه الازرق والابيض يفلسف فيه لامكانية الجمع بين الاسلام والماركسية (ومافيش حد احسن من حد ) .فى عام 1976 تم انشاء الحزب الاشتراكى الثورى الصومالى (دولة الحزب الواحد ).نفس التركيبة القبلية لبست عباءة الماركسية وفى عام 1977-78 هزم النظام فى حربه ضد اثيوبيا – وتبع ذلك لجوء وانهيار اقتصادى وتوتر سياسى ( اعتقالات – اعدامات ) وبالتدريج برزت مرحلة دكتاتورية الفرد (سياد برى ). ثم بدأ النظام يكشف عن وجهه القبيح – اقصاء وتهميش القبائل الاخرى والتحالف مع الاقوياء لضمان استقرار الحكم .عشرة من اعضاء مجلس الثورة كانو من قبيلة (داروت) من اصل عشرين عضوا.قبائل مثل (دجل ورحنا واين ) ثم تهميشها وشيئا فشيئا وصل ذلك الاقصاء الى قبائل اخرى فحدثت محاولة انقلابية عام 1978 بقيادة قبيلة (ماجرتين ) وفشل الانقلاب وتم اعدام سبعة عشر قائد وهروب البقية. ودخل النظام فى مرحلة التخبط والهروب الى الامام – قام بتعديل الدستور حيث جعل مدة الرئاسة سبعة اعوام – ثم بدأ بمغازلة امريكا حيث قام النظام بتأجير ميناء(بربرة) للبحرية الامريكية ووعدت امريكا بتقديم المساعدات ولكن بشروط : التخلىعن المطالبة بحقوق فى اثيوبيا وكينيا واطلاق الحريات. ولكن النظام فى محاولة للهروب للامام وقع فى فضيحة الاتصال بالنظام العنصرى فى جنوب افريقيا حيث قام (بوتا ) رئيس وزراء النظام العنصرى بزيارة سرية الى (مقاديشوا) لعقد صفقة تسمح للطيران الافريقى باستخدام ارض الصومال .وبدأ نظام (سياد برى ) باعلان الحرب على معارضيه – قبيلة (اسحاق ) فى الشمال ثم قصف المدن ( هرجيسا – بوراو- بربرة ) ما ادى الى تشريد اكثر من نصف مليون عام 1981 .كذلك طالت الحملة (الماجرتين ) ثم جاء الدور على قبيلة (الهوية ) وهى فى حجم (الاسحاق ) وتأتى فى الدرجة الثانية بعد (الداروت ) قبيلة (سياد برى ).· عام 1990- اثناء مباراة فى كرة القدم تظاهر الجمهور ضد النظام وفتح الحرس الخاص للرئيس النار وقتل المئات .· عام 1991 انفصل الشمال (صومالى لاند) وبدأت الحرب الاهلية , بدأ بعد ذلك التدخل الخارجى – الامم المتحدة – امريكا – شركات البترول : CONOCO _ AMCO_ CHEVRON_PHILIPS · سقوط نظام سياد برى عام 1992 – وانسحاب امريكا وقوات الامم المتحدة بعد مقتل عشرات الجنود الامريكين والباكستانيين ومن يومها دخل الصومال طريق التيه والفوضى والحرب الاهلية .ثم بدأت الانشطارات الاميبية والتمحور القبلى الاقليمى :عام 1998 دولة (بونت لاند) فى الشمال ثم (جوبا لاند) ثم دولة (جنوب غرب الصومال ! فشلت الدولة المركزية وتلاشت او تراجعت فكرة الوطن الواحد والنتيجة :1/ كيان فى الشمال (لا يعترف به احد ) ولكنه اكثر المناطق استقرار وامنا 2/ سيطرة الحركة الاسلامية (المحاكم الشرعية فى العاصمة مقاديشو- وهى اكثر توترا ولا يعرف مصيرها والتدخل الدولى والاقليمى فيها لا يتوقف .3/ منطقة (بيداوا) حيث الحكومة المؤقتة والبرلمان – وهى توليفة ثم الاتفاق عليها فى كينيا بدعم عربى ومباركة غربية .عاد الصومال الى المربع الاول (قبل الاستقلال ) مع الفارق : ان ما حدث خلال العقود الثلاث الماضية ترك شروخا اجتماعية وحواجز نفسية يصعب تجاوزها دون اجراء عملية جراحية فى جسد تقطعت اوصاله وتباعدت افكاره وغابت الرؤية الموحدة لاطرافه .هناك من لا يريد للصومال ان يتعافى ويتجاوز محنته , وهناك من يعمل على ان تظل الاوضاع كما هى حتى يتسنى له دعم هذا الطرف او ذاك .وهناك لاعبون كبار – واخرون صغار (وكلاء للكبار ) والجميع لا يريدون صومالا موحدا مستقرا.المشكلة فى الصومال بدأت حين فشلت الهوية الجامعة للوطن فى ان تكون بديلا لما كان سائدا .فكلما كان (المركز) جاذبا وموحدا كلما ازداد الانتماء الجامع وكلما كان (طاردا) تراجع الانتماء وتمحور حول عوامل المنشأ (الاسرة – العشيرة الخ .. ) ومهما اتسعت دائرة الانتماء او ضاقت فان استمرار (الهوية ) فى كل المراحل والدرجات وثباتها يتوقف على مسألة اساسية : الحرية – العدالة – المساواة .انتهاء تلك الهوية الجامعة (الوطن ) اعطى الانتماء الاخر فى مختلف درجاته واشكاله بعدا جديد ومساحة قد تبدو صغيرة (جغرافيا ) ولكنها تتسع بقدر ما تحمل كل مجموعة من طموحات وتبحث لها عن مكان تحت الشمس .البداية يجب ان تكون من اهل الصومال انفسهم (لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم) اما المؤمرات الخارجية والتدخل الاقليمى والدولى فذلك لن يتوقف ولكنه يكون اكثر تأثيرا اذا ضعف اهل الشأن وغابت عنهم الحكمة وفقدوا القدرة على رؤية الصورة الكبرى .بلاد الغرب – خاصة امريكا – وضعت البلدان المعادية بعضها تحت مسمى (محور الشر ) – كوريا الشمالية وايران ) والبعض الاخر صنفتها كدول (متمردة ) – فنزويلا – بوليفيا الخ ولم تجد وصف للصومال فقا لت عنه :الدولة الفاشلة (failed ) بمعنى انه لا توجد دولة حتى يمكن وصفها ! ومن المؤكد ان الكيانات التى برزت فى مختلف بقاع الصومال لا تشكل بديلا ولا تتمتع بمواصفات وشروط بناء الدولة .خمسة عشرة عاما مضت على غيا ب الدولة فى الصومال – فالى متى ينتظر الصوماليون وماذا تبقى حتى يحرقونه او يقطعونه ؟الى متى هذا الادمان فى تعذيب الذات وتغييب العقل ؟لقد نشأ فى الصومال خلال العقد الماضى جيل كامل لا يعرف غير القتال والدفاع عن القبيلة , اصبحت فكرة (الوطن ) عنده مسألة غيبية وصورة الدولة الواحدة اداة للقمع والاقصاء والتهميشالصوماليون بحاجة الى البحث عن الذات وتحديد الاولويات والاتفاق على نقاط اللقاء واخضاع القضايا الخلافية لمزيد من الحوار والفهم المشترك . كل ذلك يجب ان يرتكز الى الاعتراف بالاخر والتسليم بحقوق الجميع فى العدالة والمساواة وخلق بيئة صحية يتنفس فيه الجميع نسائم الحرية ويعيشون حياة امنة ومستقرة . الحلقة القادمة: ارتريا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى